وقبل الشروع فيما بقي من كلام المؤلف فيما يتعلق بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم أشير إلى مراد الشارح بقوله: [وهل يقاوم هذا الدليل على نفي علو الله تعالى على خلقه الأدلة الصحيحة الصريحة القطعية على علو الله تعالى على خلقه...].
فهذا الكلام متصل بالحديث الذي أخرجه البخاري ، وقد سبق له ذكره، حيث قال: [وأما ما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تفضلوني على يونس)، وأن بعض الشيوخ قال: لا يفسر لهم هذا الحديث حتى يعطى مالاً جزيلاً، فلما أعطوه فسره بأن قرب يونس من الله تعالى وهو في بطن الحوت كقربي من الله ليلة المعراج، وعدوا هذا تفسيراً عظيماً].
فكأنه هنا قصد الإشارة إلى أن المعراج ثابت، وأن النبي صلى الله عليه وسلم عرج إلى ربه حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وأنه قرب من ربه، فكل ذلك ثابت بصرف النظر عن كلام هذا المبطل من شيوخ الصوفية، فثبوت المعراج وأن النبي صلى الله عليه وسلم عرج -بمعنى: صعد إلى فوق-، وأنه قرب من ربه سبحانه وتعالى؛ هذا فيه إثبات العلو.
إذاً: فالعلو لله تعالى علو حقيقي، وليس مجرد علو القدر، وهو كمال لله سبحانه وتعالى، فله علو القدر وعلو الذات، فأراد بهذا أن يستدل على نفاة العلو بالمعراج؛ فإنه دليل قاطع على إثبات العلو، ولا يمكن تفسيره ولا تأويله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرج بروح وجسمه إلى أن وصل إلى سدرة المنتهى فكان قاب قوسين أو أدنى.
قال رحمه الله تعالى: [قوله: (وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى، بالحق والهدى، وبالنور والضياء):
أما كونه مبعوثاً إلى عامة الجن فقد قال تعالى حكاية عن قول الجن: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ [الأحقاف:31]، وكذا سورة الجن تدل على أنه أرسل إليهم أيضاً].
قال رحمه الله تعالى: [قال مقاتل : لم يبعث الله رسولاً إلى الإنس والجن قبله، وهذا قول بعيد؛ فقد قال تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ [الأنعام:130]، والرسل من الإنس فقط، وليس من الجن رسول، كذا قال مجاهد وغيره من السلف والخلف].
كلام مقاتل له احتمال آخر غير ما فهم من كلام الشارح، فكلام مقاتل له احتمالان:
احتمال أن يقصد أن الله سبحانه وتعالى لم يرسل إلى الجن رسولاً أبداً إلا محمداً صلى الله عليه وسلم.
واحتمال أنه يقصد أن الله تعالى لم يرسل إلى الجن رسلاً من الإنس إلا محمداً صلى الله عليه وسلم، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يبلغون بطرق أخرى، فإذا كان هذا قصده فهو وارد، وهو قول بعض أهل العلم كما يأتي فيما بعد؛ لأن الكلام هنا مبهم.
فالحاصل أن مقاتلاً ربما لا ينفي الرسالة إطلاقاً، إنما ينفي الرسالة المشتركة بين الجن والإنسان قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله تعالى: [وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الرسل من بني آدم، ومن الجن نذر].
هذا القول لا يختلف مع القول الذي قبله، إلا أنه أكثر تفصيلاً وأرجح، فقول مجاهد ما أشار فيه إلى النذر، إنما أشار إلى أن الرسل من الإنس، وعلى هذا فإن الجن تبع للإنس، بمعنى: أن الجن مكلفون بأن يسمعوا رسل الإنس ويطيعوهم ويأخذوا تعاليمهم ويأخذوا الدين الذي جاءوا به كما أرسلوا إلى الإنس. هذا مفهوم قول مجاهد .
وأما ابن عباس فقد ذكر زيادة هي مقتضى النصوص، وهي أنه ليس الجن مكلفين باتباع رسل الإنس فحسب، بل إن الله جعل منهم نذراً بمثابة المصلحين، يسمعون كلام رسل الإنس ثم يبلغون أقوامهم، كما أشارت إليه آيات الأحقاف.
قال رحمه الله تعالى: [وظاهر قوله تعالى حكاية عن الجن: إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [الأحقاف:30] يدل على أن موسى مرسل إليهم أيضاً. والله أعلم.
وحكى ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم : أنه زعم أن في الجن رسلاً، واحتج بهذه الآية الكريمة، وفي الاستدلال بها على ذلك نظر؛ لأنها محتملة وليست بصريحة، وهي - والله أعلم - كقوله: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:22] والمراد: من أحدهما].
قول الضحاك بن مزاحم -إن ثبت- ليس عليه دليل، والآية تشير إلى أن الرسل بعثوا للجميع، والآية لها مفهوم قاطع ومفهوم محتمل:
أما المفهوم القاطع فهو أن الرسل أرسلوا إلى الثقلين، وأن الثقلين مكلفون جميعاً باتباع الرسل، وأن الجن أيضاً محاسبون على ما يأتي به الرسل كالإنس، هذا المفهوم القاطع من النصوص، فظاهر قوله تعالى: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ [الأنعام:130] يفهم منه أن الجميع جاءهم الرسل، لكن هل يفهم من الآية على وجه القطع أن قوله تعالى: (منكم) يعني: من كل صنف منكم بعث الله رسلاً؟ أو أن المقصود: منكم جميعاً، أي: من أحدكم، كما قال تعالى في ذكر البحرين: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:22] واللؤلؤ إنما يخرج من البحر المالح؟ وهذا تفسير ظني أيضاً؛ لأنه ثبت في العصور المتأخرة أن اللؤلؤ والمرجان وجدا حتى في البحر العذب، فيكون التفسير هذا غير قاطع، فيبقى الاحتمال وارداً في أن قوله تعالى: مِنْكُمْ [الأنعام:130] يعني: من جنسكم جميعاً، أو من جنس كل صنف منكم.
والظاهر -والله أعلم- أن المقصود بها: من جنسكم جميعاً؛ لأنه خاطبهم بخطاب العموم ثم قال: مِنْكُمْ [الأنعام:130]، ولا نعرف في نص قاطع أن الجن فيهم رسل يخصونهم، بل الظاهر عكسه، حيث يفهم من خبر الجن الذين جاءوا للرسول صلى الله عليه وسلم وشرع لهم، وإشارتهم إلى السابقين قبل، وإشارتهم إلى موسى عليه السلام، وأنهم سمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يشبه الكلام الذي جاء به موسى، كل ذلك يفهم منه بقرائن قوية أن الرسل في الإنس، وأن الجن تبع ويسمعون رسالات الرسل، وأن الجن فيهم نذر، ويؤخذ من ظاهر قوله تعالى: وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف:29] أن هذه الطائفة من الذين سمعوا أنذروا، وهذا الإنذار بمثابة عمل المصلحين الذين ينوبون عن الأنبياء وهم ورثة الأنبياء.
قال رحمه الله تعالى: [وأما كونه مبعوثاً إلى كافة الورى؛ فقد قال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28]، وقال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، وقال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19] أي: وأنذر من بلغه.
وقال تعالى: وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:79]، وقال تعالى: أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ [يونس:2]، وقال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]، وقال تعالى: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ [آل عمران:20].
وقال صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) أخرجاه في الصحيحين.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار) رواه مسلم .
وكونه صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى الناس كافة معلوم من دين الإسلام بالضرورة].
يعني بذلك أن هذا أمر قطعي بتواتر النصوص، فالنصوص في كتاب الله تعالى وفيما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إجماع السلف قاطعة بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث للناس جميعاً، هذا أمر.
الأمر الآخر: أنه معلوم بالضرورة من خلال واقع البشرية أن الله سبحانه وتعالى -وهذا ما يلزم كل عقل سليم- لا يمكن أن يترك البشر بلا إقامة الحجة، فلو لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوثاً لجميع البشر لبعث في الأمم الأخرى أنبياء، ولو لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم للناس جميعاً إلى قيام الساعة لما بقي الناس بلا رسالة إلى يومنا هذا، خاصة الأمم التي ضلت وانحرفت، أو الأمم التي لم تدخل في الإسلام أصلاً ولا تزال تحتاج إلى إقامة الحجة لو لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقام الحجة على الجميع.
ثم إن بقاء القرآن وكونه معجزاً إلى قيام الساعة دليل قاطع على بقاء الرسالة إلى أن تقوم الساعة، وغير ذلك من الأمور التي تدل بالضرورة على أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث للناس جميعاً. هذا أمر.
الأمر الآخر: أن الناس كثر كلامهم قديماً وحديثاً في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهر الأقوال التي قالت بها الأمم ولا يزال يقول بها طوائف من الكفار يمكن أن نلخصها في أربعة:
القول الأول: الذي عليه أكثر الأمم المشركة والكافرة، وهم الذين يقولون بإنكار نبوة النبي صلى الله عليه وسلم إطلاقاً، ولا يلتفتون إلى هذا الأمر، مع أنه يأتيهم من البينات والدلائل ما تقوم به الحجة عليهم، كوجود الإسلام والمسلمين والقرآن، ولكن مع ذلك لا تزال أمم كثيرة من هذه الأمم في الدنيا تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وإن سمعت به.
القول الثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلح من المصلحين، وبه قالت طائفة في الآونة الأخيرة من المستشرقين ومن نحا نحوهم، يقولون بأن محمداً صلى الله عليه وسلم إنما هو رجل مصلح من المصلحين. وهذا يكثر في المستشرقين الذين درسوا تاريخ الإسلام ودرسوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم وجدوا في شخصه ما بهرهم، فلذلك عزوا هذا الدين إلى عبقرية النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: هذا رجل عبقري مصلح داهية توصل بعبقريته ودهائه وذكائه وحسن خلقه ونهجه في الإصلاح إلى هذا الدين الذي زعموا أنه وضعه، وهذا عليه كثير من الغربيين الذين يطلعون على الإسلام اطلاعاً مجرداً من الحقد والعصبية.
وهذا ما تأثر به كثير من الكتاب المحدثين مع الأسف، فأبرزوا جانب العبقرية في النبي صلى الله عليه وسلم زعماً منهم أن هذا انتصار للإسلام، وأنه -أيضاً- تعظيم للرسول عليه الصلاة والسلام، وأغفلوا جانب النبوة، كما فعل العقاد في (عبقرية محمد)، وكما فعل أمثال أحمد أمين وغيره في كتبهم، فإنهم ينزعون إلى هذه النزعة، ويزعمون أنهم بذلك يعظمون النبي صلى الله عليه وسلم حينما يعزون هذا الدين إلى عبقريته وإلى خلقه القوي.
والقول الثالث: قول الذين زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو وصحابته ما هم إلا مجموعة من هواة التسلط والملوك الظالمين الذين تسلطوا على رقاب الأمة، وهذا يوجد في طوائف من اليهود وبعض متعصبة النصارى وبعض المشركين في الأمم الأخرى الذين يحقدون على الإسلام، فلا يعترفون بأنه دين، ويزعمون بأنه ما هو إلا وثبة عربية تزعمها هذا الرجل، فهو عندهم ظالم تسلط على البشر وهيمن دينه على البشرية بهذا الأسلوب.
وهناك قول رابع يقول به طوائف من النصارى، خاصة نصارى العرب، ولا يزالون يقولون به، وهم الذين زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نبي لكنه للعرب خاصة، ولا يزال هناك من الغربيين طوائف كثيرة من النصارى وبعض اليهود يقولون بهذا القول، خاصة دعاة تقريب الأديان ينزعون إلى هذا القول ويدعون إليه، ويزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نبي لكنه للعرب خاصة.
والعجيب أن هذه النظرة يقول بها بعض نصارى العرب من نصارى لبنان ونصارى مصر، يقولون بهذا القول، وهو حجة قاصمة ترتد عليهم؛ لأنه إذا كان النبي أرسل إلى العرب وهم عرب فلم لا يؤمنون؟! وهذه مقولة يلغيها العقل ولا تعتبر من الناحية الموضوعية.
وهذه المقولات كلها يناقشها الشارح ضمناً، لكن سيناقش قضيتين على التفصيل، سيناقش النصارى، وسيناقش الذين قالوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس برسول، بل هو ملك ظالم غشوم، سيناقشهم ويقف عندهم طويلاً فيما بعد.
قال رحمه الله تعالى: [وأما قول بعض النصارى: إنه رسول إلى العرب خاصة فظاهر البطلان، فإنهم لما صدقوا بالرسالة لزمهم تصديقه في كل ما يخبر به، وقد قال: إنه رسول الله إلى الناس عامة، والرسول لا يكذب، فلزم تصديقه حتماً، فقد أرسل رسله وبعث كتبه في أقطار الأرض إلى كسرى وقيصر والنجاشي والمقوقس وسائر ملوك الأطراف يدعو إلى الإسلام].
قال رحمه الله تعالى: [وقوله: (وكافة الورى): في جر (كافة) نظر، فإنهم قالوا: لم تستعمل (كافة) في كلام العرب إلا حالاً، واختلفوا في إعرابها في قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ:28] على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها حال من الكاف في (أرسلناك) ].
معنى أنها حال من الكاف أنها راجعة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الكاف ضمير عائد على النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه يقول: أنت كافة للناس على سبيل المبالغة، كما يقال: داعية، ويقال: داهية، ويقال: راوية، بمعنى داع وراو.
قال رحمه الله تعالى: [أحدها: أنها حال من الكاف في (أرسلناك)، وهي اسم فاعل، والتاء فيها للمبالغة، أي: إلا كافاً للناس عن الباطل. وقيل: هي مصدر كف، فهي بمعنى (كفاً)، أي: إلا أن تكف الناس كفاً، ووقوع المصدر حالاً كثير].
على التقديرين المعنى واحد، يعني: أن تكف الناس، وهذا التقدير مرجوح، والراجح سيأتي.
قال رحمه الله تعالى: [الثاني: أنها حال من الناس. واعترض بأن حال المجرور لا يتقدم عليه عند الجمهور، وأجيب بأنه قد جاء عن العرب كثيراً فوجب قبوله، وهو اختيار ابن مالك رحمه الله، أي: وما أرسلناك إلا للناس كافة].
هذا هو الراجح، وهو مقتضى ظاهر النص، والخروج عنه تكلف، أعني: الظاهر أن المعنى: وما أرسلناك إلا للناس كافة، أي: للناس جميعاً، وإنما قدم وأخر زيادة في التأكيد، ولو تأملنا تأملاً طويلاً في الآية لوجدنا أن تقديم (كافة) فيه مزيد تأكيد للعموم، لكن يحتاج إلى شيء من التأمل.
إذاً: فتقديم (كافة) وإن كان غير معهود عند جمهور اللغويين لكنه معهود عند العرب، ثم إنه هو الوصف الذي يناسب سياق الآية، لأن المقصود بيان عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل قوله تعالى: بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28] يعني: للجميع، والبشارة والنذارة هما من غايات الرسالة بعد تحقيق التوحيد.
قال رحمه الله تعالى: [الثالث: أنها صفة لمصدر محذوف، أي: إرسالة كافة. واعترض بما تقدم أنها لم تستعمل إلا حالاً.
وقوله: (بالحق والهدى وبالنور والضياء) هذه أوصاف ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الدين والشرع المؤيد بالبراهين الباهرة من القرآن وسائر الأدلة.
والضياء: أكمل من النور، قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا [يونس:5]].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر