إسلام ويب

سلسلة القطوف الدانية قبسات من القرآن والسنةللشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القرآن والسنة أعظم منابع الهداية في الأخلاق والتشريع والاعتقاد، وإذا أخذ المؤمن منها نصاً ونظر فيه بعين البصيرة اقتبس منه كثيراً من الفوائد الدينية والدنيوية.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    المقدم: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه؛ أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

    حديثنا في هذه الليلة سيكون عن مصدري الوحي وعن منبعي الهدى: كتاب الله عز وجل، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

    أما القرآن فهو كلام الله تعالى الكلام الجزل، الفصل الذي ليس بالهزل.. سراج لا يخبو ضياؤه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه، وبحر لا يدرك غوره.. بهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل مقول، وتضافر إيجازه وإعجازه، فالسعيد من صرف همته إليه، ووقف فكره وعزمه إليه.

    وأما السنة فهي بيان له، كما قال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44] .

    الحديث عن كتاب الله عز وجل وعن سنة النبي صلى الله عليه وسلم قد يطول، وأنتم تعلمون أن كل البرامج في هذه القناة المباركة وفي غيرها من القنوات ذات التوجه الديني إنما هي خدمةً لكتاب الله عز وجل وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم.

    لعل الوقفة الأولى تكون مع كتاب الله عز وجل، يقول عز من قائل: وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ [الإسراء:105] فما المراد من هذه الآية، وما المعاني التي تضمنتها، وما القبسات التي يمكن أن نستفيدها منها؟

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شعار ودثار ولواء أهل التقوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فنسأل الله في المقام الأول العون والتوفيق، ثم نقول:

    قال ربنا جل وعلا وهو أصدق القائلين: وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الإسراء:105].

    الحديث عن القرآن هو أعظم ما يمكن أن يعرف به القرآن، وهذه الآية مندرجة ضمن آيات عديدة تخبر عن هذا الكتاب المبين، والآية تقول: (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ) وتقول: (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) والمعنى:

    أما الأول: (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ) أي: أنزلناه ملتبساً متضمناً للحق، والقرآن أصلاً أخبار وأوامر ونواه، فهو صدق في أخباره وعدل في أوامره ونواهيه، وكونه صدقاً في أخباره وعدلاً في أوامره ونواهيه يجعله حقاً، قال ربنا: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115] أي: صدقاً في أخباره، وعدلاً في أوامره ونواهيه.

    أما قول ربنا: (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) فقبل أن نشرع في بيانه نضرب مثلاً يقرب المعنى: لو أننا هممنا أن نبعث رسالة إلى أحد فهناك مرسل، وهناك مستقبل، وهناك رسالة، وهناك رسول يحمل هذه الرسالة -سواء كانت مكتوبة أو كانت مادية محسوسة أو كانت مالاً- حتى تصل على النحو الأتم والوجه الأكمل كما بعثها مرسلها إلى ذلك المستقبل.

    ولا بد أن يتوفر في الرسول شرطان:

    الشرط الأول: قوته، الشرط الثاني: أمانته.

    ونبدأ بتعريف أمانته: إذا كان خائناً سيعتري تلك الرسالة نقص، فإن كان مالاً أخذ منه، وإن كان مكتوباً غيَّره، وإن كان شفهياً بدل في الأقوال.

    وقد يكون الرسول أميناً لكنه متلبس بالضعف، فالضعف يسلط عليه غيره ممن له مصلحة في تبديل الرسالة، فإما أنه استضعف عقله فغيرها دون أن يشعر، وإما استضعف قوته فبدلها رغماً عنه فينشأ التغيير في الرسالة، فما الذي أراد ربنا من قوله: (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)؟

    أراد أن يقول: إن المرسل بالقرآن وهو جبريل عليه السلام الواسطة بين الله وبين رسوله صلى الله عليه وسلم، اجتمعت فيه خصلتان: قوته وأمانته، فلذلك بقي القرآن حقاً كما بلغه الله جل وعلا جبريل وبلغه جبريل محمداً صلى الله عليه وسلم.

    فمن هنا نفهم معنى قول الله جل وعلا في سورة التكوير: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة:40]، ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير:20-21] أي: فجبريل أمين وقوي، وهذا هو الذي قاله الله جل وعلا: ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى [النجم:6] ومرة بمعنى: قوة.

    والمقصود من هذا: أن جبريل عليه السلام كان قوياً لا يمكن لأحد أن يستضعفه فيأخذ عنه القرآن ويبدل فيه، وأميناً لا يمكن أن يخون، فالله جل وعلا زكاه، وكفى بتزكية الله لجبريل تزكيةً.

    الذي نريد أن نقتبسه من سنا هذا الأمر: أن الإنسان إذا اتخذ رسولاً أو أحداً يقوم بشأنه أو أمره يحاول أن يبحث عن القوي الأمين، كما قالت الابنة الصالحة لذلك العبد الصالح في حق موسى: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:26] .

    كل واحد عنده أسرار وعنده قضايا خاصة لا يحب أن تشيع وتذيع في الناس، ولا يمكن أن تقوم أنت لوحدك بجميع شئونك، فيكون للإنسان خواص، هؤلاء الخواص الذين تقربهم يوجد صفات حسن أن نتبعها.. لا يلزم أن يكون جميع خواصك يعرفون كل شيء، لكن لكل ما يناسبه:

    يضلون شتى في البلاد وسرهم إلى صخرة أعيا الرجال انصداعها

    قد يوجد أحدهم تعطيه كل شيء، لكن في الغالب أن تفرق بينهم الأمور، ثم عندما نتخذهم نتقي الله جل وعلا فيهم، ثم نكل إليهم الأمور التي تناسبهم بحسب قوتهم وأمانتهم، فلا يكون صاحب سرك ضعيفاً يغلب على عقله أو يغلب على شخصيته فيذيع ويشيع، وليس حسناً أن تكون أسرار الإنسان فاشية ذائعة بين الناس.

    ثم إن بعض الأمور تحتاج إلى كتمان قال صلى الله عليه وسلم: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان).

    عندما يكون أصدقاء الإنسان والمقربون إليه قوماً مجربين كاملي العقول فإن الغالب أن ينجح في أموره.

    الشيخ: وقد كنت أتكلم عن الأشياء الفردية، لكن كلما عظمت المسئولية عظم المطلب من القوة والأمانة في الشخص؛ ولذلك كان من الأعراف الدولية وجود القسم، فيقسم على ما يعتقده.. ويذكر في القسم الأمانة والحفاظ على أسرار الدولة، وهذا موجود في كل بلاد العالم، وهو من الأعراف التي يقرها الشرع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089198270

    عدد مرات الحفظ

    782704934