إسلام ويب

دليل الطالب كتاب الطلاق [3]للشيخ : حمد الحمد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الطلاق لا يقع بالقلب ما لم يتلفظ الزوج القادر على اللفظ، وألفاظ الطلاق منها الصريح ومنها الكناية، والأحكام تختلف باختلافها كما تختلف باختلاف الأحوال التي صدرت فيها.

    لفظ الطلاق وما تصرف منه

    ثم قال المؤلف رحمه الله: [ باب صريح الطلاق وكنايته ].

    الألفاظ الصريحة في الطلاق وفي غيره هي التي لا تحتمل غير المراد.

    وأما الكناية فهي التي تحتمل المراد وتحتمل غيره.

    فإذا قال: أنت طالق، فهذا صريح لا يحتمل إلا الطلاق، وإذا قال: اذهبي إلى أهلك، فهذه كناية قد يريد بها الطلاق وقد يريد بها غيره، وقوله: غطي وجهك، قد يريد بذلك الطلاق وقد يريد به غيره.

    إذاً: الصريح هو الذي لا يحتمل غير المراد، فصريح الطلاق هو الذي لا يحتمل إلا الطلاق، وكناية الطلاق هي التي تحتمل الطلاق وتحتمل غيره.

    هنا الحنابلة عندهم صريح الطلاق من جهة اللفظ هو لفظ الطلاق وما تصرف منه، ولذا قال المؤلف: [ صريحه لا يحتاج إلى نية، وهو لفظ الطلاق وما تصرف منه ]، كطالق وطلقتك ومطلقة، [ غير أمر ] مثل: اطلقي، [ وغير مضارع ]، مثل: تطلقين.

    اطلقي: هذا أمر والأمر لا يتوجه إلى المرأة في الطلاق.

    وتطلقين: هذا في المستقبل.

    [ ومطلِّقة: اسم فاعل ]، إذا قال: أنت مطلقة -اسم فاعل- فهذا ليس من صريح الطلاق.

    وقال الشافعية: بل صريح الطلاق هو الطلاق وما تصرف منه، وكذلك الفراق، وكذلك السراح.

    لأن الله ذكر التسريح وذكر الفراق في القرآن، وهي: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130]، فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229].

    وقال شيخ الإسلام وتلميذه ابن قيم الجوزية واختار هذا القول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي : صريح الطلاق وكنايته يرجع فيه إلى العرف فما كان صريحاً في العرف فهو من صريحه، وما كان كناية في العرف فهو من كنايته، والناس يختلفون في هذا بحسب لغاتهم ولهجاتهم وأعرافهم، وهذا هو الراجح.

    في بعض البلاد إذا قال لها: تغشي، فهي كلمة تفيد الطلاق عندهم ولا تحتمل غيره، وبعض البلاد تحتمله وتحتمل غيره، وهكذا.

    وعلى ذلك فنرجع في هذه المسألة إلى العرف، فما عد في العرف صريحاً فهو صريح، وما عد في العرف كناية فهو كناية.

    بقي الآن أن نعرف ما الذي يترتب على معرفتنا أن هذا من صريح الطلاق وأن هذا من كنايته؟

    قال المؤلف: صريحه لا يحتاج إلى نية.

    فإذا قال: أنت طالق، لا نسأله عن نيته، فهذا اللفظ يكفي، فلا تشترط فيه النية.

    ولذا قال المؤلف: [ فإذا قال لزوجته: أنت طالق طلقت هازلاً كان أو لاعباً أو لم ينو ].

    لأنه لا عبرة بنيته من جهة الحكم.

    وقال هنا: (هازلاً كان أو لاعباً).

    لقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الخمسة إلا النسائي : (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة)، فحتى لو كان هازلاً فإن الطلاق يقع.

    إذاً: إذا قال: أنت طالق، طلقت منه ولو لم ينو، هذا في الحكم، وذلك لأن القاضي يحكم بنحو ما يسمع، فما ظهر له حكم به، فعندما يقول لامرأته: أنت طالق، فهذه العبارة صريحة في الطلاق لا تحتمل غيره، وهو على ذلك يحكم بنحو ما يسمع.

    لكن إذا لم يترافاعا إلى القاضي وقال: أنا عندما قلت لها: أنت طالق، إنما أردت أن أقول: أنت طالق من زوج سابق، أو أردت أن أقول: أنت طاهر فسبق ذلك على لساني، فيدين فيما بينه وبين الله، فنقول: أنت الذي تكلمت بهذا اللفظ والأمر في ذمتك فيما بينك وبين الله جل وعلا.

    إذاً: فيما بينه وبين الله يدين، لكن في الحكم لو أن المرأة قالت: إنه طلقني، وذهبت إلى القاضي وأقر أنه قال: أنت طالق، فلا يقبل القاضي منه ذلك، فالقاضي يحكم بصريح هذه العبارة، لكن في باب الفتيا يدين فيما بينه وبين الله جل وعلا.

    حكم من سئل عن الطلاق فأقر وهو كاذب

    قال: [ حتى ولو قيل له: أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم. يريد الكذب بذلك ].

    لو قيل له: أطلقت امرأتك؟ قال: نعم، طلقت، لأنه معلوم أن المذكور في السؤال كالمعاد في الجواب، فكأنه قال: نعم طلقتها، وعلى ذلك فتطلق امرأته، أي أن هذا صريح أيضاً.

    قال: [ ومن قال: حلفت بالطلاق. وأراد الكذب ثم فعل ما حلف عليه وقع الطلاق حكماً، ودين ].

    قال: أنا حلفت بالطلاق أن امرأتي لا تذهب إلى السوق، وهو كاذب، فذهبت المرأة إلى السوق ثم إن المرأة قالت: فلان قال لي: إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق، وأنا ذهبت إلى السوق، وذلك من أجل إيقاع الطلاق، فقال: أنا أكذب، فهنا يقول: وقع الطلاق حكماً، لأنه قد أقر على نفسه قبل ذلك فيؤاخذ بإقراره في الحكم عند القاضي، لكن فيما بينه وبين الله جل وعلا يدين.

    أي: إن قال: أنا كاذب في هذه اليمين وما حلفت، لكني أردت أن أمنعها فقلت: يا فلانة اعلمي أني قد حلفت قبل قليل أنك إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق، وأنا في الواقع لم أحلف؛ لكنها ذهبت تريد إيقاع الطلاق، فقال: أنا ما حلفت وإنما كذبت لأمنعك.

    فمن جهة الحكم يقع الطلاق، وفيما بينه وبين الله يدين، يعني: إذا لم يترافعا إلى القاضي فإنه يجعل هذا ديناً ويقال له: اتق الله، وأنت أعرف هل أنت صادق أم كاذب؟ هذا كله على الكلام بوقوع الحلف بالطلاق، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله في موضعه.

    حكم من قال علي الطلاق أو يلزمني الطلاق

    قال: [ وإن قال: علي الطلاق، أو يلزمني الطلاق فصريح ].

    إذا قال: علي الطلاق، فهذا صريح. وإذا قال: يلزمه الطلاق، فهذا صريح، وعلى ذلك فلا يحتاج إلى نية.

    قال: [ منجزاً أو معلقاً ].

    (منجزاً) كما لو قال: ليلزمني الطلاق، يعني الآن، ومعلقاً كما إذا قال: إن فعلت كذا فعلي الطلاق، فهذا معلق، ويأتي الكلام على هذا إن شاء الله في درس قادم في مسألة الحلف بالطلاق.

    قال: [ أو محلوفاً به ].

    حكم من قال علي الحرام

    قال: [ وإن قال: علي الحرام إن نوى امرأته فظهار ].

    هذا الرجل قال: علي الحرام، ونوى تحريم المرأة، فالحكم أنه ظهار، فيعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً.

    وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يفصل في قول الرجل لامرأته: أنت علي حرام، بين التنجيز وبين التعليق، فإذا قال: أنت علي حرام منجزاً، فهذا ظهار، وعليه كفارة الظهار، وهي عتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً.

    وإن كان معلقاً كأن قال: يا فلانة إن حصل كذا فأنت علي حرام، فهذا فيه تفصيل أيضاً، فإن كان يريد إيقاع التحريم فإن عليه كفارة الظهار، فلو قال: إذا دخل رمضان فأنت علي حرام، فدخل رمضان نقول: إن جامعتها في رمضان فعليك كفارة الظهار، ولذا يجب أن تجتنبها في رمضان، وإن كان يريد الحلف فقط، أي: يريد أن يمنع نفسه من شيء أو يحث نفسه على شيء، فإن فيها كفارة اليمين.

    بعض الناس يريد أن يمنع نفسه من شيء فيقول: إن شربت الدخان فامرأتي علي حرام، أو يقول: إن ذهبت يا فلانة إلى السوق فأنت علي حرام، يريد أن يمنع امرأته فقط، فهذا عليه كفارة يمين، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنه في تحريم المرأة، قال: هي يمين يكفرها. رواه مسلم .

    وفي النسائي أنه قال: (أعتق رقبة) وهذا دال على التفصيل المتقدم.

    إذاً إذا قال: أنت علي حرام منجزاً بذلك فعليه كفارة ظهار، وإن قال: أنت علي حرام إن حصل كذا أو إن فعلت كذا فنسأله عن نيته: فإن كان يريد إيقاع التحريم فهذا ظهار، وإن كان لا يريد إيقاع التحريم وإنما يريد المنع أو الحبس أو التأكيد فهي يمين فيها الكفارة،

    قال: [ وإلا فلغو ].

    هذا رجل قال: علي الحرام، إن أراد امرأته قلنا: هذا ظهار، وإن لم يرد امرأته فهذا لا يطلق، لأنه لم يحرم شيئاً بعينه، فلم يحرم العسل، ولم يحرم اللحم، وعلى ذلك فهو لغو، إذاً: إذا قال: علي الحرام فإن أراد امرأته فهو ظهار وإن لم يرد امرأته فهو لغو لأنه لم يعين شيئاً مباحاً حرمه على نفسه.

    حكم من طلق زوجته ثم شرك ضرتها

    قال: [ ومن طلق زوجة له ثم قال عقبها لضرتها: شركتك، أو أنت شريكتها، أو مثلها، وقع عليهما ].

    قال لفلانة من نسائه: أنت طالق، فقالت ضرتها: اتق الله لماذا تطلقها؟ فقال: وأنت شريكتها، يعني: شريكتها في الطلاق، ولذا قال: (ثم قال لضرتها: شركتك، أنت شريكتها أو مثلها وقع عليهما)، أي أن هذا من صريح الطلاق، ولا يحتاج إلى نية.

    حكم من قال امرأتي طالق وله أكثر من زوجة

    ثم قال: [ وإن قال: علي الطلاق، أو امرأتي طالق ومعه أكثر من امرأة ].

    هذا رجل قال: علي الطلاق، أو قال لامرأته: طالق، ومعه امرأتان أو ثلاث أو أربع.

    قال: [ فإن نوى امرأة معينة انصرف إليها ].

    لو قال: أنا عندما قلت: امرأتي طالق كنت أعني فلانة، فينصرف إلى فلانة.

    قال: [ وإن نوى واحدة مبهمة أخرجت بقرعة ].

    عنده أربع، فقال: امرأتي طالق، فقلنا: أي نسائك؟ قال: أنا لم أعين واحدة، فلم أعين فلانة ولا فلانة ولا فلانة، لكني أريد واحدة، فتخرج بالقرعة، أي: توضع قرعة ومن خرجت قرعتها طلقت.

    قال: [ وإن لم ينو شيئاً طلق الكل ].

    لأن هذا مفرد مضاف، والمفرد المضاف يفيد العموم، فنقول: إذاً كل امرأة لك فهي طالق.

    حكم من طلق بقلبه

    قال: [ ومن طلق في قلبه لم يقع طلاقه ].

    إذا طلق بقلبه ولم يتلفظ بلسانه فإن الطلاق لا يقع، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم).

    قال أهل العلم: ومثل ذلك لو حرك بيده ولم يتلفظ، ومثل ذلك لو أشار إشارة وليس بأخرس، أما إشارة الأخرس فإنها يعتد بها، لكن لو أشار بالطلاق بحركة بيده فإن الطلاق لا يقع حتى يتلفظ، أو كتب هكذا في الهواء فإن المرأة لا تطلق.

    قال: [ فإن تلفظ به أو حرك لسانه وقع، ولو لم يسمعه ].

    ما دام أنه حرك لسانه ونطق بالطلاق ولو لم يسمعه بأذنه فإن المرأة تطلق؛ لأنه نطق به وتكلم.

    حكم الطلاق بالكتابة

    قال: [ ومن كتب صريح طلاق زوجته وقع ].

    وهذا كالذي يكتبه الآن برسالة جوال، أو يكتبه بورقة، فإنه يقع، فالكتابة تقوم مقام اللفظ، أي أن الكتابة صريحة في الطلاق، لأنها تتكون من حروف تكتب.

    [ فلو قال: لم أرد إلا تجويد خطي، أو غم أهلي، قبل حكماً ]، لو قال: أنا ما أردت إلا أن أجود خطي أو لم أرد إلا غم أهلي، قبل ذلك حكماً، يعني: عند القاضي.

    أما قوله: تجويد خطي فهذا احتمال، لأن بعض الناس قد يقع منه ذلك، وقد تكون هناك قرينة تدل على كذبه، كما لو كتب فقال: باسم الله، أنا يا فلان ابن فلان قد طلقت، فنقول: هذا ليس موضع تجريب الخط، لكن بعض الناس عندما تكون عنده ورقة يكتب هنا وهنا عبارات، وربما يكتب هذه الكلمة، فهذا إذا كان من هذا النوع فإن هذا يقبل حكماً.

    وأما إذا كتبها محررة كعادة الناس في كتابة الطلاق فالذي يظهر لي أن هذا من صريح الطلاق.

    قوله: (أو غم أهلي)، إذا قال: أنا ما أردت إلا أن تصل إليهم هذه الرسالة في الجوال ويقع في قلبهم غم، فكنت أريد أن أؤدبهم ولا أريد الطلاق، وهذا أيضاً لا يقبل، ولذا قال في الكافي: إن ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله أنه يقع، وهذا هو الصحيح، لأن هذا صريح في الطلاق.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088952795

    عدد مرات الحفظ

    780106996