إسلام ويب

كتاب التوحيد [5]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرك المحبة، وشرك الخوف، والتوكل على غير الله تعالى، وطاعة غير الله في تحليل الحرام أو تحريم الحلال، والتحاكم إلى الطواغيت، وطلب السقيا من غير الله تعالى كالأنواء ونحو ذلك .. كل هذه الأمور أعمال شركية تقدح في توحيد الألوهية الذي هو الغاية من إرسال الرسل وإنزال الكتب، وتجر صاحبها إلى مصاف المشركين بالله تعالى.
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

    فإن من الأعمال الشركية المتعلقة بتوحيد الألوهية شرك المحبة، والمحبة: هي تعلق القلب بالمحبوب.

    أنواع المحبة

    والمحبة نوعان: النوع الأول: المحبة الطبيعية، والنوع الثاني: محبة العبادة.

    فأما المحبة الطبيعية فهي الغريزة الفطرية التي جعلها الله سبحانه وتعالى في الإنسان، فتجد أن الرجل يحب ولده، ويحب أمه وأباه، ويحب كثيراً من الأمور المتعلقة بما يلائمه، ويحب -أيضاً- أن يدفع عن نفسه الشر، فهذه المحبة تسمى: المحبة الطبيعية، وهذه المحبة فطرة موجودة في نفس الإنسان لا يحاسب عليها، ولا ينبغي له أن يمنع نفسه منها؛ لأن هذا هو ما فطر الله سبحانه وتعالى الناس عليه، ومخالفة الفطرة مخالفة للمنهج النبوي والمنهج الشرعي، فإن هذا الدين جاء موافقاً لفطرة الإنسان وطبيعته، ولن يأتي مخالفاً لها، ولا مضاداً لها.

    النوع الثاني: هو محبة العبادة، ومحبة العبادة هي التي يسميها بعض العلماء محبة التأله، ومحبة التأله: هي المحبة التي يتعلق العبد فيها بمحبوبه تعلقاً فيه ذل وخضوع وانكسار، وهذا النوع من المحبة ليس محبة طبيعية عادية، وإنما هو محبة فيها ذل وخضوع وانكسار.

    أنواع محبة العبادة

    وهذا النوع ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: محبة الله سبحانه وتعالى، ومحبة الله سبحانه وتعالى واجبة، وهي من أصل الدين، ومحبة الله عز وجل ليست على درجة واحدة، بل هي درجات يتفاوت العباد فيها تفاوتاً عظيماً كما سيأتي في مجموع الآيات التي سنوردها.

    ولمحبة الله سبحانه وتعالى لوازم، منها: محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي لازمة لمحبة الله لزوماً أصلياً، فمن فقدت من قلبه محبة النبي صلى الله عليه وسلم فقداناً كلياً فليس بمسلم.

    ومن لوازم محبة الله سبحانه وتعالى محبة الصالحين، ومن لوازمها محبة الوالدين، ومن لوازمها الولاء للمؤمنين الصالحين بكل أصنافهم وأنواعهم.

    النوع الثاني: وهو محبة غير الله سبحانه وتعالى، ومحبة غير الله عز وجل معناها: التعلق التعبدي بغير الله سبحانه وتعالى، وبيان ذلك أن الإنسان إذا تعلق بغير الله عز وجل تعلقاً غير طبيعي كان ذلك بداية المحبة التعبدية، وإذا زاد هذا التعلق في قلب الإنسان إلى درجة أنه يذل له، ويخضع له، ويكون ديدنه التفكير فيه، والتعظيم له، وفعل الأفعال التي يأمر بها، وترك ما ينهى عنه، فهذه هي محبة التعبد لغير الله سبحانه وتعالى، وهذا من الشرك الأكبر المخرج عن دائرة الإسلام، فإذا وصل الإنسان إلى درجة أنه يتعلق بغير الله عز وجل تعلق ذل وخضوع وانكسار وتعظيم، وكان من علامات ذلك الظاهرة اتباع الأوامر، واجتناب النواهي، كان ذلك نوعاً من أنواع العبادة التي إذا صرفت لغير الله عز وجل فهي شرك أكبر مخرج من دائرة الإسلام.

    وهناك نوع من أنواع المحبة لا يصل إلى الكفر الأكبر مع أن فيه نوع تعلق، ومثاله محبة المال محبة زائدة على القدر الطبيعي بدون أن يصل إلى مرحلة الذل والخضوع والانكسار، بحيث أن يترك الإنسان ما أمر الله عز وجل به من أجل الدنيا والمال، أو محبة الزوجة، أو محبة الزوج، أو محبة الولد، أو نحو ذلك من أنواع المحاب التي تجعل الإنسان يعصي الله عز وجل من أجلها، ولكن لا تصل به إلى درجة الخضوع والذل والانكسار والتعظيم الذي هو عبادة من العبادات.

    فهذا النوع لا يعتبر شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، بل هو من أنواع الشرك الأصغر، وهو داخل في كبائر الذنوب، وصاحبه مسلم، ويدخل في هذا بعض درجات عشق الصور في بدايتها إذا لم يستحكم العشق في قلب الإنسان، ويدخل في ذلك أيضاً حب الدنيا، وكراهية الموت، والتعلق بها، وترك الواجبات الشرعية من أجل الدنيا، ويدخل في ذلك حب الولد الذي يمنع الإنسان من الجهاد في سبيل الله إن كان واجباً، وكذلك المال، وكذلك سائر الأمور المحبوبة محبة طبيعية، فقد يبالغ بعض الناس في المحبة الطبيعية إلى درجة أكبر من المحبة الطبيعية.

    وبهذا نكون قد عرفنا هذا الباب العظيم من أبواب الدين، وهو باب المحبة، والأقسام المتعلقة به. وبعض العلماء يقسم المحبة تقسيماً آخر فيقول: محبة لله، ومحبة في الله، ومحبة مع الله.

    والأهم من هذا أن يفهم الإنسان الفكرة الأساسية، أما التقسيمات فإنه للإنسان أن يقسم بأكثر من تقسيم بحسب طريقة النظر في المسألة، فبعض الناس ينظر إليها من زاوية، وبعض الناس ينظر إليها من زاوية أخرى، فتختلف تقسيمات العلماء.

    المحبة الشركية

    أبرز أنواع المحبة الشركية المحبة التي تكون لمعظم، مثل محبة الصوفية لكبرائهم وسادتهم، ومثل محبة كثير من الناس لعلمائهم، أقصد المحبة التي تكون محبة تعظيم إلى درجة الطاعة المطلقة له، بحيث يحل له الحرام فيتبعه، ويحرم عليه الحلال فيتبعه، فهذا هو الشرك الأكبر المخرج عن دائرة الإسلام.

    ولعلي أكتفي بذكر مثال واحد، وهو عبد الوهاب الشعراني من أئمة الصوفية المتأخرين، له كتاب اسمه: الأنوار القدسية في معرفة آداب العبودية، يتحدث فيه عن آداب المريد مع شيخه، فتشعر بأنك تقرأ عن آداب الصلاة، أو آداب الصيام، أو آداب المسلم مع ربه، فهو يقول: (يجب ألا يكتم عنه شيئاً، وأن يكون بين يديه كالميت بين يدي مغسله، وأن يسمع منه كل أمر، حتى لو ظهر له أنه مخالف للشريعة) ويصرح بهذا، فيقول: (يجب أن تسمع لشيخك حتى لو ظهر لك في بادئ الأمر أنه مخالف للدين؛ لأن الدين حسب تصورك أنت قد يكونا قاصراً، أما الشيخ ففهمه أوسع من ذلك وأكبر).

    ومن المحبة التي هي من جنس البدع والمعاصي محبة بعض المذهبيين لأئمتهم إلى درجة مخالفة النصوص الشرعية، فتجد بعض المتعصبين عندما تذكر له حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقول: قال الإمام فلان كذا وكذا، وهذا لا شك في أنه من الأمور الخطيرة، حتى إن من علماء الحنفية من يقول في كتابه: كل حديث أو آية خالفت قول إمامنا فهي إما مؤولة أو منسوخة. يعني أن القطعي هو قول الإمام، وإما الحديث فهو إما مؤول أو منسوخ.

    ولا شك في أن هذا محادة لكلام الله عز وجل وكلام رسوله والعياذ بالله، ومنشأ هذا الأمر هو المحبة.

    ومن ذلك أيضاً طاعة المحكومين لحكامهم في معصية الله عز وجل.

    صرف المحبة لغير الله شرك بالله

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]].

    هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165] المعنى الصحيح فيها هو أن هؤلاء يحبون الله عز وجل، لكن لهم أنداد يحبونهم مثل محبة الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الشرك الذي وقعوا فيه، فلهذا قال بعد ذلك: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، يعني: أشد حباً لله من هؤلاء لآلهتهم.

    وهذه الآية إنما ذكرها الشيخ هنا وجعلها عنوان الباب من أجل أن يبين أن من أعمال القلوب ما يقع فيه الشرك، وتوحيد الألوهية فيه أعمال الجوارح وأعمال القلوب، فأعمال القلوب مثل: المحبة، والخوف، والرجاء، والإنابة، والتوكل، ونحو ذلك من أنواع العبادات، وأعمال الجوارح مثل: السجود، والركوع، والصلاة، والمظاهر التعبدية التي تكون على جوارح الإنسان.

    فالمحبة نوع من أنواع توحيد الألوهية، إذا صرفت لغير الله صارت شركاً أكبر، ولهذا قال الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا [البقرة:165].

    والأنداد: جمع ند، والند: هو النظير والمثيل والشبيه. وقوله: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]، يعني: كحب الموحدين لله عز وجل، وهذا فيه إشارة إلى ضابط المحبة الشركية، فضابط المحبة الشركية هو: أن يحب الإنسان محبوبه مثل حب العابد ربه، فالعابد يحب ربه، بمعنى أن قلبه متعلق به ذلاً، وخضوعاً، وانكساراً، وتعظيماً، فهو ليس محبة عادية، فهذا هو المقصود من إيراد هذه الآية تحت هذا الباب.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24]].

    هذا النوع درجة من درجات محبة غير الله سبحانه وتعالى وهي الدرجة التي سبق أن أشرنا إليها، وهي درجة فوق المحبة العادية، وقد لا تصل إلى المحبة الشركية.

    يقول تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ [التوبة:24] إلى آخر ذلك من الأمور الدنيوية أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا [التوبة:24]، فإذا كان هناك أوامر عند الأب أو الابن، أو كانت هناك متطلبات للتجارة، أو المساكن، أو نحو ذلك، فإنكم تطيعونها أكثر من طاعتكم لله عز وجل، فهذا هو الشرك الذي يقع الإنسان فيه، وهذه المحبة بحسب درجتها، فإذا كانت مثل محبة الله عز وجل أو أشد فهي الشرك المخرج، وإن كانت أقل من ذلك -كما هو المشهور عند الناس والغالب في المسلمين- فهي من الشرك الأصغر الذي لا يصل إلى الشرك الأكبر. ومن أنواع الشرك الأكبر فيما يتعلق بهذه الأمور الدنيوية إحجام بعض الناس عن الالتزام بالإسلام، كأن يكون كافراً وعنده رغبة في الالتزام بالإسلام، فيرده عن ذلك تعلقه ومحبته للوطن أو للأهل، أو للدولة، أو للأقارب، كمثل ما حصل لـهرقل عظيم الروم، حيث عرف الحق، وأن هذا الدين هو دين الله عز وجل، ولكن الطمع في الدنيا، والتعلق بالملك جعله يعرض عن هذا الدين، مع أنه يعرف أنه الحق، والعياذ بالله.

    ومثل بعض أصحاب وفد نجران حيث أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيهم بعض رهبان النصارى، فعرفوا النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه على الحق، ولكن لأن لهم سلطاناً، ومكانة ومنزلة، وأثراً في الناس ما أحبوا أن يتخلوا عن هذه المكاسب الدنيوية من أجل الالتزام بالدين، فأعرضوا -والعياذ بالله- عن الالتزام بالدين لأجل هذه المكاسب الدنيوية، فهذا نوع أيضاً من أنواع الشرك.

    إذاً: شرك المحبة المخرج من الملة قد يقع فيه الإنسان الذي لم يسلم بعد، فيصده عن الإسلام، وقد يقع فيه من كان مسلماً، حيث تصل به محبة الدنيا إلى درجة أنه يحبها مثل محبة الله عز وجل أو أكثر.

    أنواع المحاب المطلوبة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده، والناس أجمعين)، أخرجاه].

    هذا الحديث في محبة النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)، نفي الإيمان فيه هو بحسب نوع المحبة التي صرفت لغير الله كما سبق أن بينا، وهذا يدل على أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم فرض في الإيمان مثل محبة الله سبحانه وتعالى.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: ولهما عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)، وفي رواية: (لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى) إلى آخره].

    وجه الدلالة من هذا الحديث هو من ناحية أن المحبة يتفاوت فيها الناس، فبعضهم يبلغ درجات عالية من المحبة، وبعضهم أقل من ذلك.

    ولهذا يخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن صنف معين من الناس وجد حلاوة الإيمان، وهو من أهل الإيمان، فالذي لم يجد حلاوة الإيمان لا يعني ذلك أنه ليس بمسلم، بل المراد درجة المحبة العالية، ولهذا سبق أن بينت أن توحيد الألوهية مثل الإيمان يزيد وينقص، وكل الأعمال المتعلقة بتوحيد الألوهية يزيد فيها الإيمان وينقص أيضاً، فالمحبة تزيد وتنقص، والرجاء يزيد وينقص، والخوف يزيد وينقص، والتوكل يزيد وينقص، والناس ليسوا على مرتبة واحدة، إلا أن هناك حداً أساسياً لازماً لكل هذه الأنواع جميعاً، فإيمان القلب له حد أساسي، وأعمال الجوارح لها حد أساسي، وعناصر أعمال القلب لا بد من أن يوجد فيها حد أدنى إذا لم يوجد في الإنسان يزول الإيمان بزواله، ولهذا جاء في حديث الجهنميين أن الله عز وجل يقول: (أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان).

    يعني: من كان في قلبه مثقال الذرة مع وهو مخلوط من المحبة والخوف والرجاء، والأمور الأساسية من أعمال القلب، مثل: تصديق القلب، ويقين القلب، والإخلاص، والانقياد، ونحو ذلك.

    فإيمان هؤلاء نقص حتى صار مثقال ذرة، وليس مثقال الذرة من المحبة فقط، بل من المحبة والخوف والرجاء، ومثقال الذرة لا يكفي وحده في النجاة عند الله عز وجل، بل لا بد من أن يكون معه عمل صالح في الظاهر، وهو نطق الشهادة والصلاة، واجتناب الكفر الأكبر المخرج من الملة، واجتناب نواقض الإيمان، وهذا الاجتناب هو في حد ذاته عمل.

    وقد يقول بعض الناس: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لم يعلموا خيراً قط).

    فنقول: ليس المقصود أنه ليس عندهم عمل، وإنما المقصود أنهم من قلة عملهم يكادون أن يصلوا إلى درجة أنهم لم يعلموا خيراً قط، والذي دعانا إلى أن نفسر هذا التفسير هو أحاديث الجهنميين التي تبين أنهم قالوا: لا إله إلا الله) وهذا عمل خير زيادة على مثقال الذرة، وتبين كذلك وتدل أيضاً أنهم من أهل الصلاة، ولهذا يعرفون بمواطن السجود، وتبين أنهم امتنعوا عن نواقض الإيمان العملية، وهذا خير أيضاً، فلا بد من أن نجمع بين هذه الأحاديث لنفسر هذا التفسير، وهذا سائر في لغة العرب، فالرجل إذا غضب على ولده يقول له: أنت لست بولدي، ولا يقصد بذلك أنه لم يأت من صلبه، وأنه يتهم هذا الولد بأنه ولد بغي -مثلاً- والعياذ بالله، وإنما المقصود أنه ليس بالولد الطائع، فالولد من طبيعته أنه يطيع والده، فالمقصود: لست من ولدي الذي يطيع والده.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله؛ وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولم يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجزي على أهله شيئاً. رواه ابن جرير ].

    هذا الأثر عن ابن عباس يضعفه بعض العلماء، وعلى وهو متعلق بمسألة لوازم المحبة، فالمحبة في الله، والبغض في الله، والموالاة في الله، والمعاداة في الله، كلها من لوازم المحبة.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن ابن عباس في قوله تعالى: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166] قال: المودة].

    يعني: تقطعت الأسباب بالكافرين فلم تنفعهم محبتهم لآلهتهم التي كانوا يتخذونها سبباً للنجاة عند الله سبحانه وتعالى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089104011

    عدد مرات الحفظ

    781711699