إسلام ويب

شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [32]للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ترتكز العبادة على أصلين عظيمين: أولهما: ألا يعبد إلا الله وحده، والثاني: أن يعبد الله بالشرع والاتباع، لا بالهوى والابتداع، وأن يكون العمل خالصاً لله تعالى لا يشوبه رياء ولا شرك ولا بدعة، فمن عبد الله ولكنه يصرف نوعاً من العبادة لغير الله، كالحلف والذبح أو الطواف أو غير ذلك، فما حقق أصلي العبادة التي أرادها الله تعالى من العبد.
    قبل أن نبدأ أحب أن أنبه إلى أن الشيخ هنا يتكلم في نوع الشفاعة، ثم ما يتعلق بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن هناك فرقاً بين التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبين التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد موته.

    وقال: إن التوسل به بعد موته على النحو الذي يعمله أهل البدع وسيلة إلى الوقوع في الإشراك، كما أشركت النصارى بالمسيح واليهود بالعزير، ووقعوا في الشركيات حتى عند قبور الأنبياء والصالحين، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يُطرى بمعنى أن يُقدّس أو يعظّم بأعظم مما يحق له، أي أن يوصف بصفات الله عز وجل أو يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله.

    ثم ذكر الخلاصة في قوله: وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان:

    أحدهما: ألا نعبد إلا الله، والثاني: ألا نعبده إلا بما شرع.

    ثم فرّع على هذه المسألة، ولنبدأ الآن بقراءة المقطع.

    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان:

    أحدهما: أن لا نعبد إلا الله، والثاني: أن لا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بعبادة مبتدعة.

    وهذان الأصلان هما تحقيق: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، كما قال تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2].

    قال الفضيل بن عياض رحمه الله: أخلصه وأصوبه.

    قالوا: يا أبا علي ، ما أخلصه وأصوبه؟

    قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً.

    والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة، وذلك تحقيق قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110].

    وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه: اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً.

    وقال تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21].

    وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ر).

    وفي لفظ في الصحيح: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

    وفي الصحيح وغيره أيضاً يقول الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء، وهو كله للذي أشرك).

    ولهذا قال الفقهاء: العبادات مبناها على التوقيف، كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أنه قبّل الحجر الأسود، وقال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك) ].

    هذا مثال لمعنى التوقيف، وهذه العبارة تستعمل كثيراً، وهي عبارة صحيحة وسليمة، لكن أكثر الناس قد لا يفقه معناها بالتفصيل، أي أنه كثيراً ما يقول أهل العلم: هذه المسألة توقيفية، هذا الأمر توقيفي، هذا الحكم توقيفي، ويقصدون بذلك أنه محصور على ما ورد في الشرع، لا يجوز استمداده من غير الشرع، والدين كله توقيفي، لكن التوقيف له حدان، يرجع هذان الحدان إلى نوع التشريع أو نوع الحكم الشرعي، فإذا كان الأمر الشرعي يتعلق بأمر غيب أو بأصول الاعتقاد أو الأحكام القطعية مثل الحلال القطعي والحرام القطعي، أو بضوابط الشرع مثل: (إنما الأعمال بالنيات)، ومثل: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فهذه الأصول كلها توقيفية.

    والجانب الآخر هو أيضاً توقيفي، لكنه توقيفي في أصله وليس في فرعه، بمعنى أنه توقيفي في حكمه وليس في تطبيقه، وأعني بذلك النصوص والقواعد الشرعية التي يكون استخراج الأحكام منها اجتهادياً، أي أن إرجاع الصور وأفعال البشر إلى هذه القواعد هو الاجتهادي، فهو توقيفي من حيث الأصل واجتهادي من حيث التطبيق؛ لأن التطبيق يتنازع العلماء أحياناً في إرجاعه إلى أصل من الأصول.

    والحاصل أن أحكام الشرع كلها حتى الاجتهادية منها راجعة إلى الأمور التوقيفية، لكن من حيث إلحاق أفعال البشر بالأصول هذا هو الاجتهادي، فإذا نزلت نازلة من النوازل اجتهد العلماء في إلحاقها بالأصول التوقيفية، فهذا يلحقها بالأصل الفلاني، وذاك يلحقها بالأصل الفلاني، وذاك يلحقها بالدليل الفلاني.. فمن هنا كان استمداد الأحكام من النصوص هو الاجتهادي، أما القواعد والأصول فكلها توقيفية.

    إذاً: الدين كله توقيفي، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)؛ لأن الدين كله موقوف على ما ورد في الوحي مما جاء عن الله تعالى وصح عن رسوله صلى الله عليه وسلم.

    إذاً: معنى (توقيفي) أن الدين كله إنما يستمد من الوحي -أي من الكتاب والسنة- لا من غيره.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والله سبحانه أمرنا باتباع الرسول وطاعته، وموالاته ومحبته، وأن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما، وضمن لنا بطاعته ومحبته محبة الله وكرامته، فقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، وقال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور:54]، وقال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [النساء:13]، وأمثال ذلك في القرآن كثير.

    ولا ينبغي لأحد أن يخرج في هذا عما مضت به السنة، وجاءت به الشريعة، ودل عليه الكتاب والسنة، وكان عليه سلف الأمة، وما علمه قال به، وما لم يعلمه أمسك عليه، ولا يقف ما ليس له به علم، ولا يقول على الله ما لم يعلم؛ فإن الله تعالى قد حرّم ذلك كله ].

    في هذا الكلام يشير الشيخ إشارة واضحة إلى الذين استباحوا التوسلات البدعية، وأجازوها أو توسعوا فيها فضلاً عن الشركية؛ لأنه يقول هنا: كل ما قلتموه ليس له دليل من الكتاب والسنة، وربما تكون عندكم أدلة مشتبهة، والدليل المشتبه لا تقوم به الدلالة، ويرجع إلى الأصل، والأصل إنما هو قواعد الشرع التي تقوم على تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولا يمكن تحقيق الشهادتين إلا بسلامة الاعتقاد وسلامة التوجه والبعد عن البدع، فهو بهذا يرد عليهم رداً تأصيلياً يوقفهم على نصوص الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة، وأن قولهم هذا لا يرجع إلى علم ولا إلى أثارة من علم، إنما إلى شبهات وأدلة مشتبهات، والأدلة المشتبهات لا تعتبر أدلة؛ لأنه لا يجوز أن يعمل الإنسان بمبدأ يعبد الله به إلا بدليل صريح من الكتاب والسنة..

    وهذا لا يتأتى في جميع بدع أصحاب التوسلات، فإنه ليس عندهم أدلة، وإن وجدت شبهات أو أدلة مشتبهة فدلالتها غير صريحة، ومن هنا يسقط الاستدلال بها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088800831

    عدد مرات الحفظ

    779125426