إسلام ويب

دليل الطالب كتاب الشهادات [3]للشيخ : حمد الحمد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحق المشهود به أقسام تختلف أنصبة الشهادة فيها بحسب اختلافها، وبعض الحقوق لا يقبل فيها إلا الرجال دون النساء، وبعضها يقبل فيها الرجال والنساء، وبعضها تثبت بشاهد ويمين المدعي، وبعضها يقضى فيها بنكول المدعى عليه عن اليمين وهكذا، وقد يتعذر حضور الشاهد ويكون قد شهد على شهادته غيره، وهو ما يسمى بالشهادة على الشهادة، وهي مقبولة لكن لها شروط وضوابط لابد من مراعاتها.

    الأول الزنا

    قال: [ باب أقسام المشهود به، وهو ستة: الزنا؛ فلا بد فيه من أربعة رجال ].

    قال الله جل وعلا: لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور:13].

    إذاً: لا بد أن يكون الشهود أربعة، والعدد إذا أُنث دل ذلك على أن المعدود مذكّر بِأَرْبَعَةِ يعني أربعة رجال، وهذا هو قول عامة أهل العلم: أن شهود الزنا لا بد أن يكونوا أربعة رجال، فلا مدخل لشهادة النساء في حد الزنا.

    [ يشهدون به ] يعني بالزنا أو باللواط، [ وأنهم رأوا ذكره في فرجها ]، يعني الشيء الصريح، [ أو يشهدون أنه أقر أربعاً ]، أي: أربعة رجال يشهدون أن فلاناً في المجلس الفلاني أقر على نفسه أنه زنا بفلانة.

    هناك لما كانوا شهوداً من غير إقرار لا نقبل رجوعه لكن هنا يُقبل رجوعه، وتقدم شرح هذا..

    والذي يهمنا هنا أن الزنا لا يُقبل فيه إلا شهادة أربعة شهود رجال فلا مدخل للنساء هنا.

    الثاني ادعاء الفقر ممن عرف بالغنى ليأخذ من الزكاة

    [ الثاني: إذا ادعى من عُرف بغنى أنه فقير ليأخذ من الزكاة، فلا بد من ثلاثة رجال ].

    لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة) كما في صحيح مسلم .

    فإذا كان الرجل معروفاً بالغنى ثم الآن هو يطالب بالزكاة ويقول: أنا فقير! فلا بد أن يأتي بثلاثة شهود من بطانة أهله يشهدون أنه من أهل الزكاة.

    الثالث القود والإعسار وما لا يقصد به المال

    قال: [ الثالث: القود والإعسار، وما يوجب الحد والتعزير، فلا بد فيه من رجلين ]، وبذلك مضت السنة كما قال الزهري ، فلا بد من رجلين.

    إذاً: الأربعة في الزنا، أما في سائر الحدود وفي القصاص وفي الأمور التي يعزّر بها القاضي لا بد من شهادة رجلين، ولا مدخل للنساء أيضاً في هذا، كما أن الزنا حد لا تدخل فيه النساء فكذلك سائر الحدود، والقصاص كذلك؛ لأن القصاص فيه إراقة للدم، فيحتاط للدم فلا نقبل إلا شهادة الرجال.

    إذاً عندنا أن حد الزنا لا يُقبل فيه إلا الرجال للآية، ويقاس عليه سائر الحدود كحد السرقة، ويقاس عليه القود يعني القصاص، فلا يؤخذ فيه كذلك إلا بشهادة الرجال، ويكفي فيه شهادة رجلين، والتعزير كذلك، كأن يسب فلان فلاناً.. فهذا لا بد فيه من شهادة رجلين؛ لأنه عقوبة كالحد.

    قال: [ ومثله النكاح، والرجعة، والخلع، والطلاق، والنسب، والولاء، والتوكيل في غير المال ].

    هنا مسائل ليست حداً ولا قصاصاً ولا فيها عقوبة ولا يُقصد منها المال؛ فالنكاح لا يُقصد منه المال، والطلاق لا يُقصد منه المال.. والنكاح وإن كان فيه مهر لكن ليس المقصود هو المال كالبيع، وكذلك الخلع، والنسب، والولاء، فهذه مسائل لا يُقصد منها المال، قالوا: كذلك لا بد فيها من شهادة رجلين.

    وعن الإمام أحمد رحمه الله، وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي : أن شهادة الرجل والمرأتين تصح، وأن للنساء مدخلاً في هذه الأمور التي ليست حدوداً ولا قصاصاً ولا تعزيراً من المسائل غير المالية.. أما الأمور المالية فسيأتي أن النساء تدخل، لكن الكلام فيما لا يُقصد فيه المال مثل النكاح والطلاق والرجعة، والصحيح أن شهادة المرأتين هنا كشهادة رجل؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أليست شهادة المرأتين كشهادة الرجل؟) كما في الصحيح، وهذا عام، وعلى ذلك فلا نستثني في شهادة النساء إلا الحدود والقصاص والتعزيرات.

    الرابع المال وما يقصد به المال

    قال: [ الرابع: المال وما يُقصد به المال كالقرض، والرهن، والوديعة، والعتق، والتدبير، والوقف، والبيع، وجناية الخطأ ].

    يعني أن فلاناً قتل فلاناً خطأ، فهذا لا يكون فيه قصاص بل فيه دية؛ قال: [ فيكفي فيه رجلان أو رجل وامرأتان ].

    إذاً: لو شهد رجل وامرأتان أن فلاناً قتل فلاناً خطأ تُقبل، وكذلك في البيع، والقرض، والرهن؛ لأن هذه مسائل مالية، وقد قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ [البقرة:282] إلى قوله: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [البقرة:282] .

    إذاً: شهادة المرأة لها مدخل في المسائل المالية، وكذلك على الراجح في المسائل التي لا يُقصد منها المال وليست حداً ولا قصاصاً ولا تعزيراً، كما تقدم.

    قال: [ أو رجل ويمين ]، فشهادة الرجل في المسائل المالية تكفي مع يمين صاحب الحق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (قضى بالشاهد واليمين)، كما في صحيح مسلم من حديث ابن عباس ، وكما في أبي داود والترمذي من حديث أبي هريرة .

    زيد ادّعى أنه أقرض عمراً، وأقام بكراً شاهداً، فالقاضي يسمع هذه الشهادة ويطالبه باليمين، فيقول: احلف أنك أقرضته، فيشهد الشاهد أولاً ثم يحلف هو ثانياً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (قضى بالشاهد واليمين)، يعني في المسائل المالية.

    وكذلك -على الصحيح- في المسائل التي قبلها، وهي التي ليست حداً ولا قصاصاً ولا تعزيراً، فليس فيها عقوبة، مثل الرجعة، والخلع، والطلاق، فيصح فيها الشاهد واليمين فيما اختاره شيخ الإسلام ، وهو رواية عن أحمد ؛ قالوا: لعموم حديث: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى بالشاهد واليمين).

    قال: [ لا امرأتان ويمين ].

    هذا رجل ادّعى أنه أقرض زيداً، وأتى بامرأتين تشهدان ويمينه، قالوا: لا يصح هنا، لأن المرأتين لا تقومان مقام الشاهد الرجل.

    والصحيح وهو اختيار شيخ الإسلام ووجه في مذهب أحمد ومذهب المالكية: أن المرأتين تقومان مقام الرجل في هذا مع اليمين؛ وذلك لأن شهادة المرأتين تجعل جانب المُدّعي أقوى، وتجعل الظاهر معه، واليمين في جانب أقوى المتداعيين.

    وعلى ذلك فنقبل شهادة امرأتين، مكان الشاهد الرجل مع اليمين، وهو مذهب مالك ووجه في مذهب أحمد ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية .

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولو كان لجماعة حق بشاهد حق فأقاموه فمن حلف أخذ نصيبه ].

    إذا كان لجماعة حق على شخص، كأن أقرضه هذا مائة، وهذا مائة، وهذا مائة.. حتى أكملوا له ألفاً وكانوا عشرة، فأقاموا شاهداً يشهد بما حصل، وأن هذا قد أقرضه مائة وهذا قد أقرضه مائة، فهذا شاهد واحد، وبقيت اليمين فنقول: من حلف منكم أخذ حقه، ومن لم يحلف ونكل عن اليمين لم يأخذ شيئاً، فلا تكفيه يمين صاحبه؛ لأن الحق يثبت بشاهد ويمين، فالشاهد للجميع وعلى كل واحد منهم يمين ليأخذ حقه، ولذا قال: قال: [ ولا يشاركه من لم يحلف؛ لأنه لا حق له فيه ].

    الخامس داء دابة وموضحة ونحوهما

    قال: [ الخامس داء دابة وموضحة ونحوهما؛ فيُقبل قول طبيب وبيطار واحد لعدم غيره في معرفته ].

    هذا فيما يتعلق بالموضِحة وبأدواء الدواب، فعندما تحصل جناية على إنسان أو جناية على دابة، فإنا نكتفي في معرفة الجرح على قول طبيب واحد عند عدم غيره، وكذلك فيما يتعلق في أدواء الدواب بقول بيطار واحد.

    قال: [ وإن اختلف اثنان قُدّم قول المُثبِت ]؛ لأن المثبت معه زيادة علم.

    هذا كله تبع كما تقدم للمسألة السابقة في قوله: [ ولا يشاركه من لم يحلف ]، وذكر هنا أنه يكفي في داء الدابة قول بيطار واحد، وفي داء ابن آدم في موضحة ونحوها يكفي قول طبيب واحد إذا عُدم غيره.

    السادس ما لا يطلع عليه الرجال غالباً

    ثم قال: [ السادس: ما لا يطّلع عليه الرجال غالباً كعيوب النساء تحت الثياب ] كالبرص [ والرضاع ] أي: وفي إثبات الرضاعة، [ والبكارة والثيوبة والحيض، وكذا جراحة وغيرها في حمام وعرس ]، يعني: في حمام للنساء وفي عرس للنساء، [ ونحوهما مما لا يحضره الرجال ]، يعني غالباً؛ [ فيكفي فيه امرأة عدل ].

    فهذه المسائل تكفي فيها شهادة امرأة واحدة إذا كانت تتصف بالعدالة، ويدل على ذلك ما تقدم في قصة عقبة بن الحارث في صحيح البخاري وغيره، وأن أمة سوداء قالت: (إني قد أرضعت عقبة والتي نكح، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: كيف وقد قيل؟)، فدل ذلك على أن المسائل التي جرت العادة أن الرجال لا يطّلعون عليها تكفي فيها شهادة امرأة واحدة عدل؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك، في مثل معرفة أن هذه المرأة بكر أو ثيّب، وفي مسألة الرضاع، وفي الجراح التي تكون في أماكن خاصة بالنساء.

    قال: [ والأحوط اثنتان ]؛ لأن هذا أكمل كالرجال، لكن لما كانت النساء في العادة لا يُقدمن على الشهادة كالرجال اكتفينا بشهادة امرأة واحدة، فإذا كان عندنا شاهدتان فإن هذا أكمل.

    إذاً: لو أن امرأة واحدة عدلاً شهدت أن فلانة قد أرضعت فلاناً فنقول: هو ولدها من الرضاع بشهادة هذه المرأة الواحدة المعروفة بالعدالة، ويُفرّق بينه وبين وامرأته بناء على ذلك.

    لكن إذا ارتاب القاضي فله أن يُحلّف هذه المرأة، قال الله جل وعلا: فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ [المائدة:106]، وعليه: فإذا حصلت ريبة عند القاضي في هذه الشهادة فله أن يطلب يمينها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089103780

    عدد مرات الحفظ

    781705305