الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وقد درسنا العقيدة والآداب والأخلاق وها نحن في العبادات، فدرسنا الطهارة بكاملها وانتهى بنا الدرس إلى الصلاة.
[وفيه أربع عشرة مادة] هذا القانون قانون الصلاة فيه أربع عشرة مادة، يجب معرفتها والعمل بها.
حكم الصلاة
حكم تارك الصلاة
قال: [فتاركها يقتل شرعاً] تارك الصلاة يقتل شرعاً، فإذا قيل: فلان لا يصلي، أو عرفت أنه لا يصلي قل له: صلِّ، فإن رفض رفعت أمره إلى المحكمة، فيستدعى ويقال له: لم لا تصلِّ؟ فإن جاء وقت الظهر وقيل له: قم فصلِّ، فقال: لا أصلي، تركوه، ثم إذا جاء وقت العصر قيل له: قم فصلِّ، فإن قال: لا أصلي، تركوه، فإذا بقي من وقت غروب الشمس قدر ما يتوضأ ويصلي ركعة، وقال: لا أصلي؟ يقتل، يضرب رأسه.
ويبقى هل يموت على الكفر أو على الفسق؟ فإن قلنا: مات على الكفر فلا يورث ولا يغسل ولا يكفن ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإن كان مات على فسق فقط -أي: ما كان جاحداً لفرضية الصلاة، ولا كان كافراً بها، لكنه لا يصلي فسقاً- فهذا يقتل ويغسل ويكفن ويدفن في مقابر المسلمين ويورث ماله، أما الأول فتركته لبيت المال.
إذاً: فتاركها يقتل شرعاً، والمتهاون بها فاسق فاجر.
الحكمة من مشروعية الصلاة
[حكمتها: ومن الحكمة في شرعية الصلاة: أنها تطهر النفس البشرية وتزكيها] ولا شيء إلا وله علة: فلمَ هذا الصابون؟ لنظافة يدي أو ثوبي. ولمَ هذا الثوب؟ ليستر عورتي. ولمَ هذا السقف؟ ليحفظنا من الشمس والمطر. فلا شيء إلا لعلة، وعلة الصلاة تزكية النفس وتطهيرها، فالله أراد أن يزكي نفس عبده ويطهرها ليحبه، فشرع له تزكية نفسه؛ ولهذا تارك الصلاة أخبث المخلوقات.
ومن الحكم في شرعية الصلاة أيضاً أنها: [ تؤهل العبد لمناجاة الله تعالى في الدنيا ومجاورته في الدار الآخرة ] لما أراد الله تعالى أن يتصل بك وأن تتصل به شرع لك الصلاة، فما أن تتطهر وتتطيب وتقف في مكان طاهر وتستقبل بيته وترفع يديك قائلاً: الله أكبر! إلا كنت معه [كما أنها تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر].
إذاً لها حكمتان:
الأولى: تزكية النفس وتطهيرها من أجل أن يناجي العبد ربه فيرفعه إليه.
والثانية: تنهى عن الفحشاء والمنكر.
تعال بنا نمشي إلى السجن، ونقول للرئيس: من فضلك يا سيد! أعطنا قائمة بأسماء المجرمين الذين دخلوا السجن في هذا الأسبوع أو هذا الشهر، وإذا بنا نجد في القائمة مائة سارق أو زان أو كاذب أو فاجر أو لص.
من هؤلاء المائة.. كم هم الذين يقيمون الصلاة؟ والله لن نجد (5%) منهم يقيمون الصلاة، و(95%) تاركين لها أو متهاونين بها، أما المقيمون لها فهيهات هيهات، وهو نادر؛ لأن الله تعالى قال:
وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
[العنكبوت:45].
فهل مقيم الصلاة يزني؟ هل يلوط؟ هل يخون؟ هل يسرق؟ هل يضرب؟ والله ما كان؛ وسر ذلك طهارة روحه وأنوار قلبه، فكيف يقع في الظلام والخبث والنور بين يديه؟!
انظروا إلى المقيم الصلاة، ذاك الذي يحسن أداءها في بيت من بيوت الله، في أول أوقاتها مع الخشوع والدموع، هذا المقيم للصلاة بحق هيهات هيهات أن يقع في الفواحش والمناكير، وإن زلت قدمه يوماً من الأيام تاب على الفور وبكى وانمحى أثرها.
[قال تعالى:
وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
[العنكبوت:45]] لما أمر رسوله بإقام الصلاة بين له العلة لم أقيمت فقال عز وجل:
إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
[العنكبوت:45]، فتكون أوجدت لنفسك من ينهاك عن المنكر في داخل قلبك.
فضل الصلاة
[المادة الثانية: في تقسيم الصلاة إلى فرض، وسنة ونفل] الصلاة على ثلاثة أنواع: فرض، وسنة، ونفل.
أولاً: الفرض
ثانياً: السنة
[ثانياً: السنة: السنة من الصلاة هو الوتر] والوتر سنة مؤكدة، أقله ركعة، وهو ثلاث ركعات تصلى بعد صلاة العشاء يفصل بينها بالتحية والسلام، وإن جمعت جاز، ولكن الأفضل السلام ثم القيام للركعة الثالثة، ويستمر وقت الوتر إلى طلوع الفجر [ورغيبةُ الفجر] وهي ركعتان قبل صلاة الصبح، فإذا طلع الفجر وأذن المؤذن، وأردت أن تصلي الصبح صليت قبله ركعتان، تقرأ في الأولى بالفاتحة والكافرون، وتقرأ في الثانية بالفاتحة والصمد، وسميت بالرغيبة لحديث: (
ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها )، وأي ترغيب أعظم من هذا الترغيب؟!
فإن دخلت المسجد والصلاة قائمة، فأنت مخير بين أن تصليها بعد السلام من صلاة الفجر، أو أن تأخرها إلى الضحى، فإن كان لك عمل أو شغل، لا تستطيع أن تصليها بعد طلوع الشمس، فقم بعد السلام وصلها، جائز وأنت معذور في هذا.
[والعيدان] عيد الأضحى وعيد الفطر، وكلمة سنة بمعنى مؤكدة مقابل الفرض، وبعض أهل العلم يطلقون على السنة المؤكدة الواجب، ولا فرق بين سنة مؤكدة وبين واجب فالكل واحد، فقط الفرض شيء والسنة والواجب شيء ثانٍ.
[والكسوف] كسوف الشمس وخسوف القمر، فإذا خسف القمر وذهب ضوءه قمنا للصلاة، والشمس كذلك إذا كسفت وغابت، نقوم للصلاة شاكرين ذاكرين سائلين المولى عز وجل أن يرفع عنا العذاب، فلعله عذاب أريد بنا.
والخسوف للقمر والكسوف للشمس، ويصح إطلاق هذا وذاك على كل منهما، فكسفت الشمس وكسف القمر كله واحد، لكن عموماً: الخسوف للقمر والكسوف للشمس، وإن أطلقت عليهما الكسوف أو الخسوف صح ذلك.
[الاستسقاء] وهو طلب السقيا من الله عز وجل، فإذا أجدبت البلاد واحتجنا إلى المطر صلى بنا الإمام ركعتين بعد ارتفاع الشمس في الضحى. هذه هي صلاة الاستسقاء.
وكم من مرة صلى فيها المسلمون صلاة الاستسقاء فلا يخرجون من المسجد إلا والسماء تمطر.
[وهذه سنن مؤكدة] فهذه السنن مؤكدة كالواجبات، لكن ليست فريضة، ولهذا يطلق عليها لفظ: واجب.
وكذلك [تحية المسجد والرواتب مع الفرائض وركعتان بعد الوضوء، وصلاة الضحى، والتراويح، وقيام الليل، وهذه سنن غير مؤكدة] فالسنن صنفان: مؤكدة وغير مؤكدة، والمؤكد منها يطلق عليه لفظ الواجب.
والسنن غير المؤكدة: أولاً: تحية المسجد.
ثانياً: الرواتب مع الفرائض وهي: أربع ركعات قبل الظهر، وركعتان قبل العصر، وركعتان بعد المغرب، وأربع ركعات بعد العشاء.
ثالثاً: ركعتان بعد الوضوء: يسن للمتوضئ أن يصلي ركعتين إذا لم يكن ثمة كراهة.
رابعاً: صلاة الضحى: أقلها ركعتين وأعلاها ثمان ركعات .
خامساً: التراويح في رمضان.
سادساً: قيام الليل.
ثالثاً: النفل
[النفل هو: ما عدا السنن المؤكدة وغير المؤكدة، ما كان من صلاة مطلقة بليل أو نهار].
فأقول: الصلاة فرض وسنة ونفل.
وصلاة الفرض هي الصلوات الخمس، والسنن المؤكدة هي: الوتر ورغيبة الفجر والعيدان والكسوف والاستسقاء، أكدها الشارع صلى الله عليه وسلم، أما تحية المسجد، والرواتب مع الفرائض، وركعتان بعد الوضوء، وصلاة الضحى والتراويح وقيام الليل فهذه سنن غير مؤكدة. وما عدا هذا فهو نافلة.
والله تعالى أسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.