إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 96للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لم تتوقف عجلة الجهاد والدعوة والفتح عند دخول مكة وانصياع أهلها للدخول في الإسلام، بل واصل النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه تبليغ دين الله وكلمته إلى أمم لم تصلها الدعوة ولم تبلغها الحجة ويقام عليها الإعذار، فأرسل وفوداً وجيوشاً إلى مناطق وقبائل، ومنها أنه أرسل خالد بن الوليد إلى بني جذيمة داعياً ولم يأمره بالقتال ثم حصل ما حصل من أحداث بعد ذلك.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    في السنة السادسة كانت غزوة الحديبية، وتم صلح بين الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وبين أعدائهم المشركين مدته عشر سنوات، إلا أن المشركين نقضوا عهدهم، والمعاهدات إذا نقضها أحد الجانبين انتقضت، ومن ثم غزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الثامنة من هجرته عليه الصلاة والسلام.

    قال: [وثاني عشر أحداثها:

    غزوة خالد لبني جذيمة] بعدما فتح رسول الله مكة واستقر الأمر واستتب فيها بعث رجاله يدعون العرب المشركين إلى الدخول في الإسلام؛ لأن رايته ارتفعت ودولته ظهرت، ولم يبق من قتالٍ يقاتل به المشركون. هذا الذي بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ولما فتح الله تعالى على رسوله مكة] بلد الله، الذي أقسم به الجبار مرتين، فقال تعالى: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:1] واللام مزيدة، وقال عز وجل: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ [التين:1-3]. وفيها لغتان: مكة وبكة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غزا مكة في رمضان بعشرة آلاف مقاتل، ومن عجيب ما تم أن القتل كان قليلاً جداً لا يذكر، وهو الأمر الذي لا يقع في التاريخ.

    قال: [بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض السرايا حول مكة يدعون الناس إلى الإسلام] والسرايا: جمع سرية، وهي: مجموعة تسري بالليل أو النهار لأداء مهمة. وكان هذا في شهر رمضان حول مكة لا بعيداً عنها، بعد أن نصره الله وعلت رايته وسقطت عاصمة الشرك والباطل [ولم يأمرهم بالقتال] أي: لم يأمر السرايا بأن تقاتل، بل أمرهم بأن يدعوا فقط؛ إذ لم يبق للقتال معنى ما دامت عاصمة الشرك قد سقطت، إلا من ركب رأسه وأبى أن يقاتل فله أمره، أما مبدئياً فإنما طلب منهم الدعوة فقط.

    [وبعث خالد بن الوليد ] سيف الله في أرضه، لقبه بهذا اللقب وتوجه بهذا التاج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أردتم أن تعرفوا صورة لذلك فاذكروا غزوة مؤتة؛ إذ كان عدد المجاهدين فيها ثلاثة آلاف فقط، وكان عدد الروم ومن معهم من العرب المشركين مائتي ألف، فكيف يقاتل ثلاثة آلاف مائتي ألف؟ واستشهد في تلك المعركة خيرة الرجال، فاستشهد زيد بن حارثة مولى الحبيب صلى الله عليه وسلم، وابن عمه جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، ثم رأى خالد أن الأمر صعب والموقف جد شديد، فتولى القيادة، واستطاع أن يستل ثلاثة آلاف من مائتي ألف، استلال الشعرة من العجين، وذلك بدهائه ومكره في القتال، وعندها لقبه النبي صلى الله عليه وسلم بسيف الله في أرضه، وها هو ذا يبعثه [على رأس سرية داعياً ولم يأمره بالقتال، فنزل على الغميصاء (ماء من مياه جذيمة_ من جهة اليمن [وكانت جذيمة أصابت في الجاهلية عوف بن عبد عوف أبا عبد الرحمن بن عوف والفاكه بن المغيرة عم خالد بن الوليد ] نزلوا في هذا الماء وكانوا يحملون تجارة فقتلتهم جذيمة وسلبت أموالهم كما هي سنة أهل الجاهلية.

    قال: [كانا أقبلا تاجرين من اليمن فأخذت ما معهما] جذيمة [وقتلتهما، فلما نزل خالد بسريته ذلك الماء أخذ بنو جذيمة السلاح] لما نزل خالد برجاله ذلك الماء أخذت جذيمة سلاحها تريد أن تقاتل؛ لأنهم ما أسلموا بعد [فقال لهم خالد : ضعوا السلاح! فإن الناس قد أسلموا] أي: ما بقي حاجة إلى أن تقاتلوا، فقد أسلمت مكة [فوضعوا السلاح] على الأرض بعدما أشهروه [فأمر بهم خالد فكتفوا] من أيديهم وأرجلهم [ثم عرضوا على السيف فقتل منهم من قتل]، وما أصاب في هذا خالد بل أخطأ، ولكنه كان مجتهداً فعفي عنه ولم يؤاخذ.

    [ولما انتهى الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم] بعد أيام [رفع يديه إلى السماء] رفع يديه إلى الله [وقال: ( اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد )] حتى لا يتحمل مسئولية القتل، ولم يأمره به ولا أوصاه بفعله. فهل يقف هذا الموقف اليوم أحد من رجالاتنا ويعتذر إلى الله من أجل غلط بعض الغالطين؟! لا. لا يعرفون هذا ولا يذكروه؛ لأنهم لم يتعلموا، فلم يسمعوا بهذا الموقف.

    قال: [ثم أرسل علي بن أبي طالب ] ابن عمه وصهره زوج فاطمة رضي الله عنهم أجمعين [ومعه مال، وأمره أن ينظر في أمرهم] أي: أمر جذيمة، وما الذي حدث فيهم من قتل وغيره [فودى لهم الدماء] دفع لكل قتيل ديته إلى قومه أو لورثته [والأموال] التي أخذت منهم [حتى إنه ليدي ميلغة الكلاب] وهو إناء من خشب تشرب فيه الكلاب.

    هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين أتباعه؟!

    قال: [وبقي معه من المال فضلة] يعني: سددت الديات، ودفعت الأموال التي أخذت ثم بقي معه شيء زائد [فقال لهم: هل بقي لكم مال أو دم لم يود؟ فقالوا: لا. فقال: إني أعطيكم هذه البقية احتياطاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم] ولو كان منا لحوله إلى خزينته [ففعل، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: (أصبت وأحسنت)] كلمة -والله- خير من الدنيا وما فيها، فقد أصاب الهدف وما أخطأ في تصرفاته ودفع الديات والأموال، وأحسن في عمله ذلك، ففاز بها ابن أبي طالب ، وكان أهلاً لذلك.

    قال: [واعتذر خالد بعد أن دار بينه وبين عبد الرحمن بن عوف كلام] وعبد الرحمن بن عوف هو الذي قتل أباه هناك [وكان أمر الله قدراً مقدوراً، فقد رأى هذا الحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في رؤيا رأها] هذا الحدث الذي سمعناه رآه الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه قبل أن يقع، وعبره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان كما عبر، ورؤيا الأنبياء وحي، والعجيب أن يهيئ الله الصديق -الصاحب الجليل- ليعبرها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

    [قال: ( رأيت كأني لقمت لقمة من حيس )] والحيس: خبز يفت ثم يبل بالزيت أو العسل، ومنه قول الشاعر:

    وإن تك كريهة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب

    فالحيس أكلة معروفة، أمي كانت تعملها، وهي دقيق يشوى أو كذا .. ثم يصب عليه الزيت أو السمن والعسل، هذا هو الحيس.

    قال: [( فتلذذت طعمها )] وجد لذاذتها في نفسه [( فاعترض في حلقي منها شيء حين ابتلعتها )] اعترض منها في حلقه شيء آذاه [( فأدخل علي يده فنزعه )] أي: أتى علي فأدخل يده واستخرج ما كان يؤذيه [( فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله! هذه سرية من سراياك تبعثها فيأتيك منها بعض ما تحب ويكون في بعضها اعتراض فتبعث علياً فيسهله )] وتمت كما قال رضي الله عنه. وهؤلاء هم الذين مع الله والله معهم! وكان أبو بكر رضي الله عنه معروفاً بتعبير الرؤى، وهذه الميزة لا تجد من يتقنها إلا واحداً في كل قرن، فـأبو بكر كان ممن يعبر الرؤى لمن يراها بما فتح الله عليه، وقد عبر حتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088476059

    عدد مرات الحفظ

    776919695