من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم كلامه مع البهائم وتوقيرها له، ومن معجزاته كذلك شفاء المرضى، فقد دعا صلى الله عليه وسلم لغلام ممسوس فخرج منه الجني بدعاء المصطفى، ودعا لضرير بأن يرد الله عليه بصره فعاد بصيراً كما كان من قبل، وغيرها من المعجزات التي تشهد بصدق نبوته صلى الله عليه وسلم وتأييده من رب العزة والجلال.
قال: [وسابعة عشر المعجزات: توقير الوحش له صلى الله عليه وسلم واحترامه.
فقد روى أحمد بسنده عن مجاهد قال: قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان لآل رسول الله )] أهل بيته [( وحش )] أي: حيوان مستوحش من البر [( فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب واشتد وأقبل وأدبر، فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل ربض، فلم يترمرم -أي: لم يتحرك- ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت كراهية أن يؤذيه بحركاته )] هذا حيوان وحشي جاءوا به من الصحراء وجعلوه في البيت، فإذا كان الرسول ليس في البيت فإن هذا الحيوان يقفز ويصيح ويجري وكذا، وإذا شعر بالرسول دخل يربض فلا يتحرك أبداً، وهذه معجزة عجيبة.
قال: [فكون الحيوان الوحشي يسكن فلا يتحرك مدة ما هو صلى الله عليه وسلم في البيت، وإذا خرج لعب فأقبل وأدبر -كعادة الحيوان في ذلك- آية من آيات النبوة المحمدية ومعجزة، إذ مثل هذا لا يقع لغير النبي صلى الله عليه وسلم.
وإن قال قائل: إن الإنسان في إمكانه تربية الحيوان على سلوك معين. قلنا: هناك فرق بين التربية وبين عدمها، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما كان ربّى هذا الحيوان] أي: حتى يتأدب معه، فهذا حيوان وحشي، وهناك فرق بين الحيوان الذي تؤدبه وبين من يتأدب بنفسه [ولا كان له به أدنى صلة، وإنما الحيوان أُلهِم احترام النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره، فكان إذا أحس بدخول الرسول البيت سكن وربض وترك الترمرم، وإذا خرج صلى الله عليه وسلم من البيت لعب فأقبل وأدبر حسب فطرته التي فطره الله تعالى عليها، فكان سلوكه الخاص آية من آيات النبوة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية والتسليم]. هذه معجزة.
قال: [وثامنة عشر المعجزات: احترام الأسد لمولاه صلى الله عليه وسلم] فالأسد يحترم خادم الرسول وليس الرسول نفسه، خادم من خدم الرسول الأسد احترمه، وإليكم القصة.
قال: [فقد روى عبد الرزاق صاحب المصنف] روى [أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم] رجل اسمه سفينة مولى خادم الرسول صلى الله عليه وسلم [أخطأ الجيش] وهم في غزوة في أوروبا [بأرض الروم] هم يمشون على خيولهم وأرجلهم فضل الطريق هو وانقطع عن الجيش [أو أُسر في أرض الروم] ضبط على جهة [فانطلق هارباً] أي: أسروه فانطلق هارباً منهم [يلتمس الجيش] الإسلامي [فإذا هو بأسد] والأسد من أفظع الحيوانات [فقال له: يا أبا الحارث] يكنون الأسد بأبي الحارث، فناداه: يا أبا الحارث [-كنية الأسد- إني مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أمري كيت وكيت] يعني: أسرت أو ذهب الجيش عني .. إلى آخره [فأقبل الأسد يبصبصه حتى قام إلى جنبه، كلما سمع صوته أهوى إليه، ثم قام يمشي إلى جنبه فلم يزل] أي: لم يزل الأسد يمشي إلى جنبه [كذلك حتى أبلغه الجيش] أي: وصل به إلى الجيش، فالأسد يحمي هذا الرجل [ثم همهم ساعة، قال: فرأيت أنه يودع] أي: يودعه [ثم رجع عني وتركني].
فهذا سفينة خادم الرسول وليس بالرسول صلى الله عليه وسلم، ومع هذا تتجلى هذه المعجزة أن الأسد يحترم خادم رسول الله ويكرم من شأنه ويحميه بنفسه إلى أن يصل به إلى الجيش، ثم يودع أيضاً مهمهماً، فصلوا عليه وسلموا تسليماً.
قال المؤلف: [فهذه وإن كانت كرامة لــسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها معجزة نبوية؛ إذ الأسد ألان جانبه ورق لـسفينة وماشاه حتى وصل به إلى الجيش بعد أن قال له: يا أبا الحارث! إني فلان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان ما فعله الأسد من احترام سفينة من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذا عدت هذه من المعجزات المحمدية].
قال: [المعجزة الحادية والعشرون: شفاء الضرير بدعائه صلى الله عليه وسلم] فالمريض يشفى بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم.
[فقد روى أحمد بسنده عن عثمان بن حنيف : ( أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يعافيني، فقال: إن شئت أخرتُ ذلك فهو أفضل لآخرتك )] أي: خليك مع مرضك فهو خير لك في آخرتك [( وإن شئت دعوت لك )] وهذا هو الطبيب الحكيم، فقد عرف أن بقاءه في مرضه وهو صابر ثم يموت عليه فإنه يرفع درجاته [( قال: لا، بل ادع الله لي )] أي: ليشفيني [( قال: فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين )] تعلموا هذه الوسيلة يا عباد الله [( وأن يدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد! إني أتوجه بك في حاجتي هذا فتقضى، اللهم شفعه فيَّ، ففعل الرجل فبرأ )].
فتأملوا: [فشفاء هذا الضرير بعودة بصره إليه بسؤال الله تعالى له وبما علمه من صلاة ودعاء آية من آيات النبوة المحمدية، ومعجزة من معجزاته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم].
معاشر المستمعين! هذه فائدة عظيمة، فإن أي مكروب بهم يسلك هذا الطريق ينجو بإذن الله، ويشفيه الله إن كان مريضاً، ويفرج كربه إن كان مكروباً.
لكن ماذا يفعل؟
يتوضأ ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليه بإيماني وبحبي لنبيك محمد نبي الرحمة أن تشفيني. وهنا تورط أهل الجهل والابتداع فقالوا العجائب، والطريقة الصحيحة أنك تتوضأ وتصلي ركعتين وتقول: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بإيماني بنبيك نبي الرحمة محمد وحبه أن تكشف ما بي، فيزول الكرب بإذن الله.
وقد فعلنا هذا الأمر مرة، وذلك عندما كنت بالديار المغربية في الدعوة وخفت أن يفوتني عمرة في رمضان وقالوا: لا مقعد أبداً ولا ركوب فالطائرة مملوءة، فتوضأت وصليت، ودعوت الله بهذا الدعاء كما علمه رسول الله لهذا الصحابي، فما إن خرجت من المنزل ورؤيت في الشارع حتى نادوني: تعال فالمقعد موجود، واعتمرنا ليلة رمضان.
مرة ثانية: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بإيماني وحبي لنبيك نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تقضي حاجتي، أما هذا الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابي فهذا أيام حياته فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، وتوجه به إليه لأنه قال: ادع لي والرسول معه، أما الآن فلما نقول: أتوجه إليك بنبيك، فتكون قد كذبت على الله وعلى الرسول، فأين الرسول الذي يتوجه إليه؟ أما إذا قلت: توجهت إليك بحبي إن كنت صادقاً في الحب .. بإيماني إن كنت صادقاً في إيماني، فنعم توجهت إلى الله بالإيمان بالرسول وبحبه له فيستجيب لي.
ثم قوله: (يا محمد! إني أتوجه بك في حاجتي فتقضى) نعم لأنه هو قال: أنت صل وادع وأنا أدعو لك، فاللهم شفعه فيَّ، فقبل الله شفاعة رسوله في هذا الضرير.
ومرة ثالثة أؤكد: يا معشر الأبناء والإخوان! هذه وسيلة إن أخذتموها كما سمعتم فهي وسيلة مشروعة ونافعة بإذن الله، أما بالزيادة والنقصان والتبديل والتغيير كما هو عند الناس فهذا نبرأ إلى الله منه وليس بصحيح بل هو كذب.
إذاً تتوضأ وتصلي ركعتين وتقول: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بإيماني بنبيك محمد نبي الرحمة، وبحبي له- وإن اكتفيت بالإيمان وبالحب كذلك- أن تقضي حاجتي كذا وكذا، فالرجاء في الله تعالى أن تقضى لك، وكرر إذا ما قضيت في المرة الأولى وأعد توضأ وصل ركعتين، وهكذا لازم الله وبابه حتى يفتح لك، أما أن تضيف: وأتوسل إليك بنبيك وأتوجه إليك بنبيك، فهذا ليس بصحيح؛ لأنك ما توجهت إليه به، فما هو موجود بين يديك، أما هذا الضرير فقد جاء إلى الرسول وهو حي يعلم الناس الكتاب والحكمة ويزكيهم، فقال: ادع الله لي يا رسول الله.
والآن أي مؤمن يقول: يا أخي! ادع الله لي، هل في هذا نقص وعيب؟ لا أبداً، فمن رجونا أن الله يستجيب له قلنا له: ادع لنا. وكذلك هنا هذا الصحابي أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! ادع الله لي أن يكشف ما بي، فالرسول علمه الوسيلة تعليماً حقيقياً: توضأ وصل ركعتين وقل كذا وكذا، فأيما مؤمن أو مؤمنة يريد قضاء حاجة استعصت ولم تقض فعليه أن يتوضأ ويصلي ركعتين يخشع فيهما ثم قال: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بإيماني بنبيك محمد نبي الرحمة وبحبي له أن تفرج ما بي أو تقضي حاجتي.
هذا والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما ندرس ونسمع.
وصل اللهم على نبينا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.