إسلام ويب

واهتز العرشللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذه المحاضرة تقرأ قصة بطل من الأبطال، إنه سعد بن معاذ: إسلامه ، مواقفه البطولية ، موقفه من يهود بني قريظة ، وحكمه فيهم ، ووفاته ، وما حصل له من كرامات يوم وفاته من تشييع سبعين ألفاً من الملائكة لجنازته ، واهتزاز العرش لموته.

    وأشار الشيخ إلى دروس عظيمة وجليلة من سيرة هذا البطل الذي خلد التاريخ اسمه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته:

    عنوان هذه المحاضرة: واهتز العرش.

    نعيش اليوم مع صحابيٍ جليل ومجاهد نبيل، اخترناه لسبب عجيب ولنبأ غريب، اخترنا سيرته؛ لأنه عدو لليهود، ولأنا نعيش اليوم عداوة اليهود وبغيهم ومكرهم، فرشحنا هذا البطل الشهيد ليكون قصتنا، ولأننا مع جهادٍ دائم مع أعداء الله، فكان من الحكمة أن نتحدث عن مجاهد صادق، ومقاتل مقدام، صارت شجاعته حديث الركبان، وأصبحت بطولته مضرب المثل، فحيا الله أبا عمرو سعد بن معاذ الأوسي الأنصاري، ويكفيه شرفاً وفخراً، وحسبه ثناءً ومدحاً أن عرش الرحمن اهتز له لما مات، وليس بعد ذلك فخر ومجد، وليس بعد ذلك علو ورفعة، وأملي من الواحد الأحد الذي قيض للإسلام من أمثال سعد بن معاذ أن يقيض من هذا الجيل ومن أصلابه ومن أبنائه ومن أحفاده عشرات من أمثال سعد، فليس ذلك على الله بعزيز، أسأله أن يردنا كما كنا أعزة أقوياء شرفاء بديننا وبمبادئنا، فلقد كان سلفنا خير أمة أخرجت للناس.

    عباد ليل إذا جن الظلام بهم     كم عابد دمعه في الخد أجراه

    وأسد غابٍ إذا نادى الجهاد بهم     هبوا إلى الموت يستجدون لقياه/sh>

    يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً     يشيدون لنا مجداً أضعناه

    سعد بن معاذ! حيا الله التضحية والبطولة، والمجد والفداء، اللهم أعني على أن أعطيه حقه من السيرة، وأن أقدمه لهذا الجيل المتوضئ الطاهر الطيب كما كان رضي الله عنه.

    أما قصة إسلامه وقصة حياته فلا يتسع لها المجال، ولكن هيا بنا: بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا [هود:41] ومع سعد بن معاذ.

    سعد يريد قتل مصعب بن عمير

    أرسل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مصعب بن عمير؛ الشاب المرفَّه، المطيب المعطر، الجميل الوسيم، الذي ترك الجمال والترف والبذخ والإسراف لوجه الله، أرسله يدعو إلى لا إله إلا الله، ووصل المدينة وأخذ الناس يستجيبون له؛ لقوة وصدق ما يحمل ونبل ما يحمل من الحق، وسمع به سيد المدينة سعد بن معاذ، قيل له: رجل من مكة أتى يغير دين الناس ومبادئ الناس، يحرف الشباب عن دينهم الأول؛ الدين الخرافي الوثني الشركي، فغضب سعد رضي الله عنه، وأخذ حربته، لكنه يريد شيئاً والله يريد شيئاً آخر؛ والله فعالٌ لما يريد، والله غالب على أمره.

    دعها سماويةً تجري على قدرٍ     لا تفسدنها برأيٍِ منك منكوس

    أخذ حربته يريد أن يقتل مصعب بن عمير سفير الإسلام، ورسول الرسول صلى الله عليه وسلم، وأقبل والموت في حربته، والسم على حد الحربة، ورآه مصعب وكان مصعب حليماً رقيقاً رحيماً حكيماً، قال: أيها الرجل! لا تعجل. أي: لا تذبحني، لا تقتلني، اسمع كلمة. قال: قل، قال: اسمع مني فإن كنت قلت حقاً؛ فأنصت للحق، وإن كنت قلت باطلاً؛ فعليك بي، وكان العرب عقلاء حكماء وهذا سيد الأوس وهو من الأنصار رضوان الله عليهم.

    سعد ينطق بالشهادتين

    فركز سعد الحربة، ثم جلس مصعب يتحدث عن لا إله إلا الله وعن رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم ويقرأ القرآن، فدخل الإيمان مباشرة كالنور وكالبشرى، وكضوء الفجر إلى قلب سعد بن معاذ رضي الله عنه، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وكسب الإسلام رجلاً بطلاً، ومجاهداً وشهيداً عظيماً، بلغ به الحال إلى أن اهتز عرش ذي الجلال والجمال والكمال لموته، فجمعنا الله به في حسن المآل.

    فلما قال: لا إله إلا الله، قال: اذهب فاغتسل، فذهب فاغتسل، ودب الإسلام في عروقه، ودخل شرايين قلبه، وانتفض جسمه فخرجت كل ذرة من ذرات الشرك والوثنية والكفر والفجور.

    سعد ينطلق داعية في أهله وعشيرته

    وماذا يفعل الآن؟ هل يبقى لبيته ولبطنه ولأطفاله؟ لا. المسلم رباني عالمي، المسلم باع رقبته من الله، المسلم باع روحه من الله، المسلم دمه لله، رأسه وماله ووقته لله، أما الإسلام الهزيل الذي يعيشه المليار الآن، حتى يقول القروي:

    لقد صام هندي فدوخ دولة      فهل ضر كفراً صوم مليار مسلم

    وقال الآخر في هذه الأصفار المليار وزيادة!

    عدد الحصى والرمل في تعدادهم      فإذا حسبت وجدتهم أصفارا

    من كل مفتون على قيثارة      كلٌ وجدت بفنه بيطارا

    لكن سعداً ليس صفراً، سعد بطل، اغتسل وتوضأ وصلى، ثم ذهب إلى قبيلته.

    انظر إلى هذه الدعوة وهذا التأثير، قال تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214].

    قال: اجتمعوا لي رجالاً ونساءً، ولا يدرون ما الخبر، وهو السيد المطاع والأمير المقدم رضي الله عنه؛ اجتمعوا رجالاً ونساءً.

    معناه: عندي بيان خطير، عندي إعلان عالمي، عندي أمر هام، عندي وثيقة ربانية.

    فاجتمع الرجال والنساء، فقام فيهم، وانظر البطاقة الشخصية وهو الآن يريد أن يستدرجهم رضي الله عنه ويكسبهم للإسلام، ويخرجهم من عبادة الوثن والكفر والزور.

    قال: كيف أنا فيكم؟ هذا السؤال الأول، ما رأيكم فيَّ؟

    قالوا: أفضلنا وسيدنا وأصدقنا وأكرمنا وأشجعنا.

    قال: أأنا صادق؟ قالوا: صادق ميمون النقيبة.

    قال: أأنا عدل؟ قالوا: عدل.

    قال: فإن كلام رجالكم وكلام نسائكم عليَّ حرام حتى تؤمنوا بالله وحده وبرسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ما أعظمها من كلمة! جزاه الله عن الإسلام خيراً، وهكذا يفعل المسلم، موقف عصامي، أما تمييع الدين، وتمييع الولاء والبراء، ومصادقة كل فاجر وعدو للإسلام، وكل منافق وملحد، فهذا ليس من الدين، لا مجاملة لأبيض أو أسود.

    فسمعوا الخبر فقاموا، قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قالوها رجالاً ونساءً، فصاروا في كفة حسناته وفي ميزان بركاته رضي الله عنه وأرضاه.

    قال الراوي: وليس في بني عبد الأشهل رجل كافر، وذلك ببركة هذا الرجل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088543391

    عدد مرات الحفظ

    777231325