إسلام ويب

تفسير سورة النمل [82-87]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إذا قربت الساعة وانتشر الكفر والفسوق والعصيان، يخرج الله تعالى دابة تكلم الناس فتقول هذا مؤمن وهذا كافر، ثم تتابع العلامات الكبرى فتقوم الساعة ويحشر الناس إلى ربهم فيسألهم عن تكذيبهم بآياته، فيحق على المكذبين القول، فحينئذٍ تخرس ألسنتهم فلا ينطقون.
    قال تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82].

    يقول تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ [النمل:82] إذا وقع القول باللعنة وبالغضب وبالعذاب وبالمحنة أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ ، يخرج لهم دابة من الأرض (تكلِّمهم وفي قراءة: ( تَكْلُمُهُمْ ) أي: تجرحهم، وتقول بالكلام إن الناس كانوا بآيات الله لا يوقنون، فأكثر الناس لم يكونوا موقنين، حتى بعض المسلمين، فهم مسلمون باللسان شاكون ومرتابون في آيات الله ودينه غير موقنين به، ولا راسخين في الإيمان به.

    يقول تعالى في هذه الآية الكريمة: إذا حل غضب الله وبعد أن أمهل الله عباده دهوراً الله أعلم بمددها وأزمانها -والله يمهل ولا يهمل- أخرج لهم من الأرض دابة تكلمهم وتقول لهم: إن أكثر الناس كانوا لا يوقنون، فهم مؤمنون بالألسن غير متيقنين، وغير مخلصين في الإيمان، فهم يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، يقرءون في كتاب الله تحريم الكذب، والزنا، والسرقة، والربا، والظلم، ولكنهم يرتكبون كل ذلك، فيكذبون ويزنون ويسرقون ويرابون ويأكلون أموال اليتامى ظلماً.

    والقرآن يأمرهم بخمس صلوات في اليوم والليلة، وبصيام شهر رمضان، وبزكاة الأموال، وبحج بيت الله الحرام، وبالصدق، وباليقين، وبحسن المعاملة، ويحذرهم من موالاة اليهود والنصارى، فيقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51]، ومع ذلك يخالفون كل ذلك، فتجد بعض الذين يزعمون الإيمان والإسلام يوالون اليهود والنصارى ويجرون خلفهم.

    فعندما تصل الحالة إلى هذا في آخر الزمان يخرج الله للناس دابة تتكلم بفصيح الكلام باللغة العربية كما قيل، وتقول للناس: هذا كافر، وهذا مؤمن، وتخبر عن أكثر الناس بأنهم كانوا لا يوقنون، فإيمانهم ليس عن يقين، ولا عن ثبات، ولا عن صدق وإخلاص، والدابة قد تكلم بها القرآن كما نرى، وجاءت بها السنة النبوية، والنطق المحمدي يزيد الآية بياناً.

    ذكر ما قيل في وصف الدابة ومخرجها

    وهذه الدابة هي دابة على أي حال، ولكن قال بعض السلف: وجهها وجه إنسان بلحية رجل، وسائرها جسد دابة، ووصفوها على غير المعلوم في الدواب، ومن ذلك أنها كلها شعر، لا تكاد تظهر عينها ولا أنفها ولا فمها، وأنها ستخرج في مكة المكرمة عند الصفا، وقيل: ستخرج في أجياد.

    وقد نقل أنها ستخرج ثلاث خرجات: خرجة باليمن ولا تدري بها مكة ولا بقية العالم الإسلامي.

    والخرجة الثانية: في بادية قريبة من مكة، وتدري بها مكة، عاصمة الإسلام، وإذا درت مكة درى العالم كله.

    والخرجة الثالثة: تخرج والناس في الحرم بين الركن الذي فيه الحجر الأسود، وبين مقام إبراهيم، فيحاول الناس أن يفروا منها ويبقى المؤمنون، فتضع يدها على وجه المؤمن فيشرق كأنه الكوكب الدري.

    أما الكافر فيحاول أن يفر، ولا يفلت منها هارب، فتلحقهم فيصعقون ويقفون، فتسمهم في جباههم بالكفر، ويتعارف الناس في أسواقهم إذ ذاك والكتابة على الجبين، فيقول المؤمن: يا كافر! بعني واشتر مني، ويقول الكافر: يا مؤمن! أريد مبايعتك. فينكشف نفقات المنافق المظهر للإيمان.

    ومن المعلوم أن مكة لا يقيم بها إلا مؤمن، ولكن الإخلاص في القلب لا يعلمه إلا الله، فالدابة تأتي وتكشف عمل القلب، فتكتب على جبين المنافق: هذا كافر، وعلى جبين المؤمن الصادق: هذا مؤمن، وتظهر تلك الكتابة على جبين المؤمن وكأنها الكوكب الدري المضيء، وتقرأ جبين الكافر من بعيد، وتجول الدابة في مختلف أقطار الأرض تسم الناس: هذا مؤمن وهذا كافر، فيميز إذ ذاك المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، ويكون الناس إذ ذاك -كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام- مشتركين في أموالهم، وهذا خبر معجز من النبي صلى الله عليه وسلم، أي: تكون إذ ذاك الشيوعية والاشتراكية في الأموال قد انتشرت بين الناس، وهذا الأمر أخذ الآن ينتشر في مشارق الأرض ومغاربها، ويكاد أهل الكفر من يهود ونصارى ومنافقين يجمعون على ذلك، والكثير ممن يدعي الإسلام من داخل بلاد العرب وداخل بلاد الإسلام يطلبون ذلك، ويسعون لذلك؛ وما في ذلك إلا لعنتهم وخزيهم وغضب الله عليهم.

    ذكر علامات الساعة الكبرى

    وفي الحديث الذي رواه أبو هريرة وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص وأنس بن مالك وجماهير من الصحابة، وأخرجه مسلم في صحيحه، والترمذي في سننه، وقال: حديث حسن صحيح، وهو حديث متواتر يقول الصحابي أبو الطفيل عامر بن واثلة أصغر الصحابة وآخرهم موتاً عن الصحابي حذيفة بن أسيد الغفاري قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة من علية، ونحن نتذاكر شئون الساعة، فقال لنا: (إن بين يدي الساعة لعشر آيات).

    وهذه العشر هي من الآيات الكبرى، ولم تظهر منها إلى الآن واحدة، وهذه العلامات هي: أن تشرق الشمس من مغربها، ويكون دخان، وتخرج الدابة، وينزل عيسى بن مريم، ويخرج الدجال، وتكون ثلاثة خسوفات: خسوف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، وتخرج نار من قعر عدن تبيت مع الناس إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، أي: تكون مع الناس في نهارهم، وتكون معهم في المبيت، وتخرج الدابة.

    وفي رواية عن عبد الله بن عمرو بن العاص : (بادروا ستاً: شروق الشمس من مغربها، والدخان، وخروج الدابة، ونزول عيسى، وخروج الدجال، وعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة إذ العامة قد فسدوا).

    وفي رواية أن هذه العلامات كالعقد تنفرط حباته، فبعد خروج الدابة ينزل عيسى، ثم يخرج الدجال، ثم تكون الخسوف، وتكون الفتن حتى لا تقوم الساعة على رجل يقول: ربي الله.

    وفي رواية أنه تأتي ريح فتأتي على كل مؤمن، ويرتفع القرآن من الصدور، وترفع مصاحفه، ويموت من يموت من المؤمنين، ويرتد من يرتد، ولا يبقى في الأرض إلا لكع ابن لكع، أي: كافر خسيس قذر قد سبق الكفر في أبيه وجده.

    فقصة الدابة أتى بها القرآن، فلا ينكرها إلا كافر منكر لكتاب الله، وأكدت ذلك السنة النبوية.

    كما أن الشمس يوماً ستقف وتستأذن ربها في أن تطلع من المشرق فلا يؤذن لها، فتطلع من المغرب، ويكون يوماً عظيماً على الناس، وعندما تظهر هذه العلامات وهذه الآيات الكبرى لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل.

    ذكر بعض صنيع الدابة

    وجاء في وصف الدابة أن امرأً يحاول أن يتعوذ منها بالصلاة من أجلها وهو لا يصلي، وإذا بها تأتيه من خلفه وتكلمه وتجرحه، وتقول له: الآن ذكرت الصلاة! فتجرحه في جبينه، وتكتب عليه: كافر؛ لأن تلك الصلاة لم تكن صلاة مؤمن مخلص، وإنما كانت صلاة منافق كاذب، ظن أن الدابة ستتركه، ولكن الدابة معلمة مرسلة مكلفة من ربها بأن تصنع ما تصنع.

    ومهما قلنا في وصفها وفي مكان خروجها فهي دابة على أي حال، تكلم الناس بصريح الكلام، وتقول: إن الناس كانوا بآيات الله لا يوقنون ولا يخلصون في إيمانهم، فيميز الله الكافر من المؤمن، ويبرز المؤمن بين الكافرين.

    يقول تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ [النمل:82] وقرئ: ( تَكْلُمُهُمْ ) من الكلم، وهو الجرح.

    قال ابن عباس : تُكَلّمَهم وتَكْلمُهُم، تُكَلمِّهم بقولها -كما قال القرآن-: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82].

    ثم هي تكلمهم وتجرحهم على جباههم بأن هذا كافر وهذا مؤمن، ويبقى ذلك علامة، والمؤمنون إذ ذاك قلة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088525438

    عدد مرات الحفظ

    777128913