قال رحمه الله تعالى: [ قوله: (والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن):
قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63].
الولي: من الولاية -بفتح الواو- التي هي ضد العداوة، وقد قرأ حمزة : ما لكم من ولايتهم من شيء ، بكسر الواو، والباقون بفتحها، فقيل: هما لغتان. وقيل: بالفتح النصرة، وبالكسر الإمارة.
قال الزجاج : وجاز الكسر؛ لأن في تولي بعض القوم بعضاً جنساً من الصناعة والعمل، وكل ما كان كذلك مكسور، مثل: الخياطة ونحوها. ]
الغالب استعمال الولاية بمعنى القرب والنصرة والمحبة، وتستعمل بالفتح، ويغلب استعمالها بالكسر في الإمرة وما يتفرع عنها، فالولاية: الإمرة والسلطة والإمارة ونحوها، والولاية -بالفتح- غالباً تطلق على الحب والنصرة والقرب ونحو ذلك.
وعلى أي حال فالمعنى اللغوي للولاية -كما ذكر الشيخ- هو ضد العداوة، لكنه يعني القرب والنصرة، كما أنه يعني المحبة ولوازمها، ومن لوازم المحبة: القرب والنصرة.
والولاية شرعاً يحسن أن نشير إليها إجمالاً، فالولاية شرعاً تطلق على ثلاثة أمور:
الأمر الأول: ولاية الله لعباده المؤمنين، كما قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:257]، يحبهم، وهو سبحانه حافظهم وناصرهم .. إلى آخر ذلك مما يتبع لوازم الولاية.
الأمر الثاني: الولاية من المؤمنين لربهم، فالمؤمنون هم أولياء الله، يؤمنون به ويحبونه ويطيعونه ويعبدونه حق عبادته ويتقونه، نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم.
الأمر الثالث: ولاية المؤمنين بعضهم لبعض، وهي درجات، وهذه الولاية هي الولاية المقبولة الشرعية.
وهناك ولايات لم يرد ذكرها شرعاً، وهي ولايات غير شرعية، بمعنى: أنها لا تقوم على أساس شرعي، كولاية بعض المسلمين للكافرين، فهذه محرمة، وولاية الكافرين بعضهم لبعض، وولاية الطواغيت والشياطين لبعض بني آدم، هذه كلها ولايات تدخل في مفهوم الولاية الاصطلاحي العام، لكنها ليست ولايات مشروعة، فالولايات المشروعة هي ولاية الله لعباده المؤمنين، وولاية المؤمنين لربهم فهم أولياء الله وأحباؤه، وكذلك ولاية المؤمنين بعضهم لبعض، وهي تتفاوت على درجات وشعب كشعب الإيمان، فكما أن الإيمان يزيد وينقص ويتفاوت؛ كذلك الولاية بين المؤمنين تزيد وتنقص وتتفاوت.
قال رحمه الله تعالى: [ فالمؤمنون أولياء الله، والله تعالى وليهم، قال الله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257]، وقال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ [محمد:11]، والمؤمنون بعضهم أولياء بعض، قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ... [الأنفال:72] إلى آخر السورة، وقال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:55-56].
فهذه النصوص كلها ثبت فيها موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، وأنهم أولياء الله، وأن الله وليهم ومولاهم، فالله يتولى عباده المؤمنين فيحبهم ويحبونه، ويرضى عنهم ويرضون عنه، ومن عادى له ولياً فقد بارزه بالمحاربة ].
ذكر الشيخ أنواع الولاية المشروعة في قوله: فهذه النصوص كلها ثبت فيها أولاً: موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، وثانياً: أنهم أولياء الله، وثالثاً: أن الله وليهم ومولاهم، فالولايات الثلاث الشرعية ذكرها الشيخ بإيجاز هنا.
قال رحمه الله تعالى: [ وهذه الولاية من رحمته وإحسانه، ليست كولاية المخلوق للمخلوق لحاجة إليه، قال تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا [الإسراء:111]، فالله تعالى ليس له ولي من الذل، بل لله العزة جميعاً، خلاف الملوك وغيرهم ممن يتولاه لذله وحاجته إلى ولي ينصره ].
في هذا إشارة إلى شبهة المعطلة والمؤولة من الفلاسفة ثم الجهمية ثم المعتزلة ثم أهل الكلام كالكلابية والأشاعرة والماتريدية، كلهم يشير الشيخ هنا إلى الرد عليهم في أنهم حينما أنكروا الأسماء أو أنكروا الصفات أو بعض الصفات أو بعض الأفعال إنما زعموا أن فيها ما يشير إلى التأثر أو التفاعل بين الخالق والمخلوق بما يؤدي إلى النقص في حق الله عز وجل.
فزعموا أن المحبة تكون لتفاعل بين المحبوبين، وأن التفاعل لا يخلو من حاجة كل واحد منهما إلى الآخر، فمنهم من أنكرها ومنهم من تأولها، وأنكروا الخلة، وأنكروا حتى الرحمة؛ لأنهم زعموا أن الرحمة تنبثق عن تأثر بين طرفين، فكلامه هنا إشارة إلى الرد عليهم، فحينما قال: [ هذه الولاية من رحمته وإحسانه ] أي أنها كمال من الله عز وجل ورحمة وإحسان، ولا تعني أن الله عز وجل يؤثر فيه شيء، أو أنه سبحانه بحاجة، أو أن علاقته بالمخلوقين كعلاقة المخلوقين بعضهم ببعض، فمحبته لأوليائه على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى مع غناه الكامل، ومحبته لعباده لا تعني حاجته إليهم، وإن احتاجوا هم إليه.
قال رحمه الله تعالى: [ والولاية أيضاً نظير الإيمان ]:
هنا سيقرر مسألة مهمة جداً يغفل عنها كثير من الناس، ويمكن أن نضع لها عنواناً، وهو: ثبوت أصل الولاية لكل مؤمن وتفاوت مقدارها، وهذا في أنواع الولاية الثلاثة، وأنواع الولاية الثلاثة كلها أصلها ثابت للمؤمنين والمسلمين عموماً، لكنها تتفاوت في مقدارها بين شخص وآخر بحسب ما عنده من التقوى والعمل الصالح، فمنها ما يكون ولاية كاملة، سواء من العبد لربه أو من الرب لعبده أو من المؤمن للمؤمن، فالمؤمن المتقي الصالح له الولاية الكاملة من الله عز وجل بحسب حاله، وله الولاية من المؤمنين الكاملة، وكذلك هو يتولى الله عز وجل بقدر ما يستطيع، أي: استنفذ جهده في ولايته لربه.
إذاً: فمن هنا يقرر ثبوت الولاية لكل مؤمن بدرجاتها الثلاث، وتفاوت مقدراها أيضاً بدرجاتها الثلاث؛ لأن هناك من يكون له جزء من الولاية، وهناك من يكون أمره بين الولاية والعداوة، وهناك من يكون إلى الولاية الكاملة أكثر وأقرب، بحسب أعمالهم القلبية وأعمال الجوارح.
قال رحمه الله تعالى: [ والولاية أيضاً نظير الإيمان، فيكون مراد الشيخ: أن أهلها في أصلها سواء، وتكون كاملة وناقصة، فالكاملة تكون للمؤمنين المتقين، كما قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:62-64]، فـ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] منصوب على أنه صفة (أولياء الله) أو بدل منه، أو بإضمار (أمدح)، أو مرفوع بإضمار (هم)، أو خبر ثان لـ(إن)، وأجيز فيه الجر بدلاً من ضمير عليهم.
وعلى هذه الوجوه كلها فالولاية لمن كان من الذين آمنوا وكانوا يتقون، وهم أهل الوعد المذكور في الآيات الثلاث، وهي عبارة عن موافقة الولي الحميد في محابه ومساخطه، ليست بكثرة صوم ولا صلاة ولا تملق ولا رياضة.
وقيل (الذين آمنوا) مبتدأ، والخبر: (لهم البشرى) وهو بعيد ].
هنا يشير بهذا إلى طائفتين: إلى طائفة الخوارج الذين تشددوا في الدين وتنطعوا في مواصلة الصوم وفي كثرة الصلاة إلى حد يزيد على المشروع، وظنوا أن ذلك مقتضى الولاية، في حين أنهم خالفوا السنة وأمثالهم ممن تابعهم، فكثير من العباد والنساك بالغوا في العبادة حتى صارت منهاجهم هي أصول التصوف البدعي فيما بعد.
كما أنه يرد على فريق آخر، وهم الصوفية الذين يكتفون من معاني التقوى والعمل الصالح بالشكليات، إما بالرياضة النفسية والتحنث وكثرة التأمل والتفكير مع قلة الأعمال الصالحات، وأحياناً يتركون الأعمال، وإما بالتعبد والتحنث والانتقاء والسياحة الهائمة في الأرض بغير قصد، والإقامة في الزوايا والدويرات دون إسهام في الأعمال الصالحة من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشهود الجمعة والجماعات، وإما بالأشكال، فيلبسون الخرق الممزقة والثياب البالية، ويزعمون أن هذا هو مظهر التقوى، وأنه كاف في تحقيق الولاية! فهذه الأصناف كلها موجودة في الأمة، وكلها أخطأت معنى الولاية، وإلا فلا شك أن من أهم أمور الولاية القيام بحق الله عز وجل في الصوم والصلاة، ثم القيام بالنوافل في حدود المشروع من الصوم والصلاة ونحوهما من الأعمال الصالحة.
قال رحمه الله تعالى: [ وقيل: (الذين آمنوا)، مبتدأ، والخبر: (لهم البشرى)، وهو بعيد؛ لقطع الجملة عما قبلها وانتثار نظم الآية ].
قال رحمه الله تعالى: [ ويجتمع في المؤمن ولاية من وجه وعداوة من وجه، كما قد يكون فيه كفر وإيمان، وشرك وتوحيد، وتقوى وفجور، ونفاق وإيمان، وإن كان في هذا الأصل نزاع لفظي بين أهل السنة ونزاع معنوي بينهم وبين أهل البدع ].
أهل البدع على اختلاف طوائفهم يخالفون أهل السنة في هذه المسائل، وأشهر من خالف أهل السنة هم الخوارج والمرجئة كما ذكرت سابقاً.
فالخوارج يزعمون أن الولاية والعداوة لا تجتمع في شخص، وأن من نقصت ولايته لله عز وجل فإنه لا يستحق رحمة الله سبحانه ولا يكون من المؤمنين، ومن هنا جعلوه كافراً، فحكموا بخلوده في النار في الآخرة، كما أنهم عادوه وجعلوه عدواً خالصاً، وأنزلوا عليه أحكام الكافرين، بل يعادونه أشد مما يعادون الكافرين، ولذلك وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يقاتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، ففي الحديث الصحيح: (يقاتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان)؛ لأنهم يرون أن من نقصت ولايته بارتكاب ذنب انتفت عنه الولاية الكاملة، ووجدت له العداوة الكاملة.
ويقابلهم المرجئة، وهم الذين لا يعولون على العمل الصالح أبداً، يقولون: كل من صدق بالله عز وجل -وبعضهم يقول: من صدق وأقر بلسانه، وبعضهم يقول: من عرف الله- فله الولاية الكاملة مطلقاً؛ لأن الولاية لا تتجزأ.
فالفريقان يقولان بأن الولاية لا تتجزأ، فكما أن الإيمان عندهم لا يتجزأ فلا يزيد ولا ينقص، كذلك الولاية والعداوة عندهم لا تزيد ولا تنقص.
والحق الذي عليه إجماع السلف، والذي قرره الكتاب والسنة أن كل مؤمن وكل مسلم له من الولاية بقدر ما فيه من الخير والإيمان والصلاح، ومن العداوة بقدر ما فيه من التجاوز والانحراف والمعصية، ما لم يأت بما يوجب الردة، فإذا أتى بما يوجب الردة فله العداوة الكاملة كالكافر الخالص، فالكفار الخلص لهم البراء الكامل، ولا تجوز ولايتهم في شيء، كاليهود والنصارى والمشركين والمرتدين، هؤلاء لهم العداوة الكاملة، ولا تجوز ولايتهم في شيء، لا الولاية الدينية ولا الدنيوية التي يفضلون فيها على المؤمنين، ونحو ذلك مما ذكره أهل العلم من صور الولاية، فلا يجوز للكافر أي نوع من أنواع الولاية التي تؤدي إلى الموادة.
وكذلك المؤمن المتقي الصالح له أيضاً الولاية الكاملة، حتى وإن أتى ببعض اللمم، فإن هذا لا ينقص حقه في الولاية، إنما الذي ينقص الولاية هو الكبائر والذنوب العظيمة.
أما ما بين هذين الحدين فإنه يتفاوت بقدر عمل كل مسلم، فكل مسلم له من الولاية بقدر ما فيه من الخير والطاعة والصلاح والاستقامة حتى وإن قلت، وله من البراء والعداوة بقدر ما فيه من المعصية والبدعة، وهذا يعني: أن البراء والعداوة لا يوجهان للشخص نفسه، بمعنى أن ينبذ نبذاً كاملاً، وإنما يكره فيه الشر وتكره فيه المعصية، ولا يتولى فيها أو ينصر عليها .. إلى آخره، فالولاية والعداوة والولاء والبراء لها تفاصيل في الأحكام.
فالبراء الجزئي لا يعني النبذ الكامل، كما أن الولاية الجزئية لا تعني القبول الكامل للشخص، ولذلك يجتمع في أكثر المسلمين وأكثر المؤمنين الولاء والبراء؛ لأن الصالحين منهم قلة؛ ولأن الذين يقعون في الردة -نسأل الله العافية- قلة، فيبقى أكثر الناس في وسط، وإن كانوا يتفاوتون أيضاً بحسب أعمالهم وبحسب مظاهر الصلاح فيهم.
وعلى هذا فإن ولاية المسلم إنما تتعلق بما يظهر منه، ولا يجوز أن نفتش عما في القلوب أو نمتحن الناس، كما يفعل كثير من الذين عندهم قلة فقه في هذه المسألة، فيقول: أنا لا أتولى مسلماً حتى أتثبت من دينه، أو: حتى أمتحنه، فهذه بدعة؛ إذ الأصل ثبوت الولاية للمسلم بمجرد أن تعرف أنه مسلم، وإن ظهر لك منه شيء من البدع والمعاصي، فتكره فيه هذه البدع والمعاصي وتتبرأ منها ومن فعله لها، لكنه يبقى له من الولاية حقه لكونه مسلماً.
ويلحظ أن الشيخ عد بعض الأحناف الذين يقولون بالإرجاء، عدهم في هذه المسألة من أهل السنة، وهو يقصد أن المرجئة يقولون: إن الولاية في أصلها لا تتجزأ، ولا تزيد ولا تنقص، لكن تتجزأ فيما يضاف إليها أو تزيد فيما يضاف إليها من الأعمال الصالحة، فقولهم في الولاية والبراء كقولهم في الإيمان، فكما قالوا بأن الإيمان هو التصديق، قالوا بأن الولاية هي مبدأ المحبة.
وفي الحقيقة قد يكون الخلاف بين أهل السنة والمرجئة في مسألة الولاية والبراء أخف من الخلاف في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه، وفي مسألة حقيقة الإيمان، لكن مع ذلك ليس صحيحاً على الإطلاق أن الخلاف لفظي من كل وجه؛ فإن كثيراً من المرجئة قد لا يهتم بمسألة المعاصي والكبائر، وربما بعضهم يبقى عنده أصل الولاء الكامل للمسلم وإن كان عنده شيء من المعاصي.
فقوله: إن الخلاف لفظي فيه نظر، وإن كان ليس كالنزاع في مسألة الإيمان، فهو أخف بكثير ولا شك.
قال رحمه الله تعالى: [ وإن كان في هذا الأصل نزاع لفظي بين أهل السنة، ونزاع معنوي بينهم وبين أهل البدع كما تقدم في الإيمان، ولكن موافقة الشارع في اللفظ والمعنى أولى من موافقته في المعنى وحده، قال تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106]، وقال تعالى: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، وقد تقدم الكلام على هذه الآية، وأنهم ليسوا منافقين على أصح القولين.
وقال صلى الله عليه وسلم: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر)، وفي رواية: (وإذا اؤتمن خان)، بدل: (وإذا وعد أخلف)، أخرجاه في الصحيحين.
وحديث شعب الإيمان تقدم، وقوله صلى الله عليه وسلم: (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) ، فعلم أن من كان معه من الإيمان أقل القليل لم يخلد في النار، وإن كان معه كثير من النفاق فهو يعذب في النار على قدر ما معه من ذلك، ثم يخرج من النار ].
هذا الكلام فيه عودة إلى تقرير أن الإيمان يزيد وينقص، وكأنه يشير إلى أن الولاية والعداوة كذلك تزيدان وتنقصان، وأن الولاء والبراء يزيدان وينقصان بقدر ما عند الإنسان.
قال رحمه الله تعالى: [ فالطاعات من شعب الإيمان، والمعاصي من شعب الكفر، وإن كان رأس شعب الكفر الجحود، ورأس شعب الإيمان التصديق.
وأما ما يروى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من جماعة اجتمعت إلا وفيهم ولي لله لا هم يدرون به ولا هو يدري بنفس)؛ فلا أصل له، وهو كلام باطل؛ فإن الجماعة قد يكونون كفاراً، وقد يكونون فساقاً يموتون على الفسق ].
قال رحمه الله تعالى: [ وأما أولياء الله الكاملون فهم الموصوفون في قوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:62-64].
والتقوى هي المذكورة في قوله تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177]، إلى قوله: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177]. ]
في هذه الآية ذكر تعالى صفات أهل الولاية الكاملة أهل التقوى الذين قاموا بحق الله عز وجل، ذكر منها عشر خصال: الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب، والإيمان بالنبيين، ثم ذكر بعد ذلك إيتاء المال على حبه، ثم إقامة الصلاة، ثم إيتاء الزكاة، ثم الوفاء بالعهد، ثم الصبر في البأساء والضراء.
فهذه الخصال العشر إذا اجتمعت في إنسان على وجه شرعي فهو صاحب الولاية الكاملة لله عز وجل، نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً من هذه الصنف.
قال رحمه الله تعالى: [ وهم قسمان: مقتصدون ومقربون، فالمقتصدون: الذين يتقربون إلى الله بالفرائض من أعمال القلوب والجوارح.
والسابقون: الذين يتقربون إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته) ].
في هذا الحديث وردت كلمة التردد، وهذه من الأمور التي تكثر إثارتها في الأيام الأخيرة، خاصة عندما أثار بعض الناس هذه المسائل على غير منهج السلف، كمسألة التردد ومسألة الهرولة، وإن كانت الهرولة لها خصوصية أكثر، لكن مثل هذه الأفعال التي وردت في حق الله عز وجل يؤمن بها كما جاءت على ظاهرها على ما يليق بجلاله عز وجل، ومن غير أن يورد المفهوم السلبي الناقص الذي يتبادر أحياناً إلى عقول بعض الناس، فباب الأخبار والأفعال أوسع من مسألة الصفات والأسماء، فليس كل فعل من أفعال الله يقصد به صفة، وليس كل خبر عن الله عز وجل يقصد به صفة، ومن ذلك ما في هذا الحديث.
فمسألة التردد يؤمن بها كما هي خبر عن الله عز وجل على ما يليق بجلاله، مع نفي ما يرد إلى الذهن من معنى التردد عند البشر؛ لأن البشر يتردد عن جهل وعن تقصير وعن ضعف.
فهذا المذكور عن الله تعالى إشارة إلى محبته لوليه، هذا هو المقصود، ومع ذلك لا تؤول كما يصنع المؤول، بل يؤمن بها كما هي وتثبت على حقيقتها كما وردت في السياق، ولكن لا نستنتج منها صفة، فلا يقال: من الصفات التردد؛ لأننا نعرف من السياق أن المسألة راجعة إلى ما بين الرب عز وجل وبين عبده، فإذا كنا نفهم هذا من السياق فإن المفهوم الكامل لهذه العبارة هو أن الله عز وجل يحب عبده ويكره له ما ينغصه، فيبقى اللفظ كما هو من دون أن يقال: إنه صفة؛ لأن إثبات الصفة يلزم منه لوازم أخرى زائدة عن مجرد إثبات السياق بما يكتنفه من قرائن وأحوال ومفهوم في المعنى العام.
ولذلك ما كان السلف يخوضون في هذه الأمور، يقولون: هذا الكلام حق ويبقى على ظاهره، ويثبت على ما يليق بجلال الله عز وجل، فقوله: (ما ترددت في شيء أنا فاعله) هذا كلام الله عز وجل الذي ذكره عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، ويبقى كما جاء من دون أن يؤخذ منه اسم ولا صفة؛ لأنه من باب الأفعال ومن باب الأخبار، والأفعال والأخبار أوسع من الصفات، وهذا يعني أنه ليس كل ما يرد من فعل أو خبر نقول: إنه يثبت منه صفة، وليس كل صفة لله عز وجل يثبت منها اسم، فالأسماء توقيفية، والصفات أوسع منها، والأفعال أوسع من الصفات، والأخبار أوسع من ذلك كله.
قال رحمه الله تعالى: [ والولي: خلاف العدو، وهو مشتق من الولي: وهو الدنو والتقرب، فولي الله: هو من والى الله بموافقته في محبوباته والتقرب إليه بمرضاته، وهؤلاء كما قال الله تعالى فيهم: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
قال أبو ذر رضي الله عنه: لما نزلت الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا
فالمتقون يجعل الله لهم مخرجاً مما ضاق على الناس، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون، فيدفع الله عنهم المضار ويجلب لهم المنافع، ويعطيهم الله أشياء يطول شرحها من المكاشفات والتأثيرات ].
قال رحمه الله تعالى: [ (وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن):
أي: أكرم المؤمنين هو الأطوع لله والأتبع للقرآن، وهو الأتقى، والأتقى هو الأكرم، قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب)، وبهذا الدليل يظهر ضعف تنازعهم في مسألة الفقير الصابر والغني الشاكر وترجيح أحدهما على الآخر، وأن التحقيق أن التفضيل لا يرجع إلى ذات الفقر والغنى، وإنما يرجع إلى الأعمال والأحوال والحقائق، فالمسألة فاسدة في نفسها؛ فإن التفضيل عند الله بالتقوى وحقائق الإيمان لا بفقر ولا غنى، ولهذا -والله أعلم- قال عمر رضي الله عنه: الغنى والفقر مطيتان لا أبالي أيهما ركبت, والفقر والغنى ابتلاء من الله تعالى لعبده، كما قال تعالى: فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ [الفجر:15]، فإن استوى الفقير الصابر والغني الشاكر في التقوى استويا في الدرجة، وإن فضل أحدهما فيها فهو الأفضل عند الله، فإن الفقر والغنى لا يوزنان، وإنما يوزن الصبر والشكر.
ومنهم من أحال المسألة من وجه آخر: وهو أن الإيمان نصف صبر ونصف شكر، فكل منهما لا بد له من صبر وشكر، وإنما أخذ الناس فرعاً من الصبر وفرعاً من الشكر وأخذوا في الترجيح، فجردوا غنياً منفقاً متصدقاً باذلاً ماله في وجوه القرب شاكراً لله عليه، وفقيراً متفرغاً لطاعة الله ولأداء العبادات صابراً على فقره، وحينئذ يقال: إن أكملهما أطوعهما وأتبعهما، فإن تساويا تساوت درجتهما، والله أعلم ].
هذا فيه رد على المتصوفة ومن نحا نحوهم من الذين يزعمون أن الولاية إنما هي الولاية القلبية، وأنه إذا اجتمعت الولاية الكامنة في القلب فقد يستغني الإنسان عن العمل، وقد يترك طلب الرزق، بل هو أفضل له من السعي في طلبه، ولذلك تركوا طلب العيش، وتركوا الجهاد وغير ذلك، والحقيقة أن الأمر -كما ذكر الشيخ- يرجع إلى نفس الإنسان وما آتاه الله من إيمان ومن تقوى وعمل صالح، فإن كان غنياً وهو محسن في العمل فوظف ماله لدين الله عز وجل وفي عمل الخيرات زاده الغنى خيراً، وإن كان فقيراً وصبر زاده الصبر خيراً، ولذلك نجد من أفاضل هذه الأمة من الفقراء عدداً في جميع مراحل التاريخ، وأولهم الصحابة الكبار، فالعشرة المبشرون بالجنة كان منهم الأغنياء ومنهم الفقراء، وفي عموم المهاجرين الأغنياء والفقراء، وكذلك أهل بيعة الرضوان، وفي كل خير، وكذلك من التابعين وتابعيهم بعد عهد النبوة، نجد -مثلاً- من كبار السلف من اشتهر بالغنى، كـعبد الله بن المبارك ، كان غنياً منفقاً، وكان ينفق على قوافل الجهاد وينفق على قوافل الحج، ومع ذلك كان من العباد الزهاد في الوقت نفسه، ومن الأئمة الصالحين والعلماء الكبار والمحدثين.
ونجد في المقابل الإمام أحمد ، فلم يكن غنياً، بل كان ينفر من الدنيا، واعتبر الدنيا محنة أشد عليه من المحنة التي حصلت له في قضية القول بخلق القرآن، وفي كل خير، كل كان إماماً في الدين، فالمسألة مبناها على ما عند الإنسان من التقوى والصلاح والاستقامة.
قال رحمه الله تعالى: [ وحينئذ يقال: إن أكملهما أطوعهما وأتبعهما، فإن تساويا تساوت درجتهما، والله أعلم.
ولو صح التجريد لصح أن يقال: أيما أفضل: معافىً شاكر أو مريض صابر؟ أو مطاع شاكر أو مهان صابر؟ أو آمن شاكر أو خائف صابر؟ ونحو ذلك ].
بقي لنا تعليق على جملة ذكرها الشارح أحب أن أذكره هنا، حيث قال الشارح عن أولياء الله المتقين: [ ويعطيهم الله أشياء يطول شرحها من المكاشفات والتأثيرات ] يقصد أن كثيراً من أولياء الله عز وجل يحدث لهم من الكرامات شيء طيب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد كان فيمن قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فـ
والصوفية قد يقصدون بهذه الأمور معاني بدعية، فقد يقصدون الاطلاع على أمور غيبية، أو تأثيرات فيها مخرقة ودجل وعبث الشياطين بهم يسمونها مكاشفات وتأثيرات، ففرق بين مكاشفات وتأثيرات المؤمنين التي هي نتائج الولاية ومن باب الكرامات، وبين المكاشفات والتأثيرات الصوفية التي هي من عبث الشياطين ومن الدجل والشعوذة.
السؤال: قلت: إن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول يكون من قبيل المتواتر، فكيف ذلك؟
الجواب: التواتر إما لفظي وإما معنوي، فالتواتر المعنوي أن تحتف بأحاديث الآحاد قرائن، أو يتفق مع قواعد أو مع نصوص أخرى، فالتواتر المعنوي بابه واسع يختلف عن التواتر اللفظي، فالتواتر اللفظي يحدث بتواتر السند، أما التواتر المعنوي فهو أوسع من ذلك، فأي حديث آحاد وافق معنى آية أو وافق قاعدة شرعية؛ فإنه يكون فيه تواتر معنوي، حتى وإن كان سنده آحاداً.
السؤال: في الحديث المتفق عليه: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً) هل المقصود بالنفاق النفاق الاعتقادي؛ لقوله: (خالصاً)؟
الجواب: قد يفهم من الحديث هذا، لكن ليس على سبيل الجزم، فبعض أهل العلم وجه الحديث على أن المقصود به النفاق العملي الخالص، وليس النفاق الاعتقادي، ومع ذلك فإنه -والله أعلم- يحتمل الأمرين، غير أنه مختلف فيه بين أهل العلم:
فأما الذين قالوا بأن المقصود به النفاق العملي الخالص وليس الاعتقادي فقد قالوا: إن الخصال التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم -وهي الكذب في الحديث، والغدر، والخيانة، وإخلاف الوعد- كلها من الأمور العملية من كبائر الذنوب، ومهما كثرت الكبائر العملية لا تخرج من الملة، والنفاق الاعتقادي مخرج من الملة.
وأما الذين قالوا بأن النفاق المقصود في الحديث هو النفاق الاعتقادي فقد استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كان منافقاً خالصاً)، وظاهره النفاق الخالص، ثم إنهم وجهوا الاستدلال بقولهم: من اجتمعت فيه هذه الخصال وأكثر منها فإنه لا بد أن يكون فاسد الضمير وفاسد النية وفاسد الاعتقاد؛ إذ لا تجتمع هذه الخصال العملية إلا فيمن خلا قلبه من الإيمان، والله أعلم.
السؤال: ما المقصود بقوله: (من عادى لي ولياً فقد بارزته بالمحاربة)؟ وهل مبارزة الولي من الكبائر؟ وكيف تكون المعاداة؟ وهل من عادى ولياً لا يكون هو ولياً لله لثبوت الوعيد؟
الجواب: يظهر أن الحديث يشمل العداوة الكاملة التي هي عداوة النفاق وعداوة الكفر، ويشمل ما دون ذلك، حتى وإن كان أمراً دنيوياً، فقد يشمله الوعيد، يعني: إذا حدث منه ما يوصف بالعداوة أو العدوان، والعدوان يشمل العدوان الجزئي والعدوان الكلي، فيظهر أن الحديث يشمل جميع هذه الأمور، لكن معاداة الولي درجات.
وقوله: (بارزني بالمحاربة)، هذا من ألفاظ الوعيد، لا يعني المبارزة بالمحاربة التي هي المبارزة بالنفاق والكفر في الضرورة، فالحديث الأظهر أنه شامل للمبارزة التي هي مبارزة الكفر والنفاق ونحو ذلك، ويشمل ما دون ذلك من معاداة أولياء الله، فما يحدث من حسد وما يحدث من بغي وعدوان لأولياء الله يدخل في ذلك.
وأما ولاية من عادى ولياً لله فقد تحصل من وجه، فلا يعني ذلك أن من عادى الولي معاداة ليست كفرية يخرج من الولاية العامة، يعني: قد يكون مسلماً يعادي ولياً من أولياء الله لحسد، أو لشهوة، أو لشبهة أو نحو ذلك، أو لظلم وعدوان، لكن ليس فيه كفر أو نفاق، إنما ضعف إيمانه من هذا الوجه، فعادى ولياً من أولياء الله، فهذا لا يخرج من الولاية العامة، يعني: لا يخرج عن كونه مسلماً، وفيه من الولاية بقدر ما فيه من الطاعة، لكن ليس له الولاية الحقة الكاملة التي خص بها الأولياء المتقون.
السؤال: ذكر الشارح أن المرء قد يكون فيه كفر وإيمان وشرك وتوحيد، فهل يجتمع في الإنسان كفر أكبر مع الإيمان، وشرك أكبر مع التوحيد؟
الجواب: لا يجتمع شرك أكبر مع التوحيد بمعناه الشرعي، فالمراد الذين يكون فيهم إيمان وكفر لا يخرج من الملة، أو شرك ليس مخرجاً من الملة، فقد يكون في الإنسان شرك الرياء، أو الشرك الخفي، أو الشرك الذي ليس بخفي لكنه لا يدخل في الشرك الأكبر، ذلك أن الشرك مراتب، وإن كان الغالب في الشرك عند الإطلاق هو الشرك الأكبر، لكن مع ذلك للشرك مراتب، ومن مراتب الشرك ما يكون من البدع غير المخرجة من الملة، ومن المعاصي القلبية كالرياء والسمعة.
المهم أن الشرك مراتب كما أن الإيمان مراتب، كما أن الكفر مراتب والتوحيد مراتب، فعلى هذا فإن من خرج من الملة بكفر أو شرك لا يكون فيه توحيد ولا إيمان، وكذلك من كان فيه إيمان وتوحيد واستحق ذلك شرعاً فإن كفره وشركه لا يخرجه من الملة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر