إسلام ويب

شرح العقيدة الطحاوية [13]للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لا يعلم كيفية الله وصفاته إلا هو سبحانه وتعالى، وإنما نعرفه سبحانه بصفاته، وما خاض الناس فيه بغير ما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة فإنما هو أوهام وتخرصات، وإثبات الصفات لله هو منهج أهل السنة والجماعة، لكنه إثبات لها بما لا يشابه صفات المخلوقين، فهو سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وصفاته جل وعلا صفات كمال لا يلابسه نقص، وكما أنه سبحانه لا يشبه شيئاً من مخلوقاته فكذلك لا يشبهه شيء من مخلوقاته.
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قوله: (ولا إله غيره):

    هذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلها، كما تقدم ذكره.

    وإثبات التوحيد بهذه الكلمة باعتبار النفي والإثبات المقتضي للحصر؛ فإن الإثبات المجرد قد يتطرق إليه الاحتمال؛ ولهذا -والله أعلم- لما قال تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [البقرة:163]، قال بعده: لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]؛ فإنه قد يخطر ببال أحد خاطر شيطاني: هب أن إلهنا واحد، فلغيرنا إله غيره، فقال تعالى: لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:163]].

    ذكر ما قيل في تقدير الخبر في كلمة التوحيد

    قال رحمه الله تعالى: [وقد اعترض صاحب المنتخب على النحويين في تقدير الخبر في: لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:163]، فقالوا: تقديره: لا إله في الوجود إلا الله، فقال: يكون ذلك نفياً لوجود الإله، ومعلوم أن نفي الماهية أقوى في التوحيد الصرف من نفي الوجود، فكان إجراء الكلام على ظاهره والإعراض عن هذا الإضمار أولى.

    وأجاب أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي في (ري الظمآن)، فقال: هذا كلام من لا يعرف لسان العرب، فإن (إله) في موضع المبتدأ على قول سيبويه ، وعند غيره اسم لا، وعلى التقديرين فلابد من خبر للمبتدأ، وإلا فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسد، وأما قوله: إذا لم يضمر يكون نفياً للماهية؛ فليس بشيء؛ لأن نفي الماهية هو نفي الوجود، لا تتصور الماهية إلا مع الوجود، فلا فرق بين لا ماهية ولا وجود، وهذا مذهب أهل السنة، خلافاً للمعتزلة، فإنهم يثبتون ماهية عارية من الوجود، و(إلا الله) مرفوع بدلاً من (لا إله)، لا يكون خبراً لـ(لا)، ولا للمبتدأ. وذكر الدليل على ذلك].

    سبب الخلاف في تقدير الخبر في كلمة التوحيد

    هناك كلام لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز أورده المحقق في الهامش، وأحب أن أشير قبل ذكره إلى السبب في الخلاف في تقدير المضمر أو في تقدير الخبر في مسألة لا إله إلا الله، أو: لا إله غيره.

    فسبب الخلاف في هذه التقديرات ناشئ عن مذاهب الناس في التوحيد.

    فالباطنية والفلاسفة وغلاة المتكلمين يقدرون العبارة هكذا: لا إله موجود، وهذا تقدير ناشئ عن تصورهم أن غاية ما يمكن أن يثبت لله من التوحيد هو إثبات الوجود، وما يستلزمه من لوازم أخرى عند المتكلمين.

    وطائفة أخرى -ومنهم أغلب المتكلمين، وبعض من ينتسب للسنة- قدروا التقدير الثاني، ولم يذكره هنا ولكنه أشار إليه، فقالوا بأن المقصود تقدير الخالق، أي: لا إله خالق وموجد أو رب غير الله.

    وهناك تقدير ثالث أيضاً قال به بعض المتكلمين، وهو: (لا إله إلا الله) بلا تقدير، فقالوا: لا داعي للتقدير، فنفوا الإلهية عن غير الله تعالى مطلقاً، وهذا قريب من الحق، لكن لا يتم به المعنى اللغوي؛ لأنه لا يتم المعنى اللغوي إلا بتقدير.

    فلذلك الذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة أن تقدير الكلام: لا إله بحق، أو لا إله حق، أو معبود بحق، فكلها عبارات متقاربة صحيحة، لا إله معبود بحق، أو لا إله حق، أو لا إله بحق إلا الله؛ لأنه ليس المقصود مجرد نفي الآلهة؛ لأنه يوجد في البشر من يعبد آلهة غير الله، وإن كانت آلهة لا تستحق العبادة، لكنها موجودة، إذاً: فنفي الوجود لآلهة غير الله ينافي الواقع؛ لأن هناك من يعبد غير الله ويزعم أنه إله.

    وكذلك نفي الماهية، وهو نفي الإلهية مطلقاً دون أن تقيد لا معنى له ولا يتم به المعنى اللغوي.

    وكذلك تقدير المتكلمين بأنه لا إله خالق أو رازق أو مدبر، أو لا إله يستحق الربوبية غير الله، فهذا تقدير ناقص؛ لأنه ليس المقصود نفي الربوبية؛ لأن نفي الربوبية عن غير الله مما يعترف به المشركون، يعترفون بأنه لا رب -أي: لا رزاق ولا خالق- إلا الله، إنما جاء النفي في الرد على المشركين، أي: نفي المعبودين من دون الله سبحانه، وهذا هو الذي نزل من أجله القرآن؛ لأن الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وأول ركائز الهدى: الدعوة إلى توحيد الله في العبادة، وهو الذي نازع فيه المشركون، بل نازعت فيه جميع الأمم التي خالفت الأنبياء، نازعت في طاعة غير الله وفي عبادة غير الله، وجعلت غير الله معبوداً من دون الله، وجعلت غير الله مطاعاً من دون الله، فلذلك جاء القرآن للرد عليهم، ولتقرير الإلهية بمعنى العبودية لله سبحانه وتعالى.

    إذاً: إذا قيل: لا إله غيره. فالمعنى: لا إله يعبد ويستحق العبادة إلا الله سبحانه وتعالى.

    تعليق ابن باز على ما قيل في تقدير الخبر في كلمة التوحيد

    وقبل أن نستكمل بقية الشرح يناسب أن نقرأ ما نقل هنا من تعليق الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى.

    قال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز حفظه الله تعليقاً على هذا الكلام من شرح الطحاوية: [ما قاله صاحب المنتخب ليس بجيد، وهكذا ما قاله النحاة وأيده الشيخ أبو عبد الله المرسي من تقدير الخبر بكلمة (في الوجود)، ليس بصحيح؛ لأن الآلهة المعبودة من دون الله كثيرة وموجودة، وتقدير الخبر بلفظ (في الوجود) لا يحصل به المقصود من بيان أحقية ألوهية الله سبحانه وبطلان ما سواها؛ لأن لقائل أن يقول: كيف تقولون: لا إله في الوجود إلا الله، وقد أخبر الله سبحانه عن وجود آلهة كثيرة للمشركين، كما في قوله سبحانه: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ [هود:101]، وقوله سبحانه: فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً [الأحقاف:28] الآية؟!

    فلا سبيل إلى التخلص من هذا الاعتراض، وبيان عظمة هذه الكلمة، وأنها كلمة التوحيد المبطلة لآلهة المشركين وعبادتهم من دون الله إلا بتقدير الخبر بغير ما ذكره النحاة، وهو كلمة (حق)؛ لأنها هي التي توضح بطلان جميع الآلهة وتبين أن الإله الحق والمعبود الحق هو الله وحده، كما نبه على ذلك جمع من أهل العلم، منهم: أبو العباس ابن تيمية ، وتلميذه العلامة ابن القيم وآخرون رحمهم الله.

    ومن أدلة ذلك قوله سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62]، فأوضح سبحانه في هذه الآية أنه هو الحق، وأن ما دعاه الناس من دونه هو الباطل، فشمل ذلك جميع الآلهة المعبودة من دون الله من البشر والملائكة والجن وسائر المخلوقات.

    واتضح بذلك أنه المعبود الحق وحده، ولهذا أنكر المشركون هذه الكلمة وامتنعوا من الإقرار بها؛ لعلمهم بأنها تبطل آلهتهم؛ لأنهم فهموا أن المراد بها نفي الألوهية بحق عن غير الله سبحانه؛ ولهذا قالوا جواباً لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما قال لهم: (قولوا لا إله إلا الله): أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، وقالوا أيضاً: أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات:36].

    وما في معنى ذلك من الآيات، وبهذا التقرير يزول جميع الإشكال ويتضح الحق المطلوب. والله ولي التوفيق].

    قال رحمه الله تعالى: [وليس المراد هنا ذكر الإعراب، بل المراد دفع الإشكال الوارد على النحاة في ذلك، وبيان أنه من جهة المعتزلة، وهو فاسد؛ فإن قولهم: في الوجود ليس تقييداً؛ لأن العدم ليس بشيء، قال تعالى: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا [مريم:9]، ولا يقال: ليس قوله: (غيره)، كقوله: (إلا الله)؛ لأن (غير) تعرب بإعراب الاسم الواقع بعد (إلا)، فيكون التقدير للخبر فيهما واحداً، فلهذا ذكرت هذا الإشكال وجوابه هنا].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088801668

    عدد مرات الحفظ

    779131654