القصص التي يذكرها الله في القرآن هي تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه قد آتاه من عنده ذكراً، وهو القرآن، فمن كذب به وأعرض عنه عوقب يوم القيامة بما يستحقه.
قال الله تعالى:
كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا 
[طه:99] .
يقول الله جل جلاله: كذلك يا محمد، قصصنا عليك قصة موسى وهارون مع فرعون وهامان وقارون وملئهم حتى كأنك حاضر فيها زمناً وشخصاً وحالاً وغضباً ورضاً وانتقاماً ووحياً ودعوة إلى الله.
كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ
[طه:99]:
أي: نقص عليك من أخبارهم، وأنباء: جمع نبأ، أي: من أخبار الأمم السابقة والعصور الماضية، وأنبياء الله السابقين، وبدء الخلق، وما جرى على العصاة والمتمردين المكذبين لرسلهم وأنبيائهم؛ ليكون لك من ذلك عبرة، ويشد ذلك ظهرك، وتتخذ الأنبياء والملائكة قدوة لك، لتجد السلوى في ما جرى لك من قومك عندما تعرف ما جرى لهم من أقوامهم.
مِنْ أَنْبَاءِ
[طه:99] من: للتبعيض، أي: قص الله تعالى على نبينا وعلينا بالتبع بعض أحوال من مضى لنأخذ منها العبرة والعظة والدرس، ونأخذ منها العلم والمعرفة.
وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا
[طه:99] كما قصصنا عليك أنباء السابقين كذلك أنزلنا إليك من عندنا ذكراً.
والذكر هنا هو القرآن الكريم، ففيه ذكر من قبلنا وذكر من بعدنا، وفصل ما بيننا، ما تركه من جبار إلا قصمه الله، فيه الحق بداية ونهاية، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا
[طه:99]:
أي: وأوحينا إليك وأكرمناك بكتاب لم يسبق مثله في السابقين، ولم يأت بعده في اللاحقين، خاتم الكتب السماوية وجامع ما فيها والزائد عليها معرفة وذكراً وعلماً وقصصاً للذكرى وللعبرة والموعظة.
وفي قوله:
وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا
[طه:99] أي: تذكر به، فهو شرف لك، كما قال تعالى:
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ
[الزخرف:44].
وهو شرف لك رفع اسمك في الخافقين، وخلد اسمك بين الخالدين، وكنت بذلك خاتم الأنبياء وإمامهم، وكان دينك دين العوالم كلها منذ أوحي إليك هذا الكتاب الكريم وإلى يوم النفخ في الصور، وهو للأبيض والأسود والأحمر والأصفر، للمشارق والمغارب، للعرب والعجم.
فهو ذكر وتذكير لهم بما سيئول إليه أمرهم، وهو عظة لهم، بشير للمستقيم، ونذير للكافرين.
قال تعالى:
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا 
[طه:100].
أي: من أعرض عن هذا الذكر فكذبه وتركه وراءه ظهرياً، وجعله في عرض الكلام وزائده، ولم يعتبره كلاماً من الله، ولم يعتبره كتاباً أنزل لتذكير الخلق ودعوتهم كلهم لعبادة الله الواحد، وإبعادهم عن الكفر والجحود والعصيان، فإنه يحمل يوم القيامة وزراً.
وقوله:
مَنْ أَعْرَضَ
[طه:100]:
أي: فهو كتاب أنزل على محمد سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم، ليكون الكتاب العام الشامل لجميع العوالم، لمن عاصره صلى الله عليه وسلم ولمن أتى بعده وإلى يوم النفخ في الصور.
وعلى ذلك فمن بلغه كتاب الله المنزل على خاتم الأنبياء فلم يعمل به وأعرض عنه وتجنبه
فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا
[طه:100].
والوزر: الذنب الثقيل الذي ينوء بحمله الإنسان ويثقل ظهره.
فمن أعرض عن القرآن وكفر به فإنه يأتي يوم القيامة ظالماً آثماً، حاملاً من الأوزار ثقيلها وعظيمها مما ينوء به حمله، ولا يكاد يطيقه زيادة في عذابه وآلامه.
وهذه الآية من الآي التي تعتبر دليلاً على أن القرآن كتاب الله للبشر كلهم، فهي كقوله تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا
[الأعراف:158]، هكذا أمر صلى الله عليه وسلم أن يصدع بالحق وأن يصدع بالإسلام من تلك البطاح المقدسة (مكة المكرمة والمدينة المنورة)، وأن يبلغ من بلغه ممن يأتي بعده، وهكذا دواليك إلى يوم القيامة.
ومن هنا كما في الحديث المتواتر يقول صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرءاً سمع مقالتي، فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلَّغ أوعى من سامع).
وفي الحديث: (تسمعون مني ويسمع منكم، ويسمع ممن سمع منكم).
ومن هنا كان القرآن الكريم على خلاف الكتب السابقة المنزلة على الأنبياء السابقين، فتلك كلف بحفظها ربانيوها وعلماؤها، ولكنهم عجزوا عن حفظها ورعايتها وبقائها سالمة من التحريف والتبديل.
أما القرآن الكريم فقد تعهد الله بحفظه:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
[الحجر:9].
ومن حفظه أن ألهم أبا بكر أن يقبل مشورة عمر في أن يجمع القرآن، كما ألهم عثمان أن يجمع ما جمع أيام أبي بكر في كتاب واحد ويحرق ما عداه مما خلط به بعض كتاب التفاسير والشروح والبيانات، وقد خاف عثمان وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يختلط الأمر على من يأتي من المسلمين بعد، فيخلط ما ذكر شرحاً وبياناً مع الوحي، فيصبح القرآن كالتوراة والإنجيل، ولكن ذلك لا يتم؛ لأن الله الذي تعهد بحفظه، فجمعته الصدور، وكتب في السطور، وتلي في المحارب والمساجد والمعابد.
وهكذا توارثناه لفظاً لفظاً، وآية آية عن آبائنا عن أجدادنا عن أجدادهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا تلوناه وحفظناه عن شيوخنا وعن أساتذتنا عن مشايخهم متواتراً، مطبقاً على ما فيه حركة وسكنة وسور وآي، وبكل ما بين دفتيه.
قد يقرأ اليهودي من التوراة، ويقرأ النصراني من الإنجيل ممن يدعى أنهم علماؤهم فيبدل ويغير ويزيد وينقص، ولا يجد من يقول له أخطأت، ولكن كتاب الله إذا تلاه تال وسها عن كلمة وغلط في آية تجد الحاضرين جميعاً يصيحون في وجهه أن ليست التلاوة كذلك، وإنك قد أخطأت وغفلت وسهوت، دون حاجة للرجوع للمصاحف، على أن ما في المصاحف يؤيد كل ذلك ويزكيه ويعززه ويؤازره.
ومن هنا كان نص الكلام في كتاب الله هو هو، كما كان يتلوه صلى الله عليه وسلم في بيت الله الحرام وفي مسجده النبوي، وحيثما انتقلت سفراً وحضراً، سلماً وحرباً.
قال تعالى:
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا *
خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً 
[طه:100-101]:
أي: هذا الذي يأتي كافراً به، مكذباً بما فيه يأتي يوم القيامة وهو يحمل الأوزار والآثام خالداً في ذلك، وهي ذنوب أهل الشرك والكفر في جهنم أبداً سرمداً.
فمن لم يؤمن بالقرآن فقد كفر، ومن لم يؤمن بمحمد نبياً ورسولاً فقد كفر، ومن لم يعمل بما جاء في كتاب الله على أنه وحي الله فقد كفر، فهو يأتي يوم القيامة مثقلاً بالذنوب والآثام، ويكون بذلك خالداً في جهنم، خالداً في وزره، خالداً في ذنوبه وآثامه، وما ذاك إلا خلود في جهنم أبداً سرمداً إلى حيث لا نهاية.
خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا
[طه:101]:
أي: ساء ما يحملونه من ذنب يوم القيامة عندما يأتون، فإنها أثقال تحمل الأوزار وتحمل الذنوب والمعاصي وتقود حاملها إلى النار وإلى السوء.
يا سوءتاه ويا ما كثرة السوء من حمل ذلك! يأتي سيئ العقيدة، يأتي سيئ الحظ، يأتي بالسوء بدخوله جهنم وهو يحمل أثقالاً وأوزراً وآثاماً.
قال تعالى:
يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا 
[طه:103]:
يتخافتون: يتسارون، والخفوت: الصوت الذي لا يكاد يرى منه إلا حركة الشفتين، فلا يكاد يسمعه من بجانبه.
فهم يتساءلون: كم لبثنا؟ وكم أقمنا في قبورنا؟ وكم أقمنا ما بين النفخة الأولى والنفخة الثانية؟
ولكون الدنيا مهما طالت فهي قصيرة بالنسبة للآخرة، يقومون وكأنهم لم يعيشوا قط، وهذا ندركه في الحياة قبل الممات، فكل من زادت سنه عشر سنين يتصور أن السنين العشر لم تكن، وقل هذا على ابن العشرين فالثلاثين فالسبعين فالتسعين فالمائة.
فلا يرى إلا أن هذه السنين كأنها لحظات، ولا يبقى له منها في نفسه إلا الصدى.
فنحن الآن نقرأ أخبار هذه الأمم في كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مضت عليهم القرون والآلاف من السنين ومع كل ما أمضوه من ذلك أصبحوا كلمات على الأوراق، وقصصاً تحكى، والذي جاء من التراب عاد إلى التراب وكأنه لم يكن.
يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا
[طه:103]:
يقول بعضهم لبعض مبالغاً في تقدير الزمن الذي عاش فيه سواء بين النفختين أو في حياته: ما لبثنا وأقمنا في قبورنا أو ما بين النفختين إلا عشرة أيام.
يقول تعالى:
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا
[طه:104] .
فالله جل جلاله يقول:
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ
[طه:104] أي: رغم كونهم يتحدثون سراً حتى لا يكاد الكلام يسمع، ولكن الله جل جلاله يعلم ويسمع ما يتخافتون به وما يقولونه، فأخبرنا بما يقول المجرمون، ونرجو الله أن يجعلنا من أهل الجنة البعداء من النار.
أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً
[طه:104]:
أي: أعقلهم وأوسعهم فهماً وإدراكاً في نفسه.
إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا
[طه:104]:
كل ما مضى من حياتهم وما بين النفختين لا يتجاوز اليوم.