إسلام ويب

شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [25]للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • طالما يستدل أهل الأهواء والبدع بحديث الأعمى على جواز التوسل البدعي، وليس لهم فيه مستمسك، فإنه طلب أمراً مشروعاً من شخص حي حاضر، والنبي صلى الله عليه وسلم أمره بأمور شرعية ليس فيها ألغاز ولا غموض كما هي طريقة أهل البدع في التوسلات وغيرها، والسلف في القرون الثلاثة كانوا على منهج واحد لم يختلفوا في التوسل، ولكن في العصور المتأخرة كثرت الروايات الضعيفة، وأدخل في الدين ما ليس منه، وكثر المتطفلون وذوو المآرب من أهل الأهواء وغيرهم، حتى أحدثوا في العقائد ما ليس منها.
    لا يزال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يتكلم عن مسألة استدلال السلف بالضعيف، وقد ذكر أن السلف رحمهم الله لم يستدلوا في تقرير الدين بالأحاديث الضعيفة، وأنهم إنما يأتون بالأحاديث الضعيفة للاعتضاد لا الاعتماد وذلك بشرط ألا تصل إلى حد الوضع والكذب.

    وذكر أن عندهم في حشد النصوص والآثار مناهج: منهج يعتمدون فيه جمع النصوص بصرف النظر عن تمحيص الصحيح من غير الصحيح، ويتركون العهدة على الرواة، ويتركون الأسانيد لطلاب العلم ليمحّصوا الصحيح من غير الصحيح، وهذا كثير في كتب السنن والمصنفات.

    وهناك كتب جاءت لتقديم الأحاديث الصحيحة واعتمدت ذلك مثل الكتب الصحيحة، هناك كتب اعتمدت على ما يرى أصحابها أنه يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولو بطرق حسنة أو ضعيفة، لكنهم لا يدرجون في كتبهم ما يسمى بالموضوع أو المكذوب، وقد يكون بعض الأحاديث موضوعاً عند شخص وليس بموضوع عند آخر، ويفرّقون بين الجمع والاستدلال، فإنهم إذا استدلوا لا يستدلون إلا بالصحيح، أما إذا جمعوا فإنهم يجمعون ما يرد لهم من الأسانيد، وقد لا يستبعد الواحد منهم إلا ما ثبت عنده أنه موضوع وكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، أما ما عدا هذا -فكما ذكرت- أن هناك طوائف من السلف يجمعون الآثار ويتركون تمحيص الصحيح من غير الصحيح لمن يأتي بعدهم، أو لمن يشتغل بهذا الأمر.

    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ ومن هذا الباب حديث ذكره موسى بن عبد الرحمن الصنعاني صاحب التفسير بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً أنه قال: (من سره أن يوعيه الله حفظ القرآن وحفظ أصناف العلم، فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف، أو في صحف قوارير بعسل وزعفران وماء مطر، وليشربه على الريق، وليصم ثلاثة أيام، وليكن إفطاره عليه، ويدعو به في أدبار صلواته: اللهم إني أسألك بأنك مسئول لم يسأل مثلك ولا يسأل، وأسألك بحق محمد نبيك، وإبراهيم خليلك، وموسى نجيك، وعيسى روحك وكلمتك ووجيهك) وذكر تمام الدعاء.

    و موسى بن عبد الرحمن هذا من الكذابين.

    قال أبو أحمد بن عدي فيه: منكر الحديث.

    وقال أبو حاتم بن حبان : دجال يضع الحديث، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتاباً في التفسير جمعه من كلام الكلبي ومقاتل .

    ويروى نحو هذا دون الصوم عن ابن مسعود من طريق موسى بن إبراهيم المروزي حدثنا وكيع عن عبيدة عن شقيق عن ابن مسعود .

    و موسى بن إبراهيم هذا قال فيه يحيى بن معين : كذاب.

    وقال الدارقطني : متروك.

    وقال ابن حبان : كان مغفلاً يلقن فيتلقن فاستحق الترك.

    ويروى هذا عن عمر بن عبد العزيز عن مجاهد بن جبر عن ابن مسعود بطريق أضعف من الأول.

    ورواه أبو الشيخ الأصبهاني من حديث أحمد بن إسحاق الجوهري : حدثنا أبو الأشعث ، حدثنا زهير بن العلاء العتبي حدثنا يوسف بن يزيد عن الزهري ، ورفع الحديث قال: (من سره أن يحفظ فليصم سبعة أيام، وليكن إفطاره في آخر هذه الأيام السبعة على هؤلاء الكلمات).

    قلت: وهذه أسانيد مظلمة لا يثبت بها شيء ].

    مع ضعف الأسانيد يلاحظ أيضاً نكارة المتون، ففي المتون معان ومطالبات ومتطلبات لا تستاغ، وليس عليها نور النبوة ولا الحكمة أيضاً، فليست من جنس كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا من جنس كلام الصحابة؛ لأن فيها خلطاً بين التكهنات والتخرصات، وبين تعليق الأمور على ما لا تعلق به الأمور مثل الاتكال على غير الله عز وجل.. فهذه المعاني يدرك بعدها ونشازها بمجرد النظر العقلي، فضلاً عن أن تكون من الحكم أو من المعاني التي يؤبه بها.

    بيان أن رواية بعض المصنفين للحديث الضعيف لا يعني الاحتجاج به

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد رواه أبو موسى المديني في أماليه، وأبو عبد الله المقدسي ، على عادة أمثالهم في رواية ما يروى في الباب، سواء كان صحيحاً أو ضعيفاً، كما اعتاده أكثر المتأخرين من المحدثين، أنهم يروون ما روي به الفضائل، ويجعلون العهدة في ذلك على الناقل، كما هي عادة المصنفين في فضائل الأوقات والأمكنة والأشخاص والعبادات.

    كما يرويه أبو الشيخ الأصبهاني في فضائل الأعمال وغيره، حيث يجمع أحاديث كثيرة لكثرة روايته، وفيها أحاديث كثيرة قوية صحيحة وحسنة، وأحاديث كثيرة ضعيفة وموضوعة وواهية.

    وكذلك ما يرويه خيثمة بن سليمان في فضائل الصحابة، وما يرويه أبو نعيم الأصبهاني في فضائل الخلفاء في كتاب مفرد، وفي أول حلية الأولياء.

    وما يرويه أبو الليث السمرقندي وعبد العزيز الكناني وأبو علي بن البناء وأمثالهم من الشيوخ، وما يرويه أبو بكر الخطيب وأبو الفضل بن ناصر وأبو موسى المديني وأبو القاسم بن عساكر والحافظ عبد الغني .. وأمثالهم ممن له معرفة بالحديث، فإنهم كثيراً ما يروون في تصانيفهم ما روي مطلقاً على عادتهم الجارية؛ ليعرف ما روي في ذلك الباب لا ليحتج بكل ما روي، وقد يتكلم أحدهم على الحديث ويقول: غريب، ومنكر، وضعيف. وقد لا يتكلم ].

    وهؤلاء الذين كتبوا على المنهج الأول الذي ذكرته -أعني مجرد الجمع- ليس عندهم اهتمام بتمحيص الروايات ودراسة أسانيدها وتبيين الصحيح من الضعيف، وإن بيّنوا فليس ذلك هو الغالب، نعم قد يقول أحدهم عند حديث من الأحاديث: هذا صحيح أو هذا ضعيف أو شاذ أو منكر لكن لا يلتزم هذه القاعدة، فهم إذاً ليس عندهم إلا مجرد الجمع، وليس كل ما جمعوه يعتبر عندهم صحيحاً ولا حجة، ولا يلزم أن يكونوا أقروه، بمعنى أنهم يروون ويتركون العهدة على الرواة، بل إن عمل كثير من هؤلاء الأئمة والمحدثين على غير مقتضى ما رووه في كثير من الأمور التي فيها شيء من البدع أو فيها شيء من المخالفات للسنة، فإنهم يلتزمون السنة، هذا بالنسبة لأعمالهم وعباداتهم، لكن فيما يروونه لا يقصدون به إلا الحشد والجمع، بخلاف الصنف الثاني الذين سيذكرهم الشيخ، وهم الذين يروون من الحديث ما يرون الاحتجاج به.

    الأئمة الذين يروون الحديث لبناء الأحكام عليه

    قال رحمه الله تعالى: [ وهذا بخلاف أئمة الحديث الذين يحتجون به ويبنون عليه دينهم، مثل مالك بن أنس ، وشعبة بن الحجاج ، ويحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الله بن المبارك ، ووكيع بن الجراح ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وعلي بن المديني ، والبخاري ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، وأبي داود ، ومحمد بن نصر المروزي ، وابن خزيمة ، وابن المنذر ، وداود بن علي، ومحمد بن جرير الطبري ..، وغير هؤلاء، فإن هؤلاء الذين يبنون الأحكام على الأحاديث يحتاجون أن يجتهدوا في معرفة صحيحها وضعيفها وتمييز رجالها.

    وكذلك الذين تكلموا في الحديث والرجال ليميزوا بين هذا وهذا لأجل معرفة الحديث كما يفعل أبو أحمد بن عدي ، وأبو حاتم البستي ، وأبو الحسن الدارقطني وأبو بكر الإسماعيلي ، وكما قد يفعل ذلك أبو بكر البيهقي ، وأبو إسماعيل الأنصاري ، وأبو القاسم الزنجاني ، وأبو عمر بن عبد البر ، وأبو محمد بن حزم وأمثال هؤلاء..، فإن بسط هذه الأمور له موضع آخر.

    ولم يذكر من لا يروي بإسناد مثل كتاب وسيلة المتعبدين لـعمر الملا الموصلي ، وكتاب الفردوس لـشهريار الديلمي ..، وأمثال ذلك فإن هؤلاء دون هؤلاء الطبقات، وفيما يذكرونه من الأكاذيب أمر كبير.

    والمقصود هنا، أنه ليس في هذا الباب ].

    يقصد باب التوسل البدعي.

    قال رحمه الله تعالى: [ والمقصود هنا، أنه ليس في هذا الباب حديث واحد مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُعتمد عليه في مسألة شرعية باتفاق أهل المعرفة بحديثه، بل المروي في ذلك إنما يعرف أهل المعرفة بالحديث أنه من الموضوعات.. إما تعمداً من واضعه، وإما غلطاً منه ].

    هذه في الحقيقة خلاصة كافية، والشيخ سيكررها أيضاً وسيستدل تفصيلاً على أن التوسلات البدعية التي يتدرع بها أهل الأهواء والبدع قديماً وحديثاً ليس فيها حديث واحد مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقوم دليلاً على ما قالوه، فضلاً عن أن يكون هناك حشد من الأدلة كما زعموا، كذلك فيما يتعلق بآثار السلف في التوسل البدعي يقول الشيخ: إن أكثرها ضعيفة، كما سيأتي في الفقرة التالية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089177181

    عدد مرات الحفظ

    782462786