الصيام عبادة تفضل الله بها على عباده؛ لما فيها من المنافع والفوائد، فالصائم يغفر الله له ذنوبه بصومه، ويكون صومه شافعاً له يوم القيامة، كما أن الصوم يعود الصائم على الصبر والجلد ومراقبة الله عز وجل، والإحسان في القول والعمل.
آثار الصيام في زياد تقوى الصائم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرر أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وما قل وكفى خير مما كثر وألهى: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ[الأنعام:134].
والترجي في كلام الله عز وجل أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم على القطع، كما قال ابن عباس : عسى من الله واجب.
على عادة الملوك إذا أرادوا أن يقولوا: نحن سنفتح هذا البلد، يقولون: نرجو أن نفتح هذا البلد، ونرجو أن ننتصر على هذا الجيش، فلما يقطعون به يأتون به على صيغة الترجي، كما قال الله عز وجل: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[الأعراف:204]، فأنتم ترحمون قطعاً إذا استمعتم إلى كلام الله عز وجل، كذلك من صام حق الصيام كما أمر الله عز وجل لا بد أن يصل إلى درجة التقوى.
والتقوى هي: علم القلب بقرب الرب.
والتقوى هي: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإن الله عز وجل يراك.
والتقوى كذلك عباد الله: ألا يراك الله حيث نهاك، ولا يفتقدك حيث أمرك.
فالصيام يوصل إلى تقوى الله عز وجل؛ لأنه يتكون من نية باطنة لا يطلع عليها أحد إلا الله عز وجل، وترك لشهوات يستخفى بتناولها عادة، فلا نستطيع أن نجزم في شخص بأنه صائم؛ لأنه قد يخلو ولو للحظات فينتهك حرمة الصيام، فهو إنما يترك الطعام والشراب والشهوة لأنه يحس بأن الله عز وجل يراه، وبأن الله عز وجل مطلع على قلبه، وعلى سر أمره وعلانيته، فالصيام يدرب العبد على مراقبة الله عز وجل، وهذه المراقبة هي التقوى المقصودة، والدرة المفقودة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة:183].
فالصيام عبادة ترقى بالعبد إلى درجة المراقبة وإلى درجة التقوى، كما أن الصائم يلتزم بأخلاق معينة هي أخلاق المتقين وأخلاق المحسنين، فلا يسفه على السفيه بمثل سفهه، ولا يجهل على الجاهل بمثل جهله.
أي: يدفعه على أن يواجه السيئة بالسيئة أنه صائم، فينبغي عليه أن يلتزم بأخلاق الصائمين، وأخلاق المحسنين، فيدفع بالحسنة السيئة، فيقول: (إني صائم إني صائم).
ومن الناس من يصوم عما سوى الله عز وجل، فيحفظ الرأس وما وعى، ويحفظ البطن وما حوى، ويذكر الموت والبلى.
ومن صام في الدنيا عن شهواته، أدركها غداً بعد وفاته، ومن تعجل ما حرم عليه من لذاته، عوقب بحرمانه في الآخرة وفواته، أنت في دار شتات فتأهب لشتاتك، واجعل الدنيا كيوم صمته عن شهواتك، واجعل الفطر عند الله يوم وفاتك.
أهل الصيام!
أهل الخصوص من الصوام صومهم صون اللسان عن البهتان والكذب
والعارفون وأهل الأنس صومهم صون القلوب عن الأغيار والحجب.
فينبغي للمسلم عباد الله! إذا نوى الصيام أن ينوي ترك كل الذنوب والمعاصي، وأن يصوم سمعه وبصره وجوارحه، كما قال جابر : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك، ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
فكل عبادة ينشأ عنها أثر مكروه عند العباد تكون محبوبة عند الله عز وجل، فخلوف فم الصائم -أي: الرائحة التي تنبعث من المعدة الخالية من الطعام- أطيب عند الله من ريح المسك.
والشهيد يأتي يوم القيامة وجرحه ينزف دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك.
وهذا المقصود به: صيام النافلة، فإذا كان يوم صيام في النافلة يباعد الله عز وجل بهذا اليوم بين العبد وبين النار سبعين خريفاً، فكيف بصوم الفريضة الذي هو أفضل وأقرب إلى الله عز وجل.
فالصيام عباد الله! من أحب العبادات إلى الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل يحب من العباد أن يعاملوه سراً، فالصيام سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه أحد إلا الله عز وجل؛ ولذلك كان من أحب العبادات إلى الله عز وجل، فينبغي علينا أن نصون الصيام، فمن صان صيامه وجد أجر صيامه عند الله عز وجل.
فنسأل الله تعالى أن يتقبل منا الصيام والقيام، وتلاوة القرآن، وأن ينفعنا بأعمالنا الصالحة، وأن يتجاوز عن الزلات والسيئات.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.