إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 29للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بعد ما تعرض له النبي صلى الله عليه وسلم من الحصار في شعب أبي طالب، وبعد ما أصابه من الحزن على فقد عمه الشفيق، الذي كان يرد عنه أذى المشركين، ثم موت زوجته الرءوم المحبة خديجة، بعد ذلك كله أراد الله مكافأة نبيه على صبره وتحمله وتجلده لهذه الأحزان، فهيأ له رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم رحلة المعراج إلى الملكوت الأعلى، حيث رأى من آيات ربه الكبرى، فكان في ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم وأي تسلية.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فقد انتهى بنا الدرس إلى مقطوعة درسنا بعضها ولم نستكملها، فإليكموها وافية نافعة بإذن الله تعالى.

    قال المصنف: [خروج الحبيب صلى الله عليه وسلم] من أين خرج، ولِم خرج؟ وماذا استفاد من خروجه، وماذا تم له؟

    قال: [ خروج الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى الطائف] والطائف معلومة معروفة، وهي من ديارنا أيها المؤمنون [يطلب النصرة لدينه] لما لم يجد من ينصره في مكة رأى أن يذهب إلى الطائف ليتصل ببعض الشخصيات ذات الأثر في المجتمع علهم يمدون له يد العون والمساعدة، من أجل أن يبلغ دعوة الله عز وجل.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ولسائر المؤمنين: [وبعد أن فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب ] الذي كان العضد القوي الذي يشد من أزره صلى الله عليه وسلم [الذي كان عضده القوي، وحماه المنيع] وحقاً ما استطاع مجرم ولا مشرك ولا ظالم أن ينال من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبداً أيام عمه أبي طالب ، ثم لما توفي تجرءوا على الرسول صلى الله عليه وسلم.

    قال: [خرج إلى الطائف يطلب ناصراً من ثقيف ينصره على قومه] وثقيف من قبائل العرب الأشداء الأقوياء، مُعترف لهم بذلك [ويعينه على إبلاغ دعوته] وهي القائمة على مبدأ: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. من قال هذه الكلمة صادقاً موقناً تهيأ لأن يعبد الله وحده وبكل ما شرع، وتهيأ أن يطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلم محاب الله ومكارهه من طريقه صلى الله عليه وسلم، وما كان يطلب الرسول إلا هذا، أن يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

    قال: [خرج وهو راجٍ أن يقبل أهل الطائف منه ما جاءهم به من الله عز وجل] والمؤمن يرجو ربه ولا ييأس ولا يقنط [ولما وصل الطائف قصد ثلاثة أنفار من ثقيف هم سادة ثقيف وأشرافها] ومن هم؟ [وهم الإخوة الثلاثة: عبد يا ليل بن عمرو بن عمير ومسعود وحبيب وكان عند أحدهم امرأة من قريش، فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله، وكلمهم بما جاءهم من نصرته] على الإسلام [والقيام معه على من خالفه من قومه، فقال أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك!!] يعني: أنه يمزق ثياب الكعبة إن كان ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم هو الحق!! وهي معصية ما فوقها معصية عندهم. هذا الأول.

    [وقال الآخر: أما وجد الله أحداً يرسله غيرك؟! وقال الثالث: والله! لا أكلمك كلمة أبداً، لئن كنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أردَّ عليك، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك!!] وهذا أسوأ من الاثنين.

    وللموعظة: لو أن داعية من دعاة المسلمين اليوم واجه مثل هذه الكلمات لأصيب بصدمة نفسية ولم يرفع رأسه بعد ذلك يدعو إلى الله! ولكن الحبيب صلى الله عليه وسلم تحمّل، وحُق له أن يتحمّل.

    [فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم] من عند أولئك الأشراف، سادات ثقيف، الذين رأى فيهم أنهم قد يجيبونه إلى ما يدعوهم إليه [وهو يائس من خير ثقيف] وهو كذلك. فإذا كان أشرافهم وعظماؤهم وخيرتهم فعلوا هذا فكيف بباقي الناس [وقد طلب إلى الإخوة الثلاثة أن لا يذكروا ما دار بينهم إلى قريش] يعني: إن كنتم لم تجيبوني وأسمعتموني ما آذاني فأطلب وأرجو منكم أن لا تذكروا هذا لقريش، فلا تقولوا أتانا وفعلنا وقلنا [فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم] والسفهاء: جمع سفيه وهو من لا رشد له كالأطفال، والعبيد: الخدم [يسبونه ويصيحون به ويرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه -صلى الله عليه وسلم-] هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم تدمى عقباه ويصيح به الصبيان والمجانين والعبيد ويسخرون به فأين نحن منه؟!

    [وألجئوه إلى حائط -أي بستان-] اضطروه إلى أن يدخل هارباً بنفسه إلى هذا البستان [لابني ربيعة عتبة وشيبة ، وعمد صلى الله عليه وسلم إلى ظل شجرة عنب فجلس تحتها مستظلاً بها، فلما اطمأن وسكنت نفسه] أي: هدأ روعه وألمه وتعبه [قال: ( اللهم! إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين! أنت ربُ المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسعُ لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك )] وبعض أهل العلم يضعفون هذه الرواية، وأنا أكاد أجزم أن هذا لن ينطق به إلا محمد صلى الله عليه وسلم، وكونه قال: (إلى من تكلني؟!) فليس في هذا شيء، ومعناه: إلى من تكلني؟ إلى فلان وفلان! أي: تول أنت أمري. وهذه دعوة نقولها نحن دائماً: اللهم! لا تكلني إلى نفسي ولا إلى أحدٍ سواك طرفة عين. فأنا أقول: هذه الكلمات النورانية لا يستطيع أحد أن يخترعها أو ينفثها من صدره غير محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأعيدكموها لأني معجب بها:

    ( اللهم! إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس، ) لأنهم رموه بالحجارة ( يا أرحم الراحمين! أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟! إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟! إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسعُ لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك ).

    [ولما فرغ صلى الله عليه وسلم من مناجاته ربه عز وجل] كان يتكلم سراً مع الله، والله يسمعه ويراه [ورآه ابنا ربيعة عتبة وشيبة : دعوا غلاماً لهما] أن تعال يا غلام (خادم) [يقال له: عدّاس ، وأمراه أن يأخذ قطفاً من عنب فيضعه في طبق، ثم يذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضعه بين يديه، ويقول له: كل من هذا] أي: كُل من هذا الذي وضعته بين يديك [ففعل عداس ] ما أمر به من قبل المالكين [فلما وضع الرسول صلى الله عليه وسلم فيه يده قال: "بسم الله" ثم أكل، فنظر عداس في وجهه، ثم قال: والله! إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد] يعني: بسم الله عند الأكل لا يعرفها أهل هذه البلاد، وحلف على ذلك [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ومن أي البلاد أنت يا عداس ؟! وما دينك؟ )] لم يكن يعرفه من أين [قال: نصراني] مسيحي [وأنا رجلٌ من أهل نينوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟! فقال له عداس : وما يدريك ما يونس بن متى؟ )] يعني كيف عرفته؟! [( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي. فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه، ويديه وقدميه )] لأن المسيحي خير من المشرك، وإلى اليوم المسيحي خير من ألف شيوعي ملحد [وهنا نظر ابنا ربيعة أحدهما للآخر] متعجبين [وقال له: أما غلامك فقد أفسده عليك] قال لأخيه: أما غلامك -خادمك- فقد أفسده عليك [فلما جاءهما عداس ، قالا له: ويحك يا عداس ! ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي! ما في الأرض شيء خيراً من هذا] الله أكبر! [لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي] وقصة يونس عليه السلام معروفة [فقالا له: ويحك يا عداس ! لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه] كلام رائع! فما داما يعرفان أن له دين، فلم لا يكون لهم هم أيضاً دين؟!

    [وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عائداً من الطائف بعد أن أيس من خير ثقيف] لا خير عندها [حتى إذا كان بنخلة] وهو واد بين مكة والطائف موجود حتى الآن [قام من جوف الليل يصلي] لأن الصلاة فرضت [فمر به نفرٌ من الجن الذين ذكرهم الله تعالى في سورة الأحقاف في قوله: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا [الأحقاف:29]] الآيات.. وهم من جن نصيبين] ما إن سمعوا القرآن حتى صاح بعضهم ببعض: أنصتوا! -والرسول يصلي ويقرأ- وما إن فرغ حتى قالوا: هيا نعود إلى ديارنا نحمل هذه الدعوة، وجاء هذا مفصلاً في سورة الأحقاف؛ إذ قال تعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ .. [الأحقاف:29-32] الآيات.

    وحسبهم أن نزلت فيهم سورة الجن: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجن:1-2]، إلى آخر الآيات، وكلها فرحة بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فيستحيل أن يكون هذا ليس كلام الله أو يكون هذا ليس برسول الله، والله يدخل في رحمته من يشاء.

    قال: [وكانوا سبعة نفر وحملوا رسالة الله تعالى إلى قومهم منذرين، كما نزلت سورة (الجن) في شأنهم أيضاً، وفيها من أخبارهم الكثير].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088521175

    عدد مرات الحفظ

    777097860