إسلام ويب

تفسير سورة الدخان [38-56]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يرد الله على الكافرين الذين ينكرون البعث ويكفرون بمحمد صلى الله عليه وسلم بأنه لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما عبثاً، بل ذلك ليبتلي الناس في الدنيا، ثم إن موعدهم يوم الفصل في الآخرة، فحينئذٍ لا يغني مولى شيئاً عن مولاه، والمجرمون لهم جهنم بما فيها من الزقوم والمهل وغيرها من أنواع العذاب.
    قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الدخان:38-39].

    يقول ربنا لهؤلاء الذين يظنون أنهم وجدوا في الأرض ليأكلوا ويشربوا: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ [الدخان:38].

    فما خلق الله الأرض التي نحن عليها وما فوقها من سماوات، وما بين السماوات والأرض من أفلاك ومجرات، ومما لا يعلمه إلا الله، ما خلق الله ذلك عبثاً، فلم يخلقه باطلاً، إنما خلق الكل لعبادته: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

    وإذا كان الأمر كذلك فيجب على كل حي عاقل مدرك أن يعلم أنه خرج إلى هذه الدنيا لعبادة الله، فليعبد الله بقدر طاقته، وإلا فقد جعل من حياته عبثاً باطلاً، وإن لم يكن الأمر كذلك فسيكون في النار خالداً فيها مخلداً.

    قوله: مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الدخان:39].

    فما خلق الله السماوات، وما خلق الأرض، وما خلق ما بين السماوات والأرض إلا بالحق، والحق عبادة الله، والحق توحيد الله، وغير العاقلين من الجن والإنس قد فطره الله على العبادة والطاعة، كما فطر الملائكة؛ وقد قال ربنا: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء:44].

    فالجماد يسبح بحمد الله، والدواب تسبح بحمد الله، ومن لم يعبد الله يوماً كان ذلك سبب موته وهلاكه، فالكائنات مفطورة على العبادة، وكثيراً ما سمعنا من أناس صالحين في حالة إيمان، وفي حالة روحانية كاملة يقول الواحد منهم: ألم تسمعوا معي، الجبل يقول: الله، والقطة تقول: الله، والكأس يقول: الله، وكل ما حولي وما فوقي وما تحتي يذكر الله ويسبح الله، وإنما يترك التسبيح عصاة الجن وعصاة البشر، على أن أرواحهم قبل خلقها عندما خوطبت بالتوحيد أتى ما أتى منها طائعاً، وأتى سائرها مكرهاً.

    معنى قوله تعالى: (ولكن أكثرهم لا يعلمون)

    قال تعالى: وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الدخان:39].

    أي: أكثر الناس، ولم يقل: أكثر الخلق، فأكثر الناس مشركون، وأكثر الناس كافرون، فلم يذكر الله ويسبح الله ويعبد الله إلا فئة قليلة من الأمم السابقة، وقليل من الأمم اللاحقة، فهذا معنى قوله تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، فأكثر من في الأرض كفرة، وأكثر من في الأرض مشركون، وإياك إياك أن تغتر بالأكثرية والأقلية.

    ولذلك كان من النظم اليهودية في الأرض أن يجعلوا للناس والشعوب ما يسمى بـ(دور ندوة)، وما يسمى بـ(دور شورى)، وما يسمى بـ(برلمانات)، فقالوا: الحكم بالأكثرية، فيأتي الحاكم ويعرض على هؤلاء قوله: هل من الضروري أن يكون دين الدولة الإسلام؟! فإذا قال الأكثر: لا. فقد أعلنوا الكفر وألغوا الإسلام، وهم في الأصل ينتخبون ويختارون كل كافر، وكل فاسق وكل جاهل، فيجري على دينهم على منوالهم ويفعل فعلهم، ويقول قولهم.

    فلو جاءك سكان الأرض كلهم وقالوا لك: دينك ليس بصحيح، فهل تقبل كلامهم؟! فإن قبلته كنت مشركاً كافراً، وما الفرق بينك وبين أمتك وشعبك، حتى يعرض عليهم فيما يسمى بـ(البرلمان) اختيار دين دولة.

    والأكثرية هي نظام يهودي؛ لأن الأكثرية جاهلة أمية ضالة لا تكاد تعي، ولا تكاد تسمع، ولا تكاد تنظر، فإذا أنت عرضت الأمر على هذه الأكثرية الجاهلة الضالة، فما عسى أن تجاب به؟! خاصة إذا كان معك عصاً أو كان معك مال أو منصب، أو جاه، فسينقادون إليه رغباً أو رهباً، وأمة تساق رغباً ورهباً أمة ضائعة ضالة لا تعي ما تقول ولا ما تعتقد، ومن هنا كان نظام البرلمانات فيما يسمونه بـ(الديمقراطية) نظاماً وثنياً يهودياً جعلوه لحرب الإسلام والمسلمين.

    ونحن نرى شعوباً مسلمة عاشت مسلمة قروناً منذ عصر الصحابة، ثم تهودت ودانت بدين اليهود، وباعت أرضها لليهود، فإذا أنزل أمر قالوا: لنعرض الأمر على (البرلمان)، فإن وجدوا بعض المخالفة، حلوه وأتوا بآخرين أكثر طواعية وأكثر استسلاماً وأكثر استعباداً، فعند ذلك يعلنون أن ما صنعوه هو شيء شعبي ديمقراطي، أقرتهم عليه نظمهم المعاصرة المتحضرة، وما ذلك إلا من وحي الشياطين ومن كفر الكافرين ومن ضلال الضالين وكما قال ربنا جل جلاله عن فرعون : فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف:54] فأطاعوه على الكفر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088555617

    عدد مرات الحفظ

    777301637