إسلام ويب

سلسلة منهاج المسلم - (25)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد دل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، وكذلك العقل والفطرة يدلان على وجوبه وضرورته للمجتمع المسلم، حتى يبقى مجتمعاً نقياً طاهراً من كل براثن المعصية والمنكر، وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آداب يجب على الآمر والناهي أن يتصف بها ويلتزمها، حتى يكون أمره ونهيه موافقاً للسنة، وحتى يؤتي ثماره بإذن ربه.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها المؤمنون المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب: (منهاج المسلم)، وها نحن بعدما فرغنا من العقيدة بأركانها الستة وقفنا على هذا الفصل وهو السادس عشر، وهو الإيمان بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    وقد عرفنا في الدرس السابق: أن الإيمان بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إيمان حق وصدق، ويجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يؤمن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وذلك لأدلة الكتاب والسنة.

    وقرأنا ما شاء الله من أدلة الكتاب -أي: القرآن العظيم- وأدلة السنة النبوية، وانتهينا إلى الأدلة العقلية، فهيا بنا نستخدم عقولنا، وهي والحمد لله صالحة، ونتأمل ويفتح الله علينا.

    قال المؤلف غفر الله لنا وله ولكم وللمؤمنين ورحمنا أجمعين: [ الأدلة العقلية: أولاً: ] أي: أول دليل [ لقد ثبت بالتجربة وبالمشاهدة أن المرض ] أعاذنا الله وإياكم منه [ إذا أهمل ولم يعالج استشرى في الجسم وانتشر وعسر علاجه بعد تمكنه من الجسم واستشرائه فيه ] هذا واقع وحق [ وكذلك المنكر إذا ترك فلم يغير فإنه لا يلبث أن يألفه الناس، ويفعله كبيرهم وصغيرهم، وعندئذٍ يصبح من غير السهل تغييره أو إزالته، ويومها يستوجب فاعلوه العقاب من الله، العقاب الذي لا يمكن أن يتخلف بحال من الأحوال، إذ إنه جار على سنن الله تعالى التي لا تتبدل ولا تتغير سُنَّةَ اللَّهِ [الأحزاب:62] فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً [فاطر:43] ].

    دليل عقلي: المرض إذا انتشر في الجسم ولم يعالج وترك فإن صاحبه سيهلك، الأطباء يرفعون أيديهم، فاته الأوان، ما يعالج الآن؛ لانتشار المرض فيه، فكذلك إذا ترك المنكر في قرية أو في بيت أو في مكان ما بين الناس وأهمل يوماً بعد يوم يصبح غير مقدور على تغييره، فلهذا قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ).

    والآيات القرآنية مرت بنا، من صفات المؤمنين والمؤمنات الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104] في أحاديث وآيات قرآنية تقدمت.

    [ ثانياً: ] دليل عقلي [ حصل بالمشاهدة ] ورؤيا العين [ أن المنزل ] الذي ينزله الناس [ إذا أهمل ولم ينظف، ولم تبعد عنه النفايات والأوساخ فترة من الزمن يصبح غير صالح للسكن ] أبداً [ إذ تتعفن ريحه ويتسمم هواه وتنتشر فيه الجراثيم والأوبئة؛ لطول ما تراكمت فيه الأوساخ وكثرة ما تجمعت القاذورات ] هذا أمر مشاهد [ وكذلك الجماعة من المؤمنين إذا أهمل فيهم المنكر فلا يغير، والمعروف فلم يؤمر به، لا يلبثون أن يصبحوا خبثاء الأرواح شريري النفوس، لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، ويومئذٍ يصبحون غير صالحين للحياة، فيهلكهم الله بما شاء من أسباب ووسائط، وإن بطش ربك لشديد، والله عزيز ذو انتقام ] دليل عقلي واضح كل الوضوح.

    [ثالثاً] ثالث الأدلة [ عرف بالملاحظة: أن النفس البشرية تعتاد القبيح فيحسن عندها، وتألف الشر فيصبح طبيعة لها، فذلك شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن المعروف إذا ترك ولم يؤمر به سَاعةَ تَركهِ لا يلبث الناس أن يعتادوا تركه ] كما هو مشاهد [ ويصبح فعله عندهم من المنكر. وكذلك المنكر إذا لم يبادر إلى تغييره وإزالته لم يمض يسير من الزمن حتى يكثر وينتشر، ثم يعتاد ويؤلف، ثم يصبح في نظر مرتكبيه غير منكر، بل يرونه هو المعروف بعينه، وهذا هو انطماس البصيرة والمسخ الفكري -والعياذ بالله تعالى- من أجل هذا أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأوجباه فريضة على المسلمين؛ إبقاء لهم على طهرهم وصلاحهم، ومحافظة لهم على شرف مكانتهم بين الأمم والشعوب ].

    إذاً: ما حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

    حكمه الوجوب. على من؟ على كل مؤمن ومؤمنة، ثبت بالأدلة في بالكتاب والسنة وبالأدلة العقلية كذلك، فلا يسع المؤمن أن يرى منكراً ويسكت، ولا يرى معروفاً متروكاً ويسكت عنه، وخاصة في بيته وبين زملائه ورفاقه، وبين المؤمنين الذين لا يغضبون للأمر ولا ينزعجون للنهي.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088521800

    عدد مرات الحفظ

    777103854