إسلام ويب

العدة شرح العمدة [17]للشيخ : أسامة سليمان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • السنن الرواتب بمثابة سياج حفظ للفريضة، وبإحسان النوافل تكمل الفرائض، ومن داوم عليها فإنه ينال محبة الله تعالى بذلك، وهي اثنتا عشرة ركعة في اليوم والليلة، ومن تطوع أكثر في أوقات غير منهي عن الصلاة فيها فهو نور على نور.
    الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شرٍ يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أيها الإخوة الكرام الأحباب! طبتم جميعاً وطاب ممشاكم إلى بيت الله عز وجل، وأسأل الله سبحانه بفضله وكرمه أن يجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    لا زلنا مع كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى، ومع باب: صلاة التطوع، وهذا الباب مهم؛ لأنه يرتبط بعبادة متكررة.

    قال رحمه الله: [ وهي على خمسة أضرب ] أي: أنه قسم التطوع إلى خمسة أنواع: [ أحدها: السنن الراتبة ].

    ومعنى قوله: السنن الرواتب أي: السنن التي ليست مطلقة وإنما هي مقيدة بالفرض ولها صفة الرتابة، أي: الاستمرار.

    لذلك قال: [ وهي عشر ركعات ]، أي: أن السنن الرواتب عشر ركعات، وهناك خلاف بين حديثين: أحدهما لـابن عمر قال فيه: إنها عشر ركعات، والآخر لـعائشة رضي الله عنها أنها اثنتي عشرة ركعة، والخلاف بينهما في سنة الظهر، كما سأبين إن شاء الله تعالى.

    قال: [ قال ابن عمر: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الصبح، كانت ساعة لا يدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها)، وحدثتني حفصة : (أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين)، متفق عليه.

    وآكدها ركعتا الفجر؛ قالت عائشة: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر)، وقال: (ركعتا الفجر أحب إلي من الدنيا وما فيها)، رواه مسلم ، ويستحب تخفيفهما ].

    النافلة تعد بمثابة سياج حفظ للفريضة؛ لأنه إذا أصابك الفتور فيؤثر على النافلة، وإن لم يكن هناك نافلة وأصابك الفتور فيؤثر على الفريضة، فالنافلة بمثابة حفظ للفريضة.

    ثانياً: النافلة تعتبر تمهيداً للدخول إلى الفريضة، كصيام أيام من شعبان تمهيداً للدخول في صيام رمضان.

    ثالثاً: النافلة سبب لحب الله، قال تعالى في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)؛ لأنه يزيد على جنس الواجبات من جنسها المستحبات، قال ابن تيمية رحمه الله: الولي هو الذي يفعل الواجبات، ويضيف إليها المستحبات، ويتجنب المحرمات والمكروهات، ويترك بعض الأمور المباحة لأجل رضا ربه عز وجل.

    ومن المستحبات: السنن النوافل، كركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما في بيته؛ لأن من السنة أن تجعل لبيتك نصيباً من الصلاة لا سيما صلاة النوافل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً)، وقد استنبط العلماء من هذا الحديث أن القبور لا يصلى فيها ولا يقرأ فيها القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد العشاء في بيته، أما ركعتا الفجر وهما آكد السنن فقد كان صلى الله عليه وسلم يصليهما في بيته ويخفف فيهما، ولذلك يستحب فيهما التخفيف، وكان يقرأ فيهما بسورتي (الكافرون والإخلاص)، كذلك ركعتا المغرب.

    قال: [ ويستحب تخفيفهما ] أي: ركعتا الفجر، فإن ذلك من السنة.

    قال: [ لأن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين قبل الصلاة، حتى أقول: هل قرأ فيهما بأم القرآن؟)، أخرجه أبو داود ].

    وهذا يشير إلى التخفيف، وليس معناه السرعة والنقر، إنما كان عليه الصلاة والسلام يخففهما بالنسبة للمعهود في صلاته عليه الصلاة والسلام، والمعهود في صلاته أنه كان يطيل.

    جاء في صحيح البخاري في باب تقصير الصلاة: عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يصلي قيام الليل وهو قاعد أبداً إلا بعد أن أسن -أي: بعد أن تقدم سنه- كان يفتتح الصلاة قائماً ثم يجلس-يعني: يقعد- ويقرأ وهو قاعد، فإذا أراد أن يركع قام وقرأ ما يقرب من أربعين أو خمسين آية قائماً ثم يركع).

    وهذا يدل على أنه كان يقرأ في قعوده أكثر من خمسين آية، لذلك فإن أحب الصلاة طول القيام، وقيام الليل لا تشرع فيه الجماعة إلا في رمضان، أما فيما سوى رمضان فلا تشرع الجماعة المرتبة، أما الصلاة جماعة دون ترتيب فيجوز، ومن حدد قيام الليل في ساعة معينة ودعا إليها الناس فهذا بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، فإنه لم يرد عن السلف أنهم كانوا يدعون لقيام الليل في جماعة، إنما المشروع في قيام رمضان.

    وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي قيام الليل، يقول رضي الله عنه: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم قيام الليل، فقمت بجواره فقرأ سورة البقرة فقلت: لعله يركع، ثم قرأ سورة النساء، فقلت: لعله يركع، ثم قرأ سورة آل عمران، فقلت: لعله يركع، فحدثتني نفسي بأمر سوء وهو أن أقعد والنبي قائم)، لأنه لم يستطع مواصلة الوقوف.

    وجاء في البخاري في كتاب صلاة الكسوف وفي كتاب مواقيت الصلاة وفي كتاب العلم أن أسماء وجدت الناس في المسجد في وقت ليس وقت صلاة، وأمنا عائشة تقوم خلف الرجال تصلي، فتعجبت أسماء من عائشة وسألتها وهي تصلي، وبوب الإمام البخاري لذلك فقال: من أجاب الفتيا بيده أو برأسه، وهذا يجوز أن تحدث المصلي للضرورة فيجيبك باليد أو بالرأس.

    قالت أسماء لـعائشة وعائشة رضي الله عنها تصلي: لماذا اجتمع الناس في المسجد؟ فأشارت السيدة عائشة إلى السماء وهي في المسجد، إذاً المسجد كان له سقف يمكن أن ترى أسماء من خلاله الشمس، فمعنى ذلك: أن المسجد سقفه ليس كاملاً، فـأسماء نظرت إلى السماء فوجدت الشمس مكسوفة، فقالت لـعائشة مرة أخرى: هذه آية؟ فأشارت برأسها: نعم، إذاً عائشة أشارت مرة باليد ومرة برأس.

    وهذه الترجمة تدل على فقه البخاري ، تقول أسماء رضي الله عنها: (فقمت أصلي بجوار عائشة فأطال النبي صلى الله عليه وسلم القراءة طويلاً حتى كدت أن أقع، فعمدت إلى ماء بجواري ووضعته على رأسي وأنا أصلي)، انظر إلى المرأة كيف كانت تقاوم عبادة النبي عليه الصلاة والسلام؟

    المهم أنه يستحب للمتنفل أن يخفف القراءة في ركعتي الفجر.

    قال رحمه الله: [ وكذلك ركعتا المغرب؛ لأنها سنة المغرب؛ والمغرب يستحب تخفيفها، فكذلك سنتها ].

    ولم يرد خلاف عائشة مع ابن عمر في السنن الراتبة المقيدة بالفريضة، إنما الخلاف بين أمنا عائشة وبين ابن عمر في سنة الظهر القبلية، فـابن عمر يرى أنها ركعتان وعائشة ترى أنها أربع، قال الفقهاء: نرجح قول عائشة لأنها الزوجة، والزوجة أدرى الناس بحال زوجها.

    ولأن ابن عمر أخبر عما رأى، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في المسجد ركعتين قبل الظهر فأخبر بذلك، لكنه صلى في بيت عائشة ركعتين ثم ذهب إلى المسجد وصلى ركعتين فأخبرت عائشة بالمجموع، وهذا أيضاً وارد، فإذاً: الراجح قول أمنا عائشة رضي الله عنها: إن السنن الرواتب اثنتا عشرة ركعة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089142949

    عدد مرات الحفظ

    782143729