إسلام ويب

شرح القواعد المثلى [3]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أسماء المولى عز وجل توقيفية، لا مجال للعقل فيها، ولا مكان للمنطق والفلسفة والإدراك البشري والإحساس الآدمي في أي منها؛ وذلك لأنها متعلقة بالذات الإلهية التي لا يعرف كنهها إلا هو جل في علاه. كما أن أسماءه لا حصر لها، فقد جاء في السنة النبوية ما يدل دلالة قاطعة على ذلك..
    الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمداً إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين.

    اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً إنك أنت العليم الحكيم. أما بعد:

    سنتحدث عن القاعدة الخامسة وهي المتعلقة بأسماء الله سبحانه وتعالى، وهل هي توقيفية أم أنه يمكن الاستدلال عليها بالعقل؟

    أقول: القاعدة الخامسة هي: أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفية، أي: لا مصدر لها إلا النصوص الواردة في الكتاب والسنة.

    فعقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى هي أنها توقيفية، ولا يمكن أبداً أن يؤخذ اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى أو صفة من صفاته إلا عن طريق الكتاب والسنة، فلا دخل للعقل في إثبات اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى.

    والدليل على هذه العقيدة مأخوذ من الشرع وهو الكتاب والسنة والعقل.

    أما الشرع فقد دل على أن أسماء الله سبحانه وتعالى خبرية، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتكلم في أسماء الله سبحانه وتعالى بغير علم، كما قال الله عز وجل: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].

    والإنسان إذا سمى الله سبحانه وتعالى باسم لم يسم به نفسه من غير دليل شرعي ومن غير خبر عن الصادق عليه الصلاة والسلام فإنه دخل في أمر لا علم له به، وحينئذ يدخل في قوله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36].

    وكذلك يدل على هذا قول الله عز وجل: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33].

    فإذا أثبت إنسان لله اسماً لم يدل عليه دليل شرعي من القرآن أو من السنة فقد قال على الله بغير علم.

    ومن المعقول ما يدل على أنه لا يجوز أن يسمى الله سبحانه وتعالى إلا بما سمى به نفسه، وهو أن العقل له مجال محدد، وأسماء الله سبحانه وتعالى ليست داخلة في مدارك العقل، وبناءً على هذا فإذا تجاوز العقل مداركه للدخول في أمور لا قبل له بها فهذا باطل ممن أدخل نفسه فيه.

    وكذلك ثبت أنه لا يجوز أن يسمى الرسول صلى الله عليه وسلم بغير اسمه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصح أن يسمى بغير اسمه فالله سبحانه وتعالى أولى.

    فلو أن رجلاً سمى الرسول صلى الله عليه وسلم بالبطل مثلاً وهذا لم يرد، ولم يسم رسول الله صلى الله عليه وسلم به نفسه فلا شك أن هذا باطل وإن كان معناه صحيح؛ لأن التسمية علم كما سبق أن بينا أن الأسماء أعلام، وإن كان معناها صحيح إلا أنه لا يصح أن يطلق الإنسان شيئاً من الأسماء والصفات على أحد إلا إذا ارتضاه وأقره، وبناءً على هذا فلا يصح لإنسان أن يطلق على الله عز وجل أسماء والله عز وجل لم يرضها ولم يقرها.

    ومن الأدلة على أن أسماء الله توقيفية أن الأسماء الحسنى من الغيب الذي لا سبيل إلى الوصول إليه إلا بالوحي، ومن المعلوم أن أهل الإسلام تميزوا بإيمانهم بالغيب، ولهذا لا يصح أن يسمي الإنسان الله عز وجل بغير اسمه إلا بالوحي، كما قال الله عز وجل في وصف المؤمنين: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3].

    فإيمانهم بالغيب ثابت ومستقر، والأسماء الحسنى من الغيب، ولا يمكن كشف هذه الأسماء الحسنى إلا بالوحي، أي: أنه لا يمكن أن يكشف الغيب إلا بالوحي.

    ومن الأمور المقررة هو أن هناك فرقاً بين ما يدعى به وبين ما يخبر به عن الله سبحانه وتعالى، فما يدعى الله سبحانه وتعالى به هو الأسماء الحسنى، ولا يصح لإنسان أن يدعو الله عز وجل أو أن يناديه بغير اسمه، كما قال الله عز وجل: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] وقد أخذ المفسرون من هذه الآية أنه لا يصح لأحد أن يسمي الله سبحانه وتعالى إلا بما سمى به نفسه.

    وأما ما يخبر به عن الله سبحانه وتعالى فقد سبق أن بينا أن مجال الخبر أوسع من مجال التسمية والوصف، وأن التسمية والوصف لا يجوز أن يكون إلا بما أخبر به الله سبحانه وتعالى وبما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم.

    وأما مجال الإخبار العام مثل أن توجد طائفة من الطوائف -تنفي مثلاً- كون الله سبحانه وتعالى مستو على عرشه ويقولون: إن الله عز وجل مخالط للناس، فيأتي إنسان ويخبر عن الله عز وجل ويقول: الله سبحانه وتعالى بائن عن خلقه.

    فقوله: بائن عن خلقه. لم يرد في القرآن والسنة هذه اللفظة بحروفها لكن معناها صحيح ثابت في النصوص، ولا إشكال عليه.

    وإذا قال قائل: إن الله عز وجل قديم أو موجد الوجود، أو أن له ذاتاً، وكل هذه لم ترد بألفاظها في النصوص، فإذا أخبر الإنسان عن الله عز وجل بها فلا بأس في ذلك، لكن لا يجوز أن يطلقها على الله عز وجل على أنها أسماء.

    وقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن أسماء الله توقيفية تثبت بنصوص القرآن والسنة فقط ولا مجال للقياس ولا للعقل فيها بأي وجه من الوجوه.

    عقيدة المعتزلة والأشاعرة في توقيف أسماء الله

    وأما عقيدة المعتزلة فإنهم انقسموا إلى قسمين:

    معتزلة البصرة، ومعتزلة بغداد.

    فأما معتزلة البصرة فقد كانوا يقولون: إنه يصح إجراء الأسماء على الله سبحانه وتعالى بمقتضى العدل من غير إذن منه، فإذا تصور الإنسان معنىً شريفاً يصح أن يسمى الله عز وجل به حتى ولو لم يرد به السمع، أي: لم ترد به النصوص.

    ومن أكثر من أشار إلى هذا وسمى الله عز وجل بأسماء غير لائقة أبو علي الجبائي وهو من معتزلة البصرة، ونص على ذلك القاضي عبد الجبار الهمداني في كتابه شرح الأصول الخمسة، وقال: إنه ثبت عقلاً أنه يصح أن يسمى المخلوق بأسماء إذا كانت معانيها صحيحة، وبناءً على هذا فكذلك الخالق يصح من باب قياس الغائب على الشاهد، كما يقولون.

    وهذا الكلام باطل، والسبب في ذلك: أن المخلوق في الواقع لا يصح أن يسمى بغير اسمه، فلو أن رجلاً كان اسمه علياً فسماه رجل محمداً؛ لأنه محمود بين الناس فلا يصح أن يسميه ويناديه: يا محمد! بإجماع العقلاء، والإشكال الذي وقع فيه هؤلاء أنهم لم يفرقوا بين الأسماء وبين الأخبار.

    فالأسماء والتي هي الأعلام لا يصح أن يسمى الله سبحانه وتعالى باسم منها إلا إذا دل عليه دليل من القرآن أو من السنة؛ لأنها أخبار غيب، والغيب لا يثبت بالعقل، وإنما يثبت بالخبر عنه أو بالسمع.

    وبناءً على ذلك فقد خلطوا وصح عندهم أن يسمى الله عز وجل بأي اسم من الأسماء التي يرونها فسموه بالقديم، وسموه بواجب الوجود، وأطلقوا عليه أنه المتكلم وأنه المريد، وهكذا. وكل هذه أسماء لم ترد في الكتاب ولا السنة.

    وقد سبق أن بينا أن الصفة إذا كانت عامة فهي منقسمة إلى معنى صحيح ومعنى فاسد، ولا يصح أن يؤخذ منها اسم من أسماء الله، فالمريد مثلاً أو وصف الله بالإرادة يمكن أن تكون إرادة خير ويمكن أن تكون إرادة شر فلا يصح أن يؤخذ منها اسم لله عز وجل وهو المريد؛ وذلك لأمرين:

    الأمر الأول: عدم ورود اسم المريد في الكتاب والسنة أنه اسماً لله سبحانه وتعالى.

    والأمر الثاني: أن معناها منقسم إلى معنى حسن ومعنى قبيح، وكما تعلمون أن الله سبحانه وتعالى وصف كل أسمائه بأنها حسنى، فقال الله عز وجل: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الأعراف:180].

    وأما معتزلة بغداد فإنهم قالوا بأن أسماء الله عز وجل توقيفية فوافقوا بذلك السلف.

    أما الأشاعرة فإن جمهورهم قالوا: إن أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفية، وخالف جمهور الأشاعرة القاضي أبو بكر الباقلاني ووافق المعتزلة البصريين، وقال: يصح أن يسمى الله سبحانه وتعالى من غير توقيف، يعني: يصح أن يطلق على الله عز وجل أسماء لم ترد في الكتاب ولا السنة.

    أما إمام الحرمين الجويني -وهو من الأشاعرة- فقد توقف وقال: لا نقول: إنه يصح إطلاق الأسماء على الله عز وجل من غير توقيف مطلقاً، ولا يصح أيضاً أن نقول: إنه يشترط فيها التوقيف، فنتوقف في هذه المسألة، وقال: إنه ليس عندي دليل في ذلك، وقد ذكر ذلك في كتابه الإرشاد.

    والحق هو ما سبق أن بيناه: أن أسماء الله عز وجل توقيفية لا تؤخذ إلا من النصوص الشرعية فقط.

    وقد ذكر السفاريني رحمه الله في منظومته أن أسماء الله عز وجل توقيفية، فقال:

    لكنها في الحق توقيفية لنا بذا أدلة وفية

    (لكنها) أي: أسماء الله عز وجل.

    (في الحق) أي: في القول الصحيح.

    ثم ذكر رحمه الله في الشرح: أن أسماء الله عز وجل تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: الأسماء التي ورد الإذن بإطلاقها، قال: وقد أجمع أهل السنة على أنه يجوز إطلاقها على الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل أذن بذلك.

    وهناك أسماء ورد المنع من إطلاقها.

    قال: وقد أجمع أهل السنة على أنه لا يجوز إطلاقها على الله سبحانه وتعالى.

    ثم قال: إن هناك نوعاً ثالثاً من الأسماء وهي الأسماء التي لم يرد إطلاقها، ولم يرد المنع منها.

    ثم قال: إن أهل السنة اختلفوا في ذلك، وذكر أنهم على قسمين:

    جمهور أهل السنة وهم الذين قالوا: إنه يمنع أن يطلق على الله عز وجل اسماً لم يطلقه على نفسه.

    ثم ذكر طائفة سماهم من أهل السنة وقال: إنهم جوزوا أن يطلق على الله عز وجل اسماً لم يرد المنع منه ولم يرد إثباته.

    والحق هو أن السفاريني رحمه الله يخلط في مصطلح أهل السنة فيجعل طوائف من الأشاعرة من أهل السنة، وقد ذكر هذا في مقدمة شرحه في لوامع الأنوار.

    والواجب هو أن تمحص كلمة أهل السنة، فلا تطلق إلا على المتبعين لآثار الرسول صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد والعمل.

    وأما الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة فإنهم لا يدخلون في السنة بهذا المعنى، وبناءً على ذلك فنقول: إن أهل السنة تنقسم عندهم أسماء الله عز وجل إلى قسمين:

    القسم الأول: هو الذي ثبت بالنصوص وحينئذ نطلقها على الله سبحانه وتعالى.

    ونوع آخر: وهي التي لم ترد في الكتاب ولا السنة سواءً بنفي أو بإثبات وهذا ما نرده ولا نثبته لله سبحانه وتعالى ما دام أن الخبر لم يرد من الله عز وجل ومن الرسول صلى الله عليه وسلم.

    هذا هو ملخص القاعدة الخامسة.

    ومصدر هذه القاعدة هو كتاب بدائع الفوائد (1/162).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089056149

    عدد مرات الحفظ

    781110963