إسلام ويب

العدة شرح العمدة [41]للشيخ : أسامة سليمان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإحرام هو ركن من أركان الحج والعمرة، فمن أراد حجاً أو عمرة فعليه أن يحرم من ميقات أهل بلده، ويحرم الرجل في إزار ورداء، وتحرم المرأة في أي ثوب على ألا يشابه لباس الرجل، ومن أراد الإحرام شرع له الغسل والتنظف والتطيب دون أن يمس الطيب إحرامه.
    الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنة.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعد:

    أيها الإخوة الكرام الأحباب! طبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وأسأل الله عز وجل بفضله وكرمه وعفوه ورضاه أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وأن يختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، وأن يجمعنا سوياً مع سيد الأنبياء والمرسلين في الفردوس الأعلى؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    وقبل أن نبدأ في رحلتنا مع دروس الفقه من كتاب العدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي ، ومع كتاب الحج والعمرة، يسعدنا أن نبدأ هذا اللقاء بكلمة مختصرة عن الزواج في الإسلام: مما لا شك فيه أن الزواج من سنن الله عز وجل في خلقه، قال عز وجل: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]، ولكن الحديث في عجالة سيدور حول أسس اختيار الزوجة، والمعايير التي ينبغي على الشاب المسلم أن يضعها نصب عينه وهو يختار الزوجة؛ لأن الزوجة سكن، وهي حسنة الدنيا على رأي بعض المفسرين في قوله تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة:201]، فحسنة الدنيا قال بعضهم: هي المرأة الصالحة؛ لأن المرأة إذا صلحت صلحت بها المجتمعات، وإذا فسدت المرأة تفسد بها المجتمعات؛ ولأن أعداءنا يعلمون تلك الحقيقة راحوا يخططون ويمكرون بالمرأة ليل نهار، وراحوا يفسدونها ويخرجونها عن حيائها وعن عفافها؛ ليعم الفساد والبلاء، فأول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء). أسس اختيار المرأة في الإسلام يقوم على معايير وضعها سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، فمن الشباب من يبحث عن الجمال ويضع له شروطاً يضيق بها على نفسه، فتراه يريدها طويلة بيضاء البشرة صفراء الشعر زرقاء العينين ممشوقة القوام .. إلى غير ذلك، يشدد فيشدد الله عليه، ومن الناس من يبحث عن ذات المال فيبحث عن مالها كم هو؟ وإن قدر الله لأبيها الموت فماذا سترث بعد موته، ومن الناس من يبحث عن الجاه والحسب فيخطب من عائلة فلان ويضع اسم العائلة نصب عينه، ومن الناس من يبحث عن الدين كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم، والفائز بين هؤلاء جميعاً هو الذي يبحث عن دينها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وخير ما ينال المرء بعد تقوى الله المرأة الصالحة، كما جاء في بعض الآثار.

    الزواج إيجاب وقبول، قال تعالى عن صاحب مدين أنه قال لموسى عليه السلام: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ [القصص:27]، هذا إيجاب؛ لأن ولي أمر المرأة هو الذي بدأ بالعرض، وموسى عليه السلام وافق، ولذلك الإمام البخاري يبوب في صحيحه باب: الرجل يعرض ابنته على الرجل الصالح، فيجوز لك أن تعرض ابنتك على رجل صالح تثق في دينه، فهذا كنز يا عبد الله! ولكن في عرفنا إن قال أحد لآخر: عندي أخت أو عندي بنت قالوا: يدلل عليها؛ لأنها سلعة راكدة، أما يستحي قائل هذا؟! فيا عبد الله! هذا هو الشرع، يجوز للرجل أن يعرض ابنته على الرجل الصالح، وقد فعل هذا عمر ؛ فإنه لما مات زوج حفصة ذهب يعرضها على أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فعرضها أول ما عرضها على أبي بكر ، فأعرض الصديق ولم يجب بنعم أو بلا، ثم عرضها من بعد أبي بكر على عثمان ذي النورين رضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله أجمعين.

    يقول صاحب مسلسل رجل الأقدار: أنا لا أحب عمرو بن العاص ، فنقول له: من أنت حتى تحب أم تكره أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام؟! إن تلك الألسنة أو تلك الأسماء إذا ما ذكرناها نحتاج إلى أن نتمضمض سبع مرات من ذكرها، فهذا يقول: إنه لا يحب عمرو بن العاص ! فهل تعلم أن بغض أصحاب رسول الله من النفاق وحبهم من الإيمان، فمن أنت يا عبد الله! حتى تعلن أمام كل الجمهور الحضور أن شخصية عمرو شخصية استبدادية وشخصية أثرت بكذا، وأنا لا أحبه بل أكرهه؟! فاتق الله! فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (لا تسبوا أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ، وقال الله في حقهم: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة:119]، وقال الله في حقهم: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29]، قال ابن الجوزي في زاد المسير: كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة؛ لأن الله اصطفاه واصطفى له أصحاباً.

    ومن عقيدة أهل السنة: أن نكف عما شجر بينهم من خلاف؛ لأنهم في الحالتين أجروا؛ المجتهد فيهم إذا أصاب له أجران، وإذا أخطأ له أجر.

    وهذا الأمر هو الذي دفع الشيخ المغراوي حفظه الله -من المغرب العربي- أن يؤلف رسالة في هذا؛ فإنه رأى أن الكثير بدأ يسب سيدنا معاوية بن أبي سفيان وهو أحد كتبة الوحي، فألف رسالة سماها: (من سب معاوية فأمه هاوية)، نعم من سب معاوية فأمه هاوية؛ لأن معاوية أحد أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم.

    أقول: ثم عرضها عمر بعد ذلك على عثمان رضي الله عنه فاعتذر عثمان اعتذاراً واضحاً، أما الصديق فعلق المسألة، فقابله عمر بعد أن خطبها النبي فقال له الصديق : لعلك وجدت في نفسك مني؟ قال: أنت لم تجب بنعم ولا بلا، فقال: يا عمر ! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها لنفسه فأردت ألا أفشي سر رسول الله، فكانت حفصة من نصيب سيد البشر عليه الصلاة والسلام، وإحدى زوجاته، فـعمر يوم أن عرض ابنته حفصة على الصديق وعلى عثمان كان يلتمس صاحب الدين، ومن بعد أبي بكر وعثمان ذي النورين الذي طعن فيه من طعن في زمننا هذا؟ بل إن بعض الكتاب الذين أفضوا إلى ما قدموا وقعوا فيه، وهذا الأمر هو الذي دفع علماء السلف إلى أن يبرئوا ساحة عثمان ذي النورين الذي قال النبي عليه الصلاة والسلام في حقه في حادثة جيش العسرة: (ما ضر عثمان ما صنع بعد اليوم)، وقال: (لو كان عندي ثالثة لزوجتها عثمان)، وقال: (ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟)، فرضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله، ولعنة الله على أهل النفاق الذين يخوضون فيهم ويقعون في أعراضهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089198492

    عدد مرات الحفظ

    782706166