قال: [ ويمنعون من ركوب الخيل ]؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه)، رواه الدارقطني من حديث عائذ بن عمرو ، وهو حديث حسن.
فيمنعون من ركوب ما يشرفون به، لأن ركوب الخيل فيه شرف، بل يسمح لهم بركوب الإبل وبركوب البغال والحمير ولا يسمح لهم بركوب الخيل في أسواق المسلمين؛ لأنها من مركوب الشرف.
قال: [ وحمل السلاح ]، فلا يسمح لهم بحمل السلاح لأنهم في ذلة وصغار.
[ ومن إحداث الكنائس ] يعني: يمنعون من بناء كنائس جديدة، [ ومن بناء ما انهدم منها ]، فإذا انهدم منها شيء فيمنعون من بنائه، يعني: ما دامت هذه الكنيسة باقية فإنهم يصلون فيها ويرممونها؛ لكن إذا انهدمت منعوا من بنائها.
[ ومن إظهار المنكر ]، كشرب الخمر، [ والعيد ] أي: أعيادهم، [ والصليب، وضرب الناقوس، ومن الجهر بكتابهم، ومن الأكل والشرب نهار رمضان، ومن شرب الخمر وأكل الخنزير ]، هذا كله يمنعون منه.
[ ويمنعون من قراءة القرآن، وشراء المصحف، وكتب الفقه والحديث ]، أي: حتى لا يبتذلوا ذلك.
[ ومن تعلية البناء على المسلمين ].
يعني: إذا كان البناء عند أهل الإسلام -مثلاً- دور واحد فيمنع الذمي من أن يبني دورين حتى لا يكون منزله شاهقاً فوق بيوت أهل الإسلام؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وهو ذمي دفع الجزية لنا صغاراً وذلة.
قال: [ ويلزمهم التميز عنا بلباسهم ].
يعني: يكون لهم لباس يتميزون به عن أهل الإسلام حتى يعاملوا المعاملة التي يختصون بها، لأنهم إذا لبسوا لباس أهل الإسلام لم يتميزوا ولم نتمكن من معاملتهم بالمعاملة المناسبة لهم.
قال: [ ويكره لنا التشبه بهم ]، والصحيح التحريم، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من تشبه بقوم فهو منهم)، رواه الإمام أحمد .
[ ويحرم القيام لهم ].
يعني: إذا قدموا إلى المجلس لا يجوز أن يقوم لهم أهل المجلس؛ لأن هذا تعظيم لهم.
قال: [ وتصديرهم في المجالس ].
أي: لا يكونون في صدر المجلس، بل يكونون في جوانبه وأطرافه، لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
قال: [ وبداءتهم بالسلام ].
يعني: لا نبدؤهم بالسلام ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم : (لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه).
إذاً: لا يبدأ بالسلام، فلا تقول للذمي: السلام عليكم، لكن إذا سلم عليك فإنك تجيبه كما يأتي إن شاء الله.
قال: [ وبكيف أصبحت أو أمسيت وكيف أنت أو حالك ].
أي: لا يبدءون كذلك بالسؤال: كيف أصبحت، كيف أمسيت، كيف أنت، كيف حالك، بل يترك الذمي حتى يبدأ هو بذلك.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بل يجوز أن يبدءوا بكيف أصبحت وكيف أمسيت، وهذا أصح، لأن هذا سؤال لا دعاء، أما (السلام عليكم) فهي تحية فيها دعاء وفيها تشريف وأما كيف أنت وكيف حالك، فالذي يترجح الجواز، لاسيما إذا كان هو الجالس الذي ينتظر، فإنه قد لا يليق أن تقدم أنت إليه في مكانه وهو جالس ينتظرك ثم إنك لا تبدؤه بأي تحية، فالأقرب أنك تقول له: كيف أمسيت، كيف أصبحت، كيف حالك، كيف أنت، هذا هو الأقرب والله أعلم.
قال: [ وتحرم تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم ].
لا يجوز أن تهنئهم بمولود، أو أن تهنئهم بغير ذلك كربح تجارة.
كذلك لا يجوز أن تعود مريضهم، ولا أن تعزيهم في مصاب.
والقول الثاني: وهو رواية عن أحمد وهو الصواب كما قال في الإنصاف: أنه يجوز أن تهنئهم وأن تعود مرضاهم وأن تعزيهم، ويدل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام عاد أبا طالب وكان مريضاً كما في الصحيحين، وعاد غلاماً كان يخدمه من اليهود، وقال له: أسلم فأسلم.
فالصحيح أنه يجوز أن تعوده إذا رجوت إسلامه، وكذلك تعزيه في مصابه وتهنيه، لكن لا يجوز أن نهنئهم بأعيادهم الدينية لأن في ذلك إقراراً لهم على ما هم عليه من الأعياد والطقوس الدينية، وأما أن يهنئوا على مولود أو ربح تجارة أو شهادة فلا بأس بذلك، إذا رجي إسلامه.
[ ومن سلم على ذمي ثم علمه سن قوله: رد علي سلامي ]، يعني: إذا سلمت على يهودي أو نصراني تظنه مسلماً فبان أنه ليس بمسلم فإنه يسن أن تقول: رد علي سلامي، روي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه.
قال: [ وإن سلم الذمي لزمه رده، فيقال: وعليكم ].
يعني: إذا قال الذمي: السلام عليكم فإنك ترد فتقول: وعليكم كما جاء ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام، والصحيح أنك إذا أمنت سلامه فإنك تقول: وعليكم السلام، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (وعليكم) لليهود؛ لأنهم كانوا يقولون: السام عليكم، يعنون الموت.
فكانوا يلحنون القول، وأما إذا كان كلامه واضحاً ويعلم أنه قال: السلام عليكم، فالذي يظهر أنه يرد عليه، كما جاء ذلك أيضاً عن النبي عليه الصلاة والسلام.
[ وإن شمت كافر مسلماً أجابه بيهديك الله ].
أي: إذا عطست فشمتك كافر فقال: يرحمك الله، فإنك تقول: يهديك الله، أما إذا عطس هو فإنك تقول له: يهديك الله، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لليهود وكانوا يتعاطسون في مجلسه عليه الصلاة والسلام فكان يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم، كما جاء في أبي داود والنسائي .