الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن من أخطر الأمراض التي أصابت مجتمعنا في الآونة الأخيرة الأمراض التي تنتج عن السحر والشعوذة والعين، فهذه الأمراض من السحر والشعوذة وما ألحقته بالمسلمين مجتمعات وأفراد وأسر من أضرار إنما هي أعراض لأمراض كبرى وخطيرة هي أمراض القلوب والنفوس كما سيأتي بيانه.
وفي بدء الكلام عن هذا الموضوع الخطير يحسن التعريف بالسحر والشعوذة.
السحر: عمل خفي يؤثر على الإنسان إما في عقله أو بدنه أو قلبه أو نفسه أو في بعضها أو جميعها، ويتم بعقد وبغير عقد، وبطلاسم وبأمور أحياناً تكون محسوسة وظاهرة، وأحياناً تكون خفية، وأغلب السحر من عمل الشياطين من شياطين الإنس والجن.
وكذلك الشعوذة: هي نمط من أنماط السحر، وأعمال يعملها الدجال أو الممخرق يخفى سببها على الناس، لكنها أمور معلومة عند أهلها الذين يتناولونها، سواء كانت هذه الأمور معنوية أو حسية، والشعوذة كذلك من عمل الشياطين، ونلاحظ في الآونة الأخيرة كثرة ما ابتلي به الناس في هذا العصر من غوائل السحر والعين والشعوذة من الأمراض النفسية والأوهام والقلق والهموم والغموم، نسأل الله العافية، وما ينتج عن ذلك من الحزن وضيق الصدر والخوف والهلع، ثم ما نتج عن هذا أيضاً من آثار ظاهرة على الأسرة المسلمة والمجتمع من فساد ذات البين وتفكك الأسر، وما ينتج عن ذلك من خلافات بين الزوجين تصل إلى الخصام، ومن خلافات بين الأقارب: بين الآباء والأبناء، وبين الإخوة وبين الأقارب من الأعمام والأخوال.. وغيرهم والأرحام والجيران، وانفصام عرى الوشائج والقربى بين الناس، بل كثرة آثار السحر والشعوذة في الناس أدى إلى كثرة الخصام وتعقد المشكلات التي أتعبت الناس، وأتعبت الجهات الأمنية والقضاء، وصارت من أعقد المشكلات التي أوقعت في الناس الكثير من الكوارث والأضرار الجسيمة، التي تؤدي أحياناً إلى إزهاق النفوس، وإلى إلحاق الأضرار البالغة، وانتشار الفساد في العقائد والأخلاق وشيوع الفواحش والفساد الأخلاقي؛ بسبب انفصام الأسر، ونحن نعلم جميعاً أن من أبرز أسباب الانحراف الخلقي بين ناشئة المسلمين: هو الانفصام في الأسر من افتراق الأب والأم (الزوجين) أو الأقارب بعضهم عن بعض مما يؤدي إلى تفلت الشباب والأبناء، وعدم وجود من يرعاهم في هذا الجو الذي كثرت فيه العوارض والقواطع والجوارف التي تجرف الناس عن الفطرة السليمة، وعن العقيدة الصحيحة، وعن الفضيلة.
إن ظهور أعراض السحر والشعوذة ما هو إلا سبب لعرض رئيس وسبب لمرض أكبر من ذلك وهو كثرة المعاصي في الناس اليوم، وإعراض الناس عن دين الله عز وجل وشرعه، والغفلة عن ذكر الله وعن شكره، والله عز وجل ذكر لنا ذلك لو كان هناك من متدبر، فقال عز وجل: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
وقال سبحانه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124].
فهذه الأمور ما هي إلا نوع من أنواع المعيشة الضنك، لما أعرض الناس عن ذكر الله عز وجل ولم يشكروا نعمه، ولما غفلوا عن الأسباب الشرعية التي سيأتي ذكر شيء منها قست قلوبهم، وفسدت أعمالهم وقل توكلهم على الله عز وجل، وارتبطت قلوبهم بالأسباب، وضعفت هممهم في العبادة والطاعة؛ فهيمنت عليهم الشياطين والأوهام، ووكلهم الله إلى غيره حينما أعرضوا عنه، كما قال سبحانه: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36]، وكما تعلمون أن السحر والشعوذة والعين والمصائب من عمل الشيطان، وما ذلك إلا لإعراض الناس عن ذكر الله.
وقال عز وجل: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، أي من الإعراض عن ذكر، والإعراض عما أوجب الله، والوقوع فيما نهى الله من المعاصي والفواحش.. وغير ذلك من الأمور التي توقع الناس في مثل هذه الغوائل، بل السحر والشعوذة والعين وما ينتج عن ذلك من أمراض نفسية وضيق الصدر.. ونحو ذلك كله لا يحصل إلا نتيجة للإعراض عن ذكر الله والغفلة عن ذلك.
والإعراض عن الذكر والوقوع في المعاصي والآثام يضعف الإيمان، ويفسد القلوب، وإذا ضعف الإيمان وفسدت القلوب ضعف التوكل على الله، وإذا ضعف التوكل على الله تطلع الناس إلى الأسباب المادية، ووكلهم الله إليها وهي لا تنفعهم، بل تضرهم.
ثم ينتج عن الإعراض عن دين الله عز وجل قلة التفقه في دين الله، فيجهل الناس الأحكام، فيقعون فيما لا يجوز عن تقصير وجهل، ولذلك نجد أكثر ما أوقع بعض المسلمين الذين بقيت عندهم بعض سمات الفطرة، أكثر ما يوقعهم في أعمال السحر والشعوذة الجهل بالأحكام الشرعية، وعدم فقه الأمور التي تتعلق بالرقية، وقبل ذلك بذل أسباب الحماية من الأوراد، ومتى تكون؟ وكيف تكون؟ والأسباب الشرعية الأخرى من إقامة الفرائض، والبعد عن المنكرات، وفعل الخيرات والصدقات، والإكثار من تلاوة القرآن ومن ذكر الله والاستغفار، كل هذه الأمور أكثر الناس يجهل أحكامها وآثارها الطيبة في النفوس، وربما أن أكثر المسلمين يعرفون أشياء كثيرة من المعارف العامة، لكنهم يجهلون أكثر ما يتعلق بدينهم وما يتعلق بعلاقتهم بربهم عز وجل، وإن عرفوا لم يعملوا، وعدم عملهم بما يعرفون يستوجب النسيان والغفلة، فقلة الفقه في دين الله والجهل بحدود الله وأحكام الشرع أوقع الكثير من المسلمين في مثل هذه الأمور، حتى صاروا ضحايا لغوائلها وآثارها المدمرة على الأسرة، ونتج عن ذلك ضعف التحصن بالأسباب الشرعية التي جعلها الله محصنات تحمي المسلم بإذن الله عز وجل.
المحصنات الشرعية كثيرة:
أولها: توحيد الله عز وجل من قلب واع، ومن عقل عارف بدين الله عز وجل، ثم ما يلزم منه من إقامة الفرائض والسنن وتلاوة القرآن وعمل الخيرات وعمل الصدقات، وعمل الورد اليومي الذي جعله الله عز وجل تحصيناً للمسلم في صباحه ومسائه.
فضعف الإيمان في القلوب وقلة الفقه في الدين وضعف التحصن بالمحصنات الشرعية كل هذا جعل الشيطان يهيمن على الناس، وجعل المعاصي هي الأصل في أعمال كثير من المسلمين الآن، فجلب الناس المعاصي إلى أنفسهم وإلى بيوتهم، جلبوا وسائل الفساد والآثام في البيوت والأسواق، وجلبوا كل ما يحضر الشياطين ويطرد الملائكة في النفوس وفي البيوت وفي الأسواق وفي كل مكان، كالصور، وآلات اللهو، والمعازف، والأجراس، إضافة إلى قلة الذكر والشكر كما قلت، وقلة تلاوة القرآن، فكل ذلك مما جلب الآثام والفواحش وأفسد العقائد والأخلاق، وحصد الحسنات حصداً.
إذاً: لقد صار الشيطان قريناً وضجيعاً لأكثر الناس؛ بسبب الغفلة عن ذكر الله، وجلب ما يضر من الآلات والوسائل، كل هذا ومثله مما تعرفونه لاشك أنه يهيئ النفوس والأبدان لأن تعبث بها الشياطين شياطين الجن والإنس، فمن هنا تكثر آثار السحر والشعوذة بين الناس اليوم.
من هنا أحب أن أقف وقفة فيما ورد في القرآن والسنة من أثر الشيطان الرجيم على ابن آدم، وغفلة الناس اليوم عن هذه الحقيقة، يقول الله عز وجل عن الشيطان لعنه الله: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] يعني: ييسر ويزين للإنسان الفحشاء، ثم ذكر وسائل الفحشاء فقال عز وجل: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [المائدة:91]، فالخمر والميسر هما أمهات الخبائث وغيرهما تبعاً لهما.
وقال عز وجل: وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور:21].
وقال سبحانه: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ [النمل:24].
وقال سبحانه: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ [المجادلة:19].
وقال عز وجل: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36] أي: قرين يصاحبه ويخالطه ويشاركه في أكله وشربه ونومه كما ورد في السنة، فما بالكم بإنسان قرينه الشيطان وجليسه وضجيعه؟ لاشك أنه سيكون فريسة سهلة للسحر والسحرة والشعوذة والمشعوذين.
وقال سبحانه عن الشيطان: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [الإسراء:64] يعني: أن الله عز وجل سلط الشيطان على بني آدم، وجعله من أسباب ضلالهم وشقائهم وعذابهم في الدنيا والآخرة، وجعل وسائل الشيطان من الأسباب الصارفة للناس عن الخير، والله عز وجل استثنى من هؤلاء عباده المخلصين، قال تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الإسراء:65] والمسلم لا يسلم من الشيطان بمجرد أن يتسمى بكونه مسلماً أو أن يقر بأنه مؤمن، بل لابد من الجهاد، وبذل الأسباب التي بها يسلم بإذن الله من غوائل الشيطان وجنوده، يقول النبي صلى الله عليه وسلم مخبراً عن أثر الشيطان في بني آدم، يقول: (يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت عقدة، فإذا صلى انحلت عقدة) ثم ذكر أنه يصبح سعيداً نشيطاً.. إلى آخر الحديث، فهذا الحديث الصحيح مخصص لعموم الآية، خصص النبي صلى الله عليه وسلم العموم بمن بذل الأسباب الشرعية، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أن من قرأ آية الكرسي؛ فإن الله يحفظه من الشيطان.
إذاً: الأصل في المسلم إذا لم يبذل الأسباب الشرعية من ذكر الله عز وجل وصلى وقام بما يجب، فإن الأصل أن الشيطان يصاحبه حتى في نومه ويعقد عليه هذه العقد الثلاث.
ومن الأسباب الشرعية: قراءة آية الكرسي، وأيضاً: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، والمعوذتين عند النوم، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذه وغيرها تطرد الشيطان.
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أن للشيطان جنوداً يعملون الفساد في الناس، وأن أحب هؤلاء الجنود للشيطان الذي يفرق بين الرجل وامرأته؛ لأن التفريق بين الرجل وامرأته، يعني: فساد الأسرة، الرجل والمرأة يلحق بهما أبناء وبنات وإخوة وأخوات وآباء وأمهات، فالشيطان أو الإنسان الذي يسلطه الشيطان إذا فرق بين الرجل وامرأته شتت أمر الأسرة، فتشتت في دينها ودنياها.
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأسواق معركة الشيطان، ينصب بها رايته، كما رواه مسلم ، فينبغي للمسلم ألا يغتر بنفسه، وألا يستهين بأمر الشيطان؛ فإنه مسلط عليه، بل إن الشيطان حاول في الأنبياء، لكن الله عصمهم منه، فلا يأخذ المسلم الغرور والجهل والكبر، فيقول: أنا مسلم، وأنا ملتزم، وأنا لا يمكن أن يقربني الشيطان، بل تقول: ينبغي للمرء إذا أراد أن يحمي نفسه من غوائل الشيطان وآثار ذلك أن يعمل الأسباب الشرعية، وقد تعرض إبليس لعنه الله لأبينا آدم وأخرجه من الجنة، وتعرض لإبراهيم، لكن الله كفاه إياه وأعاذه منه، وتعرض لموسى، وتعرض لعيسى، وتعرض لداود وسليمان، وتعرض لنبينا صلى الله عليه وسلم، لكن الله كفاه إياه، فالشيطان تعرض لأخلص أولياء الله وما عصمهم منه إلا ما أعطاهم الله عز وجل من الأسباب الشرعية، فلا يقول: أنا مسلم وأعرف أن الشيطان عدوي ثم يقعد دون بذل الأسباب التي تحميه من الشيطان وغوائله وإفساده، ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أن كل إنسان معه قرين، وهذا القرين هو الغالب إلا من عصم الله، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا للصحابة، فقالوا: (وأنت يا رسول الله! قال: وأنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم)، كل إنسان معه قرين، فإذا لم يكن القرين صالحاً أو أن الإنسان لم يبذل الأسباب الشرعية لدفع شره فالغالب أن القرين يؤزه إلى الشر وإلى الرذيلة وإلى الغفلة عن ذكر الله، ويدفعه إلى ترك الواجبات وإلى فعل المحرمات.
إذاً: نخلص إلى أن أعظم أسباب وقوع الناس في آثار السحر والشعوذة وما ينتج عنها من أمراض وأخطار ومشكلات ناتج عن الإعراض عن ذكر الله وعن شكره.
من الأمراض الشائعة في مجتمعنا اليوم، ومن أعظم ما يوقع الكثير من الناس في آثار السحر والشعوذة: جلساء السوء من الجنسين بين الرجال وبين النساء، خاصة الشباب والشابات، فإن دعاة السوء اليوم كثر، وأسباب السوء والدوافع إليه قوية وعنيفة تدفع الشباب إلى ذلك دفعاً.
ولذلك نجد أن دعاة السوء اليوم استطاعوا أن يوغلوا في الأمة في إفساد شبابها وبناتها، إلى حد جعل المشكلة أكبر من أن تعالج بمجرد الجهود الفردية، ثم ما يستتبع ذلك من ظهور المسكرات والمخدرات.. ونحو ذلك والتدخين، فإنها غالباً طعمة سوء، من وقع فيها صار من حزب الشيطان إلا من عصم الله.
من الأسباب الرئيسة لانتشار السحر والشعوذة في الناس: استقدام العمالة إما من كفار أو مسلمين جهلة الخدم والخادمات، هؤلاء غالباً يتسلحون بالسحر، ويكيدون الناس لأدنى سبب بالسحر.
وهذه الظاهرة شاعت في مجتمعنا من خلال الخدم والعمالة لأسباب كثيرة، لعل من أهمها:
كثرة ما يقع على الخدم من ظلم، فيكيدون، وأغلب هؤلاء الخدم ممن لا يخافون الله عز وجل، وأيضاً في شعورهم بالغربة يجدون أن هذه هي أسهل طريقة للانتقام من خصومهم.
وأغلب هؤلاء يتسلحون بالسحر والاستعداد له قبل أن يأتوا، يوصي بعضهم بعضاً، السابق يوصي اللاحق، وقد تواتر هذا، خاصة في الخادمات، فلذلك نجد أغلب الخادمات تأتي مستعدة لأسباب عمل السحر فيمن يكيدها، أو للدفاع عن نفسها لأدنى سبب، ومن هنا كان أكثر ما يظهر في الأسر من السحر من خلال هذه الفئة، ولذلك ينبغي أن تعالج هذه المشكلة من عدة وجوه:
أولاً: يجب على المسلم ألا يستقدم خادم ولا خادمة إلا عند الضرورة القصوى وليتق الله عز وجل.
ثانياً: إذا ابتلي بالخادمة فعليه أن يحتاط باختيار النوع والديانة ولو تعب في ذلك.
ثالثاً: ينبغي أن يحرص على أن يرعى الخادم والخادمة التي عنده بتفقيههم في دين الله عز وجل، لاسيما وقد تيسرت عندنا وسائل تفقيه القادمين بأي لغة، من خلال المكاتب التعاونية، فإذا ابتليت الأسرة بخادم أو خادمة أو سائق فينبغي لها لأول وهلة أن تتصل بمكتب التعاون الأقرب، ويقولون: عندنا خادم أو خادمة لغته كذا نحتاج أن تعينونا في تفقيهه في دين الله عز وجل وفي تعليمه أصول دينه، وهذا أمر ميسور، وهو يدرأ كثيراً من الشر؛ لأن هؤلاء الذين يأتون أغلبهم جهلة، وربما أغلبهم يظن أن السحر مشروع، هكذا يعتقد ويظن، فلو علم أن السحر غير مشروع وهو مسلم فربما تركه وتورع عنه، وغير ذلك من الأسباب.
ثم ينبغي أن نحرص على العدل بهؤلاء وعدم الظلم لهم؛ لأن كثيراً من الذين يستقدمون العمالة يظلمونهم، والظلم يؤدي إلى ردود الفعل والانتقام للنفس بوسيلة مشروعة أو غير مشروعة، فمن هنا أظن أن أكثر الذين أصيبوا بمثل هذه المصائب من جراء الخدم يتحملون جزءاً كبيراً من مسئولية ذلك، أولاً: باستقدامهم لهؤلاء الخدم، ثم لإهمالهم لهم، ثم لما يقع منهم من ظلم أو حيف أو تقصير يضر بالخادم فيكيد، وهذا يزيد مشكلة السحر والشعوذة تعقيداً.
أصبحت هذه الظاهرة شيئاً مرعباً، حتى بالغ كثير من الناس في هذا الأمر، فالناس قد تصيبهم أمراض كثيرة: عضوية ونفسية وعقلية.. وغيرها، ولا يلزم أن يكون ذلك بسبب العين أو السحر أو الشعوذة، لكن طرق موضوع السحر والشعوذة يستفيد منه فئة من الناس وهم السحرة أنفسهم، إذا أكثروا بين الناس إشاعة أنهم مسحورون أتوا إليهم، فأخذوا أموال الناس وجلبوه إليهم، وكذلك بعض الرقاة الجهلة يفسرون كثيراً مما يعجزون عن تشخيصه بأنه سحر أو شعوذة أو عين.. أو نحو ذلك وهذا غلط وفيه تعجل.
فلذلك نجد أن فزع الناس إلى غير الأسباب الشرعية من فزعهم إلى الكهنة والعرافين والمشعوذين والوقوع في حبائلهم أكثر من هذا، وتسبب في كثرة عزوا الأشياء والأمراض إلى السحر والشعوذة، حتى أوهم هؤلاء المشعوذون والكهان والعرافون والسحرة أوهموا الناس بأمراض لم تكن فيهم، فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6]، كما أخبر الله عنهم، وألجئوا جهلة المسلمين إلى الوقوع في البدع والشركيات، ووقعوا في حبائل هؤلاء السحرة، فأخذوا أموالهم، لاسيما أن الناس قد يفتنون أحياناً بحالات نادرة يحدث أن يستفيد واحد فائدة قدرها الله عز وجل قدراً فائدة من سؤال عراف فيفتن الناس بهذا العراف، مع أن الأصل فيه الكذب، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يصدقون مرة واحدة ويكذبون تسعة وتسعين، يضيفون إلى الصدق تسعة وتسعين كذبة، فبذلك يلبسون على الناس.
ثم أيضاً أن أكثر المشعوذين والدجالين يتظاهرون للناس على أنهم من أهل الصلاح، وأنا أعجب من غفلة كثير ممن يذهبون إلى هؤلاء السحرة والمشعوذين ويسألونهم عن أحوالهم، ثم يأتون ليزكوهم ويقولوا: والله فلان جئناه ووجدناه يتلو آيات من كتاب الله، وما شاء الله يسبح ويهلل، نعم هذا من تلبيس الشياطين، ما يستطيع أن يأخذ أموالك وفلوسك إلا إذا أظهر لك أنه تقي وصالح، وأنه يسبح ويهلل، لكن لا تنسى أنه شيطان من الشياطين، ولا تنسى أنه عراف وساحر، فمن هنا فتن الناس بهؤلاء، فلما فتنوا بهم، تعلقوا بهم ولما تعلقوا بهم صار هؤلاء السحرة والمشعوذين ينسبون كل أمراض الناس إلى السحر والشعوذة، يقولون: أنت مسحور، والذي سحرك فلان أو فلانة، وسحرت في مكان كذا، وهذا كله كذب.
وغالباً أن الساحر إضافة إلى أنه يريد أن يأخذ أموال الناس غالباً تجده يتقصد التفريق بين الأسر، فينسب السحر مثلاً إلى الأب أو إلى الأم أو إلى العمة أو إلى الصديق، ويقول: سحرك فلان، ويكون فلان هذا إما قريبك وإما صديقك وإما جارك وهو يكذب، لكنه حصل ما يريد من وقوع الفتنة بين الناس، ثم إنه حصل ما يريد من جانب آخر وهو استجلاب أموال الناس.
قد يقول بعض الناس: إن هناك من استفاد أو عرف موطن السحر من خلال ساحر، أقول: هذا قد يحدث في المائة واحد أو أقل، لكن يحدث منه من الأضرار ما الله به عليم، وقد يكون الله عز وجل دفع المرض بسبب آخر، فتوهم الناس أنه بسبب الساحر هذا أمر.
الأمر الآخر: أن الذين يذهبون إلى الكهنة لو سألتم أي واحد منهم لوجدتم أن هؤلاء الكهنة كل منهم يقول بقول لا يوافق الآخر، بل لابد أن يكذب الآخر، فيأتي هذا المريض المسكين ويقول: ذهبت إلى فلان من الكهنة وقلت له كذا وكذا وقال لي: كذا وكذا، فيقول الساحر الثاني: لا، يكذب، أنا الذي أعرف وأنا الذي أستطيع، وهذا لم يخبرك بالحقيقة.. إلى آخره، لا يتفقون، وهذا دليل على كذبهم.
الخلاصة أن أغلب ما يوقع الناس ويوهمهم بأن ما يجدونه من أمراض عضوية أو نفسية سحر أو شعوذة أغلبه من الكذب، أغلبه ليس سحراً ولا شعوذة، وإنما هي أمراض عادية سيأتي ذكر شيء منها؛ لأن بعض الأمراض العضوية تسبب أشياء وهمية ونفسية وعقلية، فالإنسان بدل ما يذهب ويتطبب ويتداوى بالدواء الطبيعي والشرعي ربما يستعجل فيذهب إلى الكهنة فيوقعونه في الأوهام، فيظن أنه مسحور وليس بمسحور، أو أن فيه عيناً وليس فيه عين.
فأقول: أغلب ما ينسب من السحر والشعوذة أغلبه من الأوهام، وربما يرجع إلى أمراض نفسية أو عضوية يكون علاجها بالعلاج الطبيعي والعلاج الشرعي، الذي سيأتي كما ذكرت شيء منه.
من أسباب تعلق الناس بالسحر والشعوذة ما يعمله بعض جهلة الرقاة، نعم، الرقية الشرعية مشروعة وهي أفضل وأعظم ما يتداوى به المسلم من جميع الأمراض العضوية وغير العضوية، الرقية الشرعية بكتاب الله عز وجل وبالأدعية المأثورة الصحيحة هذا حق، وربما أكثر الرقاة بحمد الله على هذا المنهج، لكن مع ذلك يوجد عدد من الرقاة يرتادهم أعداد كبيرة ألوف من الناس عندهم جهل وعندهم تقصير، ووقعوا في بعض الأخطاء التي أوهمت الناس بالخوف والرعب من السحر والشعوذة، والسحر والشعوذة من كيد الشيطان وكيد الشيطان ضعيف، لكن الناس قد يقصرون في بذل الأسباب الشرعية، ولاشك أن الناس لو بذلوا الأسباب الشرعية والطبيعية فإن الله عز وجل سيعينهم ويشفيهم، إلا من قدر الله له غير ذلك.
أعود إلى الرقاة، كثير منهم هداهم الله يزيدون المشكلات تعقيداً ويوهمون الناس، ويضخمون الأمور، ويربطون الناس بغير الأسباب الشرعية، يوهمونهم بأن فيهم سحراً وأن فيهم عيناً وأن فيهم شعوذة.. إلى آخره، بدون تثبت كثير من الرقاة، يتعجل في التشخيص بلا بينات، ويقول للمريض: أنت مسحور، وأظن أن الذي سحرك قريب لك، أو التي سحرتك قريبة لك، والراقي قد يقول: أظن، لكن المريض لتعلقه بالأسباب لا يعرف كلمة أظن، فيبدأ يتهم أقرب الناس إليه، بل بعض الرقاة هداهم الله أحياناً يعينون، يقول: الذي عانك أو الذي سحرك أو الذي أثر فيك فلان أو فلانة، وأحياناً يسمي أمه وأخته وأخاه وأباه وقريبه فيوقع الفتنة بين أقرب الأقربين، ويعرف كثير منا مشكلات مستعصية إلى الآن بعضها وصل بعضها إلى حد القطيعة التامة، وبعضها إلى حد إزهاق النفوس؛ بسبب هذه التوهمات من بعض الرقاة.
بعض الرقاة يستعملون التخييل هداهم الله، وهؤلاء يجب أن يفرقوا بين التخييل وبين الاتهام.
النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الصحابة وأخبروه بأن فلاناً أصابته عين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تتهمون)، كل يفهم بكلمة (من تتهمون) أن الناس ينبغي أن يستعيدوا في أذهانهم إذا كان هناك أحد تكلم في هذا الشخص، أو غبطه على شيء، أو مدحه في مجلس، أو قال ما يصرف أو يلفت النظر إليه، هذا حق، ولا مانع أن الناس يتذكرون وقائع حقيقية، لكن النقطة الأخرى التي يعمل بها كثير الرقاة، وهي نقطة شيطانية وهي: تخيل، ما معنى تخيل؟
ثق أنه بمجرد ما يتخيل الإنسان يقوم الجني الذي هو القرين ويلبس عليه، والشياطين والجن يحضرون الإنسان، فبمجرد ما يتخيل يلبسون عليه، وأكثر ما يعبث بالإنس من الجن فسقة الجن، فالفاسق طبيعي أنه يكذب ويفجر، فمن هنا إذا طلب الراقي التخيل قام الجني ووضع في خيالك أحد الناس من قريب أو صديق أو بريء من الأبرياء، فتقول أنت للقارئ مثلاً: والله توهمت خالتي فلانة، يقول: نعم، إذاً: هي التي عانتك، فتقع القطيعة وفساد القلوب واختلال الوشائج بين الناس، وهذا حصل كثيراً، وتوجد إلى الآن مشكلات كثيرة بين المجتمع من آثار هذه الطريقة.
يا أخي! عندما تقول: تخيل، ما عندنا دليل شرعي ووحي من السماء يضمن لنا أن هذا الخيال حق، من الذي يضمن؟ والحقائق لا تثبت بها حقوق ولا حدود إلا بشهود ثقات، وبإجراءات معينة يعرفها أهل الشرع، فكيف بالتخييل؟!
إذاً: من أعظم ما يحدث في ربط الناس بالسحر والشعوذة خطأ بعض الرقاة في مثل هذه الأمور، نعم هذه الأمور قد يعمل بها بعض الصالحين من الرقاة، لكن أقول: هذه زلات منهم، وينبغي تنبيههم لذلك، أقول: هناك فرق بين التخييل وبين الاتهام، الاتهام وارد؛ لأن العين حق كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث، والإنسان لا مانع إذا ترجح له أن فيه عيناً أن يأخذ شيئاً من أثر العائن فيتداوى به؛ لذلك لا مانع من أن يتصور أو يتذكر من يتهم، أما مجرد الخيال، فالخيال لا يأتي إلا بأوهام الشيطان.
أيضاً مما يعمله بعض الرقاة: الجزم بتفسير الرؤى، أحياناً بعض الرقاة إذا رقى المريض، قال له: هل رأيت رؤيا؟ نعم، الرؤيا فيها مبشرات ولا حرج من ذلك، لكن الأمر يتعدى إلى أن بعض الرقاة يحدد العائن أو الساحر أو المؤثر في الشخص باسمه بمجرد الرؤيا، وهذا في الحقيقة مزلة قد يكون في حالات نادرة حقاً والغالب لا يكون حقاً.
فينبغي أن يتثبت من يعمل هذه الوسيلة أو يقول بها.
أيضاً مما يقوم به بعض الرقاة مما أثر في الناس في هذا الجانب: تصديق الجن حينما ينطقون، لاشك أن الجني يتلبس بالإنسي، وعند قراءة القرآن قد ينطق الجني ويتكلم، فإذا تكلم الجني يفرح بعض الرقاة بكلامه، فيبدأ يسأله عن أشياء غيبية، يقول: هل تعرف من سحر هذا المريض؟ فيقول: نعم أعرفه، فيقول: من هو؟ يقول: فلان، أو يقول: هل تعرف العائن الذي عان هذا المريض؟ يقول: نعم العائن فلان، فيصدقه، كون هذا مؤشراً أو قرينة، نعم، لكن التصديق لا؛ لأن الغالب في الجني الذي يتلبس بالإنسي أنه فاجر كذاب، والدليل على ذلك تناقض أخبار الجن، هناك جني يقول كذا، والآخر يكذبه فكلاهما يكذب، فعلى هذا ينبغي التثبت، نعم قد يكون من كرامة الله للإنسان أن يهيئ الله علاجه على لسان جني قد يكون هذا ما فيه مانع، وحدث هذا من السلف ومن الصالحين والعلماء، حدث أن استفادوا أخباراً من الجن، لكن لا يلزم أن يكونوا صادقين دائماً، فينبغي التثبت وعدم الجزم، ويؤخذ كلامهم على أنه قابل للصدق والكذب، أما أن يصدق دائماً فلا؛ لأنه يؤدي في الغالب إلى فتن وإلى قطيعة، وهذا حدث منه أن تفرقت أسر وتقاطع الأقارب؛ بسبب أخبار جني اتهم آخر من الإنس، وهذا الرجل يعاديه الناس الذين حوله، ويكون بينهم قطيعة وفساد إلى آخره، وأنا أعرف قصة لامرأة حدثت على يد أحد المشايخ، يقول: إن إحدى العائلات عندها مريض، وهذا المريض نطق فيه جني، وقال: إن الذي تسبب في دخولي في هذا المريض أخته فلانة، فاتهموها دون أن يتثبتوا، فوقع بينهم كلام وشجار، ونفت وأقسمت أنه لم يحدث منها ذلك، فأصروا إلا أن تكون هي التي سحرته، ربما يكون من عقوبة الله لهم أنهم ما شفي مريضهم، لكن الحاصل أن الأمر وصل إلى أن تقسم المرأة على المصحف، وهي امرأة معروفة بالصلاح، فأقسمت على المصحف أن هذا الجني كاذب، وأنها ما سحرت المريض، ومع ذلك صدقوا الجني وكذبوها إلى وقت قريب، ما رأيكم في هذا؟ هل هذا عمل سليم؟ من قال: إن هذا الجني معصوم؟ الأصل فيه الفسق والفجور، وإلا لماذا آذى هذا الإنسي أو الإنسية.
والجن الغالب فيهم الضعف، فهم أضعف من الإنس، لكن لما أعرض الإنس عن ذكر الله وعن شكر الله فإن الجن تتسلط عليهم، وإلا فالأصل أن الجني أضعف من الإنسي، فكيف بامرأة صالحة تقسم على المصحف أن هذا لم يحدث منها ثم يصدق هذا الجني الفاجر، وتكذب وتقع القطيعة بين أسرة من أفضل الأسر.
إذاً: تصديق الجن والشياطين والتسليم لقولهم أوهم كثيراً من الناس أن فيهم سحراً وليس الأمر كذلك، وبأن فيهم عيناً وليس الأمر كذلك، وربما يكون، لكن يبقى الأمر احتمالات.
كذلك بعض الرقاة يقومون بعمل حركات أشبه بحركات الدجالين والمشعوذين، ولا أدري ما مدخل هذه الحركات على بعض الرقاة، فهناك أشياء مشروعة وهناك أشياء غير مشروعة: القراءة، النفث، وضع اليد على موضع الألم.. ونحو ذلك كله مأثور لا حرج فيه، لكن هناك أشياء ليس لها تفسير لا شرعي ولا عقلي، حركات موهمة تجعل المريض يتعلق بالأسباب ولا يتعلق بالله عز وجل، مثال ذلك: بعض الرقاة إذا رقى يلوي اليد من الخلف، وأنا رأيت بعض هؤلاء الرقاة، فقلت له: لماذا تلوي اليد من الخلف؟ قال: جربتها، قلت: أهل البدع يقولون: جربنا، والمشركون يقولون: جربنا، وعباد الأوثان يقولون: جربنا، فمجرد أنك جربت تقوم وتلوي يد المريض خلف ظهره؟! هذا ما يصلح، لكن اقرأ القرآن، وضع يدك على موضع الألم، إذا كنت لا تقرأ على امرأة شابة.. ونحو ذلك ضع يدك على موضع الألم، افعل أسباب الشرع، أما أن تلوي اليد من الخلف وبحركات أشبه بحركات المجانين هذه ما لها تفسير لا شرعي ولا عقلي.
وآخرون مثلاً: يلتزمون حركة معينة، مثل: الضعط الشديد على الساعد، أو الضغط الشديد على الساق، أو الضغط الشديد على الأصبع، أو حركات متواترة معينة، أو الضرب على موضع معين، أو الضغط على هامة الرأس أو على الرقبة، أو النظر في العين، وهذه آخر موضة سمعتها، يضع القارئ عينه في عين المريض، وهذه حركة ما لها تفسير.
إذاً: هي مدخل للشيطان على هذا القارئ، وآتاني رجل ثقة ممن أعرفهم بالصدق، فقال لي: ذهبت إلى فلان، وفلان هذا أعرفه، وقال لي: من الأمور التي أعملها في الرقية أن أضع عيني في عين المريض، قلت: أنت متأكد، قال: نعم، وأنا إلى الآن لم أتثبت منه شخصياً، وأرجو أن أتمكن من التثبت قريباً وينصح، لكن ما أدري ما تفسيرها، قد يكون جرب، لكن التجربة من عبث الشيطان؛ من أجل أن تتعلق بها أنت ويتعلق بها المريض، فيتركون التوكل على الله عز وجل.
إذاً: ينبغي للقارئ عندما يقرأ على المريض أن يعلق قلب المريض بالله؛ لأنه يقرأ عليه كلام الله، أو يدعو الله عز وجل بأدعية مأثورة مشروعة، فمن هنا يؤثر الأثر البليغ، أما أن يعمل أشياء غير مشروعة، ثم قد تنفع من باب الابتلاء، لكن على حساب دينك، أليس المشرك عابد الوثن يدعي أنه يستفيد من عبادته للأوثان، وأحياناً هذه الأوثان تؤزه إلى الشر وتنطق معه وتحادثه، وتعمل معه أموراً يظن أنه يستفيد منها وهو متوهم.
لذلك أصحاب البدع الآن يزعمون أنهم يستفيدون من دعوة الموتى ومن دعوة الصخور والأشجار والأحجار والآثار والمشاهد والمزارات، لكن الشيطان هو الذي يزين لهم ذلك.
كذلك الذين يعملون أعمالاً غير مشروعة من الرقاة، قد يجدون بعض الفوائد وهي نادرة جداً، لكن تحدث من باب الابتلاء، أو من باب القدر الذي وافق هذا العمل، وهو قدر من الله عز وجل غيبي.
يقوم بعض الرقاة بتشخيص المرض بظواهر على الجسم على سبيل الظن، فكون الراقي يعرف بعض الأمراض من باب القرائن ومن باب غلبة الظن هذا قد يكون مقبولاً، لكن المشكلة أن بعض القراء يستدل بالصداع على أمر معين ويجزم، أقول: إذا كان من باب غلبة الظن فلا حرج، لكن الجزم ما يجوز.
أو يستدل الراقي بما يحدث للمريض من قشعريرة على التشخيص، نعم، القشعريرة في الغالب قرينة على تأثر الإنسان بالقرآن وأنه مصاب بعين أو سحر، أو أي شيء مما أثر فيه، لكن لا على سبيل الجزم بمكان السحر أو نوع المرض، بأن يقول: فيك مس أو فيك سحر جزماً، لكن يقول: هذا ربما يكون علامة على الشيء الفلاني، أرجو ألا يكون في هذا مانع مع التحفظ والاحتراز.
إذاً: كون المريض تحدث له قشعريرة أو فتور في العضو أو نبض القلب أو ما يحدث له من بكاء هذه غالباً علامات على وجود مرض، لكن تشخيص المرض بالتحديد من خلال هذه الأعراض هذا رجم بالغيب، ويوهم المريض ويجعله يبذل أسباباً علاجية على مرض ليس هو مرضه، ويتعب في علاج مرض ليس هو المرض الحقيقي، فربما يتعب في نقض السحر وهو ليس بمسحور، وربما يتعب في علاج رأسه والمرض في قولونه.
كذلك وصل الأمر عند الرقاة أن يشخصوا الأمراض العضوية، يقول: أنت عندك المرض الفلاني، الآن الحمد لله وسائل الطب على أرقى ما يكون، فكون الراقي يشخص المرض العضوي بحيث يذهب المريض ويبني على هذا حكماً، هذا أمر فيه نظر، ويدخل في باب الشعوذة، قد يقول قائل: التجربة أثبتت ذلك، نعم، التجربة غالباً تكون في أمور لها ظواهر ولها قرائن، أما التجربة في أمور غامضة فلا تعطي شيئاً، ثم إن التجربة تتخلف كثيراً، يحدث منها فائدة مرة وتتخلف الفائدة منها عشر مرات، وغالباً يكون صدق التجربة مرة أو مرتين من استحواذ الشيطان على الإنسان، لأن الإنسان توجه إلى الأسباب ولم يتوكل على الله عز وجل، أو بذل الأسباب بطريقة غير مشروعة، فإن الله قد يبتليه بمثل هذه الأمور، ويقول: نجحت التجربة، وأننا جربنا هذه الأمور فصارت نافعة، لكن غالباً يكون هذا من عبث الجن والشياطين بالإنسان، كما أن المبتدع قد يحدث منه مثل ذلك، ويرى أنه على حق وهو على باطل، فإن الله عز وجل أرسل الشياطين إلى الكافرين تؤزهم أزاً، وللمبتدع والفاسق والفاجر نصيبه من ذلك، بقدر إعراضه عن دين الله عز وجل وشرعه.
أخيراً: ما العلاج لمثل هذه الأمور؟ لاشك أن العلاج ميسور، والله عز وجل ما أنزل من داء إلا وجعل له دواء، هذا الدواء عرفه من عرفه وجهله من جهله، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وموضوع العلاج لا يتسع له الوقت، لكن أوجزه لأترك فرصة للأسئلة، وسأركز على أهم الجوانب الشرعية والعملية للعلاج على شكل عناصر رئيسة.
أول علاج لتفادي غوائل وآثار السحر والشعوذة والوقوع فيها: غرس التوحيد في نفوس الناس، التوحيد بمعناه الحقيقي الذي يعمر القلوب بمحبة الله وخشيته ورجائه، الذي يعمر القلوب بالتوكل على الله عز وجل والإنابة إليه، الذي يعمر القلوب بعبادة الله والإحسان في ذلك، العبادة الحقة التي تتحقق بها السعادة، كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك سبحانه، فمن وصل إلى هذه الدرجة حماه الله، حماه في عقيدته، وحماه في عمله، وحماه في سلوكه، ثم حماه في بدنه ونفسه وقلبه.
فالإنسان إذا عمر قلبه بالعقيدة السليمة الصحيحة، وعمر قلبه بذكر الله وشكره، فإن الله يدفع عنه كل سوء، ولا يضره سحر ولا سم ولا شعوذة ولا عين؛ لأنه بذل الأسباب بإذن الله عز وجل من غرس التوحيد في النفوس، وتغذية القلوب بالتقوى والتوكل.
كذلك أحسن وسيلة: تربية الناس على العقيدة منذ الصغر، الأبناء يجب تغذيتهم بالعقيدة كما يغذون باللبن والغذاء تغذية مركزة، ولا يكتفي الناس بما يدرسه التلاميذ في المدارس، وما يدرسونه فيه خير، لكنهم يدرسونه للامتحانات، وما يدرس للامتحان الغالب لا بركة فيه، فينبغي لكل مسلم أن يغرس العقيدة في أبنائه وبناته وأهل بيته من الكبار والصغار على أسس سليمة، كما كان آباؤنا وأجدادنا وسلفنا الصالح يفعلون.
ثانياً: إقامة الفرائض والواجبات، وأعظم ذلك إقامة الصلاة في الجماعة بالنسبة للرجل على وجهها وفي وقتها لجميع المسلمين، خاصة صلاة الفجر..
كيف نستغرب وجود مثل هذه الأمراض، وكثرة القلق والأمراض النفسية ونحن إذا عرفنا واقعنا في هذا البلد ويعتبر بحمد الله من خير البلاد، وفي هذه المدينة وتعتبر من خير مدن المسلمين، ننظر كم نسبة المصلين إلى نسبة غير المصلين، ثم كم نسبة الذين لا يحضرون الفجر من الذين يحضرون بقية الأوقات، هذا يعني أن هناك خللاً عظيماً، فالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر لا تقام، الصلاة التي يحفظ الله بها المسلم لا تقام.
إذاً: لا نستغرب وقوع مثل هذه الأمراض والغوائل، التي صارت الآن ظاهرة ملفتة في مجتمعنا اليوم.
ثالثاً: الابتعاد عن المنكرات والفواحش وتطهير البيوت من وسائلها، إذا كنا نعرف أن البيت الذي فيه صورة لا تدخله الملائكة، وأنه يفرح به الشيطان ويسكن، والبيت الذي فيه الجرس وفيه الملاهي ووسائل الإعلام المفسدة، والبيت الذي لا يذكر فيه الله إلا قليلاً، وإذا ذكر فيه الله تجد القلوب منصرفة عن ذكر الله، فمعنى هذا أن سكانه من الشياطين أكثر من الملائكة، نسأل الله السلامة والعافية، هذا أمر أخبرنا الله به وهو حق، الناس قد يبتلون أحياناً بضرورات تعم بها البلوى، لكن ليس مقصودي هذا، مقصودي أن أغلب الناس يدخل هذه الشرور بطوعه، فهذا لاشك أنه سيحصد غوائل هذا التصرف، وعلى نفسه جنى، فلا يستغرب أن يوجد السحر والعين والآثار المدمرة في النفوس، والقلق والاضطراب والأمراض النفسية.
رابعاً: الإكثار من تلاوة كتاب الله عز وجل، والإكثار من الذكر والأوراد اليومية؛ فإنها تحمي المسلم بإذن الله، وكتب الأوراد الآن موجودة في كل مسجد، يستطيع أي مسلم أن يطالع الأوراق التي فيها الأوراد الطويلة والموجزة والمختصرة.
لكن أحب أن أنبه إلى أمر فيما يتعلق بالورد، كثيراً ما يأتي بعض المرضى أو الذين يصابون بشيء مفاجئ من عين أو سحر ويقول: كيف أصبت وأنا أتيت بالأوراد، والله عز وجل وعد ووعده صدق وحق؟ نقول: نعم، لكن فتش عن نفسك قد تكون أتيت بالأوراد لكن عملت ما يناقضها، قد عملت كبيرة فاستحوذ عليك الشيطان بعد الورد هذا أمر.
الأمر الآخر: قد يأتي بالورد وقلبه لاه، قلبه في وادي ولسانه يجعجع بالورد، وقد ورد في الحديث أنه لا يستجاب الدعاء من قلب لاه أو قلب ساه.
إذاً: الخلل في الغالب آت من الإنسان، إذا كان قد أورد وما نفعه ورده فالغالب أن الخلل جاء منه، فليفتش عن نفسه، أما وعد الله فلا يمكن أن يتخلف إذا توافرت أسبابه وشروطه، كل وعد وكل خبر عن الله عز وجل لابد أن تتوافر له أسباب وشروط، أو تنتفي الموانع.
خامساً: من الأشياء التي ينفع الله بها، ووردت في السنة أنها تنفع من السحر والسم: أكل سبع تمرات عجوة، وكذلك السعي إلى الرقية الشرعية عند الإصابة بأي قدر من أقدار الله عز وجل، فينبغي الصبر، وكثير من الناس يقرأ يوماً يومين ثلاثة أو أسبوعاً أو شهراً أو شهرين أو سنة فيستعجل الشفاء ويستعجل الفرج، والأمر بيد الله من قبل ومن بعد، فهو سبحانه قد يؤخر للعبد ما هو خير له، لكن وعد الله صادق، ولابد أن يكون الفرج لمن يبذل الأسباب الشرعية بإذن الله، لكن عليه أن يصبر ويبذل الأسباب، ويتأكد من انتفاء الموانع.
فالرقية الشرعية بإذن الله علاج حقيقي للسحر والعين.. وغيرها من الأمراض، بشرط أن تتوافر شروطها.
سادساً: الاحتساب والتعاون في علاج مثل هذه الأمور كثير من المسلمين خاصة في المدن مع الأسف الناس كل واحد مشغول بحاله، لا يعرف حال صديقه ولا جاره ولا قريبه، وهذه ظاهرة سيئة في الحقيقة، فيمرض المريض فلا يجد من يهتم به، وربما يقع السحر ويفتك بالناس، أو تقع العين وتفتك بالأسر بحيث تفرق بين الزوجين وبين الأقارب، وأقاربهم يتفرجون، مع أنه بإمكان كثير من الناس علاج هذه المشكلات، لو تصدى لها من يكون فيه الاحتساب والقدرة، خاصة ما يتعلق بالفرقة بين الزوجين وبين الأقارب، نجد أن مسألة الاحتساب من أقارب المختلفين قليلة، فيجب على الناس أن يتعاونوا، فإذا حدث خلاف بين زوجين فيجب على أقاربهما أن يسعوا للإصلاح، لا تترك القضية تفسد بين الفريقين وتصل إلى القضاء، أو تصل إلى الفراق الذي يشتت الأسرة والأبناء والبنات، ويوقع الناس في أمور تفتك بالمجتمع كله وليس فقط بهذه الأسرة.
فإذاً: من أهم العلاج أن يحتسب الناس فيتعاونوا ويهتموا -خاصة طلاب العلم- بإصلاح أحوال الناس وبإصلاح ذات البين وعلاج المشكلات في مهدها؛ فإن ذلك يجعل الله فيه الخير الكثير، وإصلاح ذات البين من أعظم أبواب الخير وأبواب البر التي نسيها الناس اليوم، لكن أن تفتك المشكلات بالأسر والأقارب والجيران ومن يهمهم الأمر وحتى من طلاب العلم الذين يجب أن يعنوا بأمور مجتمعهم تجدهم يتفرجون، إن جاءهم الناس ولجئوا إليهم ربما يساعدونهم وقد لا يساعدونهم فهذا خطأ.
سابعاً: الابتعاد عن جلساء السوء ومواطن السوء. وهذا أمر مهم جداً، أغلب ما أوقع شبابنا في هذه الأمراض والمشاكل هو جلساء السوء، فينبغي للمسلم أن يختار لنفسه ولذويه من أبنائه وأقاربه ومن يعولهم ومن يتولاهم البيئة الصالحة والجلساء الصالحين، ويهيئ لهم الجو الشرعي المناسب في البيوت وعند الأقارب، وفي جميع الأمكنة التي يرتادونها، وليحذر أن يكونوا من أصحاب الأسواق، فإن الأسواق فيها رايات الشيطان، وكذلك من ذلك العناية بالأبناء والبنات: تحصينهم بالتربية الشرعية الجيدة، وتوفير الوسائل الشرعية التي تحصنهم وتقضي وقتهم فيما ينفعهم، وتصرفهم للخير، وتدفع عنهم الشر، وتدفع عنهم التطلع لما عند الناس من فساد وانحرافات.
ثامناً: التداوي بالأدوية بعد الرقية والأدوية الشرعية، لابد من تناول الأدوية الطبيعية؛ لأن أكثر الأمراض التي يلجأ فيها الناس إلى المشعوذين والسحرة والدجالين.. وغيرهم هي أمراض تعالج بعلاج طبيعي، الطب الحديث والطب الشعبي إذا كان على أيدي ثقات مجربين.
أحياناً بعض الأمراض تحتاج إلى زيادة تشخيص ولا يمكن علاجها إلا عن طريق الطب النفسي، ولا حرج في هذا، من الظواهر غير السليمة في مجتمعنا نفورهم من العلاج والنفسي ومن العيادات النفسية، وهذا غلط، أغلبهم يلجأ إلى الكهنة والسحرة والدجالين ولا يلجأ إلى العيادة النفسية عند طبيب مسلم ثقة؛ للناس مفاهيم خاطئة عن العلاج النفسي يظنون أن العلاج النفسي يعني الجنون، هذه نظرة رديئة عند الناس، وهذا غلط، كذلك كثير من المرضى يظن أن العلاج النفسي إذا تناوله المريض لا يمكن أن يستغني عنه، وهذا غير صحيح، بل يقول الأطباء النفسيين الثقات: إن أغلب علاجات الأمراض النفسية ليست من النوع الذي يعتاده المريض، وأنه بإمكانه إذا شفي أن يستغني عنه، لكن الناس توهموا غير ذلك.
فأقول: لا مانع للإنسان إذا رقى وبذل الأسباب وما وصل إلى نتيجة، أو بقي آثار المرض لا مانع أن يزور العيادة النفسية؛ لأن هذا التداوي مما أباحه الله عز وجل، ومن الذي يحرمه؟ خاصة إذا أثر المرض على عبادة الإنسان ودينه، فلا يجوز له أن يتردد أو يحجم عن زيارة الطبيب النفسي، ولو أن الناس تركوا هذا الوهم الذي عندهم أرى أنه يمكن علاج كثير من الأمراض بإذن الله عن طريق العلاج النفسي والعيادات النفسية، ثم إن كثيراً من الأمراض والحالات النفسية والعقلية والقلبية والعضوية قد يكون سببها مرضاً عضوياً آخر كما هو معلوم، فلا داعي للعجلة في تفسيرها بأنها سحر أو عين، وتوهيم الناس بذلك؛ لأن هذا يوقع في بذل الأسباب غير الشرعية.
نسأل الله للجميع العافية والسلامة.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السؤال: هل يجوز إدخال الخادمة الكافرة إلى المنزل؟
الجواب: الأصل في المسلم أن يبرأ من الكافر براءة تامة، فدخول الكافرة في بيوت المسلمين لا يجوز، والناس يخلطون بين مسألة أهل الذمة الذين كانوا يخدمون في بيوت المسلمين في القديم، وبين الخدم الذي يأتون الآن، الخدم الذين يأتون الآن يأتون بكامل حرياتهم، ويمارسون أمورهم كما يشاءون، لم تحكم عليهم الذلة والصغار، وليسوا أهل ذمة محكومين بأحكام الذمة، كما هو في اليهود والنصارى الذين كانوا بين ظهراني المسلمين وليسوا أرقاء، الآن الذين يأتون ليسوا أرقاء بل هم أحرار، فلذلك يأتون وهم في مركز قوي، الكافر والكافرة إذا جاء إلى هنا يأتي وهو يعتبر نفسه نداً لك أيها المسلم، صحيح أنه يؤخذ عليه شروط احترام تقاليد البلد ودين البلد وهذا أمر طيب، لكن مع ذلك يعتبر نفسه مساوياً لك، فما دامت الخادمة تدخل بهذه الصفة فلا يجوز للمسلم أن يستقدم الخادمة الكافرة في بيته، إضافة إلى ما هو معلوم من الأضرار والشرور المتحققة من وجود الكافرة في بيوت المسلمين، خاصة البيوت التي فيها أطفال صغار.
السؤال: ما حكم ركوب المرأة مع السائق بدون محرم؟
الجواب: الأصل في ذلك التحريم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجل بامرأة إلا والشيطان ثالثهما)، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك أشد النهي، والناس لو لم يوقعوا أنفسهم في بعض الأمور التي تحرجهم لسلموا من هذه الظواهر.
السؤال: في بداية زواجي أصابني مرض نفسي منعني من العشرة الزوجية، واستمر ستة أشهر إلى آخره، وبعون الله تم فك عقدة كذا، ولكن حتى الآن لا يزال عندي بعض الآثار؟
الجواب: بعض الأمور التي ذكرها السائل خصوصية له، وما كان ينبغي أن يذكرها بهذه الصراحة، لكني أذكرها إجمالاً، هو يقول: إنه بحمد الله شفي من بعض الأمور وبقيت عنده بعض الأمور، خاصة فيما يتعلق بسوء العشرة، أقول: هذا راجع إلى عدم معرفة أحكام الحقوق الزوجية بين الطرفين، هذا من جانب، من جانب آخر أن مثل هذا الشخص الذي يعاني من وجود شيء من الصعوبة في العشرة بينه وبين زوجته سواء منه أو منها، هذا يحتاج إلى أن يروض نفسه، ويتعود على الصبر على ما يحدث بينه وبين زوجته، إذ لا يمكن أن تكون العلاقة بين الزوجين صافية صفاء كاملاً؛ لأنهم بشر، ولننظر إلى حال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل الخلق وأكرم الخلق على الإطلاق، وأحسن الناس عشرة مع أهله، ومع ذلك وقع من زوجاته بعض الأشياء التي أغضبته، وهجرهن، ومع ذلك لم يصل الأمر إلى ما وصل عند السائل، فينبغي له أن يتقي الله، وأن يحرص على أن يروض نفسه على حسن الخلق، ويؤدب زوجته بالتأديب الحسن، ويصبر على ما يحدث أحياناً من أمور؛ لأن أغلب شبابنا اليوم يطلبون مثاليات؛ لأنهم يقرءون ويرون الممثلين والممثلات يصورن الحياة على أنها مثالية ودغدغة عواطف وكذا، ما دروا أنهم بشر وأنهم يتعاملون مع بشر، وأن البشر لابد أن يخطئ ويسهو، ويحدث منه شيء من المشاحة والضيق، فلا ينبغي للشباب أن يتصوروا أو يحلموا بالمثاليات في العلاقات الزوجية.
السؤال: إذا كان الشخص مسحوراً فكيف يعرف أنه مسحور؟
الجواب: على أي حال السحر له قرائن ودلالات بحيث يغلب على الظن أنه مسحور، لكن لا يلزم أن يجزم، ويزيل عن نفسه السحر بالرقية والأسباب الشرعية ودعاء الله عز وجل، وباللجوء إليه سبحانه.
السؤال: إنسان يظن أنه مصاب بسحر يمنعه من أداء بعض الأعمال؟
الجواب: يعمل الأسباب الشرعية، يرقي نفسه، من الخطأ عند كثير من الناس أنه يعتقد أنه لا يشفى إلا إذا ذهب إلى رقاة مشاهير، تجده يسأل من هو الراقي المشهور في هذا الحي، نقول: غير صحيح أنه لا يشفى الناس إلا على أيدي هؤلاء، هؤلاء تصدروا للناس وفتحوا أبوابهم، لكن قد تكون قراءة المريض على نفسه أبلغ من قراءة غيره، حتى لو كان عنده شيء من التقصير.
كذلك يظن أكثر الناس أن الرقاة أفضل منهم، لا، ليسوا أصلح دائماً، فينبغي لمن يشعر بشيء من ذلك أن يرقي نفسه أو أهل بيته وجيرانه وإمام مسجده، ويتحرى الصالحين من حوله، لكن أن يسافر ويمتطي المسافات الطويلة ويتعب نفسه ويتعب غيره هذا مما لا أصل له، فينبغي للناس أن يحرصوا على الرقية الشرعية وأن يداوموا عليها ويصبروا، ثم الدعاء مع الرقية، وأن يلجأ إلى الله عز وجل في جميع الأوقات، خاصة في أوقات الإجابة، وأن يحرص على أن يتعهد نفسه، فالإنسان ما يصاب إلا من جراء ذنبه، فلذلك يتعهد نفسه ويقبل على طاعة الله عز وجل، ويحرص على اجتناب الموبقات والآثام، ويحرص على أن يطهر قلبه، ثم يلجأ إلى الله عز وجل بقلب صادق، ويتضرع وليثق بوعد الله وبالفرج القريب.
السؤال: بعض القراء عندما يقرأ على المريض إذا تكلم الجني على لسانه ويخبر بحقيقة المرض هل هذا صحيح؟
الجواب: نعم، صحيح أن الجني يتلبس ويتكلم، لكن إذا تكلم لا ينبغي أن نجزم بأنه صادق في كل شيء، قد نستفيد من كلامه ومعلوماته، لكن لا نعتقدها اعتقاداً كما يفعل بعض الناس، نعم، والعلاج هو الرقية الشرعية.
السؤال: يوجد حديث معناه لا يدخل الجنة راق فهل هذا صحيح؟
الجواب: أنا لا أعرف هذا الحديث، النبي صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على الرقية ورقى غيره ورقاه جبريل ورقته عائشة ، فما يمكن أن يكون هذا الكلام، والله أعلم.
أما السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب فهؤلاء في منزلة عالية، وليسوا هم فقط أهل الجنة، لكن الأخذ بالأسباب مطلوب شرعاً، وأعظم الأسباب وأنفعها الرقية.
السؤال: امرأة تحمل وتأتي بأولاد وبعد أيام يموتون فماذا تعمل؟
الجواب: هذه مسألة قد يعرفها الأطباء، لكن مع ذلك ينبغي أن ترقي نفسها أو يرقيها زوجها بالرقية الشرعية، وأن تبذل الأسباب المادية الأخرى من العلاج الطبيعي؛ لأنه غالباً تكون لأسباب عضوية معروفة يعرفها الأطباء.
السؤال: ما هي الفائدة التي تعود على الساحر جراء ممارسة السحر؟
الجواب: نسأل الله السلامة والعافية، الساحر شيطان، فهو يريد أن يوقع الناس في الفتنة، ثم إنه يستفيد أموالاً، والساحر يؤزه إبليس إلى الفتنة أزاً.
السؤال: كيف لنا دفع السحر قبل وقوعه؟
الجواب: هذا سؤال جيد، نعم، يدفع السحر قبل وقوعه بالأسباب الشرعية كما ذكرت، وأهمها إقامة الفرائض لله، والبعد عن المعاصي، والمواظبة على الأوراد والذكر، هذه أهم الأمور التي بها يحمي الله المسلم ويدفع عنه الشرور.
نسأل الله أن يدفع عنا الشرور، وأن يعافي مرضانا ويشفيهم، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يحمينا من الشرور والآثام والمعاصي، ونسأل الله التوفيق والسداد.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر