إسلام ويب

دليل الطالب كتاب الحدود [4]للشيخ : حمد الحمد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حفظ المال من المقاصد الشرعية العظمى، وقد شرع لذلك حد السرقة الذي به يعاقب السارق، وينزجر أمثاله، وله شروط وأركان وآداب، وكذلك شرع حد قطاع الطريق، لتأديب من تسول له نفسه إخافة الطريق، وترويع الآمنين، وسلب أموالهم.

    شروط القطع في السرقة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القطع في السرقة ].

    قال الله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا [المائدة:38]، وقد أجمع أهل العلم على القطع في السرقة.

    قال المصنف رحمه الله: [ ويجب بثمانية شروط ]:

    من شروط قطع اليد السرقة

    [ أحدها: السرقة، وهي: أخذ مال الغير من مالكه أو نائبه على وجه الاختفاء، فلا قطع على منتهب ].

    هذا هو حد السرقة، وشرطه أن يأخذه خفية، ولذا قال: فلا قطع على منتهب، وهو الذي يأخذ المال على وجه الغنيمة كما تفعله البادية، فالمال الذي يؤخذ على وجه الغنيمة يسمى انتهاباً، فهذا لا قطع فيه، وإنما فيه التعزير.

    وقد روى الخمسة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا قطع على خائن ولا منتهب ولا مختلس)، قوله: [ لا قطع على خائن ]. أي: للوديعة، فالذي يجحد الوديعة -يعني: الأمانة- لا يقطع.

    [ ولا مختلس ]: وهو الذي يأخذه على حين غفلة صاحبه، يعني: يضع مثلاً الجوال على الدرج وهو يشتري بعض أغراض من المحل ويكلم أهله ويسألهم عما يحتاجون إليه مثلاً من أغراض، فيأتي شخص على حين غفلة ويأخذه، فهذا اختلاس؛ لأنه أخذ على حين غفلة، فلا حد فيه، وإنما في ذلك التعزير.

    قال: [ فلا قطع على منتهب، ومختطف ]، وهو المختلس الذي يأخذ الشيء على حين غفلة ويهرب به، فهذا لا يقطع، بخلاف من يقطع الجيب ويأخذ منه، وهو ما يسمى بالنشال؛ فإن هذا يأخذه من حرزه خفية، فهذا تقطع يده.

    قال: [ وخائن في وديعة ]، للحديث المتقدم، فإذا خان وجحد الوديعة فإن يده لا تقطع.

    قال: [ لكن يقطع جاحد العارية ]، فمن استعار شيئاً ثم جحده فإن في ذلك القطع، وقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: (أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بقطع يدها)، ونحوه عن ابن عمر في أبي داود والنسائي ، فهو شاهد له، ونحوه أيضاً عند النسائي من مراسيل سعيد بن المسيب ، وهذا من مفردات المذهب، وبه قال إسحاق وهو الصواب، فهذه المرأة التي كانت تستعير المتاع فتجحده هي جاحدة للعارية فوجب قطعها.

    فإن قيل: ما الفرق بين جاحد الأمانة وبين جاحد العارية؟ فالجواب: أن جاحد العارية محسنٌ إليه بها، فهو في حاجة إلى هذه العارية، ولا يمكن حفظ صاحب هذه العارية إلا بهذا، وأما جاحد الأمانة فإن من وضع عنده الأمانة لا يخلو من تفريط؛ لأن هذا تبين أنه غير أمين، فلا يخلو من وضع عنده الأمانة من تفريطٍ في إعطائه لهذه الأمانة، بخلاف العارية فإن هذا الذي قد أخذها هو المحتاج إليها، وقد أعطاه لهذا الرجل، أو أعطته هذه المرأة هذه العارية إحساناً له، فإذا لم يقطع ترتب على ذلك امتناع الناس عن الإحسان في هذا الباب، فلا يعيرون، وبهذا يتبين الفرق بين جحد العارية وجحد الأمانة، ولذا فرق بينهما الشارع، والشارع لا يفرق بين المتماثلات، ولا يجمع بين المختلفات.

    من شروط القطع في السرقة كون السارق مكلفاً

    قال: [ الثاني: كون السارق مكلفاً ]؛ لما تقدم؛ لأن غير المكلف مرفوع عنه القلم، فلا يقام عليه الحد.

    [ مختاراً ]: لأن المكره قد رفع عنه القلم، وتجاوز الشرع عن مؤاخذته.

    [ عالماً بأن ما سرقه يساوي نصاباً ]: فلو سرق شيئاً لا يظن أنه يساوي نصاباً، وظن أنه لا يساوي إلا الشيء اليسير الذي دون النصاب، فتبين أن هذا الكيس الذي أخذه فيه مثلاً مجوهرات، وكان يظن أن فيه طعاماً أو نحوه، فلا قطع؛ لما تقدم من قول عمر رضي الله عنه: لا حد إلا على من علمه، والحدود تدرأ بالشبهات.

    من شروط القطع في السرقة كون المسروق مالاً

    قال: [ الثالث: كون المسروق مالاً ]، يعني: مالاً محترماً له قيمة، فإذا كان المال لا قيمة له فليس بمحترمٍ في الشرع، فلا حد فيه، ولذا قال المؤلف هنا: [ لكن لا قطع بسرقة الماء ] ؛ لأن الماء لا يتمول عادة، لكن إذا كان يتمول عادةً كالذي يدخل مستودعاً مثلاً ويأخذ من مياه الصحة هذه التي تباع، فهذا متمول عادة، لكن لو أتى إلى أهل بيت وعندهم ماء للشرب فأخذ منه، فهذا لا يتمول عادةً.

    قال: [ ولا بإناء فيه خمرٍ ] أو ماء كذلك، ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكسر دنانه؛ لأنه وفيه الخمر ليس له قيمة مالية.

    قال: [ ولا بسرقة مصحف ]؛ لأن المصحف لا يجوز بيعه في المذهب، فإن قلنا بجواز بيعه قلنا بقطع يد من سرقه، فهذا ينبني على هذا الخلاف، والذي يترجح جواز بيعه.

    قال: [ ولا بما عليه من حلي ]؛ لأن هذا تابع، فلو سرق مصحفاً فيه حلي، يعني: جلّد بشيء من حلي، أو وضع في أطراف جلادته شيء من حلي فإنه لا يقطع بذلك؛ لأن هذا تابع، ولأنه لا يجوز بيعه مع تابعه، هذا على المذهب، والحدود تدرأ بالشبهات.

    قال: [ ولا بكتب بدعة وتصاوير ]، فلو سرق كتب بدعة من مكتبة، كالذي يسرق كتب السحر أو بعض كتب أهل البدع فلا تقطع يده؛ لأن هذا لا قيمة له، والتصاوير كذلك، لكن لو كان الثوب فيه صورة مثل ملابس الأطفال التي فيها صور، فالذي يظهر أن لها قيمة، وأما إذا كانت صورة فقط غير مأذون فيها شرعاً فلا قطع فيها، لكن لو سرق مثلاً صور للأطفال التي تلعب بها البنات، فهذه لها قيمة، هذا كله إذا بلغت نصاباً، ويأتي شرحه.

    قال: [ ولا بآلة لهو كمزمارٍ ونحوه، ولا بصليب أو صنم ]، إذاً: كل مالٍ ليس بمحترم -يعني: لا قيمة له- فلا تقطع به اليد.

    أن يبلغ المسروق النصاب

    [ الرابع: كون المسروق نصاباً، وهو ثلاثة دراهم أو ربع دينار ]، كون المسروق نصاباً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تقطع اليد إلا في ربع دينارٍ فصاعداً) ، والدينار قدره أربع جرامات وربع الجرام، وعلى ذلك فالربع يكون جراماً وربع الربع، فإذا قلنا: إن الجرام يساوي ثمانين ريالاً مثلاً، فعلى ذلك يقطع بمائة ريال؛ لأن هذا ربع دينار.

    قال: [ أو ثلاثة دراهم ]، هذا الأصل الثاني، ولذا جاء في الصحيحين: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قطع بمحجن قيمته ثلاثة دراهم).

    قال: [ أو ما يساوي أحدهما ]، هذا أصل وهذا أصل، إما أن يساوي ثلاثة دراهم، وإما أن يساوي ربع دينار، وتعتبر القيمة حال الإخراج، يعني: حال إخراجه من حرزه؛ لأن هذا هو وقت وجوب القطع، لوجود سببه، إذاً: المعتبر هو قيمته حال إخراجه، وعلى ذلك فلو أنه عند القطع لا يساوي إلا خمس دينار، لكنه عند إخراجه يساوي ربع دينار، أو يساوي نصف دينار، فهل فيه قطع؟ نعم فيه القطع. إذاً: ننظر إلى ثمنه حال إخراجه.

    إخراج المسروق من حرز

    قال: [ الخامس: إخراجه من حرز ]، هذا هو الشرط الخامس إخراجه من حرز، وقد جاء في سنن أبي داود والنسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أخذ شيئاً قبل أن يئويه الجرين فليس فيه شيء) يعني: ليس فيه قطع، (ومن أخذه بعد أن يئويه الجرين فبلغ ثمن المحجن ففيه القطع) يعني: أخذ التمر بعد أن يئوي في الجرين، والجرين هو الموضع الذي يكنز، ويجمع فيه التمر، ويكون من بناءٍ أو نحوه، ولا يشترط أن يكون مغلقاً، فهذا هو حرزه في العادة، وهو يكون في المزارع وفي البساتين، فيضعون فيه القمح في المزارع، وبعد أن يحصد يوضع في الجرين، وكذلك التمر يوضع في الجرين؛ فإذا أخذ منه شيئاً بعد أن يئويه الجرين فبلغ قيمة المجن وهو ثلاثة دراهم ففيه القطع، وهذا يدل على اشتراط الحرز، وهو قول جمهور العلماء.

    قال: [ فلو سرق من غير حرزٍ فلا قطع ]؛ لفوات شرطه.

    تعريف الحرز

    قال: [ وحرز كل مالٍ ما حفظ فيه عادة ]، إذاً: نرجع فيه إلى العرف، والحرز: هو مكان الحفظ لهذا الشيء عادة.

    وهو يختلف، ولذا قال: [ فنعل برجل، وعمامة على رأسٍ حرز، ويختلف الحرز بالبلدان صغيرها وكبيرها، والسلاطين عدلاً وجوراً، وقوةً وضعفاً، ويختلف باختلاف الأموال ثمينها وغير ثمينها ].

    إذاً: ليس هناك كيفية محددة للحرز، فلا نقول: لا بد أن يوضع هذا المال في صندوق، بل هذا يختلف باختلاف المال، وباختلاف البلدان، فالقرى والبوادي ليست كالمدن، والمدن الكبيرة ليست كالمدن الصغيرة، والبلاد التي فيها عدل، وفيها إقامة للشرع، وفيها أخذ على يد السفيه ليست كغيرها .. وهكذا، فهذا يختلف باختلاف البلدان، فالحرز يقوى ويضعف ويختلف باختلاف البلدان، فالدراهم التي يصرفها الشخص يومياً تكون في جيبه، فهذا هو حرزها عرفاً، فلا يقال للذي وضعها في جيبه فسرقت: إنك قد فرطت، لكن لو وضعها مثلاً في درج السيارة، فقد يكون هذا في بعض البلاد ليس حرزاً، وفي بعضها يكون حرزاً، والأشياء الثمينة لها حرز، الجواهر لها حرز يختلف عن حرز غيرها، والغنم حرزها في الليل هذه الحظيرة التي توضع فيها، وحرزها في النهار بنظر الراعي لها غالباً، فغالب الوقت يرقبها، والخضروات التي تباع في الأسواق، إذا كان في السوق حارس وقد وضع عليها ما يوضع عادة، فيضع بعضهم خيمة من البلاستيك أو غير ذلك، فهذا يعتبر حرزاً، إذاً: ما تحفظ فيه عادة فهو الحرز، هذا يختلف كما تقدم باختلاف البلدان، واختلاف الأموال واختلاف كذلك السلاطين.

    حكم ما لو اشترك جماعة في هتك الحرز وإخراج النصاب

    قال: [ ولو اشترك جماعة في هتك الحرز وإخراج النصاب قطعوا جميعاً؛ لوجود سبب القطع منهم ].

    لو اشترك جماعة: ثلاثة أو أربعة أو خمسة، أشتركوا جميعاً في كسر هذا الحرز، وفي أخذ المال منه، فإنهم يقطعون جميعاً؛ لأن الجميع يصدق عليه أنه سارق، وقد وجد منهم جميعاً سبب القطع.

    حكم ما لو هتك الحرز أحدهما ودخل الآخر فأخرج المال

    قال: [ وإن هتك الحرز أحدهما ودخل الآخر فأخرج المال فلا قطع عليهما ولو تواطئا ]؛ لأن الأول ليس بسارق، وإنما أفسد الحرز، والثاني ليس بآخذ للمال من حرز؛ لأن المال بفعل الأول زال عنه الحرز.

    مثلاً: جاء اثنان إلى صندوق تجوري أن فيه مال، فأحدهما كسره وفكه وتركه، والآخر جاء وأخذ المال، والحدود تدرأ بالشبهات، فلا تقطع اليد، لكن في ذلك التعزير من جلدٍ أو سجنٍ أو نحو ذلك.

    ولا شك أن هذه حيلة، لكن كما تقدم: الحدود تدرء بالشبهات، وحق المسروق يرد له، وهذا السارق الذي في الحقيقة هو في حكم السارق مع صاحبه يجلد ويحبس، ولكن هذا القطع لا يقام لما تقدم؛ لأن الحدود تدرء بالشبهات.

    من شروط القطع انتفاء الشبهة

    قال: [ السادس: انتفاء الشبهة، فلا قطع بسرقته من مال فروعه وأصوله ].

    الشرط السادس: انتفاء الشبهة؛ لأن الحدود تدرء بالشبهات كما تقدم شرحه، فلا قطع بسرقته من مال فروعه وأصوله، مثلاً: جدة سرقت من مال ولد بنتها، أو ولد ابنها، فلا قطع؛ لأن النفقة واجبة، فلوجوب النفقة على الأصول لم نقطع، لأن هذه شبهة، وإن كان هو بعينه لا ينفق عليها، لكن لوجود الشبهة فلا قطع، وكذلك العكس فلو سرق من مال أبيه مثلاً لا قطع عليه؛ لهذا المعنى.

    [ فلا قطع بسرقته من مال فروعه وأصوله، ولا بسرقته من مال له فيه شرك قال: وزوجته كذلك ]، فلو سرق من مال زوجته فلا قطع؛ لأن كل واحدٍ من الزوجين ينبسط عادة في مال الآخر، فهذه شبهة، ولا نمنع التعزير في المسألة إذا وجد ما يقتضي ذلك، لكن الكلام كله في القطع.

    وقد جاء في موطأ مالك : أن رجلاً أتى بعبدٍ له قد سرق مرآة زوجته وقال: إنها تساوي ستين درهماً، فقال عمر رضي الله عنه: لا قطع؛ خادمكم سرق متاعكم، فجعل متاع الزوجة متاعاً لزوجها.

    قال: [ ولا بسرقته من مال له فيه شرك ]. أي: لو سرق من الشركة التي له فيها شرك -أي: نصيب- ] فكذلك لا قطع عليه؛ لوجود الشبهة، وأما التعزير فيعزر.

    قال: [ أو لأحد ممن ذكر ]. يعني: لأصوله أو فروعه، كأن يكون لأبيه فيها شرك، أو لجده فيها شرك، أو لولده فيها شرك، فلا قطع؛ لوجود الشبهة كما تقدم، وكذلك من سرق من بيت المال كما هو المذهب فلا قطع؛ لوجود الشبهة، لكنه يعزر، وكذلك الفقير الذي يسرق من وقف يختص بالفقراء، أو بجمعية تختص بالفقراء؛ لوجود الشبهة، وهي أن له في ذلك حقاً، حتى ولو كانوا قد أعطوه حقه كغيره من الفقراء، ولكن الكلام هنا في القطع، فالشبهة موجودة فلا قطع، لكن في ذلك التعزير.

    قال: [ السابع: ثبوتها إما بشهادة عدلين، وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ [البقرة:282]، ذكرين حرين ]، فيشهد شاهدان أن فلاناً قد سرق، فتقطع يده، [ أو بإقرار مرتين ]، فيقر على نفسه مرتين، ولذا جاء في سنن أبي داود والنسائي : أن رجلاً أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: إني قد سرقت فقال: (لا إخالك سرقت؟ قال: بلى، فأعادها النبي صلى الله عليه وسلم عليه مرتين أو ثلاثاً -والشك هنا يجعلنا نأخذ بالمرتين وهو اليقين- فقال: بلى. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فقطع، فؤتي به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: استغفر الله وتب إليه، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم! تب عليه.. اللهم! تب عليه.. اللهم! تب عليه).

    وجاء في مصنف ابن أبي شيبة : أن علياً رضي الله تعالى عنه أتي برجلٍ قد سرق، فقال: إني قد سرقت فرده، ثم قال: إني قد سرقت، فقال: إنك قد شهدت على نفسك مرتين، فأمر به رضي الله تعالى عنه فقطع.

    قال: [ أو بإقرارٍ مرتين ]، ولا يرجع حتى يقطع ، ولو رجع فإنه لا يقطع كما تقدم في الزنا: (ألا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه)؛ لأن هذا جاء باعترافه، فإذا كان باعتراف فإنه لا يقطع إن رجع.

    من شروط القطع مطالبة صاحب المال بماله

    [ الثامن: مطالبة المسروق منه بماله ]، فقالوا: لا يقطع حتى يطالب المسروق بماله، هذا هو المذهب، وهو قول الجماهير، وقال المالكية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية : بل يقطع؛ لأن هذا حق الله، والله يقول: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، ولم يقيد ذلك بمطالبة المسروق منه بماله، والأحاديث التي تقدمت أيضاً ليس فيها ذلك في قصة الرجل الذي اعترف، وهذا هو الراجح.

    وأما حديث صفوان الذي رواه الخمسة إلا الترمذي : (أنه جاء برجل قد سرق رداءه وقد توسد عليه في المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به أن يقطع)، وفيه: أن صفوان قال: (إني أهديه إليه ولم أرد ذلك يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلا كان هذا قبل أن تأتيني به) فإن هذه قضية عين، ولذا فإن الراجح ما ذهب إليه الإمام مالك واختاره شيخ الإسلام في هذا؛ لأن هذا حق لله جل وعلا وليس كحد القذف الذي هو حد للآدمي، ولذا فالسارق يرد المال الذي هو حق الآدمي، ويبقى حق الله جل وعلا في القطع.

    حكم القطع في زمن المجاعة

    قال: [ ولا قطع عام مجاعة غلاءٍ ]، صح ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (لا قطع في عام سنة)، رواه عبد الرزاق ، ولوجود حاجته، وكذلك وجوب دفع الضرورة عنه من صاحب المال، فهذه شبهة؛ لأنه في حاجة شديدة في المجاعة، وهذا غني قادر، والواجب عليه أن يدفع مجاعته بما يستطيع، فإذا أخذ منه فلا قطع؛ لأن هذه شبهة.

    موضع القطع

    قال: [ فمتى توفرت الشروط قطعت يده اليمنى من مفصل كفه اتفاقاً ]، تقطع اليد اليمنى من مفصل الكف باتفاق أهل العلم، وقرأ ابن مسعود : (فاقطعوا أيمانهما).

    حكم غمس مكان القطع بالزيت

    [ وغمست وجوباً في زيتٍ مغلي ]؛ لئلا ينزف ويؤدي ذلك إلى موته.

    حكم تعليق يده المقطوعة في عنقه

    قال: [ وسن تعليقها في عنقه ثلاثة أيام إن رآه الإمام ]، إن رأى الإمام ذلك فإنه يفعل ذلك، وقد جاء هذا عن علي رضي الله تعالى عنه كما عند البيهقي ، وجاء من حديث فضالة بن عبيد : (أن النبي عليه الصلاة والسلام أتي بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت) لكن الحديث إسناده ضعيف، فالعمل إنما هو على الأثر، وأما الحديث فإن إسناده ضعيف.

    حكم السارق إذا عاد إلى السرقة مرة أخرى

    قال: [ فإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل كعبه بترك عقبه ] ، تقطع من مفصل بحيث تبقى له عقبه يطأ بها ].

    يعني: يؤتى إلى المفصل ولكن لا يؤخذ العقب؛ كي يطأ بها، وفي ذلك أثر عن علي رضي الله عنه صحيح في مصنف ابن أبي شيبة .

    إذاً: تقطع الرجل اليسرى ولا تقطع اليمنى؛ ليتمكن من المشي؛ لأنه إذا كانت الجهة واحدة فإن هذا يضره.

    إذاً: تقطع اليسرى من مفصل كعبه، لكن بترك عقبه، ولذا قال المؤلف: [ من مفصل كعبه بترك عقبه ]، وهذا كما تقدم صح عن علي رضي الله تعالى عنه، واتفق عليه أهل العلم.

    حكم السارق إذا عاد إلى السرقة مرة ثالثة

    [ فإن عاد لم يقطع ، وحبس حتى يموت أو يتوب ]، وقد صح ذلك عن علي رضي الله عنه كما عند ابن أبي شيبة ، وعلى ذلك فيحبس حتى يموت أو حتى تظهر توبته، ولا نقول بقطع شيءٍ آخر، لأننا إذا قطعنا يده الأخرى لم يقدر على الأكل والشرب والاستنزاه، وإذا قطعنا الرجل الأخرى لم يقدر على المشي.

    اجتماع القطع والضمان على السارق

    قال: [ ويجتمع القطع والضمان، فيرد ما أخذ لمالكه، ويعيد ما خرب من الحرز ].

    إذاً: يجتمع عليه القطع والضمان، فالقطع هذا حق الله، والضمان حق الآدمي، فيضمن له ماله، أي: يدفع له ماله الذي أخذه، وإن كان أفسد حرزه: كسر أبوابه ونحو ذلك فإنه يجب عليه أن يصلحها.

    قال: [ وعليه أجرة القاطع وثمن الزيت ]، والراجح أنه لا يجب عليه ذلك، وأن هذا من بيت المال؛ لأن ذلك كما هو معلوم من المصالح العامة؛ فإن ذلك من إقامة الحدود، وهي -أي: إقامة الحدود- من المصالح العامة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089082306

    عدد مرات الحفظ

    781475713