إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 35للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما أن دنا النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من المدينة نزلا بقباء وهي على بعد ثلاثة أميال منها، وفي أثناء إقامته صلى الله عليه وسلم بها بنى أول مسجد في الإسلام، فلما انتهى من بنائه توجه إلى المدينة وما إن وصلها حتى استقبله الأنصار مهللين مكبرين، وقد غصت بهم الطرق وامتلأت أسطح المنازل بالنساء والأطفال، وكان رسول الله يسير في طرقات المدينة راكباً ناقته، تاركاً لها الحبل على الغارب، فما إن وصلت إلى باب بيت أبي أيوب الأنصاري حتى بركت وضربت بجرانها في الأرض، فعرف حينذاك المكان الذي سيقيم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فقد انتهى بنا الدرس إلى مقطوعة تحت عنوان: [في طيبة دار الحبيب صلى الله عليه وسلم] وطيبة هي المدينة النبوية، ونحن في المدينة، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لقد مات الملايين وهم في شوق لأن يشاهدوها ويدخلوها، ومن أتوها وعادوا كانوا يبكون بأعلى أصواتهم لا يريدون مفارقتها، وذلك لكمال إيمانهم وحبهم الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أما نحن فندخن فيها، ونغني، ونزمر، ونكذب، ونقول الباطل، ونأكل الحرام، فسبحان الله! كيف يستسيغ مؤمن هذا؟!

    ومن يوم أن أكرمنا الله بالجلوس في هذا الدرس -من حوالي أربعين سنة- ونحن نقول: الذي لا يستطيع أن يستقيم في الحرمين عليه أن يخرج، وأرض الله واسعة، لا يبقى أبداً في بلد يلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من يحدث فيه حدثاً أو يؤي محدثاً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( المدينة حرام من عير إلى ثور من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل ).

    فإذا كنت لا تريد أن تستقيم على منهج الطهر والحق فارحل وبلاد الله واسعة، لا تدنس أو تنجس أرض القدس والطهر، وقلنا: لا يحل لك أن تفتح صالون حلاقة تحلق فيه وجوه الفحول في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يحل لك أن تحدث ما يسمونه بالاستوديو للتصوير، أو دكاناً تبيع فيه الأغاني، والآن ما إن ظهرت تلك الطامة الكبرى -الصحن الهوائي- حتى صرخ العلماء وبكوا، وأصدر المفتي -حفظه الله- فتياه، والناس يعاندون الله ورسوله والمؤمنون، وكأنهم يقولون: رغم أنفك، فتجد في السطح ثلاثة دشوش، في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي مكة بلد الله، أين الإيمان؟ اسألوا عن الإيمان ما هو، حتى تؤمنوا إيماناً حقيقياً، وإذا لم يكن لكم رغبة في الله والدار الآخرة، ارحلوا، انزلوا ببريطانيا أو فرنسا أو إيطاليا، ولا تبقوا بدار الإيمان.

    ويعفا عن مؤمن مستقيم زلت قدمه يوماً من الأيام فارتكب ذنباً ثم صرخ وبكى منه وتاب، أما هذا التحدي فلا يقبل أبداً، ووالله إن له لعاقبة، فقد وردني بالأمس كتاباً من مؤمنة تبكي وتقول: ولدي في عمر سبع عشرة سنة يفجر بأخته مرتين، فماذا نصنع؟ لأنه يشاهد العواهر في المعارض، والضحك والألاعيب، والمرأة تقبل الرجل وو.. حتى إتيان الفاحشة يؤتى في آخر الليل في الدش. إن من يربي أولاده على هذا يستوجب المسخ والطرد من هذه الديار، كيف يبلغه أن هذا حرام، وأنه يفسد عقله ودينه، ويطرد الملائكة من بيته، وأنه يصبح غير مؤمن ويصر على أن يفعل، أنا لا أحسب هذا مؤمناً ولا عرف الله.

    وهكذا ننتظر نقمة الله، ووالله إن لم يتداركنا الله بتوبة لحل بنا ما حل بالمسلمين، حيث أذلهم اليهود والنصارى قرناً كاملاً من أقصى الشرق إلى الغرب؛ لفسقهم وفجورهم وإعراضهم عن كتاب الله ورسوله، وفساد قلوبهم وعقائدهم.

    قال: [إن الثلاث عشرة سنة التي قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة من يوم مبعثه إلى يوم هجرته كانت كلها آلاماً ودموعاً وأحزاناً، لم ينعم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بساعة سرور، أو يوم راحة قط. إلا أن العشر سنين التي قضاها بالمدينة كانت كلها جهاداً متواصلاً لم يفتر شهراً واحداً، ولم ينعم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالراحة يوماً واحداً، وكان شظف العيش فيها بالغ أشده، فلم يشبع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز شعير مرتين في يوم واحد قط] ونحن نتقلب في هذا النعيم ونضحك، كأننا نملك صكوكاً من الله عز وجل ألا نضرب ولا يُنتقم منا.

    [نعم لقد كانت للحبيب صلى الله عليه وسلم بدار الهجرة أياماً مشرقة، إلا أن أكثر أيامها كانت محرقة، وهلم بنا -إخوة الإيمان- نعيش بأرواحنا مع رسولنا وحبيبنا تلك السنين العشر التي عاشها صلى الله عليه وسلم بالمدينة دار هجرته وحاضرة دولته، دولة الإسلام الخالدة، وسوف نشعر بأننا السنين العشر ما كانت السنة الواحدة منها إلا عشر سنوات، فعشر السنين كانت وكأنها مائة سنة أو تزيد] ما تحقق فيها لا يتحقق في عشر سنين [وذلك لما تم فيها من جلائل الأعمال، ما تخللها من عظائم الأمور، والله نسأل أن يرزقنا البكاء عند ذكر ما يبكي منها، وأن يرزقنا الفرح عند ذكر ما يُفرح، فيكون ذلك شاهد حبّنا للحبيب صلى الله عليه وسلم، وآية إيماننا به، وعنوان إسلامنا لربنا وإحساننا في ديننا.

    فهيا بنا نعايش الحبيب وصحبه بأرواحنا وإن لم نعايشهم بأبداننا؛ لطول العهد، وفضل ما بيننا وبينهم، إذ هم كواكب مشرقة في السماء تنير الأرض لأهلها، وأما نحن فإننا ضعيفو الصلة بالسماء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088518433

    عدد مرات الحفظ

    777079699