وإذا قال القائل: أسألك بحق فلان، أو بجاهه، أي: أسألك بإيماني به، ومحبتي له، وهذا من أعظم الوسائل.
قيل: من قصد هذا المعنى فهو معنى صحيح، لكن ليس هذا مقصود عامة هؤلاء ].
يظهر لي أن في المعنى شيئاً من الغموض يحتاج إلى بيان.
يقول: قال القائل: أسألك بحق فلان، والمثال أكثر ما ينطبق على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا سأل السائل ربه عز وجل، وقال: اللهم إني أسألك بحق رسولك أو بجاهه، فقد يقصد معنى صحيحاً على وجه بعيد جداً؛ لكن هذا المعنى بعيد لا يدل عليه اللفظ، لكن نقول: نظراً لأن مقاصد الناس لا يعلمها إلا الله عز وجل، وهذا اللفظ يحتمل هذا المعنى، وهو أن السائل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بحق النبي أو بجاهه أراد إيمانه وتصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقول: من قصد هذا المعنى فإنه معنى صحيح، لكن يبعد أن تقصد إيمانك بالنبي صلى الله عليه وسلم وتسميه جاه الرسول صلى الله عليه وسلم أو حق الرسول، كيف تسمي إيمانك حق النبي صلى الله عليه وسلم؟ نعم هو حق له من حيث إنه يجب التصديق والإيمان والمحبة له صلى الله عليه وسلم، لكن السؤال بهذا الشيء وبهذا اللفظ بعيد جداً، ولذلك فالوجه الصحيح لمن يريد هذا المعنى أن يقول: اللهم إني أسألك بحبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بإيماني به صلى الله عليه وسلم، أو باتباعي له صلى الله عليه وسلم.. فإنه يحق له ذلك، لكن هذه اللفظة يبعد أن يقصد بها هذا المعنى الذي ذكره الشيخ، ولذلك يبدو لي أنه ساق هذا من باب الاحتياط؛ لئلا يوجد أحد من الصالحين أو من أهل السنة، أو من العلماء المقتدى بهم قال هذا اللفظ ويقصد هذا المعنى، وهو معنى قد يرد لكنه بعيد جداً ولا يسوّغ استعمال هذه العبارة؛ لأنها إلى المعنى المبتدع أقرب، وهي إلى الاشتباه أيضاً أقرب؛ فيجب اجتنابها.
وكان ابن مسعود يقول: اللهم أمرتني فأطعت، ودعوتني فأجبت، وهذا سحر فاغفر لي.
ومن هذا الباب حديث الثلاثة الذين أصابهم المطر، فأووا إلى الغار وانطبقت عليهم الصخرة، ثم دعوا الله سبحانه بأعمالهم الصالحة، ففرّج عنهم وهو ما ثبت في الصحيحين.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا خالد بن خراش العجلاني وإسماعيل بن إبراهيم قالا: حدثنا صالح المري عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: دخلنا على رجل من الأنصار وهو مريض ثقيل، فلم نبرح حتى قُبض، فبسطنا عليه ثوبه، وله أم عجوز كبيرة عند رأسه، فالتفت إليها بعضنا، وقال: يا هذه احتسبي مصيبتك عند الله، قالت: وما ذاك، مات ابني؟ قلنا: نعم، قالت: أحق ما تقولون؟ قلنا: نعم، فمدت يديها إلى الله فقالت: اللهم إنك تعلم أني أسلمت وهاجرت إلى رسولك رجاء أن تعقبني عند كل شدة فرجاً، فلا تحمل علي هذه المصيبة اليوم، قال: فكشفت الثوب عن وجهه فما برحنا حتى طعمنا معه.
وروى في كتاب الحلية لـأبي نعيم أن داود عليه السلام قال: بحق آبائي عليك، إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فأوحى الله تعالى إليه: يا داود! وأي حق لآبائك علي؟.
وهذا وإن لم يكن من الأدلة الشرعية فالإسرائيليات يُعتضد بها، ولا يُعتمد عليها ].
بهذه المناسبة؛ لأن هذه قاعدة عظيمة أشار إليها الشيخ يغفل عنها كثير من طلاب العلم اليوم خاصة مع كثرة الطاعنين في مناهج السنة، وهي مسألة إيراد مثل هذه الآثار الإسرائيلية أو الأحاديث الضعيفة عند الاستدلال على بعض المسائل.
وقد ظهرت أيضاً عندنا هذه الشنشنة من جديد في بعض شبابنا المفتونين، وهي اتهام السلف بأنهم يعتمدون في الاستدلال على الإسرائيليات والأحاديث الضعيفة والحكايات التي لا أصل لها، وأن كتبهم مليئة بهذه الآثار التي لا أصل لها، حتى أوهم أحدهم في مذكرة انتشرت بين الناس اليوم أن كثيراً مما استدل به السلف في أصول الدين ومناهج السلف العلمية والعملية تقوم على هذا المنهج الخاطئ في الاستدلال، وأوهم أن السلف ليس عندهم في تقرير الدين والدعوة إليه ومحاجة الخصوم إلا حشد هذه الآثار الضعيفة إلا القليل.
أقول: لا شك أن هذه فرية، وما كان ينبغي أن تنطلي على مسلم فضلاً عن طالب علم، وهي فرية ليست جديدة بل قديمة، قال بها أهل الأهواء والبدع منذ نشأت الأهواء والبدع.
وأقول: إن السلف فعلاً قد يستدل أحدهم بالإسرائيليات، أو بالحكايات الضعيفة، أو بالأحاديث الضعيفة في معرض الاستدلال على قضية ما من قضايا الدين، لكن كيف كانوا يستدلون، وهل كانوا يستدلون بهذه الأحاديث الضعيفة على مسائل الدين المهمة؟ لا، فالثابت والمتقرر والذي عليه جميع علماء السنة المعتبرين أنهم لا يستدلون في قضية من قضايا الدين القطعية أو أصل من أصول السنة التي اتفقوا عليها إلا بدليل صحيح من القرآن أو السنة أو مما أجمع عليه السلف، لكن بعد الاستدلال بذلك قد يحشدون هذا النوع من الأدلة الإسرائيلية والضعيفة من باب الاعتضاد لا من باب الاعتماد، مثل ما تحشد الجيوش من الأقوياء الشجعان المدربين وممن دونهم من الضعاف والجبناء أحياناً من باب تكثير القوة أمام الخصم، فلا أعرف قضية من قضايا الدين اعتمد فيها السلف على أحاديث موضوعة ولا ضعيفة، أو حكايات إسرائيلية أو تاريخية أبداً، وأقول ذلك جازماً، ولذلك فإن بعض المسائل التي استدل بها بعض أهل العلم المعتبرين بحديث ضعيف، اعتبرها الآخرون من الشذوذ في الرأي ومن الزلّات، والزلّات ليست عقائد للأمة، نعم قد يستدل بعض العلماء بأشياء ضعيفة ويعتقدها ويجزم بها، لكن هل هذا منهج الجميع؟ لا، بل هذه تعتبر من الزلّات التي يقع فيها البشر وليس أحد معصوماً إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، أما المنهج الذي عليه سلف الأمة الاعتقادي والعلمي والعملي فليس فيه ما يستدل به بحديث ضعيف أو دلالة محتملة قطعاً..
وبعض هؤلاء الذين كتبوا -وقرأت أنا بعض مقالاتهم في ذلك- أعلم أنهم يعلمون أنهم كاذبون؛ لأني ناقشت بعضهم منذ سنين ليست بالبعيدة، وعرفت أنه يحيط بهذه المسائل، لكن الهوى يجعله يكذب، فعندما زعم أن السلف عمدتهم الأحاديث الضعيفة، هو يدري أن ذلك ليس في الأصول والعقائد، وحينما زعم أن السلف يستدلون بالأحاديث الضعيفة والإسرائيليات هو يعلم أنهم لم يستدلوا بها إلا بعد تأكيد القضية بدليل قطعي صحيح، وأن حشدهم للأحاديث الضعيفة من باب الاعتضاد لا الاعتماد، ولا مانع من ذلك؛ لأن الحديث الضعيف فيه احتمال أن يكون صحيحاً، وكذلك حكايات التاريخ والإسرائيليات فيه احتمال أن تكون صحيحة.
أما الحديث الموضوع فلا يستدلون به، إلا أن يرى أنه ليس بموضوع.
والله تعالى لا يُقسم عليه بشيء من المخلوقات، بل لا يقسم بها بحال، فلا يقال: أقسمت عليك يا رب بملائكتك، ولا بكعبتك، ولا بعبادك الصالحين، كما لا يجوز أن يُقسم الرجل بهذه الأشياء، بل إنما يُقسم بالله تعالى بأسمائه وصفاته؛ ولهذا كان السنة أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته، فيقول: أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، وأسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. (وأسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك) الحديث كما جاءت به السنة، وأما أن يسأل الله ويُقسم عليه بمخلوقاته فهذا لا أصل له في دين الإسلام.
وكذلك قوله: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم، وجدك الأعلى، وبكلماتك التامات.
مع أن هذا الدعاء الثالث، في جواز الدعاء به قولان للعلماء ].
الدعاء الثالث لا يقصده كله، فهو ذكر ثلاثة أدعية الأول: أقسمت عليك يا رب بملائكتك، هذا لا يجوز.
والثاني: أسألك بأن لك الحمد ونحو ذلك، فهذا جائز.
والثالث: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك، هذا اشتمل على دعاء جائز ودعاء فيه خلاف.
أما الجائز منه فقوله: وباسمك الأعظم وجدك الأعلى وبكلماتك التامات، لكن يبقى: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك.. فهذه فيها تفصيل، أولاً: ما معنى (معاقد العز من عرشك)؟ فإذا عرفنا معناها عرفنا هل يجوز الدعاء بها أو لا يجوز، فهي من الألفاظ المحتملة؛ لأن معاقد العز قد يقصد بها مواطن العز من العرش، ومواطن العز من العرش قد يقصد بها ما يتعلق بذات الله، فمن هنا يجوز الدعاء.
وقد يقصد بها ما يتعلق بالمخلوق وهو العرش، فمن هنا لا يجوز الدعاء بها.
كلمة (بمعاقد العز من عرشك) من الكلمات الغامضة، ولذلك لا ينبغي الدعاء بها وإن أُثرت عن بعض السلف لأنهم يقصدون معنى صحيحاً لا يرد في أذهان الناس اليوم بعدما ضعفت اللغة العربية عندهم وقل فقههم لها، فأكاد أجزم أن أكثر الذين يدعون بمثل هذا الدعاء يقصدون معنى فاسداً في مفهوم (معاقد العز من عرشك).
قال الشيخ أبو الحسين القدوري في كتابه المسمى بشرح الكرخي: قال بشر بن الوليد سمعت أبا يوسف قال: قال أبو حنيفة : لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به ].
يعني إلا بالله عز وجل.
قال رحمه الله تعالى: [ وأكره أن يقول: بمعاقد العز من عرشك أو بحق خلقك.
وهو قول أبي يوسف ، قال أبو يوسف : معقد العز من عرشه هو الله ].
إذاً هذا تفسير لمعقد العز على أن المقصود به مواطن العز المتعلقة بأفعال الله، أو المقصود بها أفعال الله تجاه العرش، وهذا أمر غامض لا ندري ما المقصود به فلذلك كرهه هؤلاء الأئمة أبو حنيفة وأبو يوسف .
قال رحمه الله تعالى: [ قال أبو يوسف : معقد العز من عرشه هو الله فلا أكره هذا، وأكره أن يقول: بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت والمشعر الحرام.
قال القدوري : المسألة بخلقه لا تجوز؛ لأنه لا حق للمخلوق على الخالق، فلا يجوز يعني وفاقاً، وهذا من أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما يقتضي المنع أن يُسأل الله بغيره ].
أبو يوسف حينما فسّر معقد العز من العرش ما يتعلق بالله عز وجل أجازه، لأنه فسّره بمعنى يتعلق بالله، يعني بصفة الله عز وجل أو بفعل الله، فأجازه لأنه سؤال بالله، لكن ومع ذلك يبقى كما قلت: معقد العز يحتمل أن يقصد به المخلوق وليس الله عز وجل؛ لأن المعقد هو الموطن أو المحك، أو الفعل وهذه كلها محتملة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وهذا من أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما يقتضي المنع أن يُسأل الله بغيره، فإن قيل: الرب سبحانه وتعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته، وليس لنا أن نُقسم عليه إلا به، فهلا قيل: يجوز أن يُقسم عليه بمخلوقاته، وأن لا يُقسم على مخلوق إلا بالخالق تعالى؟
قيل: لأن إقسامه سبحانه بمخلوقاته من باب مدحه والثناء عليه وذكر آياته، وإقسامنا نحن بذلك شرك إذا أقسمنا به لحض غيرنا أو لمنعه أو تصديق خبر أو تكذيبه.
ومن قال لغيره: أسألك بكذا؛ فإما أن يكون مقسماً فهذا لا يجوز بغير الله تعالى، والكفارة في هذا على المقسم، لا على المقسم عليه، كما صرح بذلك أئمة الفقهاء، وإن لم يكن مقسماً فهو من باب السؤال، فهذا لا كفارة فيه على واحد منهما.
فتبين أن السائل لله بخلقه إما أن يكون حالفاً بمخلوق، وذلك لا يجوز، وإما أن يكون سائلاً به، وقد تقدم تفصيل ذلك.
وإذا قال: بالله افعل كذا، فلا كفارة فيه على واحد منهما، وإذا قال: أقسمت عليك بالله لتفعلن أو والله لتفعلن فلم يبر قسمه لزمت الكفارة الحالف، والذي يدعو بصيغة السؤال فهو من باب السؤال به.
وأما إذا أقسم على الله تعالى مثل أن يقول: أقسمت عليك يا رب لتفعلن كذا، كما كان يفعل البراء بن مالك وغيره من السلف، فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره).
وفي الصحيح أنه قال، لما قال أنس بن النضر : (والذي بعثك بالحق لا تُكسر ثنية
وهذا من باب الحلف بالله لتفعلن هذا الأمر، فهو إقسام عليه تعالى به، وليس إقساماً عليه بمخلوق.
وينبغي للخلق أن يدعوا بالأدعية الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة، فإن ذلك لا ريب في فضله وحسنه، وأنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ].
ولهذا لما ذكر العلماء الدعاء في الاستسقاء وغيره ذكروا الصلاة عليه، لم يذكروا فيما شُرع للمسلمين في هذه الحال التوسل به، كما لم يذكر أحد من العلماء دعاء غير الله والاستعانة المطلقة بغيره في حال من الأحوال، وإن كان بينهما فرق فإن دعاء غير الله كفر، ولهذا لم ينقل دعاء أحد من الموتى والغائبين لا الأنبياء ولا غيرهم عن أحد من السلف وأئمة العلم، وإنما ذكره بعض المتأخرين ممن ليس من أئمة العلم المجتهدين، بخلاف قولهم: أسألك بجاه نبينا أو بحقه، فإن هذا مما نُقل عن بعض المتقدمين فعله، ولم يكن مشهوراً بينهم ولا فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل السنة تدل على النهي عنه كما نُقل ذلك عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما.
ورأيت في فتاوى الفقيه أبي محمد بن عبد السلام قال: لا يجوز أن يتوسل إلى الله بأحد من خلقه إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم إن صح حديث الأعمى، فلم يعرف صحته.
ثم رأيت عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما من العلماء أنهم قالوا: لا يجوز الإقسام على الله بأحد من الأنبياء، ورأيت في كلام الإمام أحمد أنه في النبي صلى الله عليه وسلم لكن قد يخرّج على إحدى الروايتين عنه في جواز الحلف به، وقد تقدم أن هذا الحديث لا يدل إلا على التوسل بدعائه، ليس من باب الإقسام بالمخلوق على الله تعالى، ولا من باب السؤال بذات الرسول كما تقدم.
والذين يتوسلون بذاته لقبول الدعاء وعدلوا عما أمروا به وشرع لهم، وهو من أنفع الأمور لهم إلى ما ليس كذلك، فإن الصلاة عليه من أعظم الوسائل التي بها يستجاب الدعاء، وقد أمر الله بها ].
الجواب: على أي حال مثل هذه المسائل من القضايا الكبيرة المنهجية التي لا يجوز لطلاب العلم التغافل عنها أو التساهل فيها، فيجب أن تتظافر الجهود أولاً في الرد على أصحابها بالأسلوب المناسب.
وأغلب الذين بدءوا يثيرون مثل هذه الأفكار في مسائل الاعتقاد أغلبهم حدثاء، وأيضاً ليسوا من طلاب العلم الذين يثق الناس فيهم ثقة شرعية مطلقة، فلذلك ينبغي تجاهل أسمائهم؛ لأنهم جزء من حزب الشيطان، والشيطان إذا استعيذ منه تعاظم، فأخشى أن يتعاظموا بذكر أسمائهم، فلذلك ينبغي الرد على أفكارهم بأسلوب علمي موضوعي مركز، ولا يحقر أحد منكم نفسه عن مثل هذا العمل؛ لأن الأفكار التي بدءوا يثيرونها أفكار ناسفة قوية، وشبهات من لم يكن عنده فقه في دين الله عز وجل ينجرف تجاهها، وأنا لاحظت من بعض من ينتسبون لطلاب العلم، خاصة الذين تخرجوا من الكليات الشرعية أنهم ضحية هذا الاتجاه؛ وسمعت أن طوائف من هذا الصنف قالوا بلسان الحال وبعضهم بلسان المقال: إن ما أثاره هؤلاء ضد السلف معقول، فما الذي عندكم نرد عليه؟! وقد سمعتها بنفسي من إنسان ما كنت أتصور أن تنطلي عليه مثل هذه الأمور؛ ولذلك قلت إنهم يثيرون قضايا ناسفة، والإنسان الذي ليس عنده اطلاع تدخل في قلبه وتؤثر على تفكيره، فيحتاج الأمر إلى بسط هذه المسائل أمام الناس ونشرها، وحماية المجتمع من غوائل هذا الانحراف بكل وسيلة متاحة مشروعة، وعدم التعلق بالأشخاص أو ذكر أسمائهم؛ لأن هذا يؤدي إلى التعصب لهم، ويؤدي إلى تعاظمهم؛ لأن الذين يثيرون هذه الفتنة بين المسلمين ليسوا ممن يكرهون الكلام فيهم، بل يرغب أن تتكلم فيه، حتى لو قلت لبعضهم: إنه زنديق يفرح بها؛ لأنه ليس عنده في الزندقة مشكلة، فالزندقة عنده شعار للحرية والخروج عن المألوف، ومعارضة الاتجاه الذي يراه غير سليم.. إلى آخره.
فلذلك ينبغي الرد على هذه الأصول الخاطئة وهذه الانحرافات بالتأصيل الشرعي، وبالإشارة إلى الرأي المخالف على لغة: (ما بال أقوام) كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل؛ لأن بعضهم ممن وقع دون قصد فلا ينبغي التشهير به، وبعضهم وقع بقصد فلا ينبغي إشهار اسمه والدعاية له بهذه الصورة.
فأقول: لا يجوز لأحد من طلاب العلم أن يتساهل في هذا الأمر، ويجب أن تسهموا في رد هذه الشبهات جزئياً أو كلياً بأي جهد؛ لأنها بدأت الآن تسير بالناس سير النار في الهشيم.
الجواب: الأمر ينبغي أن يكون باعتدال لا إفراط ولا تفريط، فإذا رأيت إنساناً من عادته أن يطلب الدعاء كثيراً من الآخرين فيجب أن تنصحه، كما تفعل بعض الجماعات، فمن سمتهم التي يتواصون بها طلب الدعاء من الآخرين، وهذا لا ينبغي أن يكون منهجاً، أما أن يحدث لمناسبة دون أن يتكرر من الشخص كثيراً فلا بأس، كأن يحدث في ظرف مناسب ومكان مناسب وزمان مناسب، مع شخص له اعتباره في الصلاح والاستقامة، فإذا كان يحدث قليلاً فلا حرج فيه، كما هو مقتضى السنة، ووارد عن السلف، بل ورد في أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان في بعضها ضعف، لكن الأصل مما اتفق عليه السلف كما ذكر شيخ الإسلام في هذا الكتاب القيم الذي قرأناه.
نسأل الله للجميع التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر