إسلام ويب

سلسلة الدار الآخرة وصف النار [2]للشيخ : عمر عبد الكافي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد ذكر الله عز وجل في كتابه النار وشدة هولها، ووصفها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته وصفاً تقشعر له الأبدان، وتستعيذ من هولها القلوب الخائفة، والنار لها دركات بعضها أشد من بعض، وكل درك منها له أهله من الكفار والعصاة والغافلين عن الله عز وجل، طعامهم الزقوم والضريع وشرابهم الحميم، ولباسهم النار، وفراشهم النار ومن فوقهم نار ومن تحتهم نار والعياذ بالله.
    أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده.

    وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة التاسعة عشرة في سلسة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، ندعو الله في بدايتها أن يجعل هذه الجلسات في ميزان حسناتنا يوم القيامة، اللهم ثقل بهذه الجلسات موازيننا يوم القيامة، اللهم أكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم إن أحييتنا فأحينا على الإيمان، وإن أمتنا فأمتنا على الإسلام، واحشرنا تحت لواء لا إله إلا الله، اللهم اسقنا من يد نبينا شربة لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً، اللهم فك الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واقض حوائجنا وحوائج المحتاجين، اللهم يسر لنا أمورنا، واشرح لنا صدورنا، وأنر لنا قلوبنا، وقو لنا يقيننا، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، اللهم اجعلنا ثأرنا على من ظلمنا.

    اللهم لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً لأهله، اللهم إنك تعلم أننا مقهورون فانصرنا، وذليلون فأعزنا، وتائهون فأرشدنا، ومشتتون فاجمعنا، وأصحاب شهوات فتب علينا.

    اللهم تب علينا من الذنوب كبيرها وصغيرها، اللهم أعزنا بطاعتك، اللهم أعزنا بطاعتك، اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.

    اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، ومن كل قول أو عمل يقرب إلى النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار بكرمك وجودك يا عزيز يا غفار!

    يا من يحول بين المرء وقلبه حل بيننا وبين معاصيك، اللهم حل بيننا وبين معاصيك، اللهم حل بيننا وبين معاصيك، اللهم حل بيننا وبين معاصيك، اللهم اجعل حياتنا زيادة لنا في كل خير، واجعل موتنا راحة لنا من كل شر، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين!

    وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    وبعد:

    فهذه الحلقة التاسعة عشرة من الحديث عن الدار الآخرة، وهي الحلقة الثانية في وصف النار أجارنا الله وإياكم من عذابها، والحديث عن النار حديث يتصدع منه القلب ويخشع، ولا خير في قلب سمع الحديث عن النار ولم يقشعر ولم يخف من الله، فالحديث عن النار كاد أن يتصدع له قلب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

    ورأينا في الحلقة السابقة كيف أن جبريل الأمين الذي عصمه المولى عز وجل من العصيان جاء مرة يبكي مرتعدة فرائصه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما يبكيك يا جبريل؟ قال: يا رسول الله! مررت بنافخ النار! قال صلى الله عليه وسلم: وهل تنفخ فيها الملائكة يا جبريل؟ قال: لقد أمر الله عز وجل الملائكة فأوقدت عليها ألف عام حتى احمرت، ثم ألف عام حتى ابيضت، ثم ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء كالليل البهيم، قال: صفها لي يا جبريل، قال: حرها شديد، وقعرها بعيد، ولها مقامع من حديد، قال الحبيب: حسبك يا جبريل! والله لقد كاد قلبي أن ينصدع)، فالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم لما سمع من أخيه جبريل هذا الوصف المرعب للنار تمثل الحبيب النار أمامه.

    ورأينا أيضاً كيف أن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها لما رأت النبي في تهجده بالليل، فبينا هو يصلي إذ تقدم خطوة، ومد يده كأنما يريد أن يأخذ شيئاً، ثم أعاد يده إلى جنبه مرة أخرى، ثم تراجع القهقرى خطوتين، فبعد أن قضى صلاته سألته أم سلمة متعجبة مما رأت: يا رسول الله! لقد رأيتك تصلي فتقدمت خطوة وبسطت يدك كأنك تأخذ شيئاً، ثم أرجعت يدك، ثم رجعت خطوتين إلى الوراء، ثم أكملت صلاتك؟ فقال: (أورأيتني يا أم سلمة ؟ قالت: نعم، قال: بينا أنا أصلي إذا بباب من الجنة يفتح فتقدمت نحوه ورأيت عنقوداً من عنب يتدلى من غصن من أغصان أشجارها، فأردت أن أقطف لك يا أم سلمة فقيل لي: يا محمد! إنك ما تزال في الدنيا) ، فهذا النعيم هو للمؤمنين في الآخرة، وليس هذا وقته!

    ثم قال: (ثم أرى باباً من أبواب النار يفتح، فخشيت على نفسي من لفح حرها فرجعت القهقرى)، سيدنا الحبيب المعصوم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأشرف الخلق عند الخالق خاف من النار، ولما رأى باب النار يفتح تراجع إلى القهقرى، أفلا نخاف نحن؟!

    وعندما نقوم بوصف النار أو الجنة أو ما يقع في يوم الحساب من صور ومواقف فليس لأجل أن نتسلى، لأن الأمر أكبر من ذلك، فهذا هول عظيم؛ لأن هذا هو وصف القرآن ليوم الحساب، وهو وصف الحبيب المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.

    فالواجب أن يأخذ المسلم هذه الدروس مأخذ الجد، ويبدأ بالتطبيق العملي، ويعيد حساباته، ويسأل نفسه ويكون صادقاً معها قائلاً: ما موقفك من الأوامر والنواهي؟ يقول تعالى: وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:29]، فأنت تسأل نفسك هل أنت تصلين الصلوات الخمس في المسجد؟ كم صلاة تصلينها جماعة؟ وكم صلاة تصلينها في البيت؟! وتسأل نفسك: كيف الخشوع عندك في الصلاة؟

    ثم تسألها عن النوافل، والنوافل فيها خير عظيم، ومن واظب على ترك السنن المؤكدة عوتب يوم القيامة من رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاباً يسقط من لحم وجهه، يقول الله في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) فالله يحب العبد الذي يكثر من النوافل.

    ثم بعد ذلك قيام الليل فيصلي ركعتين في جوف الليل والناس نيام، فهاتان الركعتان خير لك من الدنيا وما فيها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، قيل: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وأفشى السلام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام، قالوا: ومن يستطيع ذلك يا رسول الله؟ قال: أمتي تستطيع ذلك، من صلى صلاة العشاء وصلاة الصبح في جماعة فقد قام الليل والناس نيام، ومن أطعم زوجته وأبناءه طعاماً حلالاً فأشبعهم فقد أطعم الطعام، ومن لقي أخاه بوجه مبتسم فقد ألان الكلام، ومن دخل بيته فسلم على أهله فقد أفشى السلام، ومن صام من كل شهر أياماً ثلاثة فقد أدام الصيام) اللهم اجعلنا منهم يا كريم يا رب العالمين!

    كذلك من السنن النوافل صيام الإثنين والخميس، وثلاثة أيام في الشهر أوله أو نصفه أو آخره، أو الثلاثة الأيام البيض وهي ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر؛ لأن من صام لله يوماً واحداً ابتعد من النار فمن صام يوماً ابتعد عن النار بعد طائر غراب فرخ خرج من بيضته وظل يطير ويطير إلى أن مات وهو هرم، والغراب من ضمن الطيور التي تعمر، وتخيل الغراب يطير من ساعة ما يخرج من البيضة حتى يموت مدة عشر سنين أو عشرين سنة، فأنت تبتعد عن النار مقدار طيران الغراب بصومك لله رب العالمين.

    يجاء يوم القيامة بالمتطوعين في الصيام، والناس عطشى، فتأتي الملائكة لهم بأكواب من حوض الكوثر، فيرويهم هذا الماء رياً لا ظمأ بعده، فاللهم احشرنا في زمرة الصالحين يا رب العالمين!

    محاسبة النفس في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    كذلك من ثمرات الدار الآخرة: مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هل أنت تأمر امرأتك وتنهاها؟ وهل أنت تأمر عيالك وتنهاهم؟ وهل أنت تأمر أصحابك وتنهاهم؟

    اشتر لك دفتراً وحاسب نفسك كل يوم قبل أن تنام وتسجل فيه كل ما عملت من سيئات كتابة، كم نظرت إلى الحرام! وكم نممت من أناس! وكم نميت مرات! وكم كذبت من مرات وهكذا! وتنوي نية صادقة أنه إذا أصبح الصباح عليك فلن تعود لمثل هذا أبداً، وهذه أمانة أعلقها في رقابكم جميعاً رجالاً ونساءً، شباباً وشيبة، عل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

    الناس يظنون أنهم بمنأى من عذاب الله، وهذا غير صحيح، فمن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه، فهذا: سلمان الفارسي سيكون من أول الداخلين إلى الجنة إن شاء الله، وأبو لهب عم رسول الله لن يدخل الجنة، فالقضية ليست قضية نسب ولا قرابة، لا تغتر بصحبة الصالحين أبداً، وليس أنني إذا مشيت مع رجل صالح أو عالم فاضل، عامل بعلمه فقد حويت العلم والتقوى.

    لا تغتر بصحبة الصالحين؛ لأن عبد الله بن أبي ابن سلول صلى وراء الرسول وهو من أهل الدرك الأسفل في النار والعياذ بالله! فقد صلى وراء الرسول تسع سنوات لا تفوته صلاة، ورغم ذلك ما نفعته صلاته خلف رسول الله هو والسبعة عشر منافق في المدينة!

    إذاً: فلا تغتر بصحبة الصالحين، ولا تغتر بعمل الطاعات، فربما فتح لك باب العمل وأغلق عنك باب القبول لحكمة يعلمها الله، لاحتمال عجب أو رياء؛ لأن العمل من أجل الدنيا رياء، والعمل من أجل الناس شرك، وإن اليسير من الرياء شرك، فلو صليت في بيتك ودخل ضيف وأنت في الصلاة، وابنك فتح للضيف وقال: تفضل يا عم حتى ينتهي أبي من الصلاة، فقلت في نفسك: الرجل يراني في المسجد دائماً أصلي بهدوء، لابد أن أتمهل في صلاتي هنا كذلك ولا أسرع، فهذا شرك بالله سبحانه، إن اليسير من الرياء شرك؛ لأن المسألة خطيرة، ولن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من شرك.

    محاسبة النفس في قضية الأخلاق

    كذلك تعمل نفس القضية في الأخلاق السيئة، تأخذ ورقة معك إلى العمل وتكتب فيها الأخلاق المحمودة، وتكتب في الصفحة الثانية الأخلاق المذمومة، مثل الواجب الذي يكتبه الولد خارج المدرسة، أنت أيضاً تشتري دفتراً للأخلاق الحميدة والمذمومة التي تعملها، فتقول مثلاً: الأخلاق الحميدة هي الصدق، والحلم، والكرم، والجود، والتوكل على الله، واليقين، وكظم الغيظ، ومن الأخلاق الذميمة: الكبر، والحسد، والكبرياء، والاختيال على عباد الله، والسخرية.

    فلو أن كل شخص فعل هذا الفعل لانشغل الناس بعيوب أنفسهم وتركوا عيوب الآخرين، وهكذا كان صحابة الحبيب المصطفى، كل واحد منهم كان مشغولاً بنفسه، فليس عنده وقت يشغل فيه نفسه بغيره، والذي يجعلنا نتكلم في عيوب الناس: أننا نسينا عيوبنا، ولو أن كل إنسان شغل نفسه بعيوبه لانقضت الحياة ولم توجد هناك عيوب؛ لأن كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، اللهم اجعلنا منهم يا أكرم الأكرمين!

    إذاً: ليس المسلم بمنأى عن النار فربما فتح لك باب العمل وأغلق عليك باب القبول، يعني: ربنا قد يفتح لك أبواب العمل، فتحضر مجالس العلم، وتقرأ القرآن، وتقوم الليل، وتصوم النهار، ولكن باب القبول قد أغلق، هل أحد يسأل الله عز وجل عما يفعل؟

    لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، هذا سيدنا عيسى لما رآه إبليس قال له: ألست تقول إنك روح الله، ونبي الله، ورسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم ؟ قال له: نعم، قال له: ربنا معك ويدافع عنك؟ قال له: نعم، قال: إذاً: ارم بنفسك من فوق الجبل لنرى ماذا سيصنع بك ربنا؟ قال عيسى عليه السلام: يا لعين! إن الله هو الذي يختبر عباده، وليس للعباد أن يختبروا رب العباد!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088469907

    عدد مرات الحفظ

    776902133