إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 30للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن آيات النبوة المحمدية أكثر من أن تعد أو تحصى، ومن هذه الآيات العظيمة حادثة انشقاق القمر، والتي حدثت بعد أن طلب المشركون من رسول الله آية تدل على صدق رسالته، فلما أراهم إياها لم يزدهم ذلك إلا إعراضاً ونفوراً، ثم بعد ذلك دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بسنين كسني يوسف، فناشدوه أن يدعو الله لهم أن يكشف عنهم، فلما كشف الله عنهم ذلك لم يؤمنوا، ثم جاءت الآية الأخيرة وهي بشارته صلى الله عليه وسلم بانتصار الروم على الفرس، وإيذان الله بذلك بفرح المؤمنين ونصرهم على عدوهم من المشركين في بدر.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فقد انتهى بنا الدرس إلى قول المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ونزل الحبيب صلى الله عليه وسلم صحبة جبريل عليه السلام إلى بيت المقدس] وقد تقدم أن الإسراء بالحبيب صلى الله عليه وسلم والعروج به إلى الملكوت الأعلى كان بعدما عانى صلى الله عليه وسلم من الآلام والأتعاب طوال عشر سنوات لاقى فيها مر العذاب، فأراد الله عز وجل أن يخفف عنه آلامه وحسراته وما كان يعانيه فرفعه إليه، من بيت أم هانئ إلى المسجد الحرام إلى بئر زمزم، ثم أجريت له عملية التطهير وحشي قلبه بالإيمان والحكمة، وأصبح أهلاً لأن يعايش أهل الملكوت الأعلى ورفع بعد ذلك، وها نحن نواصل حديث الإسراء ..

    قال المؤلف: [ونزل الحبيب صلى الله عليه وسلم صحبة جبريل عليه السلام إلى بيت المقدس] لما أسري به من مكة إلى بيت المقدس على براق -دابة خلقها الله لهذه المهمة ما بين البغل والحمار- ربطها في حلقة باب المقدس وتركها كذلك وعُرج به، وتم الذي تم ونزل والدابة مربوطة عند الباب، وعاد بها إلى مكة[فنزلت الأنبياء يشيعون الحبيب صلى الله عليه وسلم] نزلت الأنبياء من الملكوت الأعلى، من دار السلام، من الجنات، إلى مسجد بيت المقدس ليشيعوا نبيهم صلى الله عليه وسلم ويودعوه [فصلى بهم صلاة الصبح بالمسجد الأقصى] فلهذا يعرف بإمام الأنبياء؛ إذ أمهم وصلى بهم [وركب البراق -حيث تركه مربوطاً بحلقة الباب- وعاد إلى مكة في صبيحة تلك الليلة، وقد ذهب عنه كل كرب وغم وحزن وهم] بعد عشر سنين لاقى فيها من العذاب ما لاقى، وكأنكم تذكرون ذهابه إلى الطائف وعودته منه، وتذكرون الحصار الذي دام ثلاث سنوات في شعب بين جبلين [وعاد أوفر ما يكون ثقة وطمأنينة، وتلك ثمرة هذه الرحلة المباركة إلى الملكوت الأعلى، إذ رأى فيها بأم عينيه ما كان أخبر وتلقاه وحياً من ربه، فصدَّق الخُبرُ الخبر] ما كان غيباً وأخبر به عن طريق الوحي شاهده بأم عينيه، فصدق الخُبر الخبر [وليس من رأى كمن سمع] هذا مثل [والحمد لله ذي الإنعام والجلال والإكرام. وكيف قابلت قريش هذا النبأ العظيم؟] نبأ الرحلة إلى الملكوت الأعلى [إنه صلى الله عليه وسلم قد عاد إلى المسجد الحرام وجلس فيه -وهو لا يدري- بم تقابل قريش هذا النبأ العظيم، والحدث الجلل، فما زال جالساً حتى مر به أبو جهل ] طاغية المشركين [عليه لعائن الله، فسأله قائلاً مستهزئاً: ( هل استفدت الليلة شيئاً؟ فأجاب المصطفى صلى الله عليه وسلم: نعم. أسري بي الليلة إلى بيت المقدس. قال أبو جهل : ثم أصبحت بين ظهرانينا )] المسافة تحتاج إلى أربعين ليلة [( قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم. فقال أبو جهل : أُخبر قومك بذلك؟ )] أي: بهذا الذي تقول من الرحلة [( فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم )] أي: أخبرهم [فقال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤي، هلموا] يعني: تعالوا [فأقبلوا] يسرعون [فحدثهم النبي صلى الله عليه وسلم فمن مُصدق، ومن مكذب مصفق واضع يده على رأسه؛ استعظاماً للخبر وإنكاراً له، وتعجباً منه] منهم من صدق، ومنهم من كذب وأنكر، ومنهم من استهزأ وسخر، ووضع يديه على رأسه متعجباً مستنكراً[ولشدة ما أثار الخبر من سخرية وتعجب ارتد بعض من آمن ولم يرسخ الإيمان في قلوبهم] إنها هزت الإعلام القوية! هناك من رجع إلى الشرك بعد الإيمان، ولكنهم عدد قليل، وهم الذين أسلموا حديثاً ولم يرسخ الإيمان في قلوبهم [ولم تخالط بشاشته قلوبهم. ومشى رجالٌ من المشركين المستهزئين إلى أبي بكر الصديق ] لأنهم يعرفون صحبته وولايته لرسول الله صلى الله عليه وسلم [وقالوا له: إن صاحبك يزعم أنه قد أُسري به إلى بيت المقدس، فقال الصديق : إذا كان قال هذا فقد صدق! إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء يأتيه في غدوة أو روحة، فلقب أبو بكر بـالصديق من يومئذ] هذه هي الجائزة التي فاز بها، تمت في هذا الحدث الجلل[واجتمع رجال من قريش، وأرادوا امتحان النبي صلى الله عليه وسلم] فيما أخبر به عن الإسراء والمعراج [فقالوا له: انعت لنا المسجد الأقصى] يعني: ما دامت تقول إنك وصلت إليه، فانعته له، فنحن عرفناه وزرناه [فأخذ ينعته لهم، فالتبس عليه] عندما أخذ يحدثهم التبس عليه، نسي بعض الجهات أو الشرفات أو الأبواب [فجيء له بالمسجد ينظر إليه وينعته لهم] والذي يكذب بهذه الحادثة الآن لا عقل له، لِم؟ لأن شاشة التلفاز تعرض عليك أمريكا بما فيها، وفي محراب النبي صلى الله عليه وسلم عرضت الجنة بكاملها، وكانت عناقيد العنب مدلاة وهمّ أن يأخذها، وعرضت النار بكاملها ورأى أكثر أهلها النساء، وآمن المؤمنون والمؤمنات بذلك، أما الآن فالإيمان لم يعد كالسابق؛ لأنه ليس هناك ما يدعو للتكذيب، فكفر اليوم قذر لا قيمة له، لأن كل شيء قد كشف، ونحن نحقر أنفسنا، فما نحن بشيء، أين الغيب الذي نؤمن به؟ كل شيء أصبح شهادة، ولهذا إنّ يوماً سيأتي لا يقبل الإيمان فيه أبداً.

    قال: [وعندئذ قالوا له: أخبرنا عن عيرنا القادمة من الشام] يعني ما دمت جئت في الطريق فأخبرنا عن قافلتنا القادمة من الشام [فقال: ( قد مررت على عير بني فلان بالروحاء وقد أضلوا بعيراً لهم، وهم في طلبه فسلوهم عن ذلك، ومررت بعير بني فلان وفلان وفلان، ورأيت راكباً قعوداً بذي مرّ فنفر بكره منه فسقط فلان فانكسرت يده فسلوه )] وهذه أعظم [( ومررت بعيركم بالتنعيم يقدمها جمل أورق عليه غرارتان تطلع عليكما طلوع الشمس ) فخرجوا إلى الثنية فجلسوا ينتظرون طلوع الشمس، ليكذبوه، وفجأة قال قائل: هذه الشمس قد طلعت، فقال آخر: والله هذه العير قد طلعت يقدمها بعير أورق كما قال. ومع هذا لم يؤمنوا، وقالوا: إن هذا إلا سحر مبين، وأنزل الله تعالى مصداق ذلك فاتحة سورة (الإسراء - بسم الله الرحمن الرحيم: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1].

    فلهذا التكذيب بالإسراء والمعراج كفر، ومن كذّب كفر، فالمعراج ذكر في سورة (والنجم)، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [النجم:13-15]، أي: رأى جبريل مرة أخرى في الملكوت الأعلى بالضبط عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [النجم:14-15]، وكان الإسراء بالجسد والروح، والمرضى والمصابون بالعقلانيات والفلسفات الكاذبة يقولون: كان بالروح فقط، ولِم؟ أيعجز الله أن يرفع أحداً؟ قد يرفع أهل الأرض كلهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088462540

    عدد مرات الحفظ

    776870428