الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ..
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وها نحن مع [ الفصل العاشر: في خلق السخاء والكرم] من باب الأخلاق.
السخاء خلق المسلم
[ومن مظاهر السخاء ما يلي:]
أولاً: أن يعطي الرجل العطاء في غير مَنٍّ ولا أذى
[ أولاً: أن يعطي الرجل العطاء في غير مَنٍّ ولا أذى] أي: يعطي العطية فلا يمنها على الذي أعطاه إياها، ولا يؤذيه بكلمة ولا بنظرة. فهذا مظهر من مظاهر السخاء أن يعطي من ماله وطعامه وشرابه ولا يمنه على من أعطاه ولا يؤذيه أبداً.
ثانياً: أن يفرح المعطي بالسائل الذي سأله ويسر لعطائه
[ثانياً: أن يفرح المعطي بالسائل الذي سأله، ويسر لعطائه] ويتحصل هذا بالتربية، أن يفرح المعطي بإعطاء السائل، وهذا صحيح فلو وجد الإنسان متسولاً في الشهر لفرح به لكن لو وجد عشرين أو خمسة وعشرين متسول أو كانوا يأتونه يومياً فكيف يفرح بهم؟ هذا يتحصل بالتربية، وليس فقط أنه يفرح بل يسر لما يعطي ولا يتألم.
ثالثاً: أن ينفق المنفق في غير إسراف ولا تقتير
[ثالثاً: أن ينفق المنفق في غير إسراف ولا تقتير] أن ينفق المنفق بدون إسراف ولا شح وبخل، وإنما الوسط.
رابعاً: أن يعطي المكثر من كثيره والمقل من قليله
[رابعاً: أن يعطي المكثر من كثيره، والمقل من قليله برضا نفس وانبساط وجهٍ وطيب قولٍ] من مظاهر السخاء: أن يعطي صاحب المال الكثير من كثيره، ويعطي صاحب المال القليل أو المقل من قليله، فلا يخرج كل ما عنده، ويكون هذا كله في رضا نفس وانبساط وجه وطيب قول، فالوجه منبسط، والكلام طيب، فلا سب ولا شتم ولا غير ذلك.
[ومن أمثلة السخاء العالية ما يلي:
أولاً: روي أن عائشة رضي الله عنها بعث إليها معاوية رضي الله عنه] وكان خليفة المسلمين وإمامهم [بمال قدره مائة وثمانون ألف درهم [فدعت] أي: طلبت [بطبق فجعلت تقسمه بين الناس] وكان هذا في المدينة [فلما أمست قالت لجاريتها: هلمي فطوري] أي: هاتي فطوري [فجاءتها بخبز وزيت] كانت صائمة رضي الله عنها [وقالت لها: ما استطعتِ فيما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحماً نفطر عليه؟ فقالت لها: لو كنت ذكرتيني لفعلت] قسمت مائة وثمانين ألف درهم في يوم واحد، ولما جاء وقت الإفطار جاءتها الجارية بخبز وزيت، لأنها لم تتذكر أن تبقي لها درهماً تشتري به لحماً تفطر عليه.
[ثانياً: روي أن عبد الله بن عامر اشترى من خالد بن عقبة بن أبي معيط داره التي في سوق مكة] هذا ابن عقبة بن أبي معيط الذي مات ببدر، أسلم ولده وكان له دار في مكة [بسبعين ألف درهم، فلما كان الليل] أي: جاء الظلام والليل [سمع عبد الله بكاء أهل خالد ] أي: زوجته وأولاده [فسأل عن ذلك] أي عن سبب هذا البكاء [فقيل له: يبكون لدارهم] من أجل أنهم خرجوا من دارهم [فقال لغلامه: ائتهم وأعلمهم أن الدار والدراهم جميعاً لهم] من يفعل هذا الآن، ولو حتى بسيارة؟ والله لهذا هو الإيمان بالدار الآخرة، هذا هو الإيمان بالبعث والجزاء ويوم القيامة، هؤلاء تلامذة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما درسوا الفلسفة، بل درسوا كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
[ثالثاً: روي أن الإمام الشافعي -رحمه الله-] تلميذ مالك [لما مرض مرضه الذي توفي فيه أوصى بأن يغسله فلان] أي: كتب كتابة ووصية فيها: (إذا مت يغسلني فلان)، فالعبد له حق أن يعين من يغسله من الصالحين [فلما توفي دعوا من أوصى بتغسيله] قالوا: تعال يا فلان فـالشافعي أوصى بأن تغسله [فلما حضر قال: أعطوني تذكرته] أي: وصيته التي كتبها [فأعطوه إياها، فإذا فيها: على الشافعي دين قدره سبعون ألف درهم، فكتبها الرجل ليقضيها لأصحابها، وقال: هذا غسلي إياه، وانصرف] أي قال: غسلوا أخاكم، فأنا غسلي له بأن أسدد عنه هذا الدين سبعين ألف درهم. هذا هو الإيمان والعلم.
[رابعاً وأخيراً: روي أنه لما تجهز الرسول صلى الله عليه وسلم لحرب الروم] في الشام [وكان المسلمون في وقتئذٍ في ضيق كبير وعسر شديد، حتى سمي جيش الرسول صلى الله عليه وسلم فيها (جيش العسرة)، خرج عثمان بن عفان رضي الله عنه بصدقة قدرها عشرة آلاف دينار وثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، وخمسون فرساً، فجهز بذلك نصف الجيش جميعه] هذا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه.
معاشر الأبناء والإخوة! أحد إخوانكم كان في المجلس دائماً واستشهد في حادث سيارة وجرح أبناؤه وأهله وهم في المستشفى، وقد طلب منا أخوه أن ندعو له بالرحمة، وكذلك بعض المرضى يسألونكم الدعاء ليشفي الله مرضاهم.
اللهم يا حي يا قيوم، يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، هذه أكفنا قد رفعناها إليك ضارعين سائلين أن تغفر لهذا الشهيد وتعلي درجته، وأن تشفي مرضى أسرته يا رب العالمين، وأن تشفي كل مريض بيننا وفينا وكل من طلب منا، ندعوك للشفاء فاشفنا يا رب العالمين عاجلاً وآجلاً، ولا تتركنا لأنفسنا يا حي يا قيوم ولا لغيرك.
اللهم اغفر لنا وارحمنا، واعف عنا وعافنا، وارض عنا وأرضنا، واجعلنا من أهل السخاء، اللهم اجعلنا من أهل السخاء، ولا تجعلنا من أهل البخل والشح يا رب العالمين، اللهم طهر قلوبنا، وزك أرواحنا، واجعلنا من صالح عبادك يا رب العالمين، واختم لنا بخاتمة السعادة، وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.