إسلام ويب

دليل الطالب كتاب الحدود [5]للشيخ : حمد الحمد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إذا انتصب الإمام واستقام الأمر وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه فإن خرجت عليه جماعة بتأويل سائغ فهم البغاة، وعلى الإمام قتالهم حتى يعودوا إلى الحق. أما المرتد فقد شرع قتله واستئصاله من المجتمع حتى لا يتجرأ غيره من السفهاء على مثل فعلته، وليبقى جانب الدين محفوظاً.

    تعريف البغي والدليل على قتال البغاة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب قتال البغاة ].

    البغي: هو الاعتداء، فالبغاة هم المعتدون، لكنهم معتدون بتأويلٍ سائغ في خروجهم على الإمام.

    والأصل في هذا الباب قوله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9].

    ومن الآثار آثار علي رضي الله عنه في هذا الباب؛ فإنه هو الذي قاتل البغاة، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: (ويح عمار ! تقتله الفئة الباغية)، فكان علي رضي الله تعالى عنه هو قاتل البغاة، لكنهم كانوا بتأويلٍ سائغ، وكانوا مجتهدين، وقد جاء عنه رضي الله عنه كما في مستدرك الحاكم عن أبي أمامة قال: شهدت صفين فكانوا لا يجيزون جريحاً. يعني: لا يجهزون على الجريح، فإذا وقع الرجل جريحاً من الصف الآخر فلا يجهزون عليه، وإنما يتركونه ليداوى.

    حكم من فر من البغاة إلى فئة أخرى ليتقوى بها

    لا يجيزون جريحاً، ولا يطلبون دماً، أي: فمن فر فإنهم لا يطلبون دمه، ولا يسلبون مالاً، فالبغاة لا تسلب أموالهم، ولا تستباح دماؤهم إلا في الصف، فإذا جرح أحدهم لم يجهز عليه، وإن فر أحدهم لم يلحق، فإن كان فراره إلى فئة يقوى بها، وليس فاراً عن القتال هارباً منه، وإنما يريد أن ينضم إلى فئة أخرى، ليفر، فهذا ليس فاراً من القتال، وإنما هو فارٌ له، أو إليه، فقولان لأهل العلم:

    المذهب: أنه كذلك لا يطلب، والقول الثاني وهو مذهب أبي حنيفة : أنه يطلب، وهذا أصح لما تقدم؛ لأنه فارٌ له، وليس فاراً منه.

    وقتال الخوارج ليس من هذا الباب؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) وقال: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [النساء:89]، فقتال الخوارج ليس من هذا الباب في أصح القولين، وفي المسألة قولان: المشهور في المذهب: أن قتال الخوارج من جنس قتال البغاة، فلا يجهز على جريحهم، ولا يطلب فارهم، ولا يسلب مالهم، والقول الثاني في المسألة وهو قول في المذهب صححه الموفق والشارح، وصححه صاحب الإنصاف: أن قتال الخوارج ليس من هذا الباب؛ لأن الخوارج يستبيحون الدم، ويكفرون المسلم، ويستبيحون ماله، فليس قتالهم من جنس قتال البغاة، وهذا الذي تدل عليه الأدلة، ولكن هذا -على الصحيح- ليس فرعاً عن تكفيرهم؛ فإن أصح القولين -وهو المذهب- أنهم ليسوا بكفار، وهو اختيار شيخ الإسلام .

    قال علي رضي الله عنه، وهو أعظم من قاتل الخوارج، وهذه من مناقبه رضي الله عنه، لما قيل له: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. رواه البيهقي .

    القول في تكفير الخوارج

    إذاً: فحكم الخوارج هل هم كفار أم لا فيه قولان لأهل العلم، وهما قولان في مذهب أحمد ومذهب مالك ومذهب الشافعي ، وأصحهما: أنهم ليسوا بكفار، وهو اختيار شيخ الإسلام ؛ لقول علي : من الكفر فروا، وأما القائلون بتكفيرهم فاستدلوا بأدلة معروفة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)، والحديث في الصحيحين، لكن أقوال الصحابة تفسر النصوص، وهذا قول علي رضي الله عنه وهو أعظم من قاتل الخوارج كما تقدم.

    هل قتال الخوارج من جنس قتال البغاة

    وهنا مسألة أخرى وهي هل قتال الخوارج من جنس قتال البغاة أم لا؟ فيها قولان أصحهما، وهو ما صححه الموفق والشارح، وصححه صاحب الإنصاف، وهو قول في مذهب أحمد خلافاً للمشهور: أن قتالهم ليس من جنس قتال البغاة، فالبغاة متأولون لا يرون كفر الإمام، ولا يكفرون المسلمين، وإنما خرجوا عن الإمام دفعاً لمظلمة رأوها، يعني: رأوا أن هناك ظلماً عليهم فخرجوا عن الإمام، فهؤلاء كما قال الأئمة: تزال شبهتهم، ولا يقتل جريحهم ولا يطلب فارهم، ولا يسلب مالهم، وسيأتي الكلام على هذا إن شاء الله.

    البغاة خارجون عن الإمام بتأويل سائغ بخلاف الخوارج

    قال: [ وهم الخارجون على الإمام بتأويل سائغ ]، أما الخوارج فتأويلهم ليس بسائغ عند أهل العلم، ولذا فهم مبتدعة ظلاّم فساق، وقد اختلف أهل العلم هل هم كفار أم لا؟ فبدعتهم مغلظة، وأما هؤلاء فعندهم تأويل سائغ من نظير اجتهاد الفقهاء، يعني: مما يقع في مثله الخلاف بين الفقهاء، وليس مما يقع فيه الخلاف بين أهل العقائد، وإنما من جنس ما يقع من الخلاف بين أهل المذاهب، فلهم تأويل سائغ، يعني: عندهم اجتهاد،[ ولهم شوكة فإن اختل شرط من ذلك فقطاع طريق ] ، فإذا لم يكن لهم شوكة فهم قطاع طريق، إذا كان معهم سلاح وهم معهم عصي، لكن ليست لهم شوكة ومنعة وقوة بحيث إنهم يظاهئون الإمام ومن معه، أو يقربون بقوته أو نحو ذلك، فإذا كانوا لهم قوة فقط لكن ليست لهم شوكة، وكان عندهم بعض السلاح، وعندهم بعض العصي ونحو ذلك، فهؤلاء قطاع طريق.

    حكم نصب الإمام والخليفة

    قال: [ ونصب الإمام فرض كفاية ]، فلا يقوم أمر الأمة إلا بنصبه، فهو من أعظم فروض الكفاية؛ ليذب عن الحوزة، ويقيم الحدود، ويستوفي الحقوق، ويقيم الفرائض كالزكاة، ويقيم الصلوات في الناس، فلا بد من إمام يجتمع عليه الناس.

    ولا يشترط أن يكون للأمة كلها إمامٌ واحد، بل لو كان هناك أكثر من إمام لجاز، فالمقصود: أن كل أهل ناحية يكون لهم من يقدمونه ويجتمعون عليه، ويصلح به أمر الناس، ويدفع به شر الكفار والملحدين، وتقام به الحدود إلى آخر ذلك، والكلام في هذا يطول، لكنا نذكر هذا على جهة الاختصار.

    يعتبر كون الإمام قرشياً

    قال: [ ويعتبر كونه قرشياً ]، وهذه المسائل يذكرها أهل العقائد في كتبهم، فقد ذكرها الطحاوي وذكرها السفاريني وغيرهم من أهل العلم في العقائد، فيرجع إليها في ذلك؛ فإن مظنة الكلام في مثل هذه المسائل في كتب الاعتقاد.

    ويعتبر كونه قرشياً لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الأئمة من قريش) رواه أحمد ، فإن كان الإمام من غير قريش، وأخذ الحكم بالسيف كما عليه الناس وجب السمع والطاعة له، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي)، فمن أخذ بالسيف والقهر والقوة وجب السمع له وإن لم يكن من قريش بإجماع أهل السنة والجماعة، لكن عند الاختيار في أول الأمر وفي أصل الأمر يكون من قريش، أما من أخذه بالغلبة فلا خلاف بين أهل العلم في صحة إمامته، ووجوب السمع والطاعة له بالغاً عاقلاً سميعاً بصيراً ناطقاً حراً ذكراً، ففي الحديث: (لا يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة) رواه البخاري .

    يعتبر كون الإمام عدلاً عالماً ذا بصيرة كافياً

    قال: [ عدلاً لا فاسقاً، عالماً لا جاهلاً، ذا بصيرة، كافياً ابتداءً ودواماً ]، يعني: فيه كفاية في أمر السياسة: في أمر السلم، وفي أمر الحرب، يسوس الناس بشرع الله سبحانه وتعالى ودينه، فلا بد إذاً أن يكون فيه كفاية.

    قال: [ ولا ينعزل بفسقه ]، يعني: لو ثبتت إمامته ثم ظهر منه فسق فإنه لا يعزل، ولا يصح عزله، وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان).

    تلزم الإمام مراسلة البغاة

    قال: [ وتلزمه مراسلة البغاة ]، هذا هو الإمام الذي تقدم ذكره، فمن تولى أمر أهل الإسلام فيجب عليه إن كان هناك بغاة أن يراسلهم، فيرسل إليهم أهل العلم والفضل؛ ليجادلوهم بالحق، ويزيلوا شبههم، فيقولون: ما هي الشبه التي جعلتكم ترفعون السيف علينا؟ ويسألونهم ما هي المظالم التي تدعونها؟

    يلزم الإمام قتال البغاة إن لم يرجعوا بعد مراسلتهم

    قال: [ فإن رجعوا وإلا لزمه قتالهم ]، إن رجعوا فالواجب عليه أن يزيل المظالم، فإزالة المظالم واجبة أصلاً، ويتأكد وجوبها ما دام أن هؤلاء قد رفعوا السيف بسببها.

    قال: [ فإن رجعوا وإلا لزمه قتالهم ]، قال تعالى: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9]، ويجب على رعيته معونته للآية: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9].

    حكم قتال البغاة إذا تركوا القتال

    قال: [ وإذا ترك البغاة القتال حرم قتلهم، وقتل مدبرهم وجريحهم، ولا يغنم مالهم، ولا تسبى ذراريهم، ولا يضمن البغاة ما أتلفوه حال الحرب ].

    البغاة لا يضمنون ما أتلفوه حال الحرب من أنفسٍ أو أطرافٍ أو أموال؛ لأنهم متأولون، ولأن الأمر لا يصلح إلا بذلك، فإذا ضمنوا فقد يترتب على ذلك ألا يصلح الأمر، والواجب هو الإصلاح، ومن باب أولى أن طائفة العدل وهم الإمام ومن معه أنهم لا يضمنون؛ لأنهم طائفة العدل؛ لأن القتال مأذون فيه، وما ترتب على المأذون فليس بمضمون، ولذا ذكر المؤلف الطائفة الأخرى؛ لأنها هي التي قد يشكل أمرها في هذا الباب، فقال: ولا يضمن البغاة ما أتلفوه حال الحرب؛ وذلك لأنهم فعلوا ذلك بتأويل.

    قبول شهادة البغاة

    قال: [ وهم في شهاداتهم -إذا شهدوا- وإمضاء حكم حاكمهم كأهل العدل ].

    يعني: إذا طلب أحدٌ شهادة وقال: إن الشاهد في الجهة الأخرى من البغاة، فيأتي هذا الباغي إلى محاكم أهل العدل الطائفة الأخرى، ويدلي بشهادته وتقبل؛ لأنه ليس بفاسق، فعنده تأويل سائغ كما تقدم تقريره، هذا كله في طائفة البغاة الذين لا ينطلقون في قتالهم من منطلقات دينية من جهة تكفير هذه الطائفة الأخرى، أما الذين يكفرون فهؤلاء هم الخوارج، والذين يقاتلون بناء على التكفير هم خوارج؛ لأنهم يستبيحون الدماء، ويستبيحون الأموال، ويكفرون، وليس من شرط الخوارج أن يكفروا بالكبيرة؛ لأن الخوارج الذين كانوا في عهد علي رضي الله عنه وخرجوا عليه وهم أقبح الخوارج وأعظمهم، لم يكونوا يكفرون أهل الكبائر، بل ظهر تكفير أهل الكبائر بعد كما هو معلوم، ولكن هذا أصبح مذهباً لطوائف كثيرة من الخوارج، وليس كل الخوارج يعتقدون هذا، بل التسرع في باب التكفير والاستعجال في هذا الباب من غير علمٍ ودراية، ومن غير مراعاة للشروط الشرعية، هذا هو فعل الخوارج.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089101615

    عدد مرات الحفظ

    781672805