إسلام ويب

أحكام الأعيادللشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أعظم المصائب التي ابتلي بها المسلمون في عصورهم المتأخرة تقليد الكافرين، واتباع سبيلهم في كثير من شئون دينهم ودنياهم، وما ذاك إلا للانهزامية والذل والهوان الذي أصاب الأمة الإسلامية، لذا كان على العلماء وطلاب العلم البيان والنصح للأمة فيما يتعلق بهذه الأمور الخطيرة التي تضر بالأمة في عقيدتها ووحدتها، ومن ذلك مشاركة الكفار في أعيادهم.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فإن من أعظم المصائب التي ابتلي بها المسلمون في عصورهم المتأخرة تقليد الكفار، واتباع سبيلهم في كثير من الشئون، فقد اتبعت طوائف من هذه الأمة سبيل الكافرين في أمور عظيمة، بل فيما يتعلق بالعقائد والأحكام والشرائع والشعائر والأعياد والأخلاق والآداب التي تتنافى مع الإسلام.

    وكان من أبرز مظاهر هذا التقليد تقليد الكفار في أعيادهم، أو مشاركتهم في شيء منها بأي نوع من أنواع المشاركة التي حذر الله منها، وحذر منها رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع أئمة الدين على التحذير منها.

    فكان على طلاب العلم البيان والنصح للأمة فيما يتعلق بهذه الأمور الخطيرة، وبآثارها السيئة على المسلمين في دينهم ودنياهم.

    وفي هذه الأيام تكثر أعياد طائفة من أهل الكتاب: اليهود والنصارى، فيقع كثير من المسلمين في المحظور؛ إما بالمشاركة في هذه الأعياد مشاركة كاملة، وإما ببعض المشاركة الجزئية، كالتهنئة، أو إتاحة الفرصة للكفار لإظهار أعيادهم بين المسلمين.. أو نحو ذلك مما هو معلوم، لذا كان لا بد من الحديث عن الأعياد وأحكامها.

    وسأبدأ هذا الحديث بالتعريف بمفهوم العيد؛ ليتبين ما هو العيد؟ ومتى يكون العيد عيداً؟ وليتبين أيضاً ما يخفى على كثير من الناس من وقوعهم في بعض الاحتفالات والمناسبات التي هي بمثابة الأعياد دون أن يشعروا بذلك.

    فالعيد في اللغة: مأخوذ من عاد يعود، إذا تكرر ورجع بعد انصراف، وهو أيضاً في اللغة: اسم لما يعود ويتكرر من زمان أو مكان أو هما معاً، ويدخل في ذلك المناسبات والآثار.. ونحوها كما سيأتي تفصيله.

    ويطلق على العيد في اصطلاح غالب الأمم: كل ما يعود ويتكرر زمانه أو مناسبته، أو يحتفل به أو يحتفى به، أو يجتمع عليه من الأيام أو المناسبات أو الأمكنة التي تهتم بها الأمم على أي نوع من أنواع الاهتمام.

    ومن ذلك على سبيل الإجمال:

    أولاً: الاحتفال بالذكريات السارة، فأيّ نوع من أنواع الاحتفال الذي لم يرد في الشرع إذا تكرر وأخذ صبغة التقليد أو العادة أو الاعتياد عليه فإنه يعد عيداً، كأعياد الميلاد، وأعياد الاستقلال، وأعياد الوطن، وقد تسمى أحياناً بأيام الوطن، أو الاستقلال.. أو نحو ذلك من المسميات.

    ثانياً: الذكريات غير السارة، فبعض الأمم قد تهتم بالذكريات المؤلمة، فتعيد الذكرى بها كنوع من المأتم وإظهار الحزن، أو ليكون ذلك من المظاهر القومية التي تعتز بها.

    ثالثاً: الأماكن التي تتخذ مزاراً، كالمشاهد والآثار والبقاع، وكذلك الأماكن التي تهتم بها الأمم أو الشعوب ولم تشرع زيارتها؛ فإن الزيارة لها على وجه متكرر يعتبر عيداً، والمكان الذي يزار ويتخذ مزاراً يعتبر من الأعياد، كما ورد ذلك في صحيح السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    رابعاً: إحياء الآثار والأسواق القديمة على شكل عوائد أو آثار جاهلية.. أو نحو ذلك، فإن إتيان هذه الأماكن والاحتفاء بها، أو حتى الاهتمام بها بأي نوع من أنواع الاهتمام على وجه غير مشروع يعتبر من العيد الممنوع، كالاهتمام مثلاً بأسواق الجاهلية: كسوق عكاظ، وذي المجاز، ومجنة.. وغيرها.

    لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور أعياداً، أي: اتخاذها أماكن للتجمع، أو زيارتها زيارة على وجه التعبد غير الزيارة المشروعة؛ لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا قبري عيداً).

    خامساً: ما أخذ طابع الاهتمام المتكرر الثابت، سواء من مكان أو زمان أو أي شيء من الأشياء، فإن هذا عيد، وذلك كالأيام التي تهتم بها بعض الأمم أو كل الأمم في العصر الحاضر كيوم الأم، ويوم الطفل، ويوم الصحة، ويوم الشجرة والنظافة.. ونحو ذلك من المهرجانات والاحتفالات، أو الأمور السنوية أو الدورية، فإن هذه من الأعياد الممنوعة.

    والأصل في الأعياد أنها تعتبر من أبرز مظاهر حياة الأمم التي تعتز بها؛ لأنها من الخصائص والسمات والشعائر والشرائع التي تخص كل أمة، وقد تجتمع بعض الأمم في عيد واحد أو أكثر لسبب أو لآخر؛ ولذلك أمر الله المسلمين بالتميز في الأعياد، وأن تكون لهم أعياد لا يتعدونها ولا يزيدون عليها، بل ولا يقلدون غيرهم فيها ولا يلغون شيئاً منها، وكل أمة لها أعيادها التي تتميز بها وتعتز بها.

    إذاً: فالأعياد من الشرائع والشعائر التعبدية التوقيفية، فهي تدخل في العقيدة من جانب، وفي الشريعة من جانب آخر، وعلى هذا فهي توقيفية، بمعنى: أنها موقوفة على ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لأحد بحال أن يشرع عيداً جديداً، أو ينشئ نوعاً من أنواع الأعياد بأي وجه من الوجوه، كما أنه لا يملك أحد من الناس أن يلغي عيداً من الأعياد التي شرعها الله تعالى.

    وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم -كما سيأتي في النصوص- أن العيد من شعائر الدين، وهو من شرع الله الذي لا يجوز فيه الزيادة ولا النقص، وبيَّن ذلك عليه الصلاة والسلام بقوله وفعله وتقريره وأمره ونهيه، بأمره بالأعياد وبنهيه عن أعياد جديدة، أو إحياء أعياد قديمة، أو اتباع أعياد الكافرين.

    والله تعالى قد شرع للمسلمين عيدين في السنة وهما: عيد الأضحى، وعيد الفطر، وعيد في الأسبوع وهو الجمعة، ونهى عن الزيادة عليها، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر).

    فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وفي غيره استنكر ما رآه عند أصحابه في المدينة من نوع عيد لم يكن مشروعاً في الشرع، مع أنهم حديثو عهد بالكفر لم يتسامح معهم عليه الصلاة والسلام، بل نهاهم أشد النهي، وحينما استأذنوه بأن يسمح لهم بإحياء تلك الأعياد منع من ذلك، وبين أن الله تعالى بدل ونسخ أعياد الجاهلية وأعياد الأديان الأخرى بالعيدين المعروفين.

    وعيد الأضحى كما هو معلوم يشمل العاشر من ذي الحجة وأيام التشريق، أي: الثلاثة الأيام التي تلي العاشر، وكلها أيام عيد وأيام أكل وشرب، وقد يدخل يوم عرفة أيضاً في مفهوم العيد؛ نظراً لأن الحجاج يجتمعون فيه بمظهر يشبه مظهر العيد؛ لذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب)، رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

    فيوم عرفة يوم عيد مكاني للحجاج ولا يشرع فيه التعييد، إنما يشرع فيه الصوم لغير الحاج، أما الحاج فلا يصوم، لكن نظراً لعظم هذا اليوم وعظم قدره واجتماع الحجاج فيه في ذلك الصعيد العظيم يوم عرفة، كان عيداً مكانياً وزمانياً للمسلمين على وجه آخر.

    أما عيد الأسبوع وهو يوم الجمعة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا؛ فقد كان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد)، رواه مسلم .

    إذاً: فما عدا هذه الأعياد فهو محرم قطعاً، وذلك بموجب النصوص القاطعة في القرآن والسنة، وبموجب إجماع الصحابة والتابعين وأئمة السلف، وعلماء الأمة إلى يومنا هذا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088962148

    عدد مرات الحفظ

    780189085