الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فصل: والأسارى من الكفار على قسمين ]:
يعني: من يأسره أهل الإسلام في القتال والحرب على قسمين:
[ قسم يكون رقيقاً بمجرد السبي ]، يعني: إذا سبي كان رقيقاً بسبيه، [ وهم النساء والصبيان ]؛ لحديث سبايا هوازن في البخاري ، وكذلك سبايا بني المصطلق في مسند الإمام أحمد .
وعلى ذلك فإذا أسرت المرأة كانت بمجرد الأسر رقيقة أمة، وإذا أسر الصبي كان بمجرد الأسر رقيقاً، هذا هو حكم النبي عليه الصلاة والسلام، ومثلهم الراهب الذي يشتغل بالعبادة ولا يقاتل أهل الإسلام إذا سبي كان بمجرد السبي رقيقاً كالنساء والصبيان.
قال: [ وقسم لا ]، يعني: لا يكونون بمجرد الأسر رقيقاً، [ وهم الرجال البالغون المقاتلون، والإمام فيهم مخير بين قتل ورق ومَنٍّ وفداء بمال أو بأسير مسلم ].
يعني: إن الإمام إذا أخذ أسيراً من الكفار فإنه يخير، أي الإمام، وهذا التخيير ليس على التشهي ولكن بناء على ما تكون فيه المصلحة، نقول: أنت أيها الإمام مخير في هذا الأسير الرجل البالغ المقاتل، فإن شئت أن تقتله فعلت، قال الله جل وعلا:
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
[التوبة:5].
وجاء في مراسيل أبي داود : (أن النبي عليه الصلاة والسلام قتل يوم بدر ثلاثة صبراً)، يعني: من الأسرى.
وإن شاء أن يسترق فيقول: أنت رقيق.
وإن شاء فليمكن، وهو أن يطلقه مجاناً.
وإن شاء فداه بمال فيقول: ادفع كذا وكذا لنطلق سراحك ونفك أسرك.
أو يفديه بأسير مسلم، فيقول: أطلقوا لنا أسيرنا فلاناً ونطلق أسيركم.
قال الله جل وعلا:
فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً
[محمد:4].
إذاً: يخير الإمام بين هذه الأمور إذا أسر الرجل البالغ، فإن شاء أن يقتله، وإن شاء أن يسترقه، وإن شاء أن يطلقه مجاناً، وإن شاء أن يأخذ على إطلاقه ثمناً، وإن شاء أن يطلقه بأسير من أسرى المسلمين أو أكثر.
قال: [ ويجب عليه فعل الأصلح ].
يعني: يفعل الإمام الأصلح لأنه ناظر على المسلمين، فيفعل ما هو الأصلح من الأمور المذكورة.
[ ولا يصح بيع مسترق منهم لكافر ].
يعني: إذا أخذنا أسيراً منهم فجعلناه رقيقاً فليس لنا أن نبيعه لكافر، لأن من المقاصد الشرعية في استرقاقه أن نعرض الإسلام عليه، لعله يهتدي ويدخل في الإسلام إذا جالس أهل الإسلام وعمل عندهم وخدمهم، فيرى أخلاقهم ويدخل في الإسلام، فإذا بعناه للكافر فاتت هذه المصلحة، ولذا فإن هذا الرقيق لا يباع لكافر.
قال: [ ويحكم بإسلام من لم يبلغ من أولاد الكفار عند وجود أحد ثلاثة أسباب، أحدها: أن يسلم أحد أبويه خاصة ].
يعني: نحكم أن هذا الصبي الذي أسرناه واسترققناه نحكم بأنه مسلم بأمور: إما أن يسلم أحد أبويه خاصة، فإذا أسلم أحد أبويه تبع الصبي هذا الأب المسلم، سواء كانت الأم أو الأب، ومعنى هذا أنه لا يشترط أن يسلم أبواه جميعاً.
[ الثاني أن يعدم أحد أبويه بدارنا ].
إذا زنا أحد الأبوين فقتل بزناه، فإنا نحكم بأن ابنه مسلم أو بأن ابنته مسلمة، وذلك لأنه إنما يلحق بأبويه جميعاً، وحيث عدم أحد الأبوين فإنا نحكم بإسلامه لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (فأبواه يهودانه أو ينصرانه)، وعلى ذلك فنحكم بأنه مسلم إذا عدم أحد أبويه بدارنا، لأنه قد انقطعت تبعيته لأبويه لانقطاعه عن أحدهما.
[ الثالث: أن يسبيه مسلم منفرداً عن أحد أبويه ].
فإذا سباه مسلم وكان منفرداً عن أحد أبويه، فإنه يحكم بإسلامه بإجماع العلماء.
[ فإن سباه ذمي فعلى دينه ].
والذمي هو الذي يعيش في بلادنا وتجري عليه أحكامنا من اليهود والنصارى، فإذا قاتل معنا هذا اليهودي وسباه فإنا نحكم بأنه ذمي مثله، يعني: نجعل له دين هذا الذي سباه.
[ أو سبي مع أبويه فعلى دينهما ].
إذا سبي مع الأبوين جميعاً فهو على دينهما، للحديث المتقدم الذي يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (فأبواه يهودانه أو ينصرانه).