إسلام ويب

سلسلة منهاج المسلم - (53)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اللباس نعمة من نعم الله تعالى التي امتن بها على عباده، فينبغي على العبد المؤمن شكر هذه النعمة وذلك بالتزام ما جاء في الشرع بشأنها من آداب وأحكام، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ما يجوز منه وما لا يجوز، وما يستحب لبسه وما يكره، كما بين الطريقة المشروعة التي يكون عليها اللباس، وما يقول المؤمن عند لبسه، ونحو ذلك مما ينبغي معرفته وحفظه والعمل به.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وهو كتاب حاوٍ للشريعة الإسلامية؛ عقائد وآداب وأخلاق وعبادات ومعاملات، وها نحن في باب الآداب مع [الفصل الثاني عشر في آداب اللباس]، فالدين الإسلامي احتوى على كل متطلبات الحياة، ولا يخرج شيء عن الدين الإسلامي في هذا الكون.. فكيف تلبس، وما تلبس؟ فاللباس لا تلبس ما تشاء وكيف تشاء، ولكن هناك أنظمة وقوانين يجب أن تلتزم بها في لباسك، وإلا أثمت وسقطت، فهيا بنا نستعرض الأحاديث النبوية المبينة لنا كيف نلبس وماذا نلبس.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين والمؤمنات: [المسلم] والمسلم الحق هو الذي أسلم وجهه وقلبه لله، فوجهه لا ينظر به إلا إلى الله، وقلبه لا يتقلب إلا في طلب رضا الله، ذلكم هو المسلم الحق، وهذا المسلم يعتقد أن اللباس قد أمر الله تعالى به [يرى أن اللباس قد أمر الله تعالى به في قوله: يَا بَنِي آدَمَ [الأعراف:31]] والمنادى نحن، أي: يا ذرية آدم ذكوراً وإناثاً [ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]] فلا تصح صلاة عار كاشف لعورته بحال من الأحوال، فإذا دخلت المسجد وهو مكان السجود والصلاة فيجب أن تأخذ زينتك قبل ذلك، فتستر عورتك وتتجمل لتصلي، وهذه آداب إلهية وتعليم رباني [ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ [الأعراف:31]] أي: كلوا مما أحللنا وأبحنا لكم، ولا تأكلوا مما حرمنا عليكم ومنعناكم منه، واشربوا ما أذنا لكم فيه من الماء العذب واللبن وعصير التفاح والبرتقال، ولا تشربوا الخمر [ وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف:31]] والإسراف هو: مجاوزة الحد، فإذا كان يسد جوعتك نصف قرص فلماذا تأخذ قرصاً بكامله؟! وإذا كان يسد ظمأك ويذهب عطشك كأس ماء فلم تشرب كأسين؟![ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]] يكره الله المسرفين، فكيف ترضى بألا يحبك الله؟! يا بني! ويا أُخَي! أترضى أن يسخط الله عليك ولا يحبك؟! والله ما رضي بهذا أحد عرف الله وآمن به.

    فالإسراف: مجاوزة الحد الكافي في الشرب واللباس وكل شئون الحياة، وهذا هو نظام الحياة في الإسلام، فلا إسراف ولكن القصد القصد، والاعتدال والاعتدال؛ لأن الإسراف تبذير والتبذير محرم؛ لما فيه من الضرر، وكم من إنسان مرض بسبب أكله وشربه!! كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف:31] اللام هنا لام الناهية، فالإسراف حرام في الطعام والشراب واللباس وكل شئون الحياة، ولا بد من القصد والاعتدال في ذلك: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31] اللهم أحبنا ولا تكرهنا يا رب العالمين! واجعلنا غير مسرفين يا حي يا قيوم!

    [وامتن به] امتن باللباس منه علينا، فهي نعمة من نعمه [في قوله: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]]، فالمطر نزل من السماء، وبه نبت القطن، فتشبع الشاة ويكون الصوف، فالكل نزل من السماء باعتبار أصله، قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا [الأعراف:26] ولك أن تقول أيضاً: أنزله على آدم وحواء إذ كانا في الملكوت الأعلى، فأنزل عليهما لباسهما الذي يصلح لهذه الحياة وهما أبونا وأمنا ونحن أتباعهم وأولادهم.

    و(يواري) بمعنى: يستر، فالمواراة: الستر.

    (سوءاتكم): السوءة هي: ما يقبح النظر إليه، وتخاف أن ينظر إليه.

    (وريشاً) لباس فاخر.

    (ولباس التقوى ذلك خير) أنزل علينا لباساً ها نحن نلبسه، ومع هذا لباس التقوى خير من اللباس العادي.

    ومعنى هذا: رغبكم في التقوى؛ لأن المتقي مستور العورة، والفاجر الفاسق مكشوفها مهما لبس، وقرئ: (ولباسَ التقوى) بالنصب أيضاً -وهما قراءتان سبعيتان- فأنت تلبس التقوى بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما يأمران به وينهيان عنه، فأصبحت تقواك لباساً؛ لأنك مستور محفوظ آمن بها من كل أذى وشر؛ وكذلك اللباس يحفظك من الحر والبرد [وفي قوله تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ [النحل:81]] وهذا امتنان آخر يمتن الله به علينا؛ بأن جعل لنا -هو لا سواه- سرابيل: جمع سربال، وهو الثوب الطويل أو السروال يقينا الحر والبرد.

    وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ [النحل:81] في الحرب، كالدروع وما إلى ذلك مما تقي المقاتل ضربات العدو.

    ولا تقل: كيف جعلها؟ فالحداد والخياط والنساج من خلقهم وحرك أيديهم؟ وقلوبهم من أوجدها؟ كل شيء يعود إلى الله، فهو الذي جعلنا لنا سرابيل تقينا الحر والبرد، وسرابيل تقينا وتحفظنا من بأسنا حال القتال، وهذه نِعمٌ إلهية في اللباس [وفي قوله: وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ [الأنبياء:80]] فالحمد لله رب العالمين، ومن قال: الحمد لله في أية نعمة فقد شكرها.

    (وعلمناه) أي: داود نبي الله ورسوله، علمه صنعة لبوس، وهي لبوس الدروع فكان يصنعها بيده للوقاية من الحرب.

    (لتحصنكم) أي: تحفظكم (من بأسكم).

    [وأن رسوله صلى الله عليه وسلم قد أمر به في قوله: ( كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة )] هذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لنا: كلوا أيها المؤمنون واشربوا مما أحل الله أكله وشربه، والبسوا، أي: مما أذن الله في لباسه في غير إسراف ولا مخيلة؛ لأن الله حرم الإسراف وكره المسرفين، فالرسول يقول:

    (كلوا وشربوا)، أي: مما أحل الله لكم ولا تسرفوا.

    (في غير إسراف ولا مخيلة)، والمخيلة هي: الاختيال والفخر والمباهاة، وهذه ليست من صفات المؤمنين المتقين.

    [كما قد بين صلى الله عليه وسلم ما يجوز منه وما لا يجوز] إذ هو المبين عن الله كتابه [وما يستحب لبسه وما يكره؛ فلهذا كان على المسلم أن يلتزم في لباسه بالآداب التالية] فهيا بنا إلى الآداب التي ينبغي أن نلتزم بها في لباسنا رجالاً ونساء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088532953

    عدد مرات الحفظ

    777173020