إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 67للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • غزوة ذات الرقاع من الغزوات التي غزاها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، وقد كان من سببها أن علم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن قبائل من غطفان قد تجمعوا لحربه والمؤمنين، فخرج إليهم في أربعمائة من الصحابة الكرام، فلما علموا بخروج الرسول والمؤمنين تفرقوا في شعف الجبال، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فلم تحدث مواجهة بينهم وبين المسلمين، ورجع المسلمون إلى المدينة سالمين، وقد لقي المسلمون في هذه الغزوة شدة وتعباً شديداً، حتى إنهم أكلوا أوراق الشجر، وكانوا يعصبون الرقاع على أرجلهم من شدة الحر حتى تقطعت، ولذلك سميت هذه الغزوة بغزوة ذات الرقاع.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فقد انتهى بنا الدرس إلى غزوة هي ثاني غزوات نبينا صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة من الهجرة المحمدية وهي [غزوة ذات الرقاع]، والرقاع جمع رقعة، وهي: ما يرقع الإنسان به ثوبه أو حتى رجليه.

    قال: [ذُكر] أي: ذكر أهل السيرة النبوية [في سبب هذه الغزوة أن بني محارب وبني ثعلبة من غطفان] قبيلتان من غطفان [قد جمعوا الجموع] من الرجال المقاتلين [وأجمعوا أمرهم] بنظام ودقة وحزم [على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم] جمعوا رجالهم وعتادهم وأجمعوا على أن يحاربوا الرسول صلى الله عليه وسلم [فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم] سواء كان بواسطة الوحي أو بواسطة العيون والناس الذين ينتقلون من مكان إلى مكان، المهم أنه بلغه يقيناً أن هاتين القبيلتين قد جمعتا رجالهما وعتادهما وأجمعتا على حربه صلى الله عليه وسلم، ولا عجب إذ هم كافرون مشركون، وعز عليهم أن تعلو أنوار الإسلام والتوحيد، فقالوا: نقاتله!

    [فخرج إليهم في أربعمائة مقاتل من المهاجرين والأنصار، واستخلف على المدينة أبا ذر الغفاري أو عثمان بن عفان رضي الله عنهما] اختلف في أيهما استخلف، فنقول: إما عثمان وإما أبا ذر ، واستخلفه في المدينة ليقوم مقامه في إجراء الإحكام، كالحاكم العام [وسار إليهم] بجيشه [وهم بجوار نجد فنزل -نخلاً- وهو موضع من نجد في أرض غطفان] وكلمة نجد تعني شرق المدينة.

    [ولما علم بمسيره] صلى الله عليه وسلم [من أجمعوا أمرهم على قتاله: تفرقوا ولحقوا برءوس الجبال] ولا ننسى قوله صلى الله عليه وسلم: ( نصرت بالرعب مسيرة شهر )، فما إن علم هؤلاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أجمع على حربهم وخرج برجاله حتى تفرقت كلمتهم وتمزقت صفوفهم والتحقوا برءوس الجبال شاردين هاربين. وهذه آية من آيات النبوة!

    قال: [فلم يكن قتال] في هذه الغزوة. ما حصل فيها قتال بين المؤمنين والمشركين [وسميت هذه الغزوة بذات الرقاع] لِم؟ [لأنهم كانوا يعتقبون البعير كل ستة ببعير] كان كل ستة رجال يركبون بعيراً يتناوبونه، يمشي أحدهم كيلو متر أو اثنين ثم يهبط ليركب الثاني.. وهكذا، وعددهم كان أربعمائة، وإذا قسمت الأربعمائة على ستة وجدت أن معهم ستة وستين بعيراً تقريباً، والبعير لا يعتقبه إلا اثنان فقط، لا يحمل أكثر من اثنين.

    [وكان الفصل] أي: الوقت [صيفاً، ولم يطيقوا الحر] إذا مشوا على أرجلهم حفاة لا يطيقون أن يمشوا من شدة الحرارة [فكانوا يلفون الخرق على أرجلهم، فسميت ذات الرقاع] لهذا السبب. وكانوا يتوضئون ويمسحون على الرقاع، وفي هذا دليل فقهي على أنه ليس شرطاً أن تلبس الخفين أو الشراب .. فكل ما يستر الرجل عن الحر أو البرد يصح المسح عليه.

    والفقهاء يشترطون للمسح على الخفين شروطاً بلغت تسعة، وبالغوا فيها، والقول الوسط الذي يتلاءم مع الرحمة الإيمانية الإسلامية أن من احتاج إلى أن يلف على قدميه شيئاً يقيه الحر أو البرد جاز له أن يمسح عليه، يتوضأ ثم بدل أن يغسل رجليه يمسح عليهما.

    وفي كيفية المسح يشترط الفقهاء -أيضاً- شروطاً، والذي ثبت في السنة وصح أنه يمسح على ظاهر الرجل مرة واحدة، وعلي رضي الله تعالى عنه كان يقول: "لو كان الدين بالعقل -ما هو بالوحي والشرع- لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه"؛ لأن باطن الخف هو الذي يمس الأرض أو التراب.

    إذاً: سميت هذه الغزوة بغزوة ذات الرقاع؛ لأنهم لفوا على أرجلهم خرق من قماش أو كتان أو صوف ليقوا أنفسهم حر الأرض في أيام الصيف، ومسحوا عليها عند وضوئهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522069

    عدد مرات الحفظ

    777107214