إسلام ويب

العدة شرح العمدة [33]للشيخ : أسامة سليمان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مصارف الزكاة محددة في الشريعة الإسلامية، ومنها مصرف الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، ولا يجوز صرف الزكاة لغني ولا لقوي مكتسب، ولا لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ولا للولد وإن سفل ولا للأب وإن علا؛ لأنه يجب أن ينفق عليهم.
    قال الشارح: [ الخامس: وفي الرقاب وهم المكاتبون، يُعطون ما يؤدونه في كتابتهم ولا يُقبل قوله: إنه مكاتب إلا ببينة؛ لأن الأصل عدمها ].

    المكاتب هو العبد الذي اتفق مع سيده في كتاب على أن السيد يعتقه مقابل مبلغ من المال، فهذا كتاب بين العبد وبين سيده.

    فإن أدى العبد جزءاً من المبلغ وبقي عليه جزء، فيدفع من الزكاة للعبد كمكاتب، لكننا لا نقبل قوله بأنه مكاتب إلا ببينة أن هناك كتاباً بينه وبين سيده.

    قال شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله: هناك فرق بين قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وبين قوله تعالى: وَفِي الرِّقَابِ [التوبة:60] فكلمة للفقراء تعني التمليك، وأن الفقير لا بد أن يتملك بيده، وقد يقول قائل: أنا سأسقط الدين عن المدين وأجعله من الزكاة، وهذا لا يجوز، أو يقول قائل: أنا سأقضي الدين عنه وأجعله من الزكاة، وهذا لا يجوز، أو يقول قائل: أنا سأشتري له بالزكاة ملابس وهذا أيضاً لا يجوز، فلا بد من تمليكه المال فقوله: لِلْفُقَرَاءِ فيها إعطاء وتملك، أما كلمة: وَفِي الرِّقَابِ فإنها تعني أنه يجوز أن يدفع لسيده المبلغ دون أن يتملك هو، فهناك فرق بين (لل) وبين (في).

    قال الشارح: [ ويجوز أن يفك منها أسيراً مسلماً كفك رقبة العبد من الرق، وهل يجوز أن يشتري منها رقبة يعتقها؟ ].

    بمعنى: لو أن هناك أسيراً مسلماً عند العدو، والعدو يريد مبلغاً لفك أسره، هل يدفع من الزكاة لفك أسره؟

    الجواب: نعم يدفع من الزكاة لفك أسره فشأنه شأن العبد الذي يدفع لفك رقبته، إنما هل يشتري منها رقبة ثم يعتقها؟ روايتان عن الإمام أحمد :

    قال الشارح: [ الرواية الأولى: يجوز لأنها من الرقاب فعلى هذا يجوز أن يعين في ثمنها، وأن يشتريها كلها من زكاته ويعتقها ].

    أي: أن الرواية الأولى للإمام أحمد أنه يجوز أن أشتري رقبة من مال الزكاة وأن أعتقها.

    قال الشارح: [ الرواية الثانية: لا يجوز الإعتاق منها؛ لأن الآية تقتضي دفع الزكاة إلى الرقاب، كقوله تعالى: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60] ].

    والرواية الأولى أرجح، وإن أردت أن ترجّح بين روايات مذهب الإمام أحمد فهناك كتاب يسمى: الإنصاف في الراجح من مسائل الخلاف على مذهب الإمام أحمد رحمه الله للمرداوي يرجّح الروايات.

    ثم قال المصنف: [ السادس: الغارمون ].

    إذاً مصارف الزكاة: المصرف الأول: للفقراء، الثاني: المساكين، الثالث: العاملين عليها، الرابع: المؤلفة قلوبهم، الخامس: وفي الرقاب، السادس: والغارمين.

    قال المصنف: [ الغارمون: هم المدينون ] وقد يكون الدين لمصلحة نفسه، وقد يكون الدين لإصلاح ذات البين.

    مثال ذلك: شخص مدين لشخص آخر، فهذا دين يعان عليه من الزكاة بقدر ما يقضي عنه الدين.

    يقول الشارح: [ الغارمون: هم المدينون، وهم ضربان ] أي: قسمان [ ضرب غرم لمصلحة نفسه ].

    أي: أن الدين أصابه لأكل وشرب ومسكن [ فيعطى من الصدقة ما يقضي غرمه ] يعني: يعطى من الزكاة بمقدار الدين الذي عليه.

    قال الشارح: [ ولا يعطى مع الغنى لأنه يأخذ لحاجة نفسه، فلم يُدفع إليه مع الغنى كالفقير ] يعني: إن كان مديناً وهو غني لا يأخذ من الزكاة، فلا بد أن يكون غير قادر على سداد الدين.

    الضرب الثاني من الغارمين قال الشارح: [ غرم لإصلاح ذات البين ].

    إذاً النوع الأول: غرم لمصلحة نفسه، والثاني: غرم لإصلاح ذات البين.

    قال الشارح: [ كمن يتحمل دية أو مالاً لتسكين فتنة أو إصلاح بين طائفتين ].

    والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن في حديثه: أن المسألة لا تجوز إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، والفقر المدقع الذي هو الفقر الشديد، أو غرم مفظع، أو دم موجع وذلك لما جاءه الرجل يسأل الناس، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: (هل في بيتك شيء؟ قال: نعم، إناء نشرب فيه الماء وحنث بالي) يعني: سجادة قديمة نجلس عليها قال: ائتني به، فأتاه بهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: من يشتري هذين؟ فقال رجل: أنا أشتريهما بدرهم يا رسول الله، قال: من يزيد على درهم؟ فأقام عليهم مزاداً، حتى قال صحابي: أنا أشتريهما بثلاثة، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم درهماً لأهله وأمره أن يذهب إلى السوق ليحتطب ويبيع يعني: يشتري حطباً ثم يعود فيبيعه، فذهب الرجل واحتطب ثم باع فتربّح وتكسب وجرت السيولة في يده، وجاء بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: هذا أولى من أن تأتي المسألة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تجوز إلا لذي فقر مدقع، أو غرم مفظع، أو دم موجع، وهذه حكمة نبينا عليه الصلاة والسلام، لقد حوّل يد الرجل من يد سؤال إلى يد منتجة، أما اليوم فإن ذل المسألة في الشوارع والطرقات آلاف مؤلفة يسألون الناس إلحافاً، بل يسألون الناس بدون حق.

    فيأتي رجل يسأل ويقول: يا شيخ! أنا مدير عام انفصلت من عملي ارحموا عزيز قوم ذل، وعندي بنت تعالج من الكلى فتعطيه بقدر ما طلب، ثم حين تذهب إلى المسجد الآخر تجده هناك بقصة جديدة.

    فهناك أناس احترفوا في هذا العمل، واتخذوه حرفة.

    لذلك كينز الاقتصادي المعروف عند الاقتصاديين، حينما أُصيب المجتمع في عهده بكساد عظيم ماذا أمر الناس؟ قال: احفروا الأرض ثم اردموها، لماذا؟ يريد لليد أن تعمل؛ لأن البطالة تورث عقداً نفسية، وهذا موجود فالرجل الذي لا يعمل تجده في البيت عصبياً، يسب ويلعن فيمن حوله، فلا بد للرجل أن يعمل، ولذلك إبراهيم عليه السلام -وهذا الحديث في البخاري - حينما ذهب إلى ولده إسماعيل ليطمئن عليه مع زوجته فكان كلما سأل عنه، قالت زوجته: خرج للصيد، ففي المرة الثالثة وجده يبري نبلاً عند ماء زمزم، فهذا يعلمنا أن الأنبياء كانوا يعملون.

    قال الشارح: [ وإصلاح بين طائفتين، فيدفع إليه من الصدقة ما يؤدي حمالته وإن كان غنياً، لحديث قبيصة بن مخارق قال: (تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فيها) ].

    أي: أني التزمت بمبلغ كضمين [ (فقال: أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) يعني: انتظر، أخرجه مسلم ].

    إذاً: المصرف السادس الغارم، والغارم ينقسم إلى قسمين: غارم لمصلحته، وغارم لمصلحة غيره .. لإصلاح ذات البين.

    قال المصنف: [ السابع: وفي سبيل الله، وهم الغزاة ].

    وهنا يسأل سائل ويقول: هل يدخل في قوله تعالى: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60] المساجد؟ جمهور العلماء أنها لا تدخل؛ لأنه يقصد بها تجهيز الغزاة، فإن قال قائل: هل يجوز إعطاء الزكاة لطالب العلم؟ فالواجب نعم، فإن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتابه الشرح الممتع يرى أن إعانة طالب العلم أولى السبل الآن؛ لأنه في زمن انتشار البدعة والجهل بالأحكام الشرعية، نحتاج إلى طالب علم، فإعانة طالب العلم من الزكاة أولى بكثير من صرفها في بعض مصارف الزكاة الأخرى.

    قال المؤلف: [ وفي سبيل الله، وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم ] أي: أنه ليس هناك بيت مال يجهّزهم فيُجهّزون من مال الزكاة، يُعطون قدر ما يحتاجون إليه في غزوهم من نفقة طريقهم وإقامتهم، وثمن السلاح والخيل إن كانوا فرساناً، ويُعطون مع الغنى، ولذلك سنقسّم الآن مصارف الزكاة الثمانية إلى أقسام: فريق يُعطى لأنه فقير، وفريق يُعطى حتى وإن كان غنياً، كالعامل عليها، فهذا مقابل لحاجتنا إليه حتى وإن كان غنياً فيُعطى، فهناك قسم يأخذ مع الغنى، وقسم لا بد أن يكون فقيراً ليأخذ، وإن أخذ أكثر من حاجته عليه أن يرد الزائد، كرجل غارم عليه ألف جنيه أعطيناه من الزكاة الألف فأسقط الدائن عنه خمسمائة وتقاضى خمسمائة، فعليه أن يرد الخمسمائة لبيت المال؛ لأنه يأخذ منها بقدر ما يسد دينه، فهذا تقسيم مهم.

    قال الشارح: [ ويعطون مع الغنى؛ لأنهم يأخذون لمصلحة المسلمين ].

    أي: أن المجاهد في سبيل الله حتى وإن كان غنياً فيأخذ من الزكاة؛ لأنه خرج للقتال، فينفق عليه من مال الزكاة ما يستطيع أن يجاهد به، فإن احتاج مدفعاً نعطيه، وإن احتاج دبابة نعطيه، حتى وإن كان أغنى الأغنياء، ولذلك تجهيز الغزاة في سبيل الله أمر هام جداً، وهنا سؤال: هل يجوز إعانة مجاهدي الانتفاضة في فلسطين من أموال الزكاة؟ الجواب: نعم، لكن شريطة أن تثق فيمن تعطيه، لكي لا تذهب الأموال هباء منثوراً.

    ولقد حدثتني امرأة من فلسطين: أنهم ما رأوا هذه الزكاة وما سمعوا بها، وهم لا يجدون خبزاً والأموال تُعطى إلى القيادات العليا هناك نسأل الله العافية..

    فالمهم أنه يجوز أن تعطي الزكاة للمجاهدين في سبيل الله سبحانه، شريطة أن تتحقق أو أن تلتمس الطرق التي تصل بها الزكاة إليهم.

    قال الشارح: [ ولا يعطى الراتب في الديوان لأنه يأخذ قدر كفايته من الفيء ].

    يعني: أن المجاهد في سبيل الله يأخذ من الفيء، فلا يأخذ راتباً.

    قال المصنف: [ الثامن: ابن السبيل ] وهذا آخر مصرف من مصارف الزكاة الثمانية.

    وهو المسافر الذي اقتطعت به السبل في بلد غريب عن بلده، يأخذ ما يكفيه من الزكاة حتى يصل إلى بلده، حتى وإن كان غنياً ولكن انقطعت به السبل، وقد يأتيك سائل ويقول: أنا من الشرقية وضاعت أموالي وليس معي أموال أتبلّغ بها إلى بلدي، أريد أن أسافر إلى بلدي، فتقول له: تعال أنا أسفرك، وتأخذه إلى السكة الحديدية، ويقول: أعطني تذكرة إلى الزقازيق لو سمحت، اتفضل اركب، السلام عليكم لا أريد التذكرة، سيتركك ويهرب، يقول لك: 10 جنيه فقط أتبلّغ بها إلى بلدي، تفضل العشرة، ثم يذهب إلى الثاني فيقول له: 5 جنيه فقط أتبلّغ بها، ثم يقول للآخر: 3 جنيه فقط أتبلغ بها.. ويظل هكذا، فطالما المغفّل موجود النصاب بخير، كما قلنا: إن هذا الكلام في الحقيقة لا ينبغي أن تؤتى من جهته يا عبد الله أمور كثيرة وعجيبة نسمع عنها ليل نهار نسمع العجب.

    قال الشارح: [ ابن السبيل: المسافر المنقطع به السبل، دون المنشئ للسفر من بلده ] بمعنى أنه لا يزال في بلده ولم ينشئ سفراً، فهذا لا نسميه ابن السبيل؛ لأن ابن السبيل سافر بالفعل وليس في بلده، فالمنشئ للسفر في بلده لا يسمى ابن السبيل.

    قال الشارح: [ فيعطى من الصدقة ما يبلغه إليه لإيابه حتى يعود إلى بلده ] فمثلاً يقول قائل: أنا من أصفهان وانقطعت بي السبل وأريد أن أعود إلى بلدي، فتذكرة الطائرة 240 جنيه، هل أنت ملزم بركوب الطائرة؟ اركب أي شيء، ليس من اللازم أن تترقى في وسائل المواصلات، لا يشترط درجة أولى أو طائرة، إنما المقصود أن يعود إلى بلده، وهذا يعد من الزكاة بدون شك.

    وهنا مسألة: هل يجوز دفع الزكاة إلى واحد من الأصناف الثمانية؟

    فإذا كان لديك ألف جنيه زكاة، هل من اللازم أن تقسمها بين الثمانية أم يجوز أن تؤدى إلى واحد؟

    يجوز أن تؤدى إلى واحد، قال الشارح: [ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـمعاذ : (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) ].

    ففي قوله: (فترد في فقرائهم) ذكر صنفاً واحداً، فالحديث بيّن أنه لو ردها على الفقراء لأجزأ، ولذلك قال الشارح: [ أمر بردها في صنف واحد، وقال لـقبيصة لما سأله في حمالته: (أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) وهو صنف واحد، وأمر بني بياضة بإعطاء صدقاتهم سلمة بن صخر وهو واحد، فتبين بهذا أن المراد من الآية بيان موضع الصرف دون التعميم ].

    أي أن الآية تبين مواضع الصرف، لكن لا يشترط أن تعمم في العطاء، فإن أخذها فقير واحد أجزأت، أو مسكين أجزأت، أو في سبيل الله أجزأت إلى آخر الأصناف الثمانية.

    قال الشارح: [ وكذلك لا يجب تعميم كل صنف ] بمعنى إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ فلا يشترط أن أعطي الزكاة لجميع الفقراء في بلدي، ولكن فقير واحد يجزئ، فلا يجب التعميم في الأصناف ولا التعميم في الصنف الواحد.

    قال الشارح: [ ولأن التعميم بصدقة الواحد إذا أخذها الساعي غير واجب بخلاف الخمس ] الخمس في الفيء يجب أن يوزّع، كما قال ربنا تبارك وتعالى: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ [الحشر:7] وهذه تسمى مصارف الفيء، فكيف نقسّم الفيء؟ يكون تقسيمها على النحو التالي:

    خمس لله وللرسول، وخمس لذي القربى، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، وخمس لابن السبيل.. فهنا خمسة أخماس بالتساوي، فالفيء يختلف عن الزكاة.

    فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وآل محمد صلى الله عليه وسلم لا يجوز دفع الزكاة إليهم، لأنهم أخذوا من الفيء، قال تعالى: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى [الحشر:7] فذي القربى لهم خمس الفيء، لذلك لا يأخذوا من مال الزكاة، لأنها أوساخ الناس.

    ما معنى أن الزكاة أوساخ الناس؟

    أي: أنها تغسل الناس من خطاياهم فكأنها تحمل وساخاتهم وتطهرهم، كالماء الذي ينزل بالوسخ، فالزكاة تطهر فتنزل بالوسخ، فلا يجوز أن تعطى لسيد البشر صلى الله عليه وسلم، ولا لآل بيته، ولا لمواليه كما سنقرأ بعد قليل إن شاء الله: من لا يجوز دفع الزكاة إليهم.

    قال المصنف: [ ويُدفع إلى الفقير والمسكين ما تتم به كفايته ] أي: أنه إذا سألني رجل وكان معي من الزكاة عشرة آلاف جنيه، وهذا الفقير يحتاج إلى عشرين ألفاً، هل أعطيه العشرة آلاف جميعها أم لا؟ نعم أعطيه، فبما أن المبلغ لا يفي بحاجته ولا يكفي لسد حاجته، فيعطى ولو خمسين ألفاً، ولو افترضنا أن فقيراً يحتاج إلى مائة ألف إما لبناء مسكن مثلاً أو لشراء متاع للبيت، ولنقل أولاده وكسوتهم.. إذاً فهذا فقير محتاج، فهنا تعطيه ولا بأس.

    قال الشارح: [ ويدفع إلى الفقير والمسكين ما تتم به كفايته؛ لأن المقصود من الزكاة دفع حاجته، ويُعطى العامل قدر عمالته ] أي: أن العامل يعطى على قدر العمل.

    قال الشارح: [ لأنه مستحقه، ويدفع إلى المؤلفة قلوبهم ما يحصل به التأليف، ويعطى المكاتب والغارم ما يقضي دينهما، ويعطى الغازي ما يحتاج إليه لغزوه، وإن كثر لما سبق، ويعطى ابن السبيل ما يوصله إلى بلده ولا يُزاد أحد منهم على ذلك لحصول المقصود ].

    ثم قال المصنف: [ وخمسة منهم لا يأخذون إلا مع الحاجة، أي: مع الفقر:

    1- الفقير.

    2- المسكين.

    3- المكاتب.

    4- الغارم لنفسه.

    5- ابن السبيل ].

    هؤلاء لا يأخذون من الزكاة إلا مع الحاجة، يعني: مع الفقر.

    فالفقير، والمسكين، والمكاتب يأخذون لسد حاجتهم مع الفقر، والغارم لنفسه الغارم وهو المدين، والمدين إذا عجز عن سداد دينه يُعان، لكن هل يُعان بإسقاط دينه أم لا بد من إعطائه؟ فلو أن هناك رجلاً له دين على رجل، هل يجوز أن يُسقط الدين عنه ويعتبره من الزكاة؟ الجواب: لا، فلا بد من الإعطاء.

    قال الشارح: [ فإن فضل مع الغارم شيء بعد قضاء دينه، أو مع المكاتب بعد أداء كتابته، أو مع الغازي بعد غزوه أو مع ابن السبيل بعد رجوعه استرجع منهم ].

    يسترجع منهم إلى بيت المال إن زاد عن حاجتهم.

    قال الشارح: [ وإن استغنوا عن الجميع ردوه؛ لأنهم أخذوا للحاجة وقد زالت الحاجة ].

    أي: أن الفقير إذا أخذ وتحوّل إلى غني يرد المال إلى بيت المال.

    قال الشارح: [ والباقون يأخذون أخذاً مستقراً ] فهناك أخذ مستقر، وهناك أخذ على قدر الحاجة.

    قال الشارح: [ فلا يردون شيئاً وهم أربعة: الفقراء أيضاً يأخذها على سبيل الاستقرار، والمساكين، والعاملون، والمؤلفة قلوبهم؛ لأن الفقراء والمساكين يأخذون ما تتم به كفايتهم، والعامل يأخذ أجرة، والمؤلفة يأخذون مع الغنى وعدمه، وكلام الخرقي يقتضي أن أخذ المكاتب أخذ مستقر، ووجهه أن حاجته لا تندفع إلا بما يغنيه فأشبه الفقير، فلو لزمه رد ما أخذ بعد أداء الكتابة لبقي فقيراً محتاجاً ].

    أي: أن هناك من الأصناف التي تأخذ مع الفقر من يأخذون على سبيله لاستقرار.

    قال المصنف: [ وأربعة يجوز الدفع إليهم مع الغنى ] خمسة يجوز الدفع إليهم مع الفقر، وأربعة يجوز الدفع إليهم مع الغنى.

    [ العامل ] العامل على الزكاة حتى وإن كان غنياً؛ لأن الذي نعطيه إليه هو أجرة مقابل عمل، فهو موظف، فيأخذ مع الغنى [ والمؤلفة قلوبهم ] فربما يُعطى الكافر وهو أغنى الأغنياء لتأليف قلبه، فهذا يُعطى رغم أنه غني، قال المصنف: [ والغازي في سبيل الله، والغارم لإصلاح ذات البين ].

    فهناك أربعة أصناف تأخذ مع الغنى، وخمسة أصناف تأخذ مع الفقر.

    وقد يقول قائل: المصارف ثمانية فكيف قسِّمت إلى تسعة؟

    والجواب: أن الغارم قسم إلى قسمين: الغارم لنفسه والغارم لإصلاح ذات البين، فالغارم لنفسه يأخذ مع الفقر، والغارم لإصلاح ذات البين يأخذ مع الغنى.

    قال الشارح: [ لأنهم يأخذون لحاجتنا إليهم والحاجة توجد مع الغنى ].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089181676

    عدد مرات الحفظ

    782509149