إسلام ويب

دليل الطالب كتاب الحدود [3]للشيخ : حمد الحمد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الخمر مفسد للعقل مضر بالبدن، فمنافعه قليلة وأضراره كثيرة، وقد حذر الشرع منه وبين عقوبة فاعله في الدنيا والآخرة.

    الدليل على تحريم المسكر وأقوال العلماء في ذلك

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: حد المسكر].

    السكر: لذة ونشوة يذهب معها العقل، فلا يدري صاحبها ما يقول ، قال تعالى: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43]، وقد أجمع أهل العلم على تحريم الخمر، وإنما وقع الخلاف في ما لم يسكر قليله من غير العنب، وأما ما أسكر قليله فلا خلاف بين أهل العلم في تحريمه كله، سواء كان من العنب أو التمر أو الحنطة أو الشعير، أو العسل، وقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير).

    وأما إذا كان قليله لا يسكر لكن كثيره يسكر فأجمعوا كذلك على تحريمه إذا كان من العنب، فما كان من العنب فإنه حرام وإن كان قليله لا يسكر ما دام أن كثيره مسكراً، وأما إذا كان من غير العنب فقال أهل الكوفة: إنه جائز، وهذا خلاف ما ذهب إليه عامة أهل العلم، فعامة أهل العلم على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام، وقد جاء هذا صريحاً كما عند الخمسة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما أسكر كثيره فقليله حرام)، وفي أبي داود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام) .

    وأما أهل الكوفة فأجازوه من غير العنب إن كان قليله لا يسكر، ولا يشرب كثيراً يسكره.

    إذاً: فهم يقولون: أولاً: ألا يكون من العنب، ثانياً: أن يكون قليله لا يسكر، فإذا قدر مثلاً أن شراب الشعير يسكر منه قدر لترٍ فشرب منه ربع لترٍ، وكان ربع اللتر هذا كما تقدم في هذا الحد لا يسكر فلا حرج عليه في ذلك، هذا هو قولهم، فلا يقولون بشرب النبيذ مطلقاً كما يفهم بعض الناس ويغلط، بل يرون أنه له أن يشرب هذا القليل الذي لا يسكر، ولو زاد فشرب زيادةً سكر، لكنه لم يشرب إلا هذا القدر الذي لا يسكر، ومع ذلك فقد ذهب عامة أهل العلم إلى القول بتحريم ذلك، بل قالوا: بأن شارب هذا القليل يحد، ولم يقولوا ذلك في النكاح بلا ولي؛ لأن الأحاديث فيه أظهر.

    والجمهور يقولون: إن من نكح بلا ولي فإنه لا يقام عليه الحد، وأما من شرب النبيذ من غير العنب الذي يسكر كثيره وقد شرب منه قليلاً فقالوا: إنه يحد؛ قالوا: لأن هذا ذريعة إلى شرب الكثير، ولأن الأحاديث فيه أصرح.

    قال الإمام أحمد رحمه الله في الأحاديث في تحريم ذلك: تثبت من عشرين وجهاً، وقال رحمه الله: لا يصح في الرخصة في المسكر حديث.

    وقال ابن المنذر رحمه الله: وقد استدل أهل الكوفة بأحاديث معلولة ذكرناها وذكرنا عللها. إذاً: لا يصح في هذا الباب حديث.

    حد من شرب مسكراً

    قال: [ من شرب مسكراً مائعاً أو استعط به ] ؛ لأن المقصود من ذلك: أن يدخل بدنه سواء كان هذا بشربٍ أو استعاط، والاستعاط من الأنف، [ أو احتقن به ] كحقنة في الدبر، [أو أكل عجيناً ملتوتاً به ] ، أي: أكل عجيناً عجن بالخمر، ولو لم يسكر لما تقدم، ما دام أن كثيره مسكر فإن ذلك لا يجوز.

    وأما لو استُهلك كالذي يخلط في ماء فيستهلك ويبقى الاسم للماء كبعض المشروبات التي يكتب على عبواتها أن فيها نسبة من الكحول، لكن هذه لو تشرب منها الكثير فإنه لا يسكر، فهذا قد استهلك وذهب، ولا يخلو كثير من الأشربة من وجود نسبة معينة من كحول، لكن هذه النسبة مستهلكة، ولذا لا حرج في شرب ما يصنع من الشعير الذي لا يسكر، ويأتي ما ثبت من شربه عليه الصلاة والسلام لذلك إذا لم يتجاوز ثلاثة أيام، يأتي ذلك إن شاء الله.

    قال: [ ولو لم يسكر حد ثمانين إن كان حراً ]، وألحق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الحشيشة بذلك، وهذا ظاهر، ولذا قال عمر رضي الله عنه: (والخمرة ما خامر العقل)، فما أذهب العقل فهو خمر، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام)، رواه مسلم في صحيحه.

    قال: [ حد ثمانين إن كان حراً ] ، وأما العبد فإنه يحد أربعين، كما تقدم في حد الزنا -يعني: قياساً على حد الزنا- والدليل على أنه يحد ثمانين ما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، قال: (أتي النبي عليه الصلاة والسلام برجل شرب الخمر فأمر بضربه بجريدتين نحواً من أربعين، وفعله أبو بكر ، فلما كان عمر رضي الله عنه استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف : أخف الحدود ثمانون، فأمر به) إذاً: فهي سنة عمرية.

    وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (جلد النبي عليه الصلاة والسلام أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي) يعني: الجلد بالثمانين، فهذه زيادة على ما كان على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى ما كان في عهد أبي بكر ، وهذه الزيادة دعا إليها استشراء الخمر وكثرة شربها، فلما رأى عمر ذلك رأى أن يحد بثمانين، وكان ذلك بمحضرٍ من الصحابة، ولذا قال علي كما تقدم (وكل سنة، وهذا أحب إلي).

    وقال بعض أهل العلم وهو اختيار شيخ الإسلام ورواية عن أحمد : بل يحد أربعين؛ لأن هذا هو الذي كان على عهد النبي عليه الصلاة والسلام وعلى عهد أبي بكر ، والذي يترجح ما كان في عهد عمر رضي الله عنه، لكنا نقول: إن الأربعين حدٌ والأربعين الأخرى تعزير، وعلى ذلك فـعمر رضي الله عنه ضربه ثمانين: أربعين منها حد، وأربعين منها تعزير.

    حكم قتل من تكرر منه شرب الخمر

    هل يصل الحد بشارب الخمر إلى القتل؟ ذهب إلى ذلك أهل الظاهر إن شربه في الرابعة وقد حد قبل ذلك ثلاثاً، وقد جاء عند الخمسة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه) إذاً: أقيم عليه الحد ثلاثاً.

    ثم قال رسول الله: (ثم إذا شرب في الرابعة فاضربوا عنقه)، والحديث رواه الخمسة وإسناده صحيح، وقد أخذ به أهل الظاهر، وأما الجمهور فلم يأخذوا به، وقالوا: جاء في الصحيحين أن رجلاً لعنه أحد الصحابة وقال لما أتي به ليجلد: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به، وكان ذلك في شرب الخمر، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلعنوه؛ فقد علمت أنه يحب الله ورسوله)، ولم يقتل.

    وفي أبي داود عن قبيصة -وهو من صغار الصحابة- قال: (ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، قال: ورفع السيف فكانت رخصة).

    فالجمهور قالوا: هذا منسوخ، وتوسط شيخ الإسلام ابن تيمية وطائفة من أهل العلم وقالوا: بل هو من باب التعزير، فإن رأى الإمام ذلك عزر به. أي: أن الأصل هو الحد ولو أتى عشر مرات، لكن إن رأى الإمام التعزير بالقتل فإنه يعزر به.

    شرط إقامة الحد على شارب الخمر

    قال: [ وأربعين إن كان رقيقاً، بشرط كونه مسلماً مكلفاً مختاراً ]؛ لأن الحدود إنما تقام كما تقدم على المكلف، فلا بد أن يكون بالغاً عاقلاً.

    قوله: [ مسلماً ]؛ لأن الخمر ليست بحرامٍ عند الكفار، بخلاف الزنا فإنه عند أهل الذمة حرام، ولذا فإنه لا يقام عليهم الحد في شرب الخمر.

    قال: [ بشرط كونه مسلماً مكلفاً مختاراً لشربه ]، وأما إذا كان مكرهاً فلا شيء عليه لما تقدم.

    قال: [ عالماً أن كثيره مسكر ]، قال عمر رضي الله عنه كما في مصنف عبد الرزاق : (لا حد إلا على من علمه)، فما دام أنه لا يعلم أن كثيره يسكر فلا شيء عليه.

    قال: [ ومن تشبه بشرّاب الخمر في مجلسه وآنيته حرم وعزر ]، مثل أن يجمع أصحابه ويقول لهم: اجلسوا على هذه الصفة: وأتى بكئوس يشرب بها الخمر عادة، وأتى بما يصب به الخمر عادة، ووضع فيه عصيراً أو نحو ذلك، وأخذ يدور عليهم بهذا كصفة شرب الخمر تماماً، فهذا قد تشبه بهم، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم، وسداً لهذا الباب فإنه يعزر، فيحرم هذا الفعل ويعزر.

    يحرم شرب العصير إذا أتى عليه ثلاثة أيام ولم يطبخ

    قال: [ ويحرم العصير إذا أتى عليه ثلاثة أيام ولم يطبخ ]، فقد ثبت في صحيح مسلم (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينبذ له الزبيب فيشربه عليه الصلاة والسلام اليوم والغد وبعد الغد، فإذا كان مساء الثالثة أمر أن يهراق أو يسقى الخدم يبادر به الفساد)، أي: يسقى الخدم ليبادر قبل فساده، يعني: يشربونه فوراً قبل أن تتم هذه الأيام الثلاثة بلياليها، وهذا الحديث الذي رواه مسلم يدل على أن هذا العصير الذي ينبذ يكون من تمرٍ؛ لأن هذا الذي كان ينبذ للنبي عليه الصلاة والسلام من الزبيب ومثله التمر، ونحو ذلك مما يتخمر إذا ترك، يعني: يشتد ويكون فيه شدة إذا ترك ثلاثة أيام، فتكون فيه رطوبة فيسكر، فيوضع مثلاً عند فراشه ويشربه ثلاثة أيام، وبعد اليوم الثالث لا يُشرب.

    حكم شرب العصير إذا طبخ وذهب ثلثه

    قال: [ ولم يطبخ ]، إذاً: فالطبخ يجيزه، فيطبخ حتى لا يبقى إلا ثلثه، يعني: يذهب ثلثاه، فإذا ذهب ثلثاه في الطبخ فإنه تزول آفته من الرطوبة، وفي ذلك آثار عن الصحابة رضي الله عنهم: عن عمر وأبي موسى وغيرهما، وعلى ذلك إذا مضت عليه ثلاثة أيام ثم طبخ فذهب ثلثه يعني: تبخر ثلثه، وبقي ثلثه؛ فإنه جائز.

    حكم إقامة الحد على من ظهرت منه رائحة الخمر أو تقيأها

    قد تقدم لكم أن حد الخمر يثبت بالبينة وهي شهادة اثنين عدلين، ويثبت كذلك بالاعتراف، وتقدم إيضاح ذلك، وهل يثبت بظهور رائحته، أو بأن يتقيأ الخمر؟ قال الجمهور وفيهم الحنابلة: لا يقام الحد بذلك، قالوا: لأن الحدود تدرأ بالشبهات.

    والقول الثاني في المسألة وهو مذهب مالك واختيار ابن القيم : أنه يقام عليه الحد؛ لأنها لم تظهر الرائحة إلا وقد شرب، ولم يتقيأها إلا وقد شربها، ولذا قال عثمان رضي الله عنه كما في صحيح مسلم: (إنه لم يتقيأها إلا وقد شربها)، وهذا أيضاً قد صح عن عمر رضي الله عنه كما في ابن أبي شيبة .

    وهذا القول أظهر لا سيما مع القرائن، كأن يكون الرجل معروفاً بالفسق ويحكى عنه شرب الخمر ونحو ذلك، فيقبض عليه وهو يتقيأ، أو وقد ظهرت منه هذه الرائحة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089088605

    عدد مرات الحفظ

    781538097