إسلام ويب

سلسلة الدار الآخرة الحساب [2]للشيخ : عمر عبد الكافي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه سيحاسب عبده على كل صغيرة وكبيرة، وأنه لن يضيع شيء فعله العبد في الدنيا من الأعمال الصالحة والسيئة، وأخبر سبحانه بمراحل الحساب من السجلات التي تعطى العبد، ووزن أعماله الصالحة والسيئة، ومساءلة الله له بما عمل في هذه الدنيا، ولذا كان لزاماً للعبد أن يحاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب في الآخرة، وأن يحرص على فعل الخيرات وترك المنكرات!
    نحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الثانية عشرة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة الثانية في موضوع الحساب، اللهم ثبتنا عند الحساب يا رب العالمين، وهذه الحلقة تتصل بأهمية الحلقة السابقة، وقلت في مقدمة الحلقة الحادية عشرة: إن حلقة الحساب من أخطر حلقات الدار الآخرة أو من الحلقات الهامة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، وأكرر ما أقوله في كل سلسلة الدروس: إن حلقات الدار الآخرة ليست قصصاً تقص، وليست تسلية وتضييعاً للوقت، ولكنها عبارة عن تفتيح لقلوبنا عسى أن يتوب العاصي، وأن يهتدي الضال، وأن يرتدع كل من يأكل حراماً، وأن يعيد الظالمون إلى أصحاب المظالم مظالمهم؛ لأنه في ذلك اليوم لا يستطيع الإنسان أن يرد مظالم الناس إلا بالحسنات والسيئات، فهناك لا يوجد أحد نعطيه رشوة حتى يمشي الأمور، ولا صاحب ضرائب يمشي الموضوع وإنما هناك رب قهار جبار يقول يوم القيامة: لا ظُلْمَ الْيَوْمَ [غافر:17]، الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ [الفرقان:26] ويوم الدين: وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار:17-19].

    فالأمر يوم القيامة لله عز وجل ليس لأحد، وما دام الأمر لله فإنه لابد أن يعيد الإنسان حساباته قبل أن يلقى رب العباد سبحانه وتعالى، إن المسلم السعيد هو الذي أعد قبره قبل أن يدخله أو قبل أن يسكنه، وأرضى خالقه قبل أن يلقاه، ثم ترك دنياه قبل أن تتركه.

    لكن الكارثة فينا جميعاً أننا لا نترك الدنيا، ولكن هي التي تتركنا، لا يوجد أحد فينا يترك الدنيا حتى الذي يمسك في منصب من المناصب لا يريد أن يتخلى من منصبه، وإذا أحيل إلى التقاعد يأتيه اكتئاب، وبعد ما كان الناس يعظمونه ويحترمونه ويجلونه إذا بهم يتركونه ويهملونه ولا يوقرونه ولا يعظمونه، فيحصل له اكتئاب وحالة نفسية غريبة.

    والمسلم من الواجب عليه أن يضع في ذهنه أن الدنيا كلها عارية مسترجعة، أمانة سوف تعود إلى خالقها سبحانه وتعالى، وما على المسلم إلا أن يعيد الحسابات في أن يترك الدنيا قبل أن تتركه، وليس معنى ذلك أنك تترك الدنيا، وتترك العمل، وتعتزل الناس، ولكن عش بين الناس بجسدك، وقلبك مع ربك سبحانه وتعالى تعيش مع الدنيا في الأعمال والأرزاق، وفي السعي والكد، وفي تحصيل العلم، ولكن قلبك متصل بالله عز وجل، تدعوه ليل نهار عسى أن تكون من التائبين، وعسى أن يكون قد غفر الله لك أو نظر إليك نظرة رضا تكون فيها سعادة الدهر كلها، اللهم اجعلنا من السعداء المقبولين يا رب العالمين!

    العدة للقبر سبب للسعادة

    ثم بعد إن المسلم الحقيقي الذي يؤمن بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم يعد العدة للقبر قبل أن يسكنه، قيل: (يا رسول الله! هل ينجو من ضمة القبر أحد؟ قال: لا، قيل: ولا القاسم ؟! قال: ولا إبراهيم الذي هو أصغر منه) يعني: القاسم ابن سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لن ينجو من ضغطة القبر.

    إذاً: ضمة القبر لن ينجو منها أحد، ولو نجا منها أحد لنجا سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي اهتز العرش يوم موته، وهذا فيه دليل على مكانته عند الله، ورغم ذلك لم ينج من ضمة القبر.

    قيام الليل ضياء للقبر

    قال شقيق البلخي رحمه الله: بحثنا عن ضياء لقبورنا فوجدناه بقيام الليل. مكث يبحث عن الذي يضيء قبره من الأعمال الصالحة، وللأسف أنك عندما تضع ميتك تسميه بالميت وانتهى الأمر، والحق أنه ميت في عرفك أنت، ميت بالنسبة لك، لكن بالنسبة له فإنه قد انتقل من حياة إلى حياة من نوع آخر، أي أن الموت عبارة عن نقلة من دار إلى دار، ومن طريقة حياة إلى طريقة حياة أخرى، هنا يعمل ولا يعلم، وبعدما دخل القبر أصبح يعلم ولا يعمل، هنا في الدنيا يأكل ويشرب، في القبر لا يأكل ولا يشرب، وإنما تأكله الدود وتبدأ أهوال القبر، هنا في الدنيا يتكلم معنا فنسمعه، وهناك في القبر ربما يتكلم ولكن لا نسمعه، كل ما نستطيع هو أن نراه في رؤيا يحكي لنا حكاية أو يقول لنا قصة، أو يسألنا سؤالاً يطمئننا على نوع معين أو شيء معين.

    فالمسلم يجب أن يضيء قبره بقيام الليل.

    صلاة الضحى فيها صدق الإخلاص

    قال شقيق البلخي : بحثنا عن ضياء القبور فوجدناه في قيام الليل، قال: وبحثنا عن صدق الإخلاص مع الله فوجدناه في ركعتي الضحى.

    ويوجد أناس كثيرون ينسون ركعتي الضحى، أنت بعدما تصلي صلاة الصبح يستحسن أن تظل في مجلسك الذي صليت فيه إلى أن تطلع الشمس، فمن صلى صلاة الصبح وانتظر حتى تطلع الشمس وصلى ركعتي الضحى فكأنما حج واعتمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن لكل عبد ثلاثمائة وستين مفصلاً، على كل مفصل صدقة كل يوم أنت مطالب بثلاثمائة وستين صدقة شكراً لله على نعمه، فالذي لا يملك شيئاً يجزئ عن هذا أن يصلي ركعتي الضحى، فمن صلى ركعتي الضحى فكأنما حج واعتمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام سنة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك حصل على ثلاثمائة وستين صدقة.

    إذاً: السعيد من ترك الدنيا قبل أن تتركه، وبنى قبره قبل أن يسكنه، فيجهز نفسه، وينظر ما الذي ينفعه في القبر؟ هل فلوس الدنيا تنفع؟ لا، هل النصب والاحتيال ينفع في القبر؟ لا، هل المال الحرام ينفع؟ لا، هل .. هل، تسأل نفسك هذه الأسئلة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088474756

    عدد مرات الحفظ

    776916498