إسلام ويب

تفسير سورة الجن [1]للشيخ : أسامة سليمان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أمر الله الجن بعبادته كما أمر الإنس بذلك، ورتب على ذلك الجزاء لمن أطاعه والعقاب لمن عصاه، والجن طرائق مختلفة، منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، والإيمان بوجودهم من الإيمان بالغيبيات، وسورة الجن تذكر لنا قصة سماع الجن للقرآن من فم النبي صلى الله عليه وسلم، وإيمانهم وتصديقهم به.
    الحمد لله رب العالمين، الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ.

    وأشهد أن لا إله إلا الله، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، وهو مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب! ثبت قلوبنا على دينك، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم مع سورة الجن! إن من صفات عباد الله المتقين كما وصفهم رب العالمين، أنهم يؤمنون بالغيب، والغيب: هو كل ما غاب عن حواسنا وعن إدراكنا، لكن أخبرنا الله به، أو أخبرنا به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فنحن نؤمن بالغيب إذا ورد في كتاب ربنا أو في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فالجنة غيب، والنار غيب، وعذاب القبر غيب، والملائكة غيب، وحوض النبي محمد صلى الله عليه وسلم غيب، والجن أيضاً غيب؛ لأن الله قال في حقهم: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]، فالجن يروننا ونحن لا نراهم، لكن هل معنى أننا لا نراهم لا نؤمن بهم؟

    هذه السورة تسمى بسورة الجن، فضلاً عن الآيات التي جاء فيها ذكر اسم الجن، وكذلك الأحاديث، يقول ربنا سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

    إذاً: كما خلق الله الإنس خلق الجن، وربنا يقول: وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ [الحجر:27]، فالجن مخلوق بلا شك، وموجود بلا أدنى شك، ومنهم المسلم ومنهم الكافر: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن:14-15].

    يقول أستاذنا المطعني : العلمانية -بكسر العين- نسبة إلى العلم الملموس المادي، لا تؤمن إلا بما تحس؛ فإن وجد في إحساسها آمنت به، وإن غاب عن إدراكها كفرت به، فالعلمانية لها وجه قبيح، والأعداء الآن يطلبون من بلاد المسلمين أن تتعلمن، وأن تتقيد بأنظمة العلمانية، فما معنى العلمانية؟

    العلمانية لها تصور في العقيدة، ولها تصور في الشريعة:

    أما تصورها في الاعتقاد: الإيمان بكل محسوس، فما دام أنني لا أحس لا أؤمن، وعدم الإيمان بالغيبيات أحد ركائز العلمانية.

    أما في مجال الشريعة: ففصل الدين عن الدولة، والمقصود بالدين: من مساجد، زكاة، صيام، حج، عبادات، أما أنظمة الناس فلا دخل للدين بها: من التقاضي، والخصومات، وزواج، وطلاق، ومواريث .. وغيرها، كلها تخضع لأنظمة وضعية، وهذا معنى فصل الدين عن الدولة.

    هذه العلمانية في أبسط صورها، وهي بدعة أوروبية مستوردة إلى بلاد المسلمين، انفصام بين الدين والحياة في مجال الشريعة؛ لذلك لا تعجب إن قرأت لأحدهم: الجن خرافة، الجن أكذوبة، ليس هناك أمة تسمى بالجن، فإن سألته: لماذا؟ يقول: لأننا لم نر، فهو لا يؤمن إلا بما يرى، وبما أنه لا يرى فإنه لا يؤمن، لكن نحن معاشر المسلمين إيماننا عميق ثابت؛ لأن الإيمان بالجن من ركائز الإيمان بالغيب.

    أقول: من أخطر القضايا في عصرنا الحاضر قضية الجن، وتحتاج إلى وقفة؛ لأن البعض باسم الجن يرتكب المحرمات، وباسم الجن يتكسب الأموال الباهظة من المغفلين والسفهاء، إذا تأخر سن زواج البنت هذا جن، وإذا أصيب بصداع هذا جن، وإذا تعثر في تجارة هذا جن، وللأسف يجد من يساعده في هذا الباب، هناك جن بدون أدنى شك، فيقول الساحر: أصبت بسحر، يقول: كيف يا شيخ؟! وكيف أعالجه؟ يقول: تحتاج إلى أعشاب، وإلى زجاجة مسك دم الغزال، هل هناك مسك يسمى دم الغزال؟! أنا أول مرة أعرف مسكاً بهذا الاسم، يقول: والزجاجة بخمسين جنيهاً، ولا توجد إلا معي أنا، الله أكبر! تفضل، ثم تدخل عليه أنثى تشكو من تأخر سن الزواج، فيقول: أنت مصابة بسحر تعطيل، وأنت تريدين العريس، فتقول: كيف يا شيخ! أواجه هذا؟ يقول: بعدد من الجلسات، لكن الجلسة ستكلفك قدراً ضئيلاً من المال، مائة جنيه فقط، فتقول: خذ مائتين لكن أنجز، وكما يقول المثل: (طول ما المغفل موجود النصاب بخير) احفظها فهي شعارنا في الحياة، وكل يوم تقع في أحيائنا المفاسد، فيدخل المعالج على رأسها وعلى صدرها بدون محرم، وهو يقول: اخرج أيها الجني! كم معك؟ يقول: معي خمسة وإن شئت فعشرة، أولهم اليهودي وآخرهم نصراني، فيقول: ستخرج أو أحرقك؟ فيقول: في الصباح أخرج، لا لن أخرج. وهكذا حوار بين الجني والمعالج، حتى ألف بعضهم كتاباً أسماه: (حوار بين الجني مصطفى كنجوري وبين المعالج) وإن شئت الآن اخرج. فإنك ستجد الكثير يقبل على كتب الجن.

    وباسم الجن عمت هذه الفوضى، حتى وصل الأمر إلى أن امرأة كاهنة بالإسكندرية تخرج عليهم بعد الفجر أو قبل الفجر، وكم رأيت بعيني هاتين! المسجلين أكثر من خمسين ألفاً، وموقف سيارات، ونساء ورجال، وكأنهم ينتظرون المهدي المنتظر يخرج في الصباح، حتى القرآن لا تجيد قراءته، ومع ذلك يأتي إليها من كل فج عميق شرقية ومنوفية ودقهلية وقاهرة وصعيد، وللأسف الشديد ممن ينتسبون إلى طبقات المثقفين ظلماً وعدواناً، وهذا يقع على الأرض، وهذا يشق الثوب، والكرسي يؤجر بثلاثة جنيهات، وتبيع كتاباً بجنيهين، والأمر فوضى، من الذي يسر لها هذا؟ ظلت أشهراً تفعل هذا الفعل، والأمة في غيبة عن الوعي! أبسط أمور العقيدة لا تعرفها: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] ، أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].

    وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80]، هل الذي يملك الشفاء كاهنة تذهب إليها؟ وللأسف أخوها الجاهل يقف بجوارها، يمسك عصاً وينزل على المريض ضرباً على رأسه وعلى صدره حتى يقع مصروعاً.

    ما هذا يا عبد الله؟! ما عرف السلف التخصص في مثل هذا العلاج، لم يعرف في زمن الصحابة أن صحابياً يعالج ويعمل لافتة فيها: الشيخ فلان للعلاج بالقرآن، وبجواره أنف وأذن وحنجرة، بل وطب أسنان، وكون عيادة للعلاج.

    فيا قوم! ضياع هذه المفاهيم ترتب عليه المفاسد العظام والعظام، أكثر من (90%) من المرضى نساء، لماذا هذا العدد؟ قف وسل، فبعض المعالجين إذا علم أن المريض رجل اعتذر، وإذا علم أن المريضة أنثى هرول هرولة، وأنا لا أقدح في أحد، إنما القضية ناقوس جرس يدق، مؤامرة اشتركنا فيها بسكوتنا، وأقول: إن لم تواجه هذه الظاهرة فإنه سيحدث العجب العجاب.

    وعندنا من ينتسب إلى التصوف ظلماً وعدواناً، وهو لا يعرف معنى التصوف، إذا أعد ورقة للمرأة أخذ منها خمسمائة جنيه وتدفعها، حتى أتت إلى بعض الناس أخبرته الخبر، وهكذا خمسمائة في خمسمائة، كل يوم هذا الرجل يستغفل باسم الدين، ويرتكب هذه الجرائم، بل بعضهم انفرد بأنثى للمعالجة، فلعب الشيطان برأسه، ففض بكارتها يا قوم! أليس منكم رجل رشيد؟ كيف يليق بي أن أدفع زوجتي أو أختي أو أمي للمعالج وأتركها معه ينفرد بها باسم العلاج؟! هل يجوز أن تعالج المرأة بدون محرم؟!

    أقول: لما مر أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم بحي، وجدوا سيد الحي قد لدغه ثعبان، فطلبوا له الطب فعجزوا، ماذا قال الصحابي؟ أنا أرقيه، إذاً المشروع هو الرقية، الكلام هنا للعلماء: هل هذا الصحابي متخصص؟ ليس متخصصاً، لذلك ماذا صنع؟ تفل على مكان الجرح وقرأ الفاتحة فقط، فقام الرجل كأنه نشط من عقال بعير، فلما جعلوا له جعلاً قال النبي عليه الصلاة والسلام له: (وما أدراك أنها رقية؟)، يعني: ما الذي عرفك أن الفاتحة رقية؟ معنى هذا أنه غير متخصص.

    فالرقية المشروعة بدون أجر، وإن أردت أجراً فلا تشترط، قال: اجعلوا لنا جعلاً؛ لأن القوم أبوا أن يضيفوهم في البداية، لكن حين يطلب عشرة جنيهات كشفاً أولياً وخمسين جنيهاً علاجاً، وبخمسة جنيهات كتاباً، وبسبعة جنيهات شرائط، يا رجل! اتق الله في نفسك، لا تستغل حاجة المريض، فنحن نؤمن بالمس دون أدنى شك، وسنذكر الأدلة في الحلقات المتتابعة.

    أيها الإخوة الكرام الأحباب! هذه الظاهرة تحتاج منا إلى وضوح رؤية وإلى تصحيح مفاهيم، وإلى استدلال صحيح من الكتاب والسنة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089115236

    عدد مرات الحفظ

    781899635