إسلام ويب

سلسلة فلسطين تهويد فلسطينللشيخ : راغب السرجاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن نيران العزة في النفوس قد تكبح، لكنها لا تنطفئ ما دام الإسلام هو المربي لها، فمهما أراد اليهود تهويد أرض فلسطين فإنها ستبقى إسلامية بوجود شعبها المسلم المناضل، صحيح أن التهويد جارٍ في فلسطين، لكن الجهاد مستمر إلى قيام الساعة، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

    اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فخذه أخذ عزيز مقتدر، واجعل تدبيره تدميره، واجعل كيده في نحره؛ إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

    أما بعد:

    فمع المحاضرة السادسة من المحاضرات المتعلقة بقضية فلسطين.

    وفي الحلقتين السابقتين تحدثنا عن بزوغ فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وكان الداعي لها هو تيودور هرتزل الزعيم الصهيوني المعروف، وتحدثنا عن جهوده في هذا المجال، بدءاً من (مؤتمر بال)، ومروراً بالمباحثات التي تمت بينه وبين كل من إنجلترا وألمانيا وروسيا، والخلافة العثمانية.

    وتعرضنا أيضاً لموقف السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله من مطامع اليهود، وكيف تصدى لها في ذكاء وإخلاص.

    ثم أشرنا إلى أن اليهود قرروا إقصاء السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله عن الحكم، وتقويض أركان الخلافة، وكيف حاولوا اغتياله، وفشلت هذه المحاولات.

    ثم كيف سلكوا سبيل التفريق بين المسلمين على أساس العنصر، وكيف ساهموا في إنشاء الجمعية العلمانية المعروفة بجمعية الاتحاد والترقي، ثم كيف أقصي بالفعل الخليفة الجبل عبد الحميد الثاني رحمه الله.

    وتحدثنا أيضاً عن ظهور فكرة القومية العربية بإيعاز من اليهود والإنجليز أيضاً، وكيف ظهر الشريف حسين ينادي بمملكة للعرب، وذكرنا دخول الحرب العالمية الأولى وآثارها على المسلمين، وبالذات على فلسطين، وفصلنا في المعاهدة المشئومة معاهدة الشريف الحسين مع مكماهون الإنجليزي، وفيها يضرب الشريف حسين الخلافة العثمانية في ظهرها في مقابل وعد من إنجلترا بإقامة مملكة عربية يكون هو على رأسها.

    ثم ذكرنا ما فعلته إنجلترا في معاهدة (سايكس بيكو)، وكيف خانت عهودها كالمعتاد، وفصلنا بعد ذلك في الكوارث التي حلت على المسلمين في سنة 1917م، وعددنا منها أربعاً:

    أولاً: وعد بلفور .

    ثانياً: ظهور شخصية مصطفى كمال أتاتورك كقائد خائن لجيش العثمانيين في فلسطين.

    ثالثاً: احتلال الإنجليز لفلسطين، وغفلة أهلها عن نوايا الإنجليز.

    رابعاً: الثورة الشيوعية في روسيا، بما لها من آثار مدمرة.

    واليوم نستكمل معاً التنقيب عن الأسباب التي أدت إلى تمكين شعب خسيس مهين -كشعب اليهود- من أرض طاهرة مقدسة -كأرض فلسطين- ونستكمل معاً التقليب في صفحات التاريخ، نستخرج من بينها أنواراً تضيء لنا طريق المستقبل، فليس في الدنيا أحداث جديدة، ما حدث منذ زمن آدم وإبليس إلى ما يحدث إلى يوم القيامة واحد لا يختلف، وثابت لا يتغير، فقط تختلف الأسماء والأماكن، لكن صلب الأحداث واحد.

    ذلك أن لله سنناً لا تتغير ولا تتبدل، ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً [فاطر:43].

    اليوم نبدأ في الحديث من حيث انتهينا في المرة السابقة، فقد انتهت سنة 1917م، وقد حدثت فيها مصائب كثيرة كما نوهنا، وجاءت السنة التالية 1918م، وانتهت الحرب العالمية الأولى، وبدأت الأمور تتضح في المنطقة.

    إنجلترا وفرنسا وأمريكا وروسيا انتصروا على ألمانيا والخلافة العثمانية، وبدءوا جميعاً يقتسمون -كما قالوا: تركة الرجل المريض- تركة الخلافة العثمانية، وبدأ الإنجليز والفرنسيون في تطبيق معاهدة (سايكس بيكو)، وتقسيم المملكة العربية التي وعدوا بها الشريف حسين ، فأخذت إنجلترا الأردن والعراق، وأخذت فرنسا سوريا ولبنان.

    كما طلبت إنجلترا من فرنسا إلغاء البند الخاص بفلسطين، حيث كان من المقرر أن تكون تحت حماية دولية مشتركة باستشارة روسيا، وأن تجعل فلسطين تحت الانتداب الإنجليزي فقط في مقابل أن تطلق إنجلترا يد فرنسا في الجزائر وتونس، ووافق الفرنسيون على ذلك، وأصبحت فلسطين محتلة رسمياً من الإنجليز، ولكي يستقر الوضع في فلسطين أعلنت إنجلترا أنها لا تحتل البلاد، ولكن فقط تجعل عليها انتداباً وإشرافاً إلى أجل، وهذا الأجل جعلته ثلاثين عاماً، فينتهي الانتداب الإنجليزي على فلسطين في الرابع عشر من مايو سنة 1948م.

    ولكي تسهل إنجلترا مهمتها في تسليم فلسطين لليهود لم تجعل على فلسطين حاكماً منها كما كان معتاداً في مثل هذه الظروف، فإنجلترا كانت تحتل مصر مثلاً، وكان هناك خديوي أو ملك في الواجهة، وكذلك في غيرها من البلاد المحتلة، لكن هنا في فلسطين لم تفعل هذا حتى لا يجد الفلسطينيون أي رمز يلتفون حوله ولو كان عميلاً، ويصبح بذلك الطريق لليهود مفتوحاً.

    من الذي ثار على هذا الوضع المذل؟ الشريف حسين : أين ما وعدتموني به؟ فقالت إنجلترا: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إبراهيم:22]، زاد في اعتراضه، وبكى ملكه الضائع، فاعتقل ونفي إلى قبرص، وخرج الشريف حسين من الصورة تماماً، فقد المملكة المزعومة، وفقد مكة المكرمة، وفقد المسلمين، بل فقد نفسه وفقد كل شيء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    بريطانيا الآن تريد أن تضع حكاماً على ممتلكاتها، ويجب أن يكونوا من العرب، ويحكم الإنجليز من وراء الستار، أو حتى من أمام الستار، لكن لا بد من وجود صورة، تُرى أي صورة اختارها الإنجليز؟

    انظر إلى السخرية والاستهزاء! بعد نفي الشريف حسين إلى قبرص، وضعوا أبناءه على رئاسة هذه البلاد بعد تقسيمها، وضعوا الأمير فيصل بن الحسين قائد الجيوش العربية ضد الخلافة العثمانية على العراق، ووضعوا الأمير عبد الله بن الحسين على الأردن، أما في فلسطين فقد شكلوا فيها إدارة عسكرية إنجليزية، ولم يضعوا فيها حكاماً عرباً كما ذكرنا، وجعلوا فلسطين تابعة لمكتب الإدارة الإنجليزي بالقاهرة.

    وفي سنة 1919م عقد مؤتمر للسلام في باريس للدول المتصارعة في الحرب العالمية الأولى، وحضر فيه الأمير فيصل بن الشريف حسين ممثلاً عن العرب، وفي المرة الوحيدة التي سمح له فيها بالكلام قام وقال: أطالب باستقلال البلدان العربية، مع ترك فلسطين جانباً بالنظر إلى طابعها العالمي -حسبنا الله ونعم الوكيل! وكأن الخيانة مرض وراثي- وبعدها أرسل رسالة إلى فرانك فورتر الزعيم الصهيوني الأمريكي، قال فيها: نحن العرب -وخاصة المثقفين- ننظر برغبة شديدة إلى النهضة الصهيونية، ولسوف نعمل ما في وسعنا لمساعدة اليهود أبداً، ونتمنى لهم وطناً ينزلون فيه على الرحب والسعة، وإني أتطلع وشعبي إلى مستقبل نستطيع فيه أن نتبادل التعاون؛ لتصبح البلاد التي نشترك في الاهتمام بها ذات مركز بين الأمم المتمدنة في العالم.

    سبحان الله!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088455920

    عدد مرات الحفظ

    776837826