إسلام ويب

رسالة إلى الموظف المسلمللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون، وجعله مراتب وطبقات ليتخذ بعضهم بعضاً سِخرياً، يخدم بعضهم بعضاً، وينفع بعضهم بعضاً، لكن جعل الله الأمانة والمراقبة في كتابه وعلى لسان نبيه عليه الصلاة والسلام، وذلك باسترعاء الناس، وإعطاء كل ذي حق حقه، دون ميل أو مجاملة، وجعل الله العدل أساس كل شيء في جميع المعاملات.
    الحمد لله، الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً.

    أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم عليه كلما تضوَّع مسكٌ وفاح، وكلما غرَّد حمام وصاح، وكلما شدا بلبلٌ وناح، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.

    إذا قيل أنتم قد علمتم فما الذي      عملتم وكلٌّ في الكتاب مرتبُ؟

    وماذا كسبتم في شبابٍ وصحةٍِ      وفي عُمُر أنفاسُكم فيه تُكتبُ؟

    فيا ليت شعري ما أقول وما الذي      أجيب به إذْ ذاك والأمر أصعبُ؟

    خطبتي هذا اليوم: إلى الموظف المسلم.

    أيها الموظف المسلم: إن الله استرعاك على رعية، واستأمنك على أمانة، وحمَّلك مسئولية، يقول جل ذكره: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] وكل ما كلفنا الله به من عمل فهو أمانة، الموظف مؤتمن، والمدرس مؤتمن، والتاجر مؤتمن، والعالم مؤتمن، والقاضي مؤتمن: (كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته).

    أيها الموظف المسلم! إنك تختلف عن الموظف الكافر تماماً، إن الموظف الكافر يعمل من أجل الدنيا، ويراقب الناس، ويخاف الناس، لا يراقب إلا هذه الحياة الدنيا، أما أنت يا مؤمن! فإن رقيبك الله، وحارسك الله، يقول تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7] ويقول سبحانه: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93] قال بعض المفسرين: عن لا إله إلا الله، وقال غيرهم: عن الإيمان، وقال ثالث: عن كل ما استرعاك الله عليه. وهو الصحيح.

    يا أيها الموظف! فوالذي نفسي بيده ليسألنك الله الأحد في يوم تشيب فيه النواصي عن وظيفتك وعن عملك، يقول سبحانه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8] إذا كانت الذرة الحقيرة تُسأل عنها عند الله! فما بالك بقوم ضيعوا الله في أعمالهم، ونسوا الله في وظائفهم، خرجوا من الدوائر في غير طاعة، ولم يصيبوا في أعمالهم، وحبسوا المؤمنين والمسلمين بأموالهم، يقول سبحانه: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:30] قال أهل العلم: تجد النفس ما قدمت من خير وما قدمت من سوء.

    فماذا تقول لربك أيها الموظف المسلم إذا نَشَر لك الصحُف؟! وعَرض عليك الصحائف، ورأيت معاملتك السوداء، وخروجك من دوامك، وتأخيرك للمسلمين، وتنغيصك لحياتهم.

    ماذا تقول لله تبارك وتعالى؟! ولذلك جعل الله عزَّ وجلَّ من نفسه رقيباً على العبد، يقول سبحانه وتعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].

    إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل      خلوت ولكن قل علي رقيبُ

    ولا تحسبن الله يغفل ساعة      ولا أن ما يخفى عليك يغيبُ

    إذا أخفيت عن المسئول، أو عن الأمير، أو عن الوزير، فما أخفيت عن عين الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089181456

    عدد مرات الحفظ

    782506885