قال: [ هذا وإن للصدق ثمرات طيبة ] هذا الذي سمعنا من أدلة الكتاب والسنة على وجوب الصدق، وعلى لزومه وتحريه وطلبه لنكتب عند الله من الصديقين [ يجنيها ] ويحصل عليها [ الصادقون ] إي نعم والله، الصدق أمر الله به وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، وللصدق ثمرات يجنيها الصادقون لا الكاذبون [ وهذه أنواعها ] أعرضها على مسامعكم.
أولاً: راحة الضمير
ثانياً: البركة في الكسب وزيادة الخير
ثالثاً: الفوز بمنزلة الشهداء
[ ثالثاً: الفوز بمنزلة الشهداء ] الصديق يفوز بمنزلة الشهداء، الصادق لا يزال يصدق حتى يفوز بمنزلة الشهداء [ لقوله عليه الصلاة والسلام: (
من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) ] الآن فرصة متاحة لكم، الجهاد غير موجود، والله الجهاد ليس موجوداً، إذ الجهاد لابد من إمام المسلمين يعلن عن جهاد لإقامة دعوة الله ونشر الإسلام، ويقصد دولة كافرة أو أمة كافرة يقاتلها ليدخلها في رحمة الله، وهذا غير موجود؛ لأن المسلمين متفرقين دويلات لا إمام لهم.
إذاً: هذه فرصة سعيدة، ما دمنا قد أراحنا الله من الجهاد وما فتح لنا بابه ولا أوجبه الآن علينا، ونحن نرغب في أن نكون شهداء، هيا نسأل الله بصدق أن يجعلنا من الشهداء: اللهم إنا نسألك شهادة في سبيلك، اللهم إنا نسألك شهادة في سبيلك، فمن سأل الله صادقاً فاز بها وإن مات على فراشه؛ لعل بعض السامعين ما تطمئن نفوسهم إلى هذا! أنا أقول على علم: الجهاد كيف يكون أسألكم بالله؟ ألم يكن تحت قيادة إمام مسلم يقودنا إلى دولة كافرة ونراسلها بسفراء بيننا وبينها إما أن تدخل في الإسلام أو تأذن لنا بالدخول لنشر الإسلام، أو تقاتل فنقاتلها؛ ذلكم هو الجهاد.
أما أن يعتدي علينا كافر، ويريد أن يقهرنا ويذلنا ويستولي علينا وعلى ديارنا فهذا نقاتله ونجاهده وإن لم نكن أهلاً لأن نحتل بلاده، ندفعه عنا، ولكن تحت راية إمام عادل يقودنا، أما أن تكون الأمور فوضى فما أذن الله بها ولن يتحقق هدف منها، ما خلقنا للفوضى!
اللهم إلا أهل بلد غزاهم كافر فيجب على أهل البلد أن يدافعوا نساءً ورجالاً كباراً وصغاراً؛ حتى يأتيهم المدد من إمام المسلمين، كذلك هذا من هذه الملة الحنيفية.
قال: [ الفوز بمنزلة الشهداء؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( من سأل الله الشهادة بصدق ) ] ليس يسألها ولو تأتيه غداً ما يقبلها أو لا يجاهد، يسألها بصدق [ ( بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) ] هذه ثمرة من ثمار الصدق.
رابعاً: النجاة من المكروه
[ رابعاً: النجاة من المكروه، فقد حُكي أن هارباً لجأ إلى أحد الصالحين ] روي عن سلفنا الصالح: أن هارباً من المسلمين تبعه العدو أو كذا فلجأ إلى أحد الصالحين وهرب إليه [ وقال له: أخفني عن طالبي ] استرني عن طالبي الذي يجري ورائي [ فقال له: نم هنا، وألقى عليه حزمة من خوص ] جريد [ فلما جاء طالبوه وسألوا عنه فقال لهم: ها هو ذا تحت الخوص، فظنوا أنه يسخر منهم فتركوه ونجا ببركة صدق الرجل الصالح ] صاحب حزمة الخوص والحطب، حصل لذاك الجاني النجاة ببركته، فهذه ثمرة من ثمار الصدق.
قال: [ هذا وللصدق مظاهر يتجلى فيها ] هيا بنا نشاهد على شاشة هذا الكتاب مظاهر تتجلى فيها مظاهر الصدق.
أولاً: صدق الحديث
[ أولاً: في صدق الحديث، فالمسلم إذا حدث لا يحدث بغير الحق والصدق ] المسلم بحق وصدق والله إذا حدث لا يحدث بغير الحق والصدق، المسلم الحق الإسلام السليم الصحيح إذا حدث لا يحدث بغير الصدق أبداً [ وإذا أخبر فلا يخبر بغير ما هو الواقع في نفس الأمر ] لا يخبر بأشياء لم تقع أو مجرد ظنون أو أوهام [ إذ كذب الحديث من النفاق وآياته ] إذ كذب الحديث من النفاق وآيات النفاق الدالة عليه [ قال صلى الله عليه وسلم: (
آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ) ] فمن يكذب في حديثه منافق، ومن يعد ويخلف الوعد وهو قادر على إنجازه منافق فيه آية النفاق، ومن يؤتمن على حديثٍ أو مال أو عرض ثم يخون فهو منافق: (
آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ) فاللهم لا تجعل بيننا ولا فينا من يخلف ويكذب وينافق، هذا مظهر من مظاهر الصدق.
ثانياً: صدق المعاملة
[ ثانياً: في صدق المعاملة، فالمسلم إذا عامل أحد صدقه في معاملته فلا يغش ولا يخدع ولا يزوِّر ولا يغرر بحال من الأحوال ] (في صدق المعاملة) تتجلى صفة الصدق وخلق الصدق (فالمسلم إذا عامل أحداً صدقه في معاملته فلا يغشه ولا يخدعه ولا يزور عليه ولا يغرر به بحال من الأحوال) لا غِش ولا خداع ولا تزوير ولا تغرير بحال من الأحوال، تعامل مع مؤمن وشاهد هذا، فلن يغشك ولن يخدعك ولن يغرر بك ولن يزور كلامك، فهذا مظهر من مظاهر الصدق.
ثالثاً: صدق العزم
[ ثالثاً: في صدق العزم، فالمسلم إذا عزم على فعل ما ينبغي فعله لا يتردد في ذلك، بل يمضي في عمله غير ملتفت إلى شيء أو مبالٍ بآخر حتى ينجز عمله ] حتى في المعاملة ينجز، لا يتردد أبداً، لا يبدأ العمل وبعده يتراخى ويتركه، لا، فالمسلم بحق إذا عزم على فعل ما ينبغي فعله، وينبغي فعله بالفعل؛ لأن الله أوجبه أو رسوله لا يتردد في ذلك؛ بل يمضي في عمله غير ملتفت إلى شيء أو مبال بشيء آخر حتى ينجز عمله.
رابعاً: صدق الوعد
[ رابعاً: في صدق الوعد، فالمسلم إذا وعد أحداً أنجز له ما وعده به، إذ خُلف الوعد من آيات النفاق كما سبق في الحديث الشريف ] من مظاهر الصدق: الصدق في الوعد، فالمسلم إذا وعد أنجز، لا يخلف، وإن عجز أعلن عن عجزه، أما وهو قادر ويخلف فهذه آية من آيات النفاق.
خامساً: صدق الحال
[ خامساً: في صدق الحال، فالمسلم لا يظهر في غير مظهره ] ما معنى صدق الحال؟ فقير مسكين شحات ويلبس لباس ملك أو سلطان على رأسه، هذه حاله كذب لم يصدق، غني بأمواله ويلبس لباس المسكين ما صدق، بل كذب [ ولا يظهر خلاف ما يبطنه، فلا يلبس ثوب زور، لا يرائي، ولا يتكلف ما ليس له؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
المتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور )، ومعنى هذا: أن المتزين والمتجمل بما لا يملك ليرى أنه غني يكون كمن يلبس ثوبين خلقين ليتظاهر بالزهد وهو ليس بزاهد ولا متقشف ] حال المؤمن حال صدق: لباسه.. أكله.. حياته على صدق، لا يوجد مظاهر كذب أو باطل.
[ ومن أمثلة الصدق الرفيعة ] أي العالية السامية [ ما يأتي:] هذه أمثلة حية [ أولاً: روى الترمذي عن عبد الله بن أبي الحمساء قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث ] بعته بيعاً قبل أن يكون نبياً، وهو في العشرين من عمره أو الثلاثين [ ( وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه، فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاثة أيام فجئتُ فإذا هو في مكانه. فقال: يا فتى! لقد شققت عليّ، أنا هاهنا منذ ثلاثٍ أنتظرك ) ] مظهر عجيب من مظاهر الصدق الرفيعة العالية [ ومثل هذا الذي حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام قد حصل لجده الأعلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل، حتى أثنى الله تعالى عليه في كتابه العزيز بقوله:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا
[مريم:54] ]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ
[مريم:54] بهذه الصفة
إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا
[مريم:54] والمؤمن إذا وعد لا يخلف الوعد، لو أن أولاد المسلمين يجتمعون في الحلقة منذ الصبا إلى أن يبلغوا هل سيوجد فيهم منافقاً أو مخلفاً للوعد؟ لا يوجد، ما يستطيعون، ضيعناهم في الشوارع وأهملناهم وزعمنا أن المدارس كافية، وما أدخلناهم المدارس لأجل الله، كيف يعرفون الصدق والوفاء به وكيف يتحملونه؟!
[ ثانياً: ] مظهر آخر [ خطب الحجاج بن يوسف يوماً ] خليفة إمام [ فأطال الخطبة، فقال أحد الحاضرين: الصلاة! فإن الوقت لا ينتظرك ] زعيم هذا مؤمن [ والرب لا يعذرك، فأمر بحبسه ] الخليفة أمر بحبس هذا الذي يعترضه وهو في الخطبة يوم الجمعة [ فأتاه قومه وزعموا أن الرجل مجنون ] ليس في عقله وإلا لن يقول لك هذا الكلام، مجنون! [ فقال الحجاج : إذا أقر بالجنون خلصته من سجنه ] ما معنى أقر؟ يعني: قال: أنا مجنون! خلصته من سجنه [ فقال الرجل: لا يسوغ لي أن أجحد نعمة الله التي أنعم بها عليّ وأثبت لنفسي صفة الجنون التي نزهني الله عنها، فلما رأى الحجاج صدقه خلى سبيله ] بركة الصدق، لو قال: نعم مجنون سيطلقه لأنه مجنون، لكن لا، لست بمجنون أبداً.
[ ثالثاً ] وأخيراً [ روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى ] صاحب الحديث في صحيحه [ أنه خرج يطلب الحديث من رجل ] قيل له: إنه محدث، أو عنده أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم [ فرآه قد هربت فرسه، وهو يشير إليها برداء كأن فيه شعيراً، فجاءته فأخذها، فقال البخاري : أكان معك شعير؟ فقال الرجل: لا، ولكن أوهمتها، فقال البخاري : لا آخذ الحديث ممن يكذب على البهائم، فكان هذا من البخاري مثلاً عالياً في مجال الصدق ].
اللهم اجعلنا من الصديقين الصادقين.