إسلام ويب

اذكر مصابك بالحبيبللشيخ : عبد الله حماد الرسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أرسل الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، وكان أول ما بدئ به هو الرؤيا الصالحة، ثم أعقبه بنزول الوحي، وفيه أمره الله بالصدع بالدعوة والصبر على الأذى في ذلك، وقد عرض الرسول نفسه على القبائل، ولما بدأت دعوته تنتشر أجمعت قريش على التخلص منه بتدبير مؤامرة اغتيال، فنجاه الله منها، وانتقل إلى المدينة، فكان النصر والتأييد، حتى أتم الله النعمة وأكمل الدين ثم توفاه الله تعالى.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلوات الله وسلامه عليه لم يمت إلا وأكمل الله به الدين، وأتم الله به النعمة كما أخبرنا ربنا في محكم البيان: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] فلله الحمد والمنة، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمداً صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    يا أيها الإخوة في الله: في هذا الموضوع -الذي نسأل الله جل وعلا أن يجعله مباركاً إنه على كل شيءٍ قدير- نتناول من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم الشيء اليسير، لن نستطيع أن نحيط بسيرة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن نأخذ منها اليسير الذي نستطيع عليه.

    فأولاً: -أيها الأحباب- أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي وصية الله للأولين والآخرين قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71] ويقول جل من قائل عليماً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18] ثم قال جلَّ وعلا: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:19] ثم قال: لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُون [الحشر:20].

    إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم رب محمد النبي صلى الله عليه وسلم اغفر لنا ذنوبنا، وأذهب غيظ قلوبنا وأجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنك على كل شيء قدير.

    أحبابي في الله! أكثروا من الحمد والثناء على الله سبحانه وتعالى، الذي بعث فينا هذا النبي الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي أخرج الله به من الظلمات إلى النور، وهدى به من الضلالة، وأخرج به من الجهل إلى العلم، ومن القسوة إلى الرحمة، ومن الظلم إلى العدل، إنه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي بشرت به الأنبياء قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6] اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    نزول الوحي وموقف خديجة

    أمة الإسلام: لقد بعث الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل، بعثه الله على رأس الأربعين من عمره، فأول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبب إليه الخلاء صلى الله عليه وسلم، وكان يخلو بـغار حراء فيتحنث فيه -أي: يتعبد الليالي- ثم يأتي إلى أهله، ويتزود لذلك أيضاً، ثم يرجع إلى خديجة رضي الله عنها- أول ما تزوج من النساء خديجة بنت خويلد رضي الله عنها- ويتزود لتلك الأيام التي يخلو بها بربه، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، جاءه الملك جبريل عليه السلام فقال: {اقرأ، قال: ما أنا بقارئ} أي: لست أجيد القراءة؛ لأنه أميٌ صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب {فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ! فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ! فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5] } فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة رضي الله عنها، فقال: {زملوني زملوني فزملوه صلى الله عليه وسلم حتى ذهب عنه الروع، فقال لـخديجة: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة رضي الله عنها: كلا. والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة رضي الله عنها حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن عم خديجة، وكان امرءاً قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني، فكان يكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد فقد بصره فقالت له خديجة: يا بن عمي! اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا بن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي ينزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعاً -أي: أكون حياً- إذ يخرجك قومك، فقال صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وأوذي وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفارق الحياة}.

    الدعوة سراً وإسلام أبي بكر الصديق

    توفي ورقة وفتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم:

    بسم الله الرحمن الرحيم: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [المدثر:1-7].

    هذه الدعوة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! يا خير أمة أخرجت للناس! هذه الدعوة تحتاج إلى صبر وتحمل، (ولربك فاصبر) فقام صلى الله عليه وسلم بأمر ربه تبارك وتعالى، فبشر وأنذر، وكان أول من أجابه من الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان صديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، فلما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم بادر أبو بكر إلى التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم وقال: [[أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله بأبي وأمي أنت أهل الصدق يا رسول الله]].

    وصار أبو بكر رضي الله عنه من الدعاة إلى الإسلام حينئذٍ، فأسلم على يديه عثمان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أجمعين.

    الصدع بالدعوة والصبر على الأذى

    مكث نبينا صلى الله عليه وسلم يدعو الناس سراً، حتى نزل قول الله تعالى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر:94] فصدع بأمر الله تعالى وجهر بدعوته صلى الله عليه وسلم، فجعل المشركون يسخرون ويستهزءون به، ويؤذونه بالقول وبالفعل، وكان من أشد الناس له إيذاءً وسخرية عمه أبو لهب الذي قال الله فيه: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد:1-5] وأيضاً كانت امرأته تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    واشتد أذى قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ حتى حبسوه في الشعب ثلاث سنوات وأكل ورق الشجر، وألقوا عليه فرث الناقة وسلاها وهو ساجد صلى الله عليه وسلم بجوار بيت الله الحرام، فلم يقدر أحد على رفعه عنه، فلم يزل ساجداً حتى جاءت فاطمة رضي الله عنه فألقته عن ظهره الشريف صلى الله عليه وسلم.

    دعوة الرسول لأهل الطائف ومبايعة الأنصار

    لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم الاستهانة وكثرة الأذى له ولأصحابه؛ خرج إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الإسلام، وقابل رؤساءهم وعرض عليهم الإسلام فردوا عليه رداً قبيحاً، وأرسلوا غلمانهم وسفهاءهم يقفون في وجهه ويرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه صلى الله عليه وسلم، فرجع مهموماً مغموماً مكروباً، ماداً يد الافتقار إلى رب العزة والجلال، فيأتيه ملك الجبال فيقول: يا محمد! إن شئتَ أطبقت عليهم الأخشبين، فماذا يقول صلى الله عليه وسلم؟ يقول: {لا. لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً} الله أكبر، لا إله إلا الله، صدق الله لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.

    يقول بعض المفسرين: ما وصف نبي من الأنبياء بمثل هذا الوصف الذي وصف الله به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم رءوف بالمؤمنين.

    رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف ومد يد الافتقار إلى الله جل وعلا فقيض الله له الأنصار، فبايعوه على عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يمنعوه إذا قدم عليهم مما يمنعوا منه نساءهم وأبناءهم.

    تآمر قريش على قتل الرسول

    عندما علمت قريش بخبر المبايعة ترصدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتمعوا على التخلص من محمدٍ صلى الله عليه وسلم، كما يروي أهل السير أنهم اجتمعوا في دار الندوة واجتمع معهم الشيطان -قاتله الله- فجاءهم في صورة رجل نجدي، فاجتمع معهم في دار الندوة فصدر رأيهم على أن يخرجوه من بلدته، وكل رأيٍ لا يوافق الشيطان يعترض عليه، ويقول: هذا ليس برأي، وآخر رأي اجتمعوا عليه، قالوا: نجمع من كل قبيلة شاباً ويضربوه ضربة واحدة ويتفرق دمه في القبائل، فلا تقدر بنو هاشم أو بنو طالب أن تطالبنا بدم، فقال هذا الشيطان: هذا هو الرأي -قاتله الله- فاجتمعوا على ذلك، وجمعوا من كل قبيلة شاباً على أن يقتلوا محمداً صلى الله عليه وسلم ويتفرق دمه بين القبائل، وترصدوا له عند الباب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087507180

    عدد مرات الحفظ

    772747407