إسلام ويب

شرح لمعة الاعتقاد [5]للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • رؤية الله عز وجل من المسائل العقدية التي أثبتها أهل السنة والجماعة وأنكرها المبتدعة مع تواتر الأحاديث فيها، ومن المسائل العظيمة التي يختلف فيها أهل السنة مع المبتدعة مسألة القضاء والقدر، فإن أهل السنة يتبعون منهج السلف في ذلك، والمبتدعة من القدرية وغيرهم ينكرون القدر ويدعون أنهم خالقو أفعالهم بأنفسهم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فصل: والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم، ويزورونه ويكلمهم ويكلمونه، قال الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23].

    وقال تعالى: كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]، فلما حجب أولئك في حال السخط دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا وإلا لم يكن بينهما فرق.

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته) حديث صحيح متفق عليه، وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي، فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير ].

    هذا المقطع اشتمل على عدة مسائل من مسائل العقيدة الكبرى:

    المسألة الأولى: مسألة الرؤية، والرؤية المقصود بها نوعان من الرؤية:

    النوع الأول: ما يسمى بالرؤية العامة وهي رؤية الخلائق لربهم يوم القيامة في المحشر.

    النوع الثاني: الرؤية الخاصة، وهي رؤية المؤمنين لربهم في الجنة بأبصارهم.

    أنواع الرؤية في المحشر

    الرؤية الأولى العامة تحدث على ثلاث مراحل، وهي في المحشر كلها:

    المرحلة الأولى: رؤية الخلائق جميعاً لربهم عز وجل على ما يليق بجلاله سبحانه، وهذه الرؤية تكون للمؤمنين رؤية غبطة ولذة وسرور وتنعم، وتكون للكافرين والمنافقين رؤية حسرة وندم، فلا يتمتعون بهذه الرؤية ولا يسرون بها، بل إن رؤيتهم ليست كرؤية المؤمنين.

    المرحلة الثانية: يراه المؤمنون والمنافقون، لكن -كما قلت- تكون هذه الرؤية للمؤمنين رؤية تنعم ورؤية سرور وغبطة، وتكون للمنافقين حسرة وندماً، لأنهم خادعوا الله في الدنيا، فخادعهم في الآخرة.

    وفي هذه المرحلة من الرؤية يراه فيها المنافقون دون بقية الكافرين، وفيها زيادة نكاية بالمنافقين؛ لأنهم كانوا يخادعون الله ويخادعون المؤمنين في الدنيا، فأراد الله عز وجل أن يطمعهم ليترقبوا النجاة، وتتعلق بها نفوسهم، ثم تنقطع عنهم بعد ذلك ويحجبون عن الله عز وجل بعدما أملوا، فيكون هذا أبلغ في عقوبتهم وفي حجبهم عن ربهم عز وجل، وهذا جزاء لهم كما كانوا يخادعون الله في الدنيا، ويخادعون المؤمنين نسأل الله السلامة.

    المرحلة الثالثة: يراه المؤمنون دون أن يراه الكفار ولا المنافقون.

    وهي تؤخذ من عموم أدلة كثيرة استنبطها منها أهل العلم، منها ما هو في الصحاح، ومنها ما هو دون لذلك، لكن أكثرها صحيح.

    فمن مجموع النصوص استنبط العلماء هذه الأنواع الثلاثة من الرؤية، وهي رؤية جميع الخلائق لربهم في المحشر، ثم رؤية المنافقين والمؤمنين، ثم رؤية المؤمنين لربهم فقط، وكل ذلك في المحشر، هذه كلها تسمى رؤية عامة.

    واختلف أهل العلم في نوع هذه الرؤية، هل هي رؤية بصرية أو رؤية قلبية، وما حقيقتها، كل ذلك لا يزال أمر غيب، والله أعلم به، لكنها تختلف عن رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، وهي رؤية خاصة.

    الرؤية الخاصة بالمؤمنين

    أما الرؤيا الخاصة بالمؤمنين فهي أنهم يرون ربهم ويتمتعون بهذه الرؤية ويتنعمون بها، إكراماً من الله عز وجل، نسأل الله أن يجعلنا منهم.

    وهو النعيم الذي ذكره الله عز وجل زائداً عن نعيم الجنة، وهي الزيادة المذكورة في قوله سبحانه: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26].

    وفي قوله عز وجل: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35].

    وقوله سبحانه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23].

    فرؤية المؤمنين لربهم في الجنة بأبصارهم رؤية مقطوع بها، وهي من أركان العقيدة الكبرى وأصولها العظمى الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، وقد وردت في إقرارها وبيانها وإثباتها الآيات التي شرحها النبي صلى الله عليه وسلم وفسرها بذلك، ثم النصوص الأخرى التي هي الأحاديث الصحيحة المتفق عليها، وهي متواترة كما أجمع على ذلك أهل الحديث، أهل السنة والجماعة، كما أنها صريحة في إثبات الرؤية من وجوه:

    أولها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب فيها عن سؤال صريح عن الرؤية، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تحدث لصحابته عن أمور الجنة ونعيمها قالوا: (هل نرى ربنا يوم القيامة؟) أو (في الجنة) كما في بعض النصوص. (قال: نعم).

    الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرر ذلك بإثبات الرؤية العينية فقال: (إنكم سترون ربكم عياناً) وهذا في الحديث الصحيح.

    ثم أثبتها بطريقة ثالثة لا تقبل الجدل ولا التأويل ولا التمحل ولا الرد، قال: (كما ترون الشمس والقمر ليس دونهما سحاب).

    فلا يستطيع عاقل وهو مبصر أن ينكر الشمس أو طلوع الشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب.

    ثم أثبت ذلك بطريقة رابعة وقال: (لا تضامون) وفي رواية: (لا تضامّون) وكلها بمعنى إثبات الرؤية.

    ومعنى (لا تضامون) لا يضيم ولا يجحد بعضكم رؤية بعض، ذلك أن الإنسان لو أنه أنكر عليه الشيء الثابت اعتبر هذا ضيماً بالنسبة له، فلو أن أحدنا خرج في النهار والشمس طالعة، وقال للناس: الشمس طالعة، فقال أحد الناس: لست بصادق؛ لاعتبر هذا ضيماً، وإنكاراً لأمر تشهد به العيون والعقول والأفئدة، ويشهد به الناس جميعاً.

    كما أن قوله: (لا تضامّون) أي: لا تتزاحمون، من وضوح الرؤية وجلائها، ومن عظمة الباري عز وجل لا يحتاج الناس إلى أنهم يتزاحمون لرؤيته يوم القيامة، ولا يحتاج المؤمنون إلى أن يتزاحموا لرؤيته في الجنة.

    قال: (وهذا تشبيه للرؤية لا للمرئي) ويقصد بذلك أننا حينما شبهنا رؤية الله عز وجل برؤية الشمس في رابعة النهار، والقمر في ليلة البدر، فهذا يعني أنه لا مجال لإنكار رؤيتهما، من حيث الوضوح والتأكيد والجزم.

    إذاً: التشبيه هنا تشبيه بالوضوح والجزم، لا تشبيه المرئي وهو الله عز وجل بالمرئي وهو الشمس والقمر، من حيث إن الله عز وجل ليس كمثله شيء، لكن شبهت الرؤية بالرؤية من حيث وضوحها والجزم بها والقطع بها وعدم إنكارها، وأنه لا يسع أحداً من الناس أن يجادل في ذلك، كما لا يمكن لأحد من الناس أن ينكر طلوع الشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب، ولا أن ينكر طلوع القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب، فكذلك ليس لأحد أن ينكر رؤية الله عز وجل من قبل المؤمنين بأبصارهم في الجنة يوم القيامة. نسأل الله أن يمتعنا جميعاً بذلك.

    فإن الله تعالى ليس له شبيه ولا نظير.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089143110

    عدد مرات الحفظ

    782144661