قال ربنا جل جلاله:
لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ 
[الدخان:56].
يصف الله الجنة وما فيها من محاسن وما فيها من سعادة وما فيها من متعة وما فيها من ديمومة فيقول: إن هذه الجنة لا موت فيها، فأهلها لا يموتون فيها إلا الموتة الأولى، فالموتة الأولى التي كانت في الدنيا لا تعاد لهم مرة ثانية، ولن تكون، فقد قال عليه الصلاة والسلام وقد سئل هل ينام الإنسان في الجنة: (النوم من الموت، ولا موت في الجنة).
وأخبر عليه الصلاة والسلام بأنه يؤتى بالموت في صورة كبش، فيذبح ويقال لأهل الجنة: خلود فلا موت، ويقال لأهل النار: خلود فلا موت، فالجنة لا موت فيها ولا بؤس ولا شقاء ولا ملل ولا كلل ولا سأم، وهم خالدون فيها أبداً سرمداً.
فيقيهم الله ويحفظهم ويصونهم من عذاب الجحيم الذي يُعذب به سكان النار والجحيم، فسكان الجنة يكونون بعداء عن هذا العذاب، فيقيهم الله ويحفظهم ويبدلهم بالعذاب نعمة وبالمحنة راحة، لهم فيها مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
قال تعالى:
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ 
[الدخان:58].
أي: فإنما يسّرنا القرآن بلغة العرب، يسره الله وسهّله وعلّمه الناس بلغة العرب، وأنزله على العرب أولاً، ثم على الناس كافة، فالعرب أعلم الناس به وبحقائقه وبما جاء فيه عن الله وعن رسل الله.
فيسّر القرآن بلغة العرب ليعلمه العرب أولاً
وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ
[الشعراء:214]، وليعلموا حقائقه، وليعلموا حلاله وحرامه، وكان العرب بعد ذلك رسل رسول الله إلى الناس كافة.
فمات صلى الله عليه وسلم وذهب إلى الرفيق الأعلى وما كان قد أسلم من أمته إلا سكان جزيرة العرب، ثم خرج الإسلام من جزيرة العرب إلى الأرض كلها، إلى أرض الروم، وإلى أرض فارس، وإلى أرض البربر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى العرب أولاً ثم إلى الناس كافّة، وكان العرب رسل رسول الله إلى غير العرب من الناس، فنشروا دين الله، ونشروا كتاب الله، وبذلوا الأرواح في سبيل ذلك.
ومن هنا يقول عليه الصلاة والسلام: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، فلهؤلاء من الأجر والثواب ومن الفضل والإكرام ما الله به عليم.
قال تعالى:
فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ 
[الدخان:59].
أي: انتظر -يا رسولنا- نصرك ونشر دينك، وانتظر هزيمة أعدائك، فهم كذلك يرتقبون وينتظرون.
أولئك ينتظرون موته، وهل موته سيقف حائلاً دون نشر الإسلام، ودون نشر كلمة لا إله إلا الله، ودون نشر كتاب الله؟! هيهات هيهات، لقد ذهب صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وانتشر بعده الإسلام انتشاراً لم ينتشر في حياته، فهؤلاء يرتقبون موته ولا يرتقبون وينتظرون - في الحقيقة - إلا ذلّهم وهوانهم وعذابهم والبطش بهم وإذلالهم.
وهكذا كان، فارتقب يا رسول الله، وارتقب أيها المؤمن، فالنصر لدينك، والنصر لك ولكل المؤمنين على الكفرة المفسدين أعداء الله ورسوله والمؤمنين، فهؤلاء يرتقبون موتك، ولن يكون موتك راحة لهم، بل سيذلون ويُهزأ بهم ويقهرون أكثر، فهم ينتظرون القهر والإذلال والضياع، وأنت تنتظر النصر والعز ونشر دينك ونشر كتاب ربك المنزل عليك، ونصرة أتباعك في مشارق الأرض ومغاربها.
وهكذا كان، فما أتت السنة الثامنة من الهجرة حتى فُتحت مكة وطُرد كفارها وذلّوا وأصبح حراماً على الكافرين دخول مكة، قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا
[التوبة:28].
ثم حرّم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك دخول المدينة المنورة، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم عند موته بأن يُخرج اليهود والنصارى جميعاً من جزيرة العرب، وأوصى بألا يبقى في الجزيرة دينان، وقد انبرى لهذا عمر رضي الله عنه، فأخرج يهود المدينة من الجزيرة، وأخرج نصارى نجران واليمن من الجزيرة، وبقيت جزيرة العرب خاصة بالموحدين.
كما أمر عليه الصلاة والسلام بإخراجهم من العالم الإسلامي، بدليل قوله: (لا تصلح قبلتان في أرض) وكلمة (أرض) نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم، أي: عموم أرض الله التي يستقبل أهلها الكعبة، والتي يدين أهلها بدين الإسلام، فلا يجوز أن يكون مع دين الإسلام غيره، ولا مع الكعبة غيرها.
ولكن بعض من جاء بعد الخلفاء الراشدين فرّط، وأذن لأعداء الله من اليهود والنصارى بالمقام في المجتمع الإسلامي، بحكم الأرض حكم كسرى وقيصر!