العرش والكرسي ثابتان لله تعالى بالكتاب والسنة، فيجب إثباتهما والإيمان بهما كما ورد في النصوص، ولا يجوز تأويلهما بأي شيء آخر، بل هما حقيقيان، معناهما معلوم غير مجهول، فالعرش هو سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، وهو سقف المخلوقات، والكرسي قيل: هو موضع القدمين، وقيل: هو بين يدي العرش كالمرقاة إليه، وقيل غير ذلك، فيجب الإيمان بذلك على حقيقته كما يليق بالله جل جلاله.
قال رحمه الله تعالى: [ والعرش في اللغة: عبارة عن السرير الذي للملك، كما قال تعالى عن بلقيس : وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ[النمل:23]، وليس هو فلكاً، ولا تفهم منه العرب ذلك، والقرآن إنما نزل بلغة العرب، فهو: سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، وهو كالقبة على العالم، وهو سقف المخلوقات، فمن شعر أمية بن أبي الصلت :
مجدوا الله فهو للمجد أهل ربنا في السماء أمسى كبيراً
بالبناء العالي الذي بهر النا س وسوى فوق السماء سريراً
شرجعاً لا يناله بصر الع ين ترى حوله الملائك صوراً
الصور هنا: جمع أصور، وهو: المائل العنق لنظره إلى العلو، والشرجع: هو العالي المنيف، والسرير: هو العرش في اللغة.
ومن شعر عبد الله بن رواحة رضي الله عنه الذي عرض به عن القراءة لامرأته حين اتهمته بجاريته:
وقيل: كرسيه علمه، وينسب إلى ابن عباس رضي الله عنهما، والمحفوظ عنه ما رواه ابن أبي شيبة كما تقدم، ومن قال غير ذلك فليس له دليل إلا مجرد الظن، والظاهر أنه من جراب الكلام المذموم، كما قيل في العرش.
وإنما هو -كما قال غير واحد من السلف-: بين يدي العرش كالمرقاة إليه ].
ما روي عن ابن عباس من تأويل الكرسي بالعلم يتعارض مع ما ثبت عن ابن عباس أيضاً من تفسير الكرسي بموضع القدمين، وإذا أخذنا بقواعد التعارض عند السلف فإن هذا القول الأخير لا يحمل عليه تفسير معنى الكرسي، وإنما يكون -إن ثبت- إما تفسيراً باللوازم، وإما تفسيراً بالظن، والنصوص قد تضافرت على أن الكرسي مفسر بأن له حقيقة، وتأويله بالعلم لا يستقيم؛ لأنه وردت في ذلك النصوص متضافرة على أن الكرسي له وجود حقيقي، فإذا ثبتت الرواية عن ابن عباس بهذا وذاك، فالتعارض بين التفسيرين محمول على أن تفسير الكرسي بالعلم من باب التفسير باللوازم أو نحو ذلك من وجوه الجمع التي قال بها السلف.
بيان أن للعرش والكرسي حقيقة
وجملة ما سبق فيما يتعلق بإثبات العرش لله عز وجل وإثبات الكرسي أمر ثابت بالنصوص المتواترة، والشارح رحمه الله أورد حشداً من النصوص وأورد الأشعار والأدلة الأخرى وبعض أقوال أهل العلم كذلك؛ لرد أقوال أهل الكلام الذين تبعوا الفلاسفة فأنكروا الكرسي والعرش أو أولوهما، ولا شك أن المؤول ليس معه أي دليل على التأويل، والنصوص -سواء الآيات والأحاديث الثابتة- كلها تجتمع على ضرورة القول بأن الكرسي والعرش لهما حقيقة، وتأويلهما بأمور معنوية -سواء بالملك أو العلم أو غير ذلك مما ذكره المؤولون- لا يصح، إلا إذا كان من باب التفسير باللوازم، يعني: التفسير ببعض المقتضيات، وأعني بذلك أنه قد يصح أن نقول: من لوازم الإيمان بالعرش أو الإيمان بالكرسي الإيمان بعلم الله عز وجل، وبفوقيته، وبأنه بكل شيء محيط، وبعلوه سبحانه، فهذا من اللوازم الضرورية، وكذلك الإيمان بالملك وأن الله مالك كل شيء.. إلى غير ذلك من المعاني التي تلزم من إثبات العرش والكرسي.
إذاً: فما قد يرد عن بعض السلف من كلمات تفهم التأويل -كما ورد عن ابن عباس - هو من باب التفسير باللوازم، لا تأويل الحقيقة؛ فإن السلف يؤمنون بحقائق أسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله، وسائر الأمور الغيبية التي منها العرش والكرسي.
إذاً: فهذه النصوص -كما ترون- متواترة على أن العرش والكرسي لهما وجود حقيقي، وتفسيرهما بأمور معنوية لا يصح أبداً وليس عليه أي دليل.
الأسئلة
إثبات الصفات بأحاديث الآحاد
السؤال: هل نثبت صفة لله وردت في حديث آحاد؟
الجواب: إذا ثبت الحديث بسند صحيح فإنه يثبت مضمونه حتى وإن تضمن صفة، فلا يلزم في إثبات صفات الله التواتر، مع أن أكثر الصفات التي ثبتت لم ترد في حديث آحاد، والقليل جداً الذي ثبت في حديث آحاد يستقيم مع قواعد وأصول إثبات الصفات لله عز وجل.