أما بعد:
فمرحباً بكم، كما كان يرحب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحابته، ولنا فيه قدوة حسنة، وكان كلما التقى بالصحابة يقول: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى ولا آثمين، فكان مبشراً صلى الله عليه وسلم وما كان منفراً، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وكان عليه الصلاة والسلام دواءً وشفاءً للعليل، وكان الطبيب والحبيب صلى الله عليه وسلم، وكان دائماً يقول: (ما يشاك أحدكم بشوكة إلا وأجد ألم ذلك في قلبي).
وعندما نزل قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى:5]، كان يقول: (يا رب! وأنا لا أرضى وواحد من أمتي في النار)، وكان الله عز وجل يقول له ولجبريل: (يا جبريل نبئ محمداً أننا لن نسوءه في أمته، وسوف نرضيه فيهم)، وكان يقول: (ماذا أعطاني ربي يا جبريل؟ قال: إن الله حرم النار على كل من قال لا إله إلا الله).
فهذه كلها مبشرات، ولقد كان صلى الله عليه وسلم كما قال فيه ربه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن معشر الأنبياء ما ورثوا درهماً ولا ديناراً، ولكن ورثوا علماً يتعلمه الناس)
فنحن مع واحد من هؤلاء الذين ورثوا ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ابن قيم الجوزية تلميذ ابن تيمية ، وإذا كان التلميذ هكذا، فما بالنا بأستاذه.
مرة من المرات كان ابن القيم يمشي على النهر، فسأله أحد تلاميذه: ماذا أعمل بذنوبي، فأنا أذنب وأتوب، ثم أعود فأذنب وأتوب، فماذا أفعل؟ فكانت إجابته كتاباً بأكمله وسماه كتاب (الفوائد).
وكان ابن قيم الجوزية رضي الله عنه تلميذ شيخ الإسلام ، وكان له جملة طيبة يقولها وهي: أردت أن أدخل على الله، فطرقت الأبواب، فوجدت على كل باب كظيظاً من الناس.
ومعنى: كظيظاً أي: أن الأبواب مزدحمة، فكانت نظرة الصالحين أن هناك ازدحاماً على فعل الخير، وهذه كانت وجهة نظره، لكن لو كان منحرفاً لقال: لا يوجد من يعمل خيراً في هذا الزمان؟ لكن ابن القيم كان يرى الصورة الطيبة في المجتمع.
قال: فطرقت باب الذل فوجدت عليه قليلاً من الناس، فوجدته أقرب الأبواب إلى الله عز وجل، ثم ذكر الآية الكريمة وهي قوله تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران:123]، فإجابة الدعاء تأتي للعبد كلما ذل.
ولذلك: رب معصية أورثتك ذلاً وانكسارا، خير لك من طاعة أورثتك عزاً واستكباراً.
أي: كلما أذنبت واستحيت من الله أكون ذليلاً وخاضعاً، وأتوب وأبكي، وأحشر نفسي مع الصالحين، ومع أهل العلم، وفي مجالس الذكر، وهو أفضل من أن أعمل طاعة، وإن عملت فربما يأتي أحد لينصحك وترد عليه بقولك: أنا أصلي الصلاة في وقتها، وأزكي الزكاة في وقتها، وأقوم الليل، وبيني وبين الله أعمال وأسرار، فلا داعي لأن تنصحني.
ومن يقول هذا فلا أظن أن بينه وبين الله عماراً، وإلا لما خرب على المدى الخاص والعام، نسأل الله أن يعمر قلوبنا بذكره، وأن يتولانا وإياكم برحمته.
وسوف نقرأ اليوم ثلاث فقرات من كتاب الفوائد لـابن قيم الجوزية ، فنقول:
نحن نعلم أن الله عندما خلق أبانا آدم أمر جبريل أن يأتي له بقبضة من بقاع الأرض، فجاء جبريل بقبضة من بقاع الأرض كلها، فإذا اعتبرنا الأرض مثلاً قارات: فهو أخذ من أفريقيا قبضة ومن آسيا قبضة ومن أوروبا قبضة ومن الأمريكتين قبضة، ومن أستراليا قبضة، والقبضة كما يفعل المهندسون الزراعيون، حين يأخذون عينات من الأرض ليعرفوا هل تنفع للبناء أم لا.
فجاء بنو آدم على قدر الأرض التي أتوا منها، مثلاً: هناك أخ يحسن إلى أخيه دائماً، أخوه لا يزوره ولا يحسن إليه، ولا يقف معه في أي موقف، فيقول الناس: ما هي طينة هذا الرجل؟
فالأصل هو الطين، ولكن هذا الطين قد يوجد فيه ذهب، وقد يوجد فيه قطران، وفيه أشكال كثيرة، فمن الممكن أن واحداً منا طينته من ذهب، أو جاء من أرقى أنواع الأحجار الكريمة، فتجد الناس يقولون: فلان هذا مثل الذهب، أو فلانة مثل الزمرد في الأخلاقيات، فإذا أريد الرقي به يقال: ملاك؛ لأنه لا يخطئ، أي: أنه من عالم النور.
يعني: أنه يغضب بسرعة، وعندما نأتي نصالحه فلا يلين إلا بصعوبة بالغة، فهذا من صخر ناري، لأن الصخر الناري بطبيعته سائح وغاضب وهائج، وعندما تريد أن تحوله إلى طين هادئ وتجعله يبرد، يحتاج إلى وقت كبير.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (ومنهم بطيء الغضب سريع الفيء).
وهذا هو الحليم، وكاد الحليم أن يكون نبياً، ولذلك عندما أراد الأعرابي أن يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد غزوة بني المصطلق، والمنافقون تكلموا في حادثة الإفك، التي اتهموا فيها السيدة عائشة -والعياذ بالله- بالفاحشة ورموها بالزنا، فكانت نفسية الرسول صلى الله عليه وسلم متعبة، والأعرابي يقول: لا بد أن أكلمه، والصحابة ومنهم عمر بن الخطاب فكان يرده ويقول: لن تدخل الآن، والأعرابي يقول: لا بد أن أكلمه، وعمر بن الخطاب يصر على أنه لن يدخل، والأعرابي واثق من حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والذي بعثه بالحق نبياً! لن أدعه حتى يبتسم، أي: لن أكلمه فقط، ولكن سأضحكه كذلك، فكان واثقاً من سعة صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان الرسول إذا تحدث مع أحد أعطاه كل وجهه، وإذا تحدث مع قوم -يعني: الصحابة- أعطى كل واحد حظه من النظر، حتى يظن كل حاضر أنه لا يهتم إلا به في الجلسة، أي: أنه كان يعدل في نظراته للصحابة، حتى يظن كل صحابي أنه كان ينظر إليه طوال الجلسة، حتى أن عمرو بن العاص يقول: منذ أن أسلمت ما رفعت عيني في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم هيبة.
ويقال: إن الصحابي الوحيد الذي كانت عينه موجهة دائماً إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سيدنا أبو بكر ، وكان أول ما يصعد الرسول صلى الله عليه وسلم المنبر يوم الجمعة، يأتي سيدنا أبو بكر ويجلس تجاه أول درجة.
وكان أبو بكر يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أحب ثلاثة: أحب الجلوس بين يديك، وأحب النظر إليك، وإنفاق مالي عليك.
أما عمر بن الخطاب فيقول: أحب الحق، وقول الحق، والنهي عن المنكر.
فكل واحد منهم يعبر عن الملكة التي فيه، والفضل الذي آتاه الله لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلفون فيه.
فـعثمان بن عفان يقول: أنا يا رسول الله! أحب إطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام، فحمل صفة الكرم والتواضع وقيام الليل.
وأما علي بن أبي طالب فيقول: أنا أحب الصوم في الصيف، وإكرام الضيف، وقتل العدو بالسيف.
أما أبا ذر الذي جاء يوماً يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوليه ولاية، فقال له رسول الله: أنت ضعيف يا أبا ذر !، وإنها في الدنيا ولاية، وفي الآخر ندامة، إلا من أخذها بحقها، وحقها عند الله عظيم، يا أبا ذر ! يؤتى بالحاكم العادل يوم القيامة يقف على الصراط، ينتفض الجسر به انتقاضة، يتفرق كل عضو من أعضائه في مكان لا تعاد إليه إلا بعدله.
ويقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أقلت الغبراء، وما أظلت الخضراء، أصدق لهجة من
فالشخص يستغرب كيف يحب هذه الأشياء التي يكرهها الناس، حتى عندما يجوع أحدنا كما يقول المصريون: (عصافير بطني صوصو) وأنا أشك أن المصري عنده عصافير في بطنه، وإلا فكان عليه أن يقول: بقر بطني، أو جاموس بطني، أما العصفور فيكتفي بربع رغيف.
ولذلك فهناك نصيحة قبل رمضان، أي: أن توزنوا أنفسكم قبل رمضان، وأريد أن تأتي ليلة العيد وقد نقصتم من الوزن عشرة كيلو. إن شاء الله، فعليكم أن تخففوا من الأكل والعزائم؛ لتذهبوا إلى صلاة التراويح والجسم خفيف.
وهذا امتحان عملي إن دخلنا في رمضان، وأنا أظن أن أغلب المصريين الذين أعرفهم على الأقل، يزيد وزنهم بعد رمضان، ونحن نريد في رمضان ريجيم طبيعي، ونريد أن يخف وزننا، ولو حتى وجبة واحدة.
وبالنسبة للسحور، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (تسحروا فإن في السحور بركة)، وقال: (ولو تمرات ثلاث، ولو حسوات من ماء) وهكذا السحور.
وقد يتوهم الصائم أنه كلما تسحر أكثر كلما استمر شبعه حتى الفطور، ولكن الحقيقة أن أي أكل يؤكل مهما كان ومهما كثر تهضمه في المعدة فأثره خلال أربع ساعات، أما بعدها فلا يكون له أثر، حتى أصعب أنواع الأكل وهو الفول، والذي يسمى عند المصريين (مسمار البطن) لا يأخذ أكثر من أربع ساعات ونصف في الهضم، يعني: إذا تسحر الصائم الساعة الثانية بعد نصف الليل، تأتي الساعة السادسة والنصف صباحاً ولا يوجد أثر للفول.
وبعض الناس تجده قبل أذان الفجر يشرب ماء كثيراً، وكلما علم أن الفجر لم يؤذن له بعد يشرب ماءً، وبعد ذلك يصلي الفجر وينام في الصلاة؛ لأنه شرب كثيراً وأكل كثيراً.
إذاً: فالامتحان العملي للمسلم أن يزن نفسه في أول رمضان، ولا بد أن ينقص وزنه خلال شهر رمضان من خمسة إلى عشرة كيلوهات.
فسيدنا أبو ذر كان يحب الجوع، ويحب المرض، ويحب الموت، فلما سئل عن السبب، قال: أنا إن جعت رق قلبي، وإذا مرضت خف ذنبي، وإذا مت لقيت ربي.
فلذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (جاء الناس على قدر الأرض التي جاءوا منها، فمنهم: سريع الغضب بطيء الفيء، ومنهم بطيء الغضب بطيء الفيء، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء).
وعلى المؤمن أن لا يكون سريع الغضب، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا تحكم وأنت عضبان).
ويذكر أن أعرابياً ثار على زوجته وهي واقفة على الدرج، فقال لها: إذا صعدت درجة فأنت طالق، وإن نزلت درجة فأنت طالق، وإن وقفت مكانك فأنت طالق، فرمت بنفسها من على الدرج، فتبسم الرجل وقال: لو مات الإمام مالك لاحتاج الناس إليك في الفقه.
ولذلك المسلم بطبيعته حليم، وكما روي عن رسول الله: (كاد الحليم أن يكون نبيا).
وعندما دخل الرجل الأعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عازم على أنه سيجعله يبتسم، قال له: يا رسول الله! تقول: إن المسيخ الدجال إذا جاء أجدبت الأرض، وتقلصت ضروع البهائم، وامتنعت السماء عن المطر، ولا طعام إلا معه، يا رسول الله! هل ترى أن أدعي أنني آمنت به، فأضرب في ثريده حتى أشبع، ثم أعود فأكفر به مرة أخرى، فتبسم الحبيب حتى بدت نواجذه، وقال: (بل يغنيك الله بما يغني عباده المؤمنين)، فقال: أين أذهب يومئذ يا رسول الله؟ فقال: (طعام المؤمنين يومئذ التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، يلهمهم الله به كما يلهمون النفس).
فالإنسان عبارة عن تركيبة من شيئين: من طينة الأرض؛ لكي يستطيع العيش عليها من عناصر الأرض جميعها؛ لأنه مركب منها، والشيء الثاني: نفخة من روح الله؛ لأن الله لم يأمر الملائكة أن تسجد لآدم إلا بعد أن نفخ فيه الروح، قال تعالى: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [الحجر:29].
ونفخة الله معناها أن الله سبحانه وتعالى يضع سره في هذا المخلوق.
النوع الأول: خير محض لا يعرف الشر.
والنوع الثاني: وشر محض لا يعرف الخير.
والنوع الثالث: مركب من الخير والشر.
فلو نزل ملك من السماء على سبيل المثال إلى الأرض، وكان رسولاً، لقال مثلاً: لماذا تنامون ست ساعات في اليوم، يكفيكم ساعتان من النوم، وهو يقول هذا لأنه لا ينام أصلاً، ولا يعرف معنى النوم، ولا يعرف معنى الأكل والشرب، ولا حتى النوازع الغريزية، مثل: الغضب، والانتقام، والتعدي على الغير، فتجده يستغرب كل هذه الأشياء.
إذاً: لو أرسل الله عز وجل ملكاً إلى الناس لكانت للناس حجة على الله، ولكن الله تعالى يقول على لسان سيدنا إبراهيم: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [البقرة:129]، وكان الكفار يقولون: ما جربنا عليك كذباً قط يا محمد! فقال: لو قلت لكم: إن خيلاً خلف هذا الجبل تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، فقال: أنا رسول الله إليكم جميعاً، قالوا: كذبت. فالمسألة كما قال تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33]؛ يجحدونه لأنهم لم يجربوا عليه الكذب.
وكذلك في مسألة الحجر عندما هدمت السيول الكعبة، وكان عمره صلى الله عليه وسلم خمسة وعشرين عاماً، فاختلفوا أيهم يضع الحجر الأسود، وكادوا أن يتقاتلوا في المسجد الحرام، فقال أحدهم: لماذا نتقاتل؟ نحتكم إلى أول شخص يدخل من باب المسجد، فإذا بالحبيب صلى الله عليه وسلم يدخل فقالوا: هذا هو الأمين محمد .. قد رضينا بالأمين محمد
وعندما وضحوا له المشكلة، قام ووضع عباءته ووضع الحجر في وسطها، ثم قال: أين القبائل؟ كل قبيلة تبعث مندوبها، ويمسك بطرف العباءة، فحملوه جميعاً، وبعد أن اقتربوا من مكانه أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه الشريفتين ووضعه مكانه.
وأما النوع الثاني: فالشر المحض، الذي لا يعرف الخير، وهم الشياطين.
ولذلك عندما قال الملائكة: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30]، فأتى ملك من الملائكة فيما رواه الترمذي وقال: يا رب! أدعوك أن ترزقني عمراً مائة ألف عام، ومائة ألف جناح، وقوة مائة ألف ملك، فقال له: لماذا؟ قال: أريد أن أطوف حول العرش مسبحاً بحمدك، فأعطاه الله ما يريد، وبعد أن انتهت المائة ألف عام، واكتشف هذا الملك أنه لم ينه لوناً واحداً من ألوان العرش؛ فالأرض والسموات بجانب الكرسي مثل الحلقة في الصحراء، والكرسي بجانب العرش مثل الحلقة في الصحراء، ففي ذلك الوقت وقف الملك أمام جنة من الجنات يبكي، فخرجت واحدة من الحور العين، وقالت: مالك تبكي عبد الله في مكان لا يحل فيه البكاء؟ فقال: سألت ربي كذا وكذا، وأعطاني، ولم أكمل شيئاً، فقالت له: بفعلك الذي صنعت، ما بلغت جزءاً من مائة ألف جزء من ملك أبي بكر الصديق في الجنة.
فالعبد منا إذا تغلبت فيه نوازع الخير على نوازع الشر، صار عند الله أفضل من الملائكة، وإذا تغلب جانب الشر -كما نرى في الغالبية- على جانب الخير، كأن أسوأ عند الله من الشياطين؛ لأن الشيطان بطبيعته لا يفعل خيراً؛ لأنه ليس الخير مركباً فيه، لكن الإنسان فيه جانب الخير والشر، فإذا تغلب عليه جانب الشر، فهنا المصيبة.
فالإنسان قبضة من تراب الأرض ونفخة من روح الله عز وجل.
ولذلك نرى الرؤى في المنام، وما يراه الناس ثلاثة: الرؤى: جمع رؤيا، وهناك رؤيا، ورؤية.
الرؤية تكون بالعين الباصرة، لكن رأى رؤيا أي في المنام، فهناك رؤيا وحلم وكابوس.
فالرؤيا: هي أن تكون خالي الذهن من أي موضوع، وترى شيئاً مبشراً بأمر من أمور الآخرة، أو أمر فيه سعادة الدنيا، يقدمني خطوة نحو الله عز وجل، فهذه هي الرؤيا، فمثلاً: إذا رأى أحد الرسول صلى الله عليه وسلم فهذه رؤيا، والآخر رأى أبا بكر الصديق فهذه رؤيا أيضاً.
أتاني رجل وقال لي: ابنتي عمرها إحدى عشرة سنة، رأت أنها جالسة في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة كلهم، حتى عرفت الصحابة واحداً واحداً، وكأنها كانت تشير بيدها: هذا أبو بكر وهذا عمر وهذا عثمان وهذا علي. فقلت له: إما أن ابنتك حافظة للقرآن، أو أنها ستتم حفظ القرآن. فقال لي: بقي لها جزء.
فهي قد دخلت في الصحبة، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتم حفظ القرآن وعمل به، ما بينه وبين النبوة إلا أن يوحى إليه) وفي الآخرة يقال له في الجنة: اقرأ وترق، اقرأ وترق، حتى يصل إلى آخر سورة يحفظها، ويجد نفسه في الفردوس بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأهم شيء العمل، والله ولو حفظ آية وعمل بها لنفعته كثيراً.
قال سهل بن عبد الله: حفظت القرآن وعمري سبع سنين، وحفظت من الأحاديث أربعمائة ألف حديث، وتتلمذت على يد أربعمائة أستاذ، واخترت من ذلك كله حديثاً واحداً عملت به وهو: (اعمل لله بقدر حاجتك له، وللدنيا بقدر مقامك فيها، وللآخرة بقدر بقائك فيها، وللنار بقدر صبرك عليها).
إذاً: فالإنسان يعرف أن هذه رؤيا إذا كانت صالحة، الرؤيا من الرحمن.
أما الحلم فهو من الشيطان، والحلم مثاله أن أفكر بموضوع معين، مثلاً: ابني مسافر أو مريض، أو حالتي متعبة في العمل، أو عندي مشكلة مع صاحب البيت، أو مع ورثة أو نحو ذلك، فأرى في منامي شيئاً مطابقاً للواقع الذي أعيشه، مثل الذي يأكل قبل أن ينام أكلاً مالحاً، ثم يرى أنه يشرب ماءً كثيراً، أو يغرق في ماء، فهذا بسبب أنه نام وهو عطشان، فهذه الأحلام من انعكاس الحالة النفسية.
والكابوس: يكون عندما ينام الشخص على غير وضوء، أو نام على معصية، أو وهو لم يصل العشاء، فيرى في المنام أن بيته احترق، أو أن زوجته كشرت في وجهه في الرؤيا، أو شيئاً غير طبيعي، وتكون زوجته راضية عنه، وهو راض عنها.
فعندما يقوم أحد من رؤيا منقبض الصدر من النوم، فلا يحكيها لأحد؛ لأنك لو حكيتها وفسرت فسوف تقع.
فالرؤيا طائر أينما فسر وقع، فلا تفسره ودعه يطير بعيداً عنك، لكن لو فسره لك عالم سيقع على الفور.
ويفعل كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (يتفل على يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم) ومعنى: (يتفل) أي: ينفخ وليس يبصق.
ولكن ما الذي يجعل الإنسان يرى الرؤيا وهو نائم؟
قال العلماء: إن جسم الإنسان معتم؛ لأنه من الطين، فهو حاجز الروح، ولذلك عندما يموت العبد يقول له الله: فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق:22]، ومعنى: (حَدِيدٌ) أي: أكثر حدة، وذلك عندما رأى الحقيقة، ورأى عين اليقين.
اللهم اجعلنا من الفارين السعداء إليك يا رب.
وفرار الأشقياء فرار من الله والعياذ بالله، فتكون دروس العلم ثقيلة على قلبه، وكذا فعل الخير وصلة الرحم، ونحو هذه الأشياء، فيستثقلها.
وفرار السعداء أنواع: فرار العامة، وفرار الخاصة، وفرار خاصة الخاصة.
أما فرار العامة: فهو فرارنا كلنا، وهو فرارنا من المعصية إلى الطاعة، ومن الذنب إلى التوبة، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الانحراف إلى الاستقامة، ومن الجهل إلى العلم، وهذا الفرار فرض عين، ويجب على كل إنسان أن يفر من حالة الجهل إلى حالة العلم.
وأما فرار الخاصة: فهو فرارهم من علم اليقين إلى عين اليقين، فمثلاً: كلنا يعلم أن الله كريم، ولكن نريد أن يتحول هذا العلم إلى حقيقة كائنة أمام عيني، أرى كرمه علي في الإسلام وفي الصحة وفي الأولاد وفي كل النعم، فأرى كرم الله في كل لحظة بعيني، فأتحول من التطبيق النظري إلى التطبيق العملي، كما كان الصحابة رضي الله عنهم، مثلاً: أنس بن النضر رضي الله عنه كان يقول: أشم رائحة الجنة دون أحد. فهذا عين يقين؛ لأنه شم رائحة الجنة في الدنيا.
وكلنا يعلم أن للجنة رائحة، وأنها لتشم من مسيرة كذا وكذا، فهذا علم، ولكن نريد أن نحول العلم إلى يقين تام، مثل حال أنس بن النضر عندما شم رائحة الجنة.
وكان بعض الصالحين يشمون رائحة الذنوب، فيقول الحسن البصري : احمدوا ربكم أن ليست للذنوب رائحة، وإلا لما جلس مسلم بجوار مسلم.
فقد ترى رجلاً محترماً يجلس بين الناس، ثم تصعد رائحة ذنوبه مثلاً، وهو يظن أن ليست له رائحة، وقد وضع عليه رائحة عطر ونحوه، ولكن لو كشف عنه غطاؤه لافتضح، نسأل الله السلامة، ونسأله أن يحسن رائحتنا ظاهراً وباطناً آمين.
وأما فرار خاصة الخاصة: فهو الفرار مما سوى الله، أي: من كل شيء إلا الله، ولذلك عندما ينام الإنسان تبدأ الروح تغادر البدن، فتتجول في عالم الملكوت، ويذهب هنا وهنا، ويتجول ويجتمع مع أحبابه وأهله، والذي يأتي ويذهب، والحوادث ونحو ذلك، ثم بعد ذلك يجد أن الحلم الذي رآه، أو الرؤيا التي رآها قد تحققت؛ لأنها بدأت الروح هكذا، والصحابة والصالحون كانوا في حالة يقظتهم كحالتنا في منامنا، مثل سيدنا عمر بن الخطاب عندما وقف على المنبر وقال: يا سارية ! الجبل، فسمعه سارية وهو على بعد مسيرة شهر منه.
كذلك ما جاء عن سيدنا علي أنه قال لمن سأله عطاء: لو زادك الرسول لزدناك.
وكذا أنس بن مالك مر بالسوق فنظر إلى امرأة ثم دخل على عثمان فقال له: أيدخل علي أحدكم وفي عينيه آثار من الزنا؟ وهو لم يكن معه.
ويقال: إن أحد الصالحين كان يصلي وراء أستاذه، فقرأ الأستاذ: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا [الشورى:49-50]، قال: فخطر ببالي أن معنى (يهب لمن يشاء إناثاً) أي: لمن يشاء حسنات، (ويهب لمن يشاء الذكور) أي: ييسره للأعمال.
(أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً) أي: أعمالاً وحسنات.
(ويجعل من يشاء عقيماً) أي: لا أعمال ولا حسنات.
فعندما فرغت الصلاة نظر الإمام إلي وقال: يا أبو العباس ما أجمل تفسيرك لكتاب الله في الصلاة.
فالمسألة بالنسبة للصالحين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأرواح جنود مجندة، ما تقارب منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف).
فاللهم اجعل أرواحنا متقاربة، متآلفة، مجموعة في الجنة مع أبداننا يا أرحم الراحمين.
إذاً: فابن آدم خلق من الأرض، وروحه من ملكوت السماء، وقرن بينهما.
أي: عندما يجيع بدنه، ويسهره في عبادة الله، ويصبح مقترباً من الله، ومقيماً لهذا البدن في الخدمة، فالروح تجد خفة، فتبتدئ تتوق وتتشوق إلى المكان الذي أتت منه؛ لأن هذا هو موطنها، والموطن غال.
سيدنا سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، قال: من يرتاد لي مكاناً أتنسم فيه هواء، وليكن أجمل مكان، فذهب النسر وعاد وقال له: تفضل يا نبي الله! ارتدت لك أجمل مكان، فذهب سيدنا سليمان وراء النسر، حتى وصل إلى مكان فيه شجرة يابسة وتحتها ماء راكد آسن لا يتحرك، وليس فيه هواء ولا شيء، فقال نبي الله سليمان : أهذا أجمل مكان؟ قال: نعم يا نبي الله! هذا هو المكان الذي ولدت فيه.
فكل إنسان يحن إلى المكان الذي ولد فيه، فتجد إنساناً: يقول أنا مصري، والآخر: أنا عراقي، و... الخ.
بل سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما هاجر يقول أبو بكر : رأيته قد اعتدل بالناقة واغرورقت عيناه بالدموع حتى ابتلت لحيته الشريفة، وقال: (يا مكة! والله إنك لتعلمين أنك أحب بلاد الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت) فكانت عزيزة عليه.
وهكذا يزداد ثواب من فارق ما يحب طاعة لله سبحانه، والله وصف المزكين المؤتين، فقال: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ [البقرة:177]، فالمسألة صحيحة، لكن رغم حبه للمال ينفقه، مثل ابن عمر فقد كان يوزع على الأطفال والناس السكر، فقالوا: ما هذا يا ابن عمر ؟ قال: إني أحب السكر، والله يقول: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92].
ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أطعم أخاه حلياء صرف الله عنه مرارة يوم القيامة).
فالمسلم ما دام أجاع البدن، وأسهره، وأقامه للخدمة، فتبتدئ الروح تحن للموطن الذي جاء منه، هو أتى من عالم الملكوت، فتبتدئ الروح تتنسم عبير الطاعة وتخف وترقى، فزادها ذكر الله.
أي إذا أشبع البدن وأكرمه ونومه، واشتغل بخدمته؛ انسجنت الروح داخل البدن، والعياذ بالله رب العالمين، اللهم فك أسر كل أسير يا رب العالمين.
إذاً: فالروح تكون محبوسة داخل البدن؛ لأن البدن صارت له قوة وسطوة.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فلولا أنها ألفت السجن لاستغاثت من ألم مفارقتها وانقطاعها عن عالمها الذي خلقت منه، كما يستغيث المعذب ].
أي: المسجون من شدة الألم يصرخ ويقول: يا ناس! ائتوني بالنيابة، ائتوني بالمأمور، ائتوني بالمحكمة، يصرخ؛ لأنه محبوس، فالروح كذلك، فإذا لم تحدثها بشكل دائم، لاستغاثت، لكن قد استمرأت السجن وهي غير قادرة على الفكاك منه.
مثل الذي يقول لك: يا شيخ! أنا لا أشعر بأي تغير بعد الصلاة، فقبل الصلاة وبعدها عندي سواء.
فهذا دليل على أن هناك عتمة، بل لابد أن يكون هناك نور للإنسان بعد الصلاة، ولابد أن يختلف حاله بعد درس العلم عن حاله قبله، ولا بد أن يكون بعد صلاة الجمعة مختلفاً عن حاله قبلها، ولا بد أن يكون حاله بعد الحج مغايراً لحاله قبله، وكذا لا بد أن يكون بعد رمضان مختلفاً عن حاله قبله.
فالحالة الإيمانية إذا لم تكن في ازدياد فهي في نقصان، فقيل لـابن القيم رضوان الله عليه: متى العيد ؟! فقال: يوم العيد يوم هو الذي لا نعصي فيه رب العبيد.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وبالجملة فكلما خف البدن لطفت الروح وخفت ].
إذاً: فهي مرتبطة بالبدن، والذي يعطل الأمور هو البدن، فإذا خففت البدن، فستأكل قليلاً، وستنام قليلاً، وستعبد كثيراً، وستفرح كثيراً، وإذا أكلت كثيراً، فستنام كثيراً، وستعبد قليلاً، وستندم طويلاً.
أبو حنيفة عندما قيل له: يا أبا حنيفة ! في كم تختم القرآن؟ فقال لهم: أتقصدون في الصلاة أم في غير الصلاة؟ فقالوا: في الصلاة؟ فقال: في صلاة الليل أم في صلاة النهار؟!
ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (إن من عبادي عبداً لو جاء إلى باب أحدكم يطلب منه فلساً لما أعطاه، ولو طلب مني الجنة لأعطيتها له).
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فإذا فارقت الروح البدن، التحقت برفيقها الأعلى أو الأدنى ].
أي: تبعاً للحالة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فعند الرفيق الأعلى كل قرة عين، وكل نعيم وسرور وبهجة ولذة ].
هناك ستة أسباب جعلتنا غير موفقين في العبادة مع الله عز وجل.
وأريد أن يراجع كل واحد منا نفسه عند كل سبب من هذه الأسباب فيسألها: هل هذا السبب فيها أم لا؟ والمصيبة إن كانت جميع الأسباب موجودة.
وهذه الأسباب هي المقياس الذي نقيس به أحوالنا مع ربنا.
أي: لو أنعم الله عليك بنعمة فإنك تنسى شكر هذه النعمة وتهتم بها، مثلاً: نعمة الولد؛ فتجد أنك تنشغل بتربيته وتدريسه، وبنجاحه ورسوبه، وبمؤهلاته وزواجه، وكيف تختار له البنت التي سيتزوجها، وهكذا تهتم بالبنت، أي: كيف ستربيها وتزوجها.
التقيت مرة من المرات بشخص وسألته: أين كنت؟ فقال لي: كنت مسافراً أجهز بنتي، فقلت له: ألف مبروك، أهم شيء أنك اخترت لها العريس المناسب، فقال لي: البنت ما زال عمرها سنتين، فقلت له: وماذا تجهز إذاً؟! فقال لي: لا أحد يأمن الظروف!
وهذا شيء عجيب جداً، أي: أن يحمل همها بعد ثلاثين عاماً وما زال عمرها سنتين؟!
وتجده بعد ذلك إذا تقدم لها خاطب وعمرها ثمانية عشر عاماً، يخبره أن البنت ما زالت صغيرة على الزواج، ولم تكمل دراستها بعد، وتظل تدرس حتى يصل عمرها ثلاثين سنة، وتصبح أستاذة، وربما بعد أن تكون مدرسة لا يقبل أحد أن يتزوجها، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
فكلما سهلنا أمر الحلال صعب أمر الحرام، وكلما صعبنا أمر الحلال سهل أمر الحرام.
ولقد وصلتني رسائل واتصالات من مئات الفتيات اللواتي يستغثن بالله، وطلبن مني أن أكلم آباءهن بأن يقبلوا زواجهن من أي رجل يعرف الله، وليس من الضروري أن يكون عنده أملاك وأموال وكذا وكذا.
وهذا الأمر في رقبة الأب والأم، فليتقوا الله ولييسروا، فمن يسر يسر الله عليه، فربنا سيسهل أمر الزواج ويذلل العقبات، وسيبارك في هذا الزواج، فالواحد منا يفضل أن تعيش ابنته في بيت متواضع وهي سعيدة، على أن تعيش في قصر وهي مهانة، ولا أقصد أن تعيش عيشة مهينة، ولكن عيشة متوسطة، وأقصد الكفاءة أو ما يقترب منها، وطالما أن زوجها سيحرسها ويعزها ويضعها فوق رأسه، فالحمد لله.
وبعض الآباء تجده يصعب المسألة على الشاب المتقدم لابنته بكثرة الطلبات، فتجده يطلب منه أشياء غير موجودة، وبعض الآباء لا يستأمن زوج ابنته على الأثاث والجهاز الذي اشتراه لابنته، ويأخذ منه تعهداً ووصلاً بها.
إذاً: فاشتغال الناس بالنعمة عن شكرها من أسباب عدم التوفيق، فعلى كل واحد منا أن يبحث في نفسه هل هو يشكر النعمة أم ينشغل بها عن شكرها؟
فالإسلام نعمة، والإيمان نعمة، ومجلس العلم نعمة، والصحة نعمة، وكل نعمة تستوجب الشكر، يقول تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7].
مر أبو نواس يوماً برجل يضرب، فكان الرجل كلما ضرب ضربة يقول: الحمد لله، فقال له أبو نواس : استزدت.
تجد بعض الناس عندما يكون في مجلس العلم لمدة ساعة، يستنكر ويريد أن يستمر أكثر من ذلك، ولكن العلم حجة على صاحبه إذا ترك العمل.
مثل ذلك الرجل الذي جاء من أرض العراق يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم: (متى الساعة؟ فقال له: ماذا أعددت لها؟! فقال له: ما أعددت لها كثير صلاة ولا كثير صيام، ولكني أحب الله ورسوله، فقال له: أنت مع من أحببت).
ويقول تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، فالمسألة تريد ترجمة عملية.
ولو أن رجلاً صعد إلى المنبر وقال: اتقوا الله! ونزل من المنبر، لعدت خطبة، وكان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يصعد المنبر ويقرأ سورة (ق)، ويبكي الصحابة جميعاً، ولكن لو أن خطيباً في زماننا هذا قرأ سورة (ق) في الخطبة، لانتظر الناس ماذا سيقول بعدها.
خطب الحسن البصري ذات مرة في يوم جمعة، ثم أتت الجمعة الثانية فخطب نفس الخطبة، وفي الجمعة الثالثة خطب الخطبة نفسها، فقالوا: يا إمام! حفظناها، فقل لنا غيرها، فقال: إذا عملتم بها قلنا لكم غيرها.
وجاء رجل من أهل مكة، وكان مغتاظاً من الحسن ، وقال: لماذا هذا الرجل الذي من البصرة يحبه الناس؟! فجلس في مجلسه -أي: في مجلس العلم- وأراد أن يغيظه، فقال له: أنا من مكة، من عندنا خرج العلم، فقال له الحسن : ولم يعد!
مثلما يحصل هذه الأيام، كنا واقفين في صف، فجاء رجل وتقدم قبلنا، فقلت له: لماذا تتقدم؟ هل أنت حافظ للقرآن؟ فقال: لا، أنا سعودي! فقلت له: وماذا يعني أنك سعودي، ما دام أنك سعودي فيشك في أمرك.
وذات مرة حضرت درساً في المسجد الحرام، وكان هناك عالم يستفتونه، وأقسم بالله أنه كان يبحث على أصعب فتوى في كل منهج ويقولها، وهو على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، فإذا وجد أحمد بن حنبل أفتى بالتخفيف في مسألة، فتجده يقول: وقال أبو حنيفة ! لأن مذهب أبي حنيفة صعب في هذه المسألة، فلماذا هذا؟! وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ما يخير بين أمرين، إلا اختار الأسهل؛ تخفيفاً للناس.
ولكن هذا المفتي إذا وجد مسألة فيها التخفيف عند أحمد بن حنبل وأبي حنيفة ، والشافعي شدد في هذه المسألة، فتجده يفتي بقول الشافعي !
إذاً: فالعلم التطبيق، وليس مجرد العلم النظري.
كلنا نزاعون بطبيعة النفس الأمارة بالسوء إلى أن نذنب بسرعة، ونؤجل التوبة، حتى الذي لا يصلي، إذا قلت له: لماذا لا تصلي؟ يقول لك: من الجمعة القادمة سأصلي، أو من أول الشهر!! فما الذي يمنعك أن تصلي الآن، ولماذا التأجيل، صل حتى ولو كنت مذنباً، وبعضهم تجده لا يصلي إلا من أول رمضان، وبعضهم لا يصلي إلا من بعد أن يحج، ولا يعلمون أن ملك الموت لا ينتظر!
أي: تجد بعض الناس يفرح بأن بيته قريب من بيت شيخ أو عالم، فيغتر بهذا الشيء، ولكنه لا يقتدي بهم.
بل لا بد للعلماء أن يكونوا قدوات.
أي: تمشي الدنيا وهم يتبعونها، وهي ستمضي مولية عنهم.
أي: الآخرة ستأتي وكلنا سنموت، وتجد الناس يتشاءمون من هذا الكلام، ويبحثون عن أشياء في الدنيا.
أي: كأن الستة الأمور التي ذكرناها هي الفروع، وهنا الأصل، فالأصل في العبادة أن يكون عند المؤمن رغبة ورهبة، أي: خوف ورجاء، ويكونان له كالجناحين للطائر، مثل سيدنا عمر عندما قال: لو نادى مناد: كل الناس في الجنة إلا واحداً، لخشيت أن أكون هذا الواحد، ولو نادى مناد: كل الناس في النار إلا واحداً، لرجوت من الله أن أكون هذا الواحد.
إذاً: مسألة الخوف والرجاء مهمة جداً، لكن بلا خوف يوصل إلى القنوط، ولا رجاء يوصل إلى الأمن والأمان، ولكن نخاف أحياناً ونرجو أحياناً.
ولذلك الحديث عن الرجاء يكون للمذنبين، والحديث عن الخوف يكون للمؤمنين الذين سلكوا الطريق؛ لأن الذي سلك الطريق الصحيح مضمون، فنحدثه عن الخوف من الله، مثل الذي يحب ابنه والابن مطيع، فيبدأ يبعثه إلى مهمات حتى يعلمه، وأما الابن صاحب اللسان البذيء، فلا يهتم به، وسيحرجه أمام إخوانه.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأصله ضعف اليقين ].
واليقين هو القرب من الله عز وجل.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأصله ضعف البصيرة ].
أي: أصل اليقين ضعف البصيرة، وهذا من قوله تعالى: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأصله مهانة النفس ودناءتها ].
أي: النفس التي تتمسك بالدنيا.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير ].
أي: أنها راضية بالدنيا مع أن الآخرة كما قال تعالى: وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى:17].
أي: هذه النفس الصغيرة، عندما تطيع الله تكبر وتنمو، وتكون عظيمة، ومطمئنة وراضية ومرضية وملهمة، وتقترب من النفس الكاملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك يقول الله عز وجل: (عبدي ابتليتك فشكوتني إلى عوادك، وأنت يصعد منك في كل لحظة عمل سيئ وأنا لم أشكك إلى ملائكتي).
فانظروا إلى الفرق في المعاملة بين الرب والعبد، فتجد العبد عندما يصاب بمرض يشكو الله إلى الذين يأتون لزيارته، وعندما يذنب العبد وتصعد الملائكة بصفحاته سوداء إلى السماء، لا يشكوه الله تبارك وتعالى إلى ملائكته.
ولذلك نؤكد أن المسلم كما قال الله عز وجل: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ [الإسراء:84]، أي: على طبيعة النفس التي عنده، فإن زكاها سيعمل خيراً، وإن دساها فسيعمل شراً.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ من لم يعرف نفسه لم يعرف خالقه ].
كيف ذلك؟ جعل الله لنا في أبداننا بيتاً وهو القلب، وهو محط نظر الله، فالله لا ينظر إلى شكلك ولا إلى لبسك، ولا إلى حجمك، ولا إلى عزك، ولا إلى مالك، ولكن ينظر إلى قلبك، وهذا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). فالقلب محط نظر الله.
فكما أن الواحد منا يلبس اللباس الطيب لكي يراه الناس، فتقع أعينهم على شيء طيب، فكذلك يلبس قلبه لباس التقوى؛ لأنه محط نظر الله.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لـأبي ذر : يا أبا ذر ! أخلص النية فإن الناقد بصير، أي أنه يراك، وما دام أنه يراك، فأخلص نيتك.
قوله: (ووضع في صدره عرشاً) أي: صدر العبد، والصدر معناه الواجهة، مثل واجهة البيت، والعرب تسمي (الغرفة) التي لا يدخلها إلا الضيوف، وهذه الغرفة هي أجمل ما في البيت، ولذا يقول تعالى: أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا [الفرقان:75]، وهذه الغرفة يمشي فيها المؤمن ألفي سنة.
وقوله: (يستوي عليه المثل الأعلى) معنى: (المثل الأعلى) أي: المثل والمبادئ العليا، أي: الدين والإسلام، وليس هناك ما هو أعلى منها.
وقوله: (وعلى السرير بساط من الرضا) أي: فراش السرير هو الرضا، فيكون الإنسان راضياً، وعندما يكون قلبك ممتلئاً بالرضا، فأنت تعيش في الجنة لكن في الدنيا.
وقوله: (ووضع عن يمينه وشماله مرافق).
فليس من المعقول أن يكون البيت والعرش من غير مرافق.
وقوله: (مرافق شرائعه وأوامره) أي: لكي يكون على الطريق الصحيح، بهذه الأوامر والنواهي.
وقوله: (وفتح إليه باباً من جنة رحمته).
أي: جعله رحيماً بالناس، وشفوقاً وحنوناً بهم.
وقوله: (وأمطره من وابل كلامه ما أنبت فيه أصناف الرياحين، والأشجار المثمرة من أنواع الطاعات والتهليل والتسبيح والتحميد والتقديس).
أي: لابد عند نزول مطر من كلامه عز وجل، أن تثمر الشجرة خيراً.
وقوله: (وجعل في وسط البستان شجرة معرفة).
مثلما قال سيدنا علي :
غرس الزهد بقلبي شجره ثم نقى بعد جهد حجره
وسقاها إثر ما أودعها كبد الأرض بدمع فجره
وإذا ما أبصر طيراً مفسداً حائماً حول حماها زجره
نمت في ظل ظليل تحتها روح القلب ونحى ضجره
ثم بايعت إلهي تحتها بيعة الرضوان تحت الشجره
فإذا كانت هذه بلاغة سيدنا علي ، فكيف ببلاغة رسول الله صلى الله عليه وسلم!
وقوله: (وعلق في ذلك البيت قنديلاً).
وهو القلب الجميل، اللهم اجعل قلوبنا من هذه القلوب يا رب.
وقوله: (أسرجه) يعني: أضاءه.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ثم أحاط عليه حائطاً، يمنعه من دخول الآفات والمفسدين ].
أي: سوراً لهذا العرش، يمنع الشيطان من أن يدخل.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ومن يؤذي البستان فلا يلحقه أذاهم، وأقام عليه حرساً من الملائكة يحفظونه من أمر الله في يقظته ومنامه ].
وهذا من كرم الله سبحانه، أي: أن يبعث له ملائكة يخدمونه.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ثم أعلم صاحب البيت والبستان بالساكن فيه ].
فإذا كان الساكن داخل هذا البيت هو الله بأوامره ونواهيه، فالعبد يكون كأن الله في قلبه.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فهو دائماً همه إصلاح السكن ].
عندما يزورنا مسئول في البيت، فسنمنع الإزعاج في البيت، وضجة الأولاد، ولابد أن يكون كل شيء جاهزاً ومرتباً، فتقوم معه بواجب الضيافة كما ينبغي، فكذلك عندما يكون الله في قلب العبد ينبغي أن يجعله لائقاً بساكنه، ويعرف دائماً أن الله في قلبه.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولم شعثه ليرضاه الساكن منزلاً ].
مثل المسؤول إذا أتى إلى منزل أحدنا ووجده غير مرتب ونظيف، فسيخرج على الفور.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإذا أحس بأدنى شعث في السكن بادر إلى إصلاحه ولمه خشية انتقال الساكن منه ].
أي: صاحب البيت الذي هو العبد، يبادر إلى إصلاح قلبه.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فنعم الساكن، ونعم المسكن فسبحان الله رب العالمين ].
أي: يدخل في القلب الشيطان، ويدخل الغل والحقد والجشع والمؤامرات والنفاق، فلن يسكن هذه الأماكن إلا مثل هذا أي: الشيطان، وكما يقول المثل: إن الطيور الشريرة لا تطير إلا ليلاً، مثل الخفاش والبوم، هذه لا تطير إلا ليلاً، وكذلك قلب المؤمن إن خرب وأظلم يسكنه الشيطان، لكن إذا كان القلب نيراً فلن يسكن فيه مثل هؤلاء.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وهي معدة لقضاء الحاجة مظلمة الأرجاء، منتنة الرائحة، قد عمها الخراب وملأتها القاذورات، فلا يأنس بها ولا ينزل فيها إلا من يناسبه سكناها من الحشرات والديدان والهوام، الشيطان جالس على سريرها، وعلى السرير بساط من الجهل ].
فبعد أن كان بساط الرضا أصبح بساطاً من الجهل.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وتخفق فيه الأهواء وعن يمينه وشماله مرافق الشهوات، وقد فتح إليه باب من حقل الخذلان والوحشة، والركون إلى الدنيا ].
أي: بدلاً من أن كانت مرافق للأوامر والنواهي، فتكون مرافق الشهوات، والأول فتح له باباً من أبواب التوفيق، وهذا -والعياذ بالله- فتح له باباً من الخذلان.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ والطمأنينة بها والزهد في الآخرة، وأمطر بوابل الجهل والهوى والشرك والبدع ].
والأول كان يمطر بوابل الرحمة وأنواع الخيرات.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وما أنبت فيه أنواع مثمرة من المعاصي والمخالفات، من الزوائد والتنديبات، والنوادر والهزليات والمضحكات، والغزليات والخمريات، التي تهيج على ارتكاب المحرمات، وتزهد في الطاعات، فهي تؤتي أكلها كل حين من الفسوق والمعاصي، واللهو واللعب والمجون، والذهاب مع كل ريح، واتباع كل شهوة، ومن ثمرها: الهموم والغموم والأحزان والآلام، ولكنها متوارية بإشغال النفس بلهوها ولعبها، فإذا أفاقت من سكرها أحضرت كل هم وغم وحزن وقلق ومعيشة ضنك، وأجري إلى تلك الشجرة ما يسقيها من اتباع الهوى، وطول الأمل والغرور، ثم ترك ذلك البيت وظلماته وخراب حيطانه، بحيث لا يمنع منه مفسد ولا حيوان، ولا مؤذ ولا قذر؛ فسبحان خالق هذا البيت وذلك البيت ].
فبعد أن كان الأول تنبت فيه أنوع من التسبيح والتهليل والتحميد والتقديس، فهذا أثمر المعاصي والمخالفات، كالزوائد والتنديبات، والنوادر والهزليات والمضحكات، والغزليات والخمريات، التي تهيج على ارتكاب المحرمات وتزهد في الطاعات، وبعد أن كان الأول من ثمرة شجرته الرضا واليقين، فهذا ثمرة شجرته الغموم والأحزان والآلام.
ولذلك قالوا: انظر كم الله عندك، تعرف كم أنت عند الله، فإن كان الله عندك كل شيء، فأنت عند الله كل شيء.
اللهم اجعلنا كل شيء عندك يا أكرم الأكرمين، واختم لنا بالصالحات يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروما، اللهم اصرف عن بيوتنا شياطين الإنس والجن، واصرفهم عن قلوبنا، واشرح لنا صدورنا يا أرحم الراحمين.
لا تدع لنا في هذه الليلة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا مسافراً إلا سالماً غانماً لأهله إلا رددته.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، ثقل بهذه الجلسة موازيننا يوم القيامة، اللهم ثبت بها على الصراط أقدامنا يوم تزل الأقدام، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الجواب: يجوز لك عندما ترجع إلى منزلك يومي الخميس والجمعة أن تقصر الصلاة، وطالما أنك رجل فمن الأفضل أن تصلي في المسجد مع المقيمين وتتم الصلاة.
الجواب: نقوم برياضة للنفس، فعلى سبيل المثل: لا ينفع أن يأتي رجل ويقول لك: لف عشر لفات حول النادي الأهلي، وأنت غير رياضي أي: لا تمارس الرياضة، فيمكن أن تموت في أول لفة، لكن ممكن أن تجري لفة ثم لفتين، وهكذا مراحل مراحل.
فعلى الرجل والمرأة أن يقول كل منهما في نفسه -وهذا من باب رياضة النفس-: لن أغتاب أحداً من الساعة السابعة حتى الساعة الثامنة، ولو جاءك اتصال قبل الساعة الثامنة وفيه غيبة ونميمة، فأخبر المتصل أن التوقيت لم يكتمل بعد، وعليه أن يتصل بعد الساعة الثامنة، وبعد الساعة الثامنة يأتيك نفس الاتصال فتقول في نفسك: إذا كان الله موجوداً من الساعة السابعة إلى الساعة الثامنة، فهو كذلك موجود من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة، وهكذا يبدأ العبد في رياضة نفسه وقلبه بالتدريج، وكلما شغل الإنسان نفسه بالطاعات ومجالس العلم، وبذكر الله، فسيكون من الصعب عليه أن ينطق بحرام.
الجواب: نحن لا نفرق بين أحد منهم، أما منزلتهم في الجنة فنحن ليس لنا شأن في هذا، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ما كنت ليلة المعراج أقرب من الله عز وجل من يونس في بطن الحوت، لا تفضلوني على يونس بن متى).
ولكن تجد بعض الناس يتكلمون على الأنبياء بنوع من السخرية، وهذا حرام، فالكلام عن الأنبياء يجب ألا يكون فيه مزاح، مثل الأوروبيين عندما يتكلمون عن موسى، يقولون: الزعيم العاقل، فماذا تعني هذه الكلمة؟
مع أن سيدنا الحبيب كان يتمثل في الصبر بسيدنا موسى، فكان يقول: (رحم الله أخي موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر).
ومع ذلك قد ألقى الألواح مرتين، أولاهما: عندما بلغه أن أهله وقومه اتخذوا العجل.
ثانيهما: عندما تلقى الألواح وقرأها قال: قرأت الألواح يا رب فوجدت أمة من الأمم الحسنة لهم بعشر أمثالها وقد تزيد، والسيئة بمثلها وقد تعفو، فقال: اجعلهم من أمتي يا رب! قال: كلا يا موسى! إنهم أمة أحمد، ثم قرأ في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم، يحفظون الكتاب، فقال: اجعلهم من أمتي يا رب! قال: كلا يا موسى! إنهم أمة أحمد، ثم قرأ في الألواح فوجد أمة يتصدقون بالصدقات ويأكلونها، فقال موسى: اجعلهم من أمتي يا رب! قال: كلا إنهم أمة أحمد؛ لأن اليهود كانوا عندما يتصدقون يضعون صدقاتهم على الجبل، ثم تنزل صاعقة تحرقها؛ لأنهم لم يكونوا يأكلون مع الفقير.
فقال ابن عباس راوي الحديث: فوالله ألقى موسى الألواح من يديه وقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد، وهذا تواضع من سيدنا موسى وليس غضباً.
الجواب: لا شك في ذلك، أي: أن الملكات الروحية تختلف من شخص لآخر، حتى الصحابة أنفسهم، فمثلاً: سيدنا خالد بن الوليد عندما كان يصلي بالصحابة في معركة اليرموك، كان يقرأ آية فيغلط فيردونه، فيقرأ مرة أخرى فيغلط، حتى وصل لأربع غلطات في ركعة واحدة، وبعد أن أكمل الصلاة قال: شغلتني الحروب عن حفظ كتاب الله، فكان عمله القتال، ولكن سيدنا ابن مسعود كان أستاذ علم، ويأتي رجل مثل سيدنا عمر يختلف عنهما، فهو حاكم عادل، وعثمان بن عفان التاجر السخي، وأبو ذر الحيي، وأبو موسى الأشعري العابد، وهكذا، فكل شخص له ملكات روحية مختلفة، أما بقية الكائنات فلندعها وشأنها، ولنشغل أنفسنا بهذا الكائن المتعب، الذي هو الإنسان.
الجواب: هذه من المبشرات، وعليه أن يكثر من قراءة القرآن.
الجواب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يركع يقول: سبحان ربي العظيم.. سبحان ربي العظيم.. سبحان ربي العظيم، وما بين كل تسبيحة وتسبيحة وقفة بمقدار تسبيحة، لكن نحن الآن نسبح بطريقة سريعة جداً، فعلى الإنسان أن يسكت ولا يقول فيها شيئاً.
الجواب: لا، هذا ليس كفراً، ولكنه من وساوس الشيطان، وعليك بالإكثار من قراءة قل هو الله أحد بعد الاستعاذة منه، وتكثر من قول: لا إله إلا الله، ولا يتوب الإنسان من ذلك لأنه لم يرتكب ذنباً؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله! نفكر في أشياء نستحي أن نقولها! -أي: أشياء في الذات الإلهية- فقال: هذا دليل الإيمان. فلم يعسر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشيء، فلا يقلق السائل.
جعلنا الله وإياكم من الميسرين، وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر