إسلام ويب

المذاهب والفرق المعاصرة - القومية العربيةللشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الحركات المعاصرة المنحرفة القومية العربية, وقد نشأت هذه الفكرة على يد مؤسسيها من نصارى العرب في بلاد الشام الذين رأوا في الإسلام ما لا يتيح لهم فرصة بث أفكارهم وعقائدهم, واتخذوا من الجمعيات والأحزاب سبيلا إلى إحياء هذه الفكرة, فنادوا باتخاذ العروبة دينًا يجمع العرب مسلمهم وكافرهم, وبإقصاء الدين عن الوحدة والدولة, ثم ظهر منهجهم في بلاد المسلمين متمثلا في جناحين قوميين هما حزب البعث الذي أسسه ميشيل عفلق, والحزب الناصري المنتسب إلى جمال عبد الناصر, ومن الحركات المعاصرة الداعية إلى الضلال حركات تحرير المرأة, التي قادها عدد من المفسدين المتأثرين بالحياة الأوروبية, داعين إلى حرية المرأة ومشاركتها في كل نواحي الحياة؛ لإفسادها وإفساد المجتمع بها.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

    أما بعد:

    فهذا الدرس يعتبر الدرس الأخير في دورة الفرق والمذاهب المعاصرة، ولا شك أن الفرق والمذاهب المعاصرة كثيرة، ولا يمكن أن نحيط بها في وقت وجيز، كالوقت الذي بدأنا به وانتهينا فيه.

    تعتبر الفرق التي تحدثنا عنها في الدروس الماضية هي الأصول للفرق، وهي البدايات للفرق الضالة التي نشأت بعدها، وكذلك المذاهب الفكرية التي أشرنا إليها وتحدثنا عنها هي عبارة عن أصول المذاهب الفكرية التي تطورت بعد ذلك وانتشرت، وهي عبارة عن أبرز المذاهب الفكرية التي انتشرت في العالم الإسلامي، هذا اللقاء اقترح كثير من الإخوة أن يكون لقاء للإجابة على الأسئلة؛ لأن كثيراً من الأسئلة لم نجب عليها في الدروس الماضية، لضيق الوقت، ولكن يمكن أن نقسم هذا اللقاء إلى قسمين:

    القسم الأول: نتحدث فيه عن بعض المذاهب الفكرية المعاصرة؛ لأن اليوم خاص بها.

    القسم الثاني: سنفرده للإجابة على الأسئلة التي وردت منكم.

    القسم الأول: سيكون حديثي عن القومية العربية، والقومية العربية: هي فكرة ظهرت في ظروف تاريخية وفي ظروف سياسية معينة في حياة الأمة، وكان لظهورها أسباب، وهي من نتائج تقليد الغرب، فإن المسلمين عندما ابتلوا بتقليد الغرب قلدوه في كثير من أمورهم، سواء في العلم والتعلم، أو في الأخلاق والسلوك، أو في التربية والاجتماع، أو في المذاهب والأفكار، ومن هذه الأمور التي ظهرت في الأمة من تقليد الغربيين ظاهرة القومية التي انتشرت في فترة من الفترات، وبرزت وكان لها جمهور شعبي كبير، أما في هذه الأيام فلله الحمد فإنه ينحسر مدها؛ بسبب نفاذ أغراضها، وأنها لم تحقق المقاصد التي كان يسعى أصحابها إليها، ويمكن أن نشير إلى مقتطفات في موضوع القومية العربية، وهي أن أول من نشر فكرة القومية العربية ودعمها في المجتمع الإسلامي نصارى العرب، وتعلمون السبب الذي يجعل نصارى العرب يدعمون مثل هذه الفكرة، فإن الأقليات النصرانية التي كانت موجودة في بلاد الشام، كانت تعامل معاملة أهل الذمة، وأهل الذمة هم الذين لهم عهد وعقد مع إمام المسلمين، يحمون بموجب هذا العقد عن الاعتداء على ذواتهم وأموالهم، وفي المقابل يدفعون جزية بذلة وصغار كما أخبر الله سبحانه وتعالى بذلك، وهناك شروط ذكرها العلماء على أهل الذمة منها: أنه لا يحق لهم مثلاً أن يدعوا المسلمين إلى عقائدهم، أو يشكلوا جمعيات أو أحزاباً في الدعوة إلى مناهجهم وعقائدهم، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه (أحكام أهل الذمة) الشروط العمرية المشهورة في التعامل مع أهل الذمة.

    خلاصة القول أن النصارى الذين كانوا في بلاد الشام لم يكن يعجبهم هذا؛ لأنهم لا يمكنون من العمل والدعوة إلى عقائدهم وأفكارهم ومناهجهم، هذا من جهة.

    ومن جهة أخرى سبق أن بينا أن الخطة الاستعمارية الصليبية التي أراد العالم الغربي أن يفرضها على العالم الإسلامي اقتضت الاستفادة من الأقليات الموجودة في العالم الإسلامي، كالباطنية مثلاً، وكالنصارى الذين كان لهم أثر بالغ وكبير في حياة المسلمين؛ بسبب جامع اللغة فيما بينهم وبين بقية المسلمين، فظهرت جمعيات كثيرة في بلاد الشام تدعو إلى أن تكون الرابطة بين الناس هي رابطة اللغة والجنس، وألا تكون الرابطة بين الناس هي رابطة الدين، ويرون أن رابطة الدين لم تحقق مقصودها ولم توف بغرضها، وأن الرابطة الصحيحة التي يجب على الناس أن يجتمعوا حولها هي رابطة اللغة ورابطة الجنس، فظهرت جمعيات منها الجمعية السورية التي أسسها بطرس البستاني وأسسه ناصف اليازجي في سنة (1847)م في دمشق، وظهر أيضاً الحزب القومي السوري الذي أسسه أنطوان سعادة ، وقد سبق أن أشرنا إلى أن هذا الحزب بدأ يثير تاريخ بلاد الشام، ويثير الأديان التي كانت قبل الإسلام، مثل: العقائد الفينيقية ونحو ذلك من الأديان القديمة، ويدعو الناس إلى تعظيمها والاهتمام بها، وينتسب إلى هذا الحزب أدونيس الذي تحدثنا عنه سابقاً في كلامنا على مذهب الحداثة، ومن الجمعيات التي أسست في تلك الفترة الجمعية العربية السرية، وظهرت في آخر القرن التاسع عشر، ولها فروع في دمشق وطرابلس وصيدا، وبالتحديد ظهرت في سنة (1875)م ومن الجمعيات أيضاً التي ظهرت: جمعية حقوق الملة العربية، وهذه ظهرت أيضاً في آخر القرن التاسع عشر، ومنها: جمعية الوطن العربي، أسسها خير الله بن خير الله في بداية القرن العشرين في سنة (1905)/، ومنها: الجمعية القحطانية، ومنها: حزب اللامركزية أسس في مصر، وهكذا بدأت الأحزاب تؤسس والجمعيات تؤسس على هذا الأساس العقائدي الباطل، وهو أنه يجب أن يرتبط الناس على اللغة والجنس، بغض النظر عن الأديان، وظهر شعار رفعه بعض الزعماء الذين كان لهم علاقة بالاستعمار الإنجليزي في مصر وهو سعد زغلول ، رفعوا شعار: الدين لله والوطن للجميع، فيقولون: أنت يمكن لك أن تتدين لله عز وجل، لكن الوطن يجب أن يشارك فيه الجميع، يشارك فيه المسلم واليهودي والنصراني والفرعوني ومن لا دين له والملحد، الوطن يجب أن يشارك فيه الجميع؛ لأن هذه هي الوحدة الوطنية هي التي تجمع بين أهل البلد الواحد أو الإقليم الواحد أو القطر الواحد.

    وأيضاً ظهر بعض السياسيين في زمن الدولة العثمانية يطالب بمشاركة العرب في الحكومة العثمانية، وأن الحكومة العثمانية حكومة مركزية منعت من مشاركة العرب فيها، فقام الشريف حسين بثورة مشهورة تسمى الثورة العربية الكبرى، التي خرجت من الحجاز، وكانت بالتعاون مع الإنجليز والفرنسيين، وجاء القائد اللمبي الإنجليزي ووصل إلى بلاد الشام وركل قبر صلاح الدين الأيوبي وهو يقول: قم يا صلاح الدين ، ويقول: محمد مات وخلف بنات، ويقول: انتهى دور الحروب الصليبية، ويمكن أن يراجع في قصة الثورة العربية الكبرى كتاب أعمدة الحكمة السبعة، وكتاب (أعمدة الحكمة السبعة) ألفه جنرال إنجليزي اسمه لورنس ، وذكر بالتفصيل قصة التعاون بين الإنجليز وبين القوميين في ثورتهم على الأتراك في تلك الفترة.

    ويهمنا نحن الجانب العقائدي من هذه الفكرة، فهذه الفكرة مبنية كما قلت على إبعاد الدين عن الوحدة والولاء والاجتماع والدولة ونحو ذلك، فهي فكرة علمانية، وقد سبق أن أشرنا إلى أن مذهب العلمانية مذهب واسع يبتلع كثيراً من المذاهب الفكرية، سواء التي نشأت في الغرب أو التي نشأت في العالم الإسلامي، وهذه الفكرة هي فكرة جاهلية، فإن حقيقة هذه الفكرة هي أن يجتمع العرب بغض النظر عن أديانهم، كما كانوا قبل دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، فيجتمع المسلم إلى صف النصراني إلى صف اليهودي إلى صف من لا ملة له، إلى صف أي شخص آخر، المهم أن يجتمعوا جميعاً، وأن يكون الرابط بينهم هو اللسان والجنس، ولهذا أصبح هؤلاء يرون أن المسلم من غير العرب لا ولاية له ولا علاقة به؛ لأنه غير عربي، أما غير المسلم إذا كان عربياً فإنه أخ في العروبة وتحبه وتقدره وتحترمه وتتعاون معه، ولو كان ضد ذلك المسلم الذي هو غير عربي.

    إذاً: هذه الفكرة فكرة جاهلية، ومن يؤمن بها ويدعو إليها بهذه الصورة لا شك أنه يخرج عن دائرة الإسلام؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)، وأساس دين الإسلام مبني على عبادة الله عز وجل أولاً، والكفر بما عداه ثانياً، ويدخل فيما عداه كل من خالف الإسلام من العرب أو من العجم، ولهذا حارب النبي صلى الله عليه وسلم أقرباءه، وحارب من كان موجوداً من العرب، وهذا معلوم من دين الإسلام بالضرورة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086926259

    عدد مرات الحفظ

    769552309