إسلام ويب

انتبه .. إنها الساعة الحاسمةللشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كل نفس لابد لها من أن تأتيها الساعة الحاسمة التي تفارق فيها الدنيا إلى البرزخ ثم إلى الدار الآخرة حيث تجزى بما عملت إن خيراً فخيراً أو شراً فشراً، وهذه الحقيقة لم يعها إلا المؤمنون، ولهذا تحققوا بجملة صفات استعداداً لهذه الساعة وما بعدها، فتراهم إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا نادى المنادي: حي على الصلاة استجابوا غير متثاقلين، وكانوا في جميع شئونهم على ربهم متوكلين.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! أحييكم جميعاً بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    لقد رغب الأبناء أن نتحدث سوياً عن الساعة الحاسمة الفاصلة، تلك الساعة التي قضى بها الله تعالى علينا، حيث لا مخرج ولا مفر ولا محيص ولا مناص، إنما مقبلون عليها وهي مقبلة علينا، الساعة التي نرتحل فيها من هذه الدار لننزل في دار أخرى نزولاً مؤقتاً كهذا، وهي دار البرزخ؛ الحياة بين الحياتين، ثم نرتحل ارتحالاً آخر إلى حيث القرار الدائم والخلد والبقاء إما في عليين وإما في سجين، ونعوذ بالله أن نكون من أهل سجين.

    معاشر الأبناء والإخوان! بهذا قرر الله وحكم، والله إذا حكم لا يعقب على حكمه، وإليكم نطق الحكم الإلهي هو قوله عز وجل: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185]، أرأيتم لو قيل لأحدنا: لقد صدر حكم الموت عليك، وقد قضت بذلك المحكمة وأعلن عن الحكم، ويلقى بهذا الخبر إلى أحدنا يلقيه إليه عبد صادق لا يشك فيما يقول ولا يرتاب فيما يقدم، أسائلكم بالله كيف تكون حالة أحدنا في تلك اللحظة التي يبلغ فيها أن المحكمة العادلة قد قضت بالحكم عليك بالموت؟ لا شك أن كل شيء يتغير أمام نظره، ونحن محكوم علينا وليس هناك من يجد من يشفع له في إبطال هذا الحكم ولا في تأخيره ولو ساعة، واسمعوا قول الحاكم العليم إذ يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:9-11]، وهذا الأجل المحدد المعين المضغوط إنه باللحظة الواحدة، ولا يقبل تقديماً ولا تأخيراً.

    ولنستمع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ( إن روح القدس -يعني: جبريل عليه السلام- ألقى في روعي: لا تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ).

    صدر حكم الله علينا، فهيا بنا نتصور ذلك الواقع الذي سوف يلقانا ونلقاه.

    انظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسندته أم المؤمنين إلى صدرها وهو يعاني سكرات الموت، ومن هو؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسندته إلى صدرها وقالت: قبض رسول صلى الله عليه وسلم بين صدري ونحري، وهو في تلك الساعة الفاصلة يعاني من سكرات الموت وآلامه وشدته، ويغمس يده في ركوة فيها ماء إلى جنبه ويمسح جبينه بالماء ويقول: ( إن للموت لسكرات، ثم يرفع طرفه إلى السماء ويقول: اللهم في الرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى )، ويعني بالرفيق الأعلى أقواماً تهيئوا لهذا الموقف واستعدوا له، فكان أن أكرمهم الله بجواره، وأنزلهم في ذلك الملكوت الأقدس الأطهر في الملكوت الأعلى، إنه ما جاء في قول الله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، هذا هو الرفيق الذي تاقت إليه نفس رسول الله وهو يجود بها ويقول: ( اللهم في الرفيق الأعلى ).

    نحن لا ندري، ومن يدري هل نكون من ذلك الرفيق، أو نكون من ذلك الرقيق الذي لا يرفع إلى السماء ولا تفتح له أبوابها، وتعود تلك الروح ولها ريح كريهة أشد من ريح الجيف من الحيوانات، إنها والله لتصد من السماء، ولا يفتح لها بابها، وتعود إلى الأرض وتدخل تلك الجثة النجسة التي كانت مقرها في حياتها، وهي تصرخ بصوت يسمعه كل شيء إلا الثقلين الإنس والجن، تصرخ بأعلى صوتها: إلى أين يذهب بها؟ ولا تدري مصيرها، صوت يسمعه كل المخلوقات إلا الثقلين: الإنس والجن.

    إيه يا معشر المستمعين والمستمعات! إنها ساعة القبر أشد وأعظم من ساعة الموت والاحتضار، إن هذا القبر حفرة من حفر النار، أما ما يجري فيه من امتحان واختبار يشيب لهوله الأطفال، ومن هنا ما إن أوحي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه حتى ما ترك صلاة يصليها إلا استعاذ بالله من عذاب القبر، ما ترك صلاة من يوم أن علم بعذاب القبر إلا استعاذ فيها من عذاب القبر، في أربع كلمات: ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال ).

    ماذا يلاقي العبد من الملكين: منكر ونكير، من يصف لنا صفتهما؟ ومن يقوى على تخيلها أو تصورها؟

    إنه ما إن يسأل فيتيه في حيرته ولا يعرف جواباً لسائليه، فيقول: هاه هاه لا أدري، فيضرب ضربة نعجز عن تقديرها حق التقدير.

    وبالتالي تؤخذ تلك الروح بعد فتنة القبر ومحنته وما ذاقت فيه من آلام تلقى في عالم مظلم اسمه: سجين، فتبقى محبوسة إلى يوم الدين، لا يفارقها الشقاء ولا يزاولها العذاب أبداً، وهي والله لتحس أكثر من إحساسنا وتتألم أشد من آلامنا لو حرقنا الآن أو صلبنا أو قطعنا إرباً إرباً، فوالله لتجوع أشد من جوعنا، وتعطش أشد من عطشنا، وتألم بالاغتراب والبعد عن الأهل والأصحاب أشد مما نألم نحن من ذلك.

    فهذه النفس البشرية وهذه الساعة الفاصلة التي تنتظرنا، أرأيتم لو زكيناها لو طيبناها لو طهرناها فتأهلت بذلك للملكوت الأعلى، ألم يكن خيراً لنا؟ ألم يكن أجدر بنا؟ ألم يكن أولى بنا من أن نلوثها بأوضار الذنوب والآثام؟ سنحرمها من ذلك الملكوت الأقدس، إنه الكراديس العلى في مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088583279

    عدد مرات الحفظ

    777490114