إسلام ويب

شرح السنة [22]للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ختم الإمام البربهاري رحمه الله كتابه شرح السنة بذكر جملة من الأصول التي يجب التزامها والعمل بها، وكلها تصب في باب التزام السنة والعمل بها في جميع مسائل الدين، وفي التحذير من البدعة وأصحابها بجميع صورها، فمن كان كذلك ملتزماً بالسنة ظاهراً وباطناً فهو سني، ومن خالف في شيء من تلك الأصول فقد وقع في البدعة بحسب مخالفته وبدعته.
    قال أبو محمد الحسن بن علي البربهاري رحمه الله تعالى: [ وإذا سألك الرجل عن مسألة في هذا الكتاب وهو مسترشد فكلمه وأرشده، وإذا جاءك يناظرك فاحذره، فإن في المناظرة المراء، والجدال، والمغالبة، والخصومة، والغضب، وقد نهيت عن جميع هذا جداً، وهو يزيل عن طريق الحق، ولم يبلغنا عن أحد من فقهائنا وعلمائنا أنه جادل أو ناظر أو خاصم.

    قال الحسن البصري : الحكيم لا يماري ولا يداري في حكمته أن ينشرها، إن قبلت حمد الله وإن ردت حمد الله ].

    التفريق بين من يسأل مسترشداً ومن يسأل متعنتاً

    قول الشيخ رحمه الله: (وإذا سألك الرجل عن مسألة في هذا الكتاب)، ورد في الهامش أنه في نسخة: (في هذا الباب)، ومع ذلك يبدو أن (هذا الكتاب) هي الأرجح وهي المقصودة، ويقصد محتويات الكتاب، وهذا سيأتي مثله بعد قليل أيضاً.

    ويقصد الشيخ محتويات هذا الكتاب؛ لأن هذا الكتاب يعرض أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، والمعنى: إذا جاءك أحد يجادلك أو يسألك عن مسألة مما ورد في هذا الكتاب، من أصول السنة، وهو مسترشد؛ فأصغ له سمعك وأرشده وبيّن له، حتى وإن كان سؤاله يتضمن شبهة أو نحو ذلك، أما إذا جاء يناظر فاحذره، وهذه المسألة أيضاً فيها تفصيل، فقوله: (فاحذره)، يقصد أن عموم القراء ينبغي أن يحذروا من يريد أن يناظرهم في أصول دينهم؛ لأنهم ما استعدوا للمناظرة، ثم إن على الإنسان أن يجيب بالإجابة الحكيمة، يقول: أنا ليس عندي شك في ديني، فأنت إن كان عندك شك فابحث عن غيري، هذا هو الأصل، لكن إذا كان من يطلب المناظرة جاداً ومن طلبت منه المناظرة من أهل السنة متمكناً، فلا بد أن يستجيب لإقامة الحجة والبيان، لكن هذا عزيز جداً، قلَّ أن يوجد من أهل الأهواء من هو في طلبه للمناظرة جاد، وقل أن يوجد من أهل السنة الآن من هو متمكن مستوفية فيه شروط المناظرة والجدل.

    الأصل النهي عن الجدال

    قال رحمه الله تعالى: [ وجاء رجل إلى الحسن فقال: أنا أناظرك في الدين فقال الحسن: أنا عرفت ديني، فإن ضل دينك فاذهب فاطلبه ].

    هذا هو الأصل، وهو النهي عن الجدال، وفتح باب الجدال يبقى استثناء، وهذا أدب الحسن البصري رحمه الله، وهو إمام السنة في ذلك الوقت، وهو من أكابر العلماء ومن أقدرهم على المناظرة، لكن يظهر لي أنه توسم فيمن سيناظر أنه من أهل الأهواء والبدع الذين أرادوا الاستظهار والتعالي والغرور، وإلا فكان الإمام الحسن يفتح صدره ويتسع صدره لمناظرة من يريد الحق.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ (وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً على باب حجرته يقول أحدهم: ألم يقل الله كذا، وقال الآخر: ألم يقل الله كذا، فخرج مغضباً فقال: أبهذا أمرتم أم بهذا بعثت إليكم؛ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟)].

    الحديث صحيح، ومفاده أن الأصل عدم المجادلة، ولذلك حينما أذن الله عز وجل بمجادلة أهل الكتاب كان الإذن بعد النهي: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46] فالنهي هو الأصل، والاستثناء مشروط بأن يكون بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وهي تعني استيفاء شروط الجدل التي سبق الكلام عنها في درس ماض، وهذا هو الذي تدل عليه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان ينهى عن الجدل والمراء في الدين؛ لأن قضايا الدين القطعية غيبية توقيفية، والجدل في الغالب ليس تقريراً، لأن التقرير لا يحتاج إلى جدل، واستشكال المسلم ثم سؤاله للعالم لا يعتبر جدلاً، لأن الجدل هو ما زاد عن مجرد السؤال والجواب، أما إذا اقتصر الأمر على سؤال ثم جواب من قبل عالم فلا بأس، لكن إذا قصد السائل المحاجة وأشعرك بأنه سيرد ما معك من الحق، وأنه مستعد أن يناقشك، فهو جدال.

    والمعنى اللغوي للمجادلة هو: المماحكة والأخذ والرد أكثر من مرة، هذا هو أصل المجادلة، وهو الذي وردت النصوص بالنهي عنه.

    كراهة السلف للجدال

    قال رحمه الله تعالى: [ فنهى عن الجدال، وكان ابن عمر يكره المناظرة، ومالك بن أنس ، ومن فوقه ومن دونه إلى يومنا هذا، وقول الله عز وجل أكبر من قول الخلق، قال الله تبارك وتعالى: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر:4].

    وسأل رجل عمر بن الخطاب فقال: ما الناشطات نشطاً؟ فقال: لو كنت محلوقاً لضربت عنقك ].

    معروف أن الذي أثار هذه المشكلات هو صبيغ بن عسل التميمي ، وصبيغ قصته مشهورة وصحيحة، وهو أنه كان يثير هذه القضايا على شكل شبهات وإشكالات، ويجادل فيها أيضاً، ولما بدأت منه هذه البادرة نهاه أهل العلم فلم ينته، وظل يثيرها بين عامة الناس والأجناد الذين ليس عندهم علم، فلما أصر على هذا رُفع أمره إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما رآه يصر على مثل هذه الأمور جلده، وقال: (لو كنت محلوقاً لضربت عنقك)، يشير بذلك إلى الخوارج، والله أعلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الخوارج.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لا يماري، ولا أشفع للمماري يوم القيامة، فدعوا المراء لقلة خيره) ].

    الظاهر أن الحديث ضعيف جداً، وعبارته تدل على ذلك، فإن فيها ركاكة تدل على أنه موضوع، لكن النهي عن المماراة لا شك أنه ثابت بغير هذا الحديث.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088794138

    عدد مرات الحفظ

    779085580